الفصل التاسع و العشرون

158 8 0
                                    

_بأقلّ من أسبوع كان الجميع جاهزًا والحاجيات جاهزة لا ينقصها سوى الترتيب بالمنزل الجديد الذى وجده عبدالرحمن على أتمّ ما يكون إلا من بعض التنظيفات التى يسهل القيام بها على أىّ شخص . أنهوا الأمر وكان لهم ما أرادوا . أعدّوا العدّة للسفر جميعًا للفرح بالاسماعيلية .
قبل سفر العروس جمّعت حبيباتها للاحتفال بالبيت, حيث يصعب عليهن السفر لمكان آخر, إلا من آيات التى سترافقها وتأتى مع والدتها فى اليوم التالى . استمتعت إيثار ذلك اليوم كما لو كان العيد وقت الصلاة, شاركت صديقاتها الرقص والغناء وشاركنها الفرحة. لم تشعر بشيئ يؤرقها أو غصة تقف بحلقها لأىّ سبب, فبعض وقت قليل ستصل لمرادها وما تتمنى .
كان الشيء الوحيد الذى يأتى بألم هو أمّها !! كيف ستتركها وحيدة؟؟ , أحسّت بالألم والندم وكم هى أنانية لتتركها بعد كل ما كان منها تجاهها, وكان الأمر يزداد سوءًا برؤية عين أمّها تتلألأ بدموع ثم تأتى عليها أمها وتمسحها بيدها لتخفيها عن الحاضرات وعنها.
بعد انتهاء احتفال هذا اليوم , جلست إيثار إلى أمّها تبوح إليها بما شغل بالها طوال اليوم, وبما اعتلج به صدرها كلما رأتها وفكرت بحالها بعد أن تذهب مع زوجها. بكت إليها أمّها وشاطرتها إيثار تلك اللحظة من البكاء . طمأنتها بأن الأمور ستسير على خير ما يرام وستكون سعيدة إذا كانت هى سعيدة وأنها لن تترك مجالًا للوحدة لتسكن إليها أو معها بل ستجد حلًا يرضيها ويجعل إيثار تبعد عن الشعور بالذنب. ثم عادت لتكرر القول بأنها لن تقتصر معها على هاتف تسمع من خلاله صوتها بل ما بين الوقت والآخر ستكون عندها, واستمرت لتطلب منها الوعد بالزيارة كلما سمح لها الأمر ثم العودة النهائية حينما تتحسن الأوضاع ويتمكن عبدالرحمن من الاستقرار بالقاهرة.
______________________
_سافرت الاسرتين ومعهم آيات للاسماعيلية قبل الفرح بيوم لترتيب الشقة الجديدة ولرؤية ما ستسير عليه الحياة بعد ذلك. وصلوا وانتهوا مما جاءوا إليه مبكرًا وسط وصلات من السعادة والفرح وبطبيعة الحال البكاء فرحًا. امضوا تلك الليلة جميعًا فى شقة آخرى هى أيضًا لقريب عبدالرحمن الذى اضطر للمكوث معهم ذلك اليوم لعدم وجود مكان آخر يذهب إليه .
امضت إيثار تلك الليلة بحضن أمّها لم تتركها إلا لتردّ على نكات آيات وسخريتها; إذ كانت تسخر من تلك الضمّة التى كانت تجدها من أمّها أول يوم بالمدرسة, ثم تعاود وتهمس لإيثار بأن تلك الضمة لن تكون كأخرى تنتظرها بالغد, فتجزّ إيثار على شفتيها طلبًا للصمت لئلا يسمعهم أحد , أمّها أو حماتها التى دخلت لتوها تطمئن إن كانوا بحاجة إلى شيء تقوم به. شكروا لها تعبها لأجلهن فابتسمت ممتنة لهذا الشكر وعادت إلى الغرفة الأخرى حيث تبيت مع عبدالرحمن.
_استبد بإيثار القلق حينما جاءت آيات بهذا القول, أخذته بالبداية على محمل الهزار والسخرية ثم فكرت به لتأخذه على محمل الجد, ماذا سيحدث غدًا ؟؟.
كانت عيناها مفتوحتين لأخرهما عندما رأتها أمّها فطلبت منها عدم التفكير بشيء والنوم حتى تكون جاهزة للغد. هزّت إيثار رأسها وحركت شفتيها بكلمة لم تسمعها هى نفسها وإن كانت تدلّ فى مجملها على كلمة بلى سأفعل , ثم دسّت رأسها بصدر أمها وحاولت قدر ما أمكنها أن تمنع خروج أنفاسها لئلا تعلم أمّها بأنها مازالت تفكر وتقلق عليهافى الغرفة الآخرى, حيث سكن عبدالرحمن وأمّه تلك الليلة, لم يختلف الحال من أمٍّ تودع ابنتها لحياة جديدة لأمّ تودع ابنها . ضمّت وحيدها التى تمنت له الفرحة والسعادة والعيش مع من أحبّ واختار وتلك قد نالها. وتمنت له الاستقرار وهاهو جزء منه سيتحقق بالزواج, وتمنت له الأمان وهذا ما تخشاه عليه. فلا أمان فى ظلّ تلك الاوضاع. تخشى أن يقرع طبل الخيانة فوق رؤوسهم فلا تجد ابنها إلا مقيد بأصفاد الظلم فى بلد الظلم, وتدعو الله أن يتمّ لها فرحتها بابنها ويعيش بهناء وخير وأفضل مما عاشت هى .
كلما جاءت على التفكير بشيء ينغص الفرحة ضمّته أكثر , وكلما فكرت بأن غدًا زفافه ضمّته أكثر وأكثر . تبتسم كلما رأت عبدالرحمن فى طفولته, وتتمتم بسرها : بالأمس كان واليوم كائن وغدًا يكون. وتعود بذاكرتها لتعيش معه الطفولة, ثم تنظر إليه لتحسّ بشبابه, وتدعو الله أن يبلّغها يومًا تراه ربّ أسرة ولديه أطفال .
أحسّ عبدالرحمن بأمّه ورأى من مكمن عينيه فى رأسه بريق يخرج من عينيه التى تلمع بالفرحة فعرف بأنها مازالت مستيقظة, ولمسّ ذراعها الذى يحوطه ويقربه إليها فقبّله وطلب منها أن تنام وترتاح بعدما سألها عن سبب الاستيقاظ حتى الآن فأخبرته بأنها الفرحة تشغلها وتمنع النوم منها . ابتسم لها بعدما هزّت رأسها وحركت ذراعها على وضعية النوم ثم اعتدل هو الآخر ونام وكأن شيئًا لم يكن ولن يكون فى الغد .
_____________
_استيقظ الجميع يوم الزفاف وكلٌّ لديه ما يقوم به, الكلّ مشغول حتى عبدالرحمن الذى انشغل بهاتفه يصف لرفاقه القادمين خصيصًا إليه المكان المطلوب.
أما إيثار فقد انشغلت معها آيات بتجهيز الفستان والطرحة وغير تلك الأشياء ومساعدتها بالارتداء للفرح الذى سيكون نهارًا حتى يتسنى للبقية السفر مبكرًا . وأمّ إيثار كانت مقسمة بين مساعدة أمّ عبدالرحمن فى اعداد بعض الأطعمة ومتابعة ابنتها التى تتجهز لعرسها وجرى الحال على هذا حتى دقّت الساعة التى اتفقوا عليها وكان الجميع على أتمّ حاله .
انتظر عبدالرحمن بالخارج لتخرج إليه عروسٌ هى البدر ليلة التمام, وفق ما قال من حضر, ابتسم إليها فابتسمت ونظرت للأرض تدارى خجلها ثم نظرت إلى أمّها لتنقذها من ذلك الموقف, فلم تكن تعرف ماذا تفعل, فوجدتها تبكى فبكت معها. ضحكت آيات من موقف الأمّ وابنتها ثم أمسكت عن دموعها حينما رأت أمّ عبدالرحمن هى الآخرى تبكى, وحاولت أن تدير دفة الموقف ببعض كلماتها الساخرة. عافاها عبدالرحمن من الكلام حينما لم يجد استجابة من النساء على سخريتها, فمدّ يده وطلب من إيثار أن تأتى معه ليذهبوا ولأن رفاقه جاءوا إليه ولا يجب أن ينتظروا أكثر .
ذهبوا جميعًا لمكان قد هزه عبدالرحمن يحتفلوا بالزفاف ويلتقطوا بعض الصور تخليدًا لتلك الذكرى, التى لا أعرف كيف ستكون ذكرى وهى الباقية آخر العمر. امضوا معًا بعض الوقت اللطيف وحان وقت الذهاب. ولا داعٍ من ذكر الحال عند الذهاب حيث لم يختلف كثيرًا عن قبل الذهاب إلا من تلك الأحضان التى كانت تُوزع مع كارت الدعوة, وامساك إيثار بأمّها ورغبتها ببقاءها معها. وينص الشرع والعرف الزواجى بحبيبتنا مصر أن يوصل الأهل العروسين إلى عشهم السعيد إلا أن الأمر اختلف تلك المرة حيث أوصل العروسان الأهل إلى المكان الذى سيذهبوا منه إلى القاهرة وذهبوا بعدها لنزهة تجمعهم وحدهم بغير متطفلين عليهم ثم عادوا إلى مسكنهم .

انكسار الروححيث تعيش القصص. اكتشف الآن