مذكرات العقد الاخير : صفقة

20 4 0
                                    

في ذلك الوقت ، كنت عبقري المعهد في مادة اللغة الانجليزية ، انه الاختبار الوحيد الذي يتوقع فيه الجميع انني سأنال عليه العلامة الكاملة غصبا عن انف استاذة اللغة الانجليزية التي لا تعرف شخصي و لكنها تجد نفسها مجبرة على الاشارة نحو اسمي كتلميذ يحتذى به في تلك المادة..لا أظن حتى انها تعرف ملامح الفتى الذي يصدمها بجميع الاجابات الصحيحة..هي فقط كانت تنادي على اسمي " وسام" فيجيبها الجميع " متغيب" ..تناقل زملائي الامر لي ان استاذة اللغة الانجليزية تحدثهم عني و كيف املك براعة كتابية لا نظير لها  على تغيبي المتواصل عن حصصها معتقدة انني انحدر من اصول بريطانية ..انه الشعور الوحيد بالتفوق لازمني عندما كنت معروفا لدى الجميع بالشخص العبقري في الانجليزية ...
و ما زاد من شهرتي في ذلك المجال ان اللغة الانجليزية في حد ذاتها تعتبر من اصعب المواد لدى التلاميذ في ذلك الوقت ، كانت تشكل لهم مجرد شيفرات لا يعلمون عنها شيئا ،خصوصا و ان تلك اللغة غير متدوالة في المكان الذي اتيت منه بإعتبار سيطرة اللغة الفرنسية العتيقة على ثقافة شعبنا .. حتى من الطلاب المتفوقين بالكاد كانو يحصلون على المعدل في اختبار الانجليزية ..
و ما اذا سألني احدهم عن سبب تفوقي في اللغة الانجليزية عن الجميع انذاك ، فبكل بساطة كنت اشاهد السينيما و المسلسلات الامريكية في ذات اللحظة التي يحاول فيها هم مراجعة دروس اللغة ..انها لسخرية ان تراجع دروسك عن طريق الترفيه عن نفسك .
و لأن اللغة الانجليزية كانت معضلة ضحلة لاولئك التلاميذ على ابواب اجتياز الاختبار الوطني ..تلقيت بالفعل عروض غريبة من نوع منحي لبعض الزملاء دروس خصوصية مقابل المال في الانجليزية ، و طبعا كنت قد رفضت ، فأنا بالكاد اجبر نفسي على الدراسة قبيل ايام عدة من الامتحانات..
ذات يوم بينما كنت في المعهد ، قررت ان اتلقى تصحيح اختبار اللغة الانجليزية ،و كنت قد اوصيت صديقي احمد ان يحتفظ بورقة اختباري حتى اصل اليه ..كعادتي في كل اختبار اجتازه اوصي صديقي اوحيد انذاك بأن يستلم اصحاحه من قبل الاستاذ و يمنحني اياه ..في ذلك اليوم كان ورقة الاختبار بالفعل لدى احمد ، و لكنه لم يكن لوحده بل كان محاطا بمجموعة من الزملاء و كأنهم ينتظرونني رفقته ...ألقيت التحية و طلبت من احمد منحي الاختبار ، و طبعا كانت العلامة الكاملة متوقعة جدا كالعادة ، لهذا هم يحيطون بنا و ينتظرون على احر من الجمر ان يفاتحونني مرة اخرى في امر الدروس الخصوصية في الانجليزية ، و بقيت على موقفي بالطبع متعللا بأنني متفوق صحيح في هذه المادة و لكنني لا املك الوسائل الكافية لإيصال المعلومة حول تفاصيلها ، كنت فقط متفوقا دون تفسير ..بمعنى انني اعلم كيف اصيغ الجمل بدون اخطاء و لكن لا املك فطنة الاساتذة في تفسير الاخطاء من الجمل الصحيحة ..
ثم غادرتهم رفقة احمد تمشينا سويا في ساحة المعهد حتى بادرني بالحديث حول نفس الموضوع و لكن هذه المرة لم استطع الرفض ، طلب مني صديقي خدمة ، ان اشرح له بعض اساسيات هذه المادة خصوصا في ما يتعلق بالنحو و الصرف ، فما كان مني الا ان اخدمه ..لأنه صديقي .كان صديقي ..
كان صديقي قبل ان يضعني في مأزق ، او لنقل بأنه لم يتعمد ذلك اعتبارا لكونه غير واع بحقيقة ما يجري في ذلك الوقت ..اتفقنا على ان نلتقي في المكتبة العمومية حتى اشرح له بعض المراجع على عجالة ..و بالفعل كان قد التحق بي هو و هاتان الاثنتان ..مرة اخرى لا تنفكان الا على الظهور ..وقاحة ، اقل ما يقال عن صفاء و هيام في ذلك الوقت ..وقحتان بشكل لا يصدق ..
و لأنهما كذلك ، قررت ان اكون انا بدوري وقحا معهما عندما اخبرت احمد على مسمع منهما :" اتفقنا على ان تأتي لوحدك ، مالذي اتى بهما ؟"
لم يجب احمد ، رمى الكرة في ملعب تلك الفتاة " هيام" التي بدأت بالتحدث : " اعلم انك تكرهنا ، لسنا هنا للحديث عن مواقفنا الشخصية من بعضنا البعض ..دعنا نعقد صفقة "
- صفقة ؟ صفقة ماذا ؟
= نحن متوفقتان في علوم الميكانيك التقنية ، و انت متفوق في الانجليزية ، دعنا نخدم بعضنا البعض و يستفيد جميعنا من الاخر .
- انا لست مهتما بتعليمكم الانجليزية ، كما انني لا اهتم بما تتفوقان فيه .
قلتها لهما و هممت بالمغادرة حتى استوقفتني صفاء قائلة :" من فضلك يا وسام" ..و كانت تبدو على ملامحها بوادر صدق و حزن شديد و كأنها تترجى الغفران مني ..
لهذا قررت ان اعقد صفقة معهما ..تتعلمان الانجليزية ، فالمقابلة اتعلم انا حقيقة ما حدث بينهما في غيابي

مذكرات العقد الاخير .حيث تعيش القصص. اكتشف الآن