الخدر الذي شعر به إدجار حجب برودة الرياح و صوت الأمواج..بدا كل شيء صامتاً ، ساكناً، و غير حقيقي.
إحتاج عدة دقائق قبل أن يرفع عينيه للنسخة الكربونية من إبنه الذي رحل قبل وقت طويل..كان يبتسم، التسلية في عينيه إنطفأت بموجة من المرارة المفاجأة، ترتخي ملامحه في تعبير جامد بينما يحدق إليه، ينتظر رد فعله، نظرة ما، كلمة ما.. أي شيء.
لكن الغصة أعلى حلقه كانت تمنعه من ذلك، الألم الذي ينبض داخل صدره كان يكتم أنفاسه، و العينان الخضراوتان فوقه لم ترحم ألمه.
راقبه يوليان بينما يشيح بعينيه عنه، يحدق لفنجان قهوته البارد أمامه، يمكنه أن يسمع النبض المضطرب القادم منه، بالقليل من الخيال يمكنه أن يخمن أن والده يعاني نوبة ألم غير متوقعة..
لم يعلم كيف عليه أن يشعر تجاه ذلك، حقيقة أن إدجار يتألم لأجله، لأنه على وشك الرحيل، لأنه يخسره، الآن..في هذه اللحظة بالضبط..
لم يرد أن يفكر في الأمر، فقط يكرر في عقله أن ذلك كان لحقيقة أنه يتذكر..يتذكر الإبن الوحيد الذي خسره قبل زمن طويل دون أن يعلم حتى.. الآن يبدو هذا الوضع مثالياً للذكريات بشكل سيء.
- هل هناك أي طريقة..
لكن التصدع في نهاية صوته منعه من المتابعة، يضغط يداً مرتجفة فوق فمه، و يوليان لم يكن في حاجة لأكثر من ذلك ليعلم ما يعنيه..كان والده يسأل إن كان هناك أي طريقة لإنقاذه.
رفع رأسه للأعلى، يحدق للظلام اللانهائي أعلاه..
طريقة لإنقاذه..في الواقع، كان هذا بالضبط ما على وشك أن يحدث، كان أخيراً، و بعد ألم لا نهائي على وشك أن يتم إنقاذه..من المؤسف أن لا أحد قادر على إدراك ذلك.
-لا..ليس هناك أي طريقة.
راقب رد الفعل الفريد أمامه، النبض الذي توقف للحظة قبل أن يسرع في وتيرة محمومة، ثم الإرتجافة على طول ذراعيه بينما يضغط جبهته في راحتيه..التنفس الخافت أصبح مرتجفاً، و هو راقب المشهد بإبتسامة خافته، لا تصل لعينيه مع ذلك..
يفكر أنه كان قادراً في النهاية على إخراج هذا القدر من العاطفة منه..على الأقل موته يفعل.
ضحكته الخافتة أجفلت إدجار، مع ذلك لم يرفع عينيه له، كان ذلك فقط سيسبب المزيد من الألم.
لكنه شعر به يتحرك، يرفع قدمه عن حافة الطاولة و يقفز للأسفل، يقترب خطوتين قبل أن ينحني فوقه، و إدجار كان عليه أن يرفع عينيه له، عينان دخانيتان منطفأتان، يراقب الوجه القريب، نفس الوجه من ثلاثين سنة ماضية، يشعر بالألم المألوف الذي رافقه لثلاث عقود يطفو للسطح، هذه المرة أقوى، أشد فتكاً، و غير قابل للتخفيف.