مذكرات العقد الاخير : بكاء

31 3 0
                                    

تلك الصورة الوحيدة التي جمعتني بها ، لا زالت موجودة لحد هذه اللحظة ، لربما نسيت حولها بعد مرور عشر سنوات او من الممكن انها تعمدت ابقائها في البوم الصور حتى هذا الوقت ..و في كلتا الحالتين انا لم اعد اهتم ، عدا ان في ذلك الوقت كان ينتابني شعور بالغضب و الاحتقان من نشرها لصورتنا دون استشارتي او اخباري حتى ، ثم لماذا ذلك القلب ؟ هل نحن حبيبان مثلا ؟ شخص ما يعرفنا او لا يعرفنا عندما يرى تلك الصورة بماذا سيفكر ؟ حتما ان علاقة حب ما تجمعنا ! على كرهي لها ..هي لم تحترم حتى مشاعر حبيبها عندما يرى ذلك الهراء ، هي اصلا لم تنشر صورة تجمعها به !
اتذكر انني بقيت لساعات اراقب التعليقات على الصورة ، حمدا لله ان جميع التعليقات كانت روتينية من اشخاص يتمنون النجاح لكلينا دون سؤالهم عني او ماذا يجمعني بها ..
ترددت في مراسلتها حول امر الصورة و سبب نشرها لها ، و كنت اعتزم ان اطلب منها حذفها من على حسابها ..و لكن لم يحدث ذلك عندما قررت تجاهل الصورة و تجاهلها هي للابد ..لم تعد لي مشاعر حتى اعتني بأمر تلك الصورة و خباياها ، اذا ارادت هي فعل ذلك من اجل اغاظة حبيبها او من اجل اصلاح الامور معي ، فأنا لا اهتم في جميع الاحوال .
تلى ذلك اليوم عدة ايام اخرى حتى وصلنا ليوم "باكالوريا الرياضة" ، و هو يوم معين يلتقي فيه جميع طلاب السنة النهائية في الملعب البلدي لمدينتا من اجل اجتياز الاختبار الوطني لمادة التربية البدنية ..و كان اختبار الرياضة عبارة عن مسابقة وثب طويل و مسابقة جمباز فني و مسابقة اخرى يتم اختيارها من قبل كل طالب ما بين رمي الجلة او سباق السرعة .
في ذلك الوقت كنت رياضيا ببنية جسدية محترمة ، كانا مثل هذه الاختبارات اسهل ما يمكن اجتيازه في الامتحان الوطني ..و بالفعل بفضل الله كنت قد حققت العلامة الكاملة في جميع الرياضات الثلاث ..
كان جميع طلاب صفنا يدعمون بعضهم البعض ، في كل مرة يتقدم فيها احدنا للاختبار تلحقه منا صيحات تشجيع و تصفيقات ، و كانت حدة هذه التشجيعات مختلفة من شخص الى اخر حسب شعبيته و هالته ..كنت اسمع صيحات كبيرة لبعض الطلاب ، و بضع تصفيقات خافتة للبعض الاخر ..
اعتقدت في ذلك الوقت انه لن يشجعني احدهم بحرارة ، و لهذا طلبت من صديقي احمد ان يقوم بتوثيق اجتيازي لاختباره عن طريق هاتفه ، و كان ذىك كافيا بالنسبة لي ..عندما تقدمت لعرض الجمباز ، لم اسمع تصفيقات حارة و هذا امر متوقع , فأنا لم اكن على صدلقة او وفاق مع الجميع في ذلك العام ..كنت استمع لمجرد تصفيقات خافتة منفصلة الى ان سمعتها هي تصيح بكلمة Courage و كررتها ثلاث مرات ، بمعنى "تشجع" بالعربية ..
عندما انتهى الاختبار ذهبت و حققت العلامة الكاملة ، كان قد بدأ التصفيق الحار من الجميع ؤ ذلك لأن لجنة التقييم منحت اول علامة كاملة في ذلك اليوم لي ، كان انجازا مذهلا بالنسبة لي و شعرت بسعادة غامرة و كأن اول الغيث قطرة ، و ان اول اختبار وطني قد اجتزته بالنجاح ..عدت الى مقعد الجمهور حتى يبدأ زميلي الاخر اختباره و كان الجميع يصفق علي و يمدح حركاتي الرشيقة ،لدرجة شعوري بالخجل و التزامي الصمت ..لكنها هي لم تخجل عندما اقتربت مني و قالت :" لقد كان عرضا رائعا , سأحتفظ به "
- شكرا ..مهلا ؟ كيف ستحتفظين به ؟
= لقد قمت بتوثيقه بهاتفي (كانت تبتسم)
- و من منحك الاذن ؟
= فقط اردت فعل ذلك .
تحولت سعادتي الغامرة في تلك اللحظة الى امتعاض شديد من تصرفها ، و لهذا امرتها ان تحذف الفيديو مباشرة و بلهجة عدوانية حتى بدأت هي في البكاء و عدنا مجددا للاحراج الذي لا تنفك ان تسببه لكلينا بتصرفاتها المتهورة ..اردت فقط ان اتملص من الاحراج و لهذا اعتذرت منها قائلا : " لا عليك ، يمكنك الاحتفاظ به"
و سرعان ما عادت ابتسامتها المشرقة ، و اردفت قائلة :" هلا خرجت معنا بعد الاختبار ؟"
طبعا من عادات الطلاب بعد الاختبار الوطني للرياضة ان يخرجو لتناول الطعام و الاحتفال بٱجتياز الاختبار ..و كنت قد رفضت طلبها متحججا بالعديد من الالتزامات ، و مع إلحاحها الشديد كنت قد وافقت ان التحق بهم عندما انتهي من مشاغلي .
و طبعا لاحقا في ذلك اليوم ، لم تكن لي اي التزامات معينة ،كنت الازم المنزل و اتصفح الانترنت و ظلت هي تهاتفني مرات عدة ،فكنت مدركا لأنها تريد السؤال عن سبب عدم إلتحاقي بهم للاحتفال فتجاهلتها و لكنها كانت عازمة على ذلك عندما كررت اتصالاتها ،فقررت اجابتها : " ماذا تريدين ؟"
- لما لم تأتي ؟ الجميع ينتظرك هنا .
= انا في العمل .
- انت كاذب ، اعرف انك في المنزل .
= حسنا انا في المنزل ، و لا اريد المجيئ.
ظلت صفاء صامتة لبضع لحظات و انا استمع لأنفاسها ثم قالت لي :" انه عيد ميلادي اليوم "..
= حسنا ..عيد ميلاد سعيد . هل انتهينا ؟
حينها بدأت تلك الفتاة بالبكاء و صرخت في اذني : " انا اكرهك يا وسام .."
حينها بطريقة لا ارادية اجبت بسرعة فائقة عندمت قلت لها : " و كأنني اهتم بكرهك لي ؟" ..ثم قطعت الاتصال .

مذكرات العقد الاخير .حيث تعيش القصص. اكتشف الآن