كتبو رسائل و لم تصلني ..هرائهم المزعج حول مدى مقتهم لي ، كنت اقرأه بعناية و اضحك عليه بشدة ..مجرد صبية ثرثارون يترجون انتباهي حتى ارد عليهم ..جمل طويلة و كلمات مبعثرة و مفادها واحد " نحن نكرهك" ..و كأنني اهتم ؟
ذلك اليوم الذي راسلتني فيه هيام تحدثني حول مدى حقارتي كإنسان عندما خلفت وعدي لهما ، رددت عليه بقهقهة ساخرة ..كانت ايام جميلة عندما تدعس شخصا ما سولته نفسه ان يعاملك بوقاحة ...تلك الفتاة الباردة اصبحت الان تطلق العنان لمشاعرها عندما تعبر ، رأيت في رسائلها كراهية شديدة و بؤس على حد سواء ، فتاة يائسة من اجل ان اعتذر لها ، عدا انها تترفع عن الاعتذار لي اولا ..ظل يأسها يصاحبها حتى بعد ما افترقت طرقنا و انتهى ذلك العام ...اما صفاء ، كانت حكايتنا حكاية ..
تلك الفتاة التي كرهتها بشدة و تمنيت زوالها في سري احيانا ..لم تتجرأ حتى لنعتي بأوصاف مسيئة ، ذلك ما كان يحسب لها ..لربما كان ذلك سببا لعدم تعرضي لها مجددا بعد تلك الحادثة ، شعرت انني حققت انتقامي و لن اتمادى في مضايقتها بعد ذلك اللقاء ..
انا و صفاء قد جمعتنا علاقات متباينة مع الزمن، كنا اصدقاء و اضحينا غرباء وصولا نحو التصاريح بمشاعر الكراهية حتى نسيتنا ما كنا عليه..
قبيل الاسبوع الحاسم في مسيرة كلينا ، عم الصمت على الاجواء ، كانت مجموعة الفيسبوك الخاصة بفصلنا تعج بصخب التمنيات و التحفيزات لبعضهم البعض ، لم ارى صفاء هنالك تكتب او تعلق ، و لم ارى نفسي اقوم بالمثل ..كنا نراقب في صمت و مرت الايام كسنوات السجن بين اسوار المعهد و خارجها و بدأت التحضيرات بالفعل ..انتهت الدروس و تهيئ الجميع للاسبوع الثاني من شهر يونيو ..الاسبوع الذي اما نكرم فيه و اما نهان .
اتذكر انني لم ادرس قبيل ذلك الاسبوع بأيام ،و لأصارحكم انا لم ادرس قط ..صحيح انني دفعت بضع اموال لقاء بعض التفسيرات و التوضيحات حول الاختبارات من قبل الاساتذة الخصوصيين ..صحيح انني غادرت اسواء المعهد منذ شهر يناير ، خمسة اشهر من التغيب ، صحيح ايضا انني كنت متيقنا بأنني سأسقط في بعض الاختبارات ، لكنني في خضم كل هذا كنت متأكدا من شيئ واحد فقط ..انني سأجتاز الامتحان الوطني و بكل " سهولة" ..لقد كانت ثقتي في ذكائي واحدة من ابرز العوامل التي ساعدتني في الابتعاد عن الضغط النفسي انذاك بينما ارى هؤلاء وجوههم مصفرة و شاحبة من الارق و الافراط في المراجعة ..
اتذكر في ذلك اليوم ،مساء يوم الامتحان الاول ، كنت جالسا على المقهى مع ابناء الحي نلعب الورق حتى وقت متأخر...
في تلك الليلة اجبروني على مغادرة المقهى حتى انام باكرا من اجل الامتحان ..كانو هم ، ابناء حي ، قلقون من تواجدي هناك ، اخبروني انهم لن يتحملو مسوؤلية فشلي في الاختبار و لهذا طردوني ، في قرارة انفسهم كانو يريدون مني النجاح ، ففي الاحياء الشعبية ينتظرك الجميع لتحقق انجازا ما حتى يسعدو معك ، في الاحياء الشعبية تغيب الابتسامة و لا تسترجع الا بتحقيق انجاز خاص او بتعاطي الممنوعات ، يا لها من مهزلة ..حتى عندما انتشو لم يصدقو انني قادر على النجاح بسهولة و بدون دراسة حتى ..
و كان اليوم ، هو اختبار الفلسفة ، مادة لطالما كرهتها بشدة لأنها تحدثنا عن مقولات لبضع مفكرين اجانب عن ثقافاتنا و عقائدنا و كأن تلك المقولات و الافكار صحيحة قطعيا، و كأن سقراط و ارسطو عاشا في افريقيا حتى يتحدثان عن فلسفة الوجودية و القيمة الاخلاقية للشعوب ..لطالما آمنت انني اذا اردت تلقي الحكم من الفلاسفة ، فيجب علي تلقيها من حكيم عاش عصري و عاش في نفس بيئتي و اتى من اين اتيت انا ، عدا ذلك فإن افكار هؤلاء الذين يتكلمون بمصطلحات صعبة لا تعنيني ..
وصلت للمعهد من اجل الاختبار الاول ، الفلسفة ، مادة لم اراجع لها شيئا يذكر معتمدا على ارتجالي في تحليل المسألة و اثرائها ..المشكلة كانت بأن المصححين سيؤمنون بأقوال ديكارت و افلاطون و لن يؤمنو بأفكاري انا ..بمعنى انه توجب علي ان اعمل بما يحدثه الاخرون من اجل التعبير ، و لكنني لم اكلف نفسي ان ابحث في افكار الاخرين و حررت على ورقة الاختبار افكاري الخاصة المستلهمة من محيطي الخاص ، اتذكر انني اخترت موضوع السعادة عن غيره من المواضيع الاخرى ..و لهذا لم انجح في ابهار المصحح انذاك ، هو يرى السعادة كما يراها اولئك الذين عاشو في سيبيريا و اليونان ، اما انا اراها في مستنقع شمال افريقيا ، بالاحرى لا اراها و لكنني فقط تخيلتها و كتبت ما اتخيله ..و لهذا عندما مرت نصف ساعة عن الاختبار ، كنت قد انتهيت من التخيلات و التساؤلات و هممت بالخروج ..حينها علمت بأن البداية لم تكن جيدة كما توقعت .
أنت تقرأ
مذكرات العقد الاخير .
Romantikانه انا من يحدثكم بمذكراته حول السنة الاصعب التي قضيتها في حياتي ، السنة الدراسية التي عهدت فيها الحب لأول مرة .