كان ذلك صباح أحد كئيب، تماماً كما الأغنية التي تحمل نفس الاسم، السماء كانت ملبدة، الجو رمادي جداً، والثلوج توقفت عن التساقط فقط قبل عدة ساعات، لذا أي محاولة لأكون تقليدياً وأجلب بعض الأزهار لم تكن ممكنة.
راقبت الشاهد الرخامي الشاحب اللون، حيث حفر أسمها، تاريخ ولادتها ووفاتها.
كانت تلك المرة الثالثة لي هنا، لكن الألم لم يكن أقل بأي شكل.
رفعت رأسي للسماء تاركاً نفساً لم أدرك أنني كنت أحبسه..
نظرت حولي للأرض الممتدة لمسافة كبيرة، مغطاة تماماً بالثلوج بينما تبرز منها الشواهد الكثيرة والمختلفة، عدت أنظر للشاهد أمامي، غير قادر على إحتمال الكتلة أعلى حلقي أكثر، مع ذلك لا أستطيع تفريغ هذا الأختناق بالدموع..لا أستطيع البكاء..
كما لو أن مشاعري أصيبت بالخدر، كما لو أنني عالق داخل حاجز يمنع أي ضرر من الوصل إلي بشكل كامل، أي مشاعر..ذلك الحاجز لم يتلاشى منذ سنتين.
منذ خسرت إثنين وكسبت واحداً..أشعر بعدم أهمية أي شيء..بعدم جدوى اي شيء، جاعلاً إياي أعيش حياة لا أشعرها..لا تعني أي شيء.
ألقيت نظرة أخيرة على الشاهد قبل أن أتراجع متسديراً، حاجزى يمنعني من الغرق أكثر في ألم قلبي.
.....
خارج حدود أرض المقبرة كانت السيارة الجيب السوداء تقف على الجهة الأخرى من الطريق، كان يستند للباب الأمامي، يديه في جيبي معطفه الأسود مفتوح الأزرار..ينظر إلي بهدوء، عيناه لم تشيا بشيء على الأطلاق، هكذا كان في المرتين السابقتين عندما رافقني، لا يترك مشاعره تطفو للسطح أبداً، إن كان قد بغضهما، إن كان قد شعر بالتهديد..فهو لن يدعني أعرف قط.
بينما أعبر الطريق الأسفلتي الذي نُظف حديثاً من الثلوج، أشعر ببرودته تحت النعل السميك للحذاء الشتوي، عندما وصلت للسيارة كان هو قد إستدار بالفعل وصعد جهة السائق، عندما تبعته مغلقاً الباب، شاعراً بالقشعريرة اللطيفة التي سببها دفئ مكيف السيارة كل ما أردته هو القفز في حجره وعناقه، والبقاء كذلك حتى أنام.
لكن ذلك ليس ممكناً..لأجل كل شيء فعله خلال السنة قبل الماضية..لأجل كل اللوم والغضب وأحياناً البغض الذي وجهه إلي خلال تلك السنة، مدمراً الجزء الحساس المتبقي مني، قبل أن أتحول لما أنا عليه الأن، عديم مشاعر بالمعنى الحرفي للكلمة.
أخرجت سماعة الهاتف مثبتاً إيها في أذنيّ، مشغلاً كتاباً صوتياً يونانياً، جاعلاً باقي الرحلة تنقضي بصمت..ليس وأنها لم تكن لتكون لو أنني لم أفعل، لكن فقط لتقليل حدة الصمت.
*******
-ألبرتا هنا!
ألكسيس وجد أخيراً خطابات جامعة ألبرتا بعد أن قضينا الخمس دقائق الماضية في البحث عنها بين كومة طلبات الألتحاق التي كتبناها خلال الساعتين الماضيتين، ألكسيس أصر على أن نقدم نحن الثلاثة في كل الجامعات اللتي نرغب بدخولها، على أمل أن نقبل ثلاثتنا في نفس الجامعة.