اعتقد بأن صفاء قد فهمت الامر ، في تلك اللحظة التي رفضنا انا و هيام دعوتها لتناول مشروب في الكافيتريا ، اعتقد ان حينها ادركت صفاء اننا نعرف اشياء هي كانت تخفيها .
سرنا انا و هيام و تركنا صفاء في حالة هدوء ورائنا ، كنت ألمحها بطرف عيناي و هي جامدة مكانها و كأنها قد خسرت بالفعل ،لربما كانت دعوتها لنا في المقام الاول مجرد وسيلة منها للتعرف عن اسباب ذلك الجو السام الذي يحيط بثلاثتنا ، فإن وافقنا مثلا فإن لا يوجد مسبب رئيسي و سيكون ضغط الدراسة هو ما جعلنا نتصرف جميعا هكذا ، هي ارادت ان تعرف ذلك الامر من عدمه و هاهي تكتشف ذلك عندما لحظت انها لم تذهب للكافيتريا اصلا، ظلت تتبادل الحديث مع احمد ثم ودعته و همت في متابعتنا من بعيد و كأنها تسترق النظر الى ما نفعله انا و هيام اثناء مشينا ..
كنا نمشي في هدوء و لكنني قررت انعاش الجو بالتحدث قليلا حول الدراسة و بعض من الاشياء الاخرى و لكن هيام كانت هادئة تماما و كأنها تشعر بعدم الراحة ، ادركت ذلك من هيئتها ، و لهذا قررت استدراك الامر فقلت لها :" صفاء تلحق بنا ،هل ننتظرها ؟"
اجابتني هيام بإختصار : " لا " .
- حسنا اذا ، يبدو انني سأمر من هذا الطريق (اردت ان اشعرها بالراحة)
و لكن هيام كانت غاضبة جدا ، كنت ارى ذلك من خلال اصابعها التي ترعتش و صوتها الحاد عندما اجابتني : " فقط واصل المشي "
بقينا صامتين لفترة من الوقت اثناء السير حتى بادرتني بالحديث : " اذا انت كنت تحبني ؟"
= صحيح..لقد.اعجبت بك عندما قابلتك في اولى ايام الدراسة .
- مالذي اعجبك في ؟
= لا علم لي ، فقط احببتك.
- صحيح ..و لكن لماذا لم تخبرني بذلك .
= اخبرتك بالفعل ، ظننت انك تعرفين ذلك ، لم اعتقد ان تخفي صفاء عليك الامر .
- فهمت .
= بالمناسبة ، انا لا ارى ايمن كثيرا هاته الايام .
- انت تعرف ايمن بالفعل؟ هل كنت تراقبني طيلة هذه الشهور ؟
= لا ليس القصد ، رأيتكما مرة او اثنان سويا .
- اشتقت له ، لقد انتقل الى معهد خاص منذ فترة .
= فهمت ..
- ماذا عنك هل تملك اقرباء يرتادون معك نفس المعهد ؟
= لا ..مهلا هل قلتي اقرباء ؟
- نعم لماذا ؟
= هل ايمن ذاك قريبك ؟
- طبعا ، انه ابن خالي ..و لكن لماذا تسأل ، هل تعرفه؟
---
مرة اخرى نعود للكذب و دوامة التساؤلات ..لكنني حافظت على ثباتي الانفعالي و ادعيت جهلي بما اخبرتني به صفاء في وقت سابق من ذلك العام عندما قالت لي ان ذلك الفتي ايمن هو حبيبها ، و لكن فكرت في انهما يستطيعان ان يكونا قريبان و حبيبان في نفس الوقت ، و لهذا لم ارد الوشاية بصفاء فأجبتها : " لا ، لا اعرفه ..انا فقط ظننت انكما حبيبان"
= ايمن حبيبي ؟ (لاول مرة اراها تضحك بهستيرية) ، ايمن هو اخي الذي لم تنجبه امي ..نحن ثلاث بنات شقيقات دون اخ ، و ايمن كان وحيد امه ، نحن بمثابة العائلة الواحدة ..هو قريبي و اخي على حد سواء .
----
و ها انا ذا اعود لذلك الوقت الذي كذبت فيه صفاء علي ، الان اكتشف مليا ان تلك الفتاة قد دمرت بالفعل جميع فرصي في التعرف عن حبي الاول مني اليه ..لقد كنت غارقا في وهم ظلامي لا ارى من خلاله هيام بالشاكلة الصحيحة ، احببتها و كرهتها و احرجتها احيانا و تجاهلتني احيانا اخرى و عدنا اصدقاء و ها نحن ذا نتمشى سويا دون ان نعرف عن بعضنا البعض اي تفصيلة صحيحة ..بسبب تلك الفتاة الكاذبة صفاء اشعر الان بالاحراج من كل ما اقترفته في حق هيام و بسوء ظني تجاهها و بخسارتي لها قبل ان نبدأ حتى ..لقد كنت في ذلك الوقت يائسا من اجل محادثة طويلة بيني و بين هيام اين نسترجع جميع ذكريات الماضي و نفسر مواقفنا و مسببات تنافرنا و فسحة صغيرة من اجل الاعتذار و لربما البدأ من جديد سويا ..يتطلب الامر فقط بضع كلمات منمقة ، عندما اعتذر لها بلباقة و اصارحها بحبي و من ثم اطلب مواعدتها ..فإن رفضت هذه المرة فلن اشعر بالامتعاض او الكراهية او الحزن ، لأنني ادرك ان الوقت قد تأخر و انني اضعت فرصتي بالفعل بسبب اهمالي بهؤلاء البشر المنافقين و بسبب ثقتي بهم التي خيبوها .
و لكنني ابيت ذلك ، رفضت ان اصارحها بحبي ، لربما خشيت من الرفض او خفت من ان اخسر هيام كصديقة لي ..و لهذا تراجعت من اجل كبريائي و من اجل حبي لها ،و قررت ان نظل كما كنا عليه .
لم اشئ ان اعرف تفاصيل اخرى عن هيام و علاقتي بها و عن ما قالته صفاء كذبا و نحن لا ندركه ، خيرت ان لا اسألها مجددا عن نفسها او عن مشاعري لها ،بدلا عن ذلك اردت العودة بالاجواء الى محيط الدراسة فقط ..اردت ان ندرس سويا و يغادر كل منا في حال سبيله ، من اجلها و من اجلي و من اجل الحب الذي تملكني دائما و اسرني بها ..من اجل كل هذا قررت ان نبقى مجرد غرباء .
أنت تقرأ
مذكرات العقد الاخير .
Romanceانه انا من يحدثكم بمذكراته حول السنة الاصعب التي قضيتها في حياتي ، السنة الدراسية التي عهدت فيها الحب لأول مرة .