مذكرات العقد الاخير : اتى من العدم

25 4 0
                                    

لطالما كانت صداقتي وطيدة مع صفاء ، و لن انسى ابدا ان وجودي في هذا المكان هو نتاج عن مجموعة احداث كبيرة متتالية بدات من اليوم الذي واجهت فيه هي استاذ العلوم التقنية من اجلي ، فلولاها لما كنت انا عليه الان ..لهذا لم اكن لأغضب طيلة العمر بشأن كذبها عني في فترة من الفترات ، رجحت دائما ان تلك الفتاة كانت معجبة بي سرا ، كما اخبرتكم سابقا ان لولا وقوعي في عشق هيام كالمجنون لطلبت من صفاء مواعدتي يوما ما ، لكن هكذا تسير الحياة ، كنت دائما اؤمن بالمثل الذي يخبرك ان تعيش بقية حياتك مع شخص يحبك و ليس مع شخص تحبه .لأن من يحبك لن يفرط فيك على عكس من تحبه .هذا ما اعتقدته على الاثقل حتى اكتشفت ان صفاء قد فرطت في بالفعل .
توالت الايام ، رحل الشتاء ، و لم ترحل مشاعرنا الباردة عن قلوبنا ، لقد افسدنا الامر جميعا نحن الثلاثة ..اصبحنا غرباء ندعي الزمالة و في بعض اللحظات الخاطفة نمثل اننا اصدقاء ..
لا زلت اتذكر عندما سرت مع هيام لوحدنا و صفاء كانت تمشي خلفنا بروح منكسرة و كأنها غريبة تتجول في منفى ..حتى و ان توالت الايام و عدنا فإن صفاء كانت بالفعل قد تغيرت ، قل الحديث ، قل ارتيادها للمكتبة العمومية ، احيانا اراسلها فتجيب بتلبد ، و احيانا تدعي انها لم تقرأ الرسالة و احيانا اخرى كنا في صمت عقابي .
في المقابل لم تتطور علاقتي مع هيام اكثر من كوننا اصدقاء ، تفهمت الامر عندما علمت هي بحقيقة مشاعري و لكنها لم تكن فضولية حول ذلك ، لم تكن مهتمة بل بالاحرى كانت تضع حواجز بيننا  حتى من رسائلها كانت بدون روح ، بدون مزاح ، بدون شغف في الكتابة ، بدون حتى تعبيرات "ايموجي" ..علمت حينها ان لا تكن لي شيئا عدا مشاعر اخوية ، و لهذا قررت ان اكون كما هي تريد ذلك و ان لا المس الخط الفاصل بيننا ..
تمنيت احيانا ان تكون صفاء حب حياتي ، بجميع محاسنها و سيئاتها ، او تمنيت لو كانت هيام تملك طباع صفاء ..تمنيت ان تكذب علي هيام و لو لمرة واحدة لأن الناس يريدون سماع الاوهام التي تسعدهم حتى و ان كانت خواطر خيالية ..لكن ها نحن ذا لم يعد الامر مهما بعد الان ، جميعنا كنا نحمل في جعبتنا الاف التساؤلات و الاعترافات لكننا لم نبح بها ابدا .
و لأنها مذكرات في شكل اعترافات ، لن اخجل من الاعتراف انني اردت التقرب مرة اخرى من صفاء ، شعرت انني احتاجها حتى و لو كانت بجانبي دون ان نتكلم ، احتجت وجودها في حياتي في ذلك الوقت ..و لأن صفاء لم تعد حاضرة في حياتي خارج اسوار المعهد ، قررت حينها انني سأعود هناك مرة اخرى ..
اتذكر ذلك اليوم الماطر في اواخر شهر مارس ، كان زملائي في القاعة بالفعل يدرسون الانجليزية ، و كنت انا في الخارج اشاهد المطر يهطل بشدة في ساحة المعهد ..لطالما عشقت المطر ، ليس لأنه ذو نفع فقط ،و ليس لأنه رحمة الهية فقط ، بل لأن تفاصيله  مفعمة بالحياة الصادقة و الاجواء العنفوانية ، ظننت ان في ذلك الوقت عندما تنتهي حصة اللغة ،سأنتظر صفاء و نتلقى الغفران من بعضنا البعض و سنعود كما كنا عليه مجددا ..
و لكنه هو كان قد اتى من العدم ..

مذكرات العقد الاخير .حيث تعيش القصص. اكتشف الآن