الفصل الستين

197 10 0
                                    

_حدّث عبدالرحمن إيثار بأهمية عودة الأمور لنصابها الطبيعي, ونسب البراء لأبيها الحقيقى.. لم توافق بل كانت مُصرّة على رأيها بأنه لا حقّ له فيها..
فكّر ماذا يقول لها وهو العالم بأن ما سيقوله وفكّر فيه سيزعجها ويعود بها لعنادها واتهاماتها التى لا يحبّها منها.. حدّثها بأن سيف هو أبوها وهذا أمر لا مفر منه, وأن البراء هى أمانة عندهم وعليها بأن تُردّ إلى أهلها.. انزعجت من كلامه ومن تغيّر رأيه تجاه هذا الأمر, لم يحاول أن يستفزّها بكلام أكثر فصمت وحين ألحّت عليه بالرد أخبرها بأن ضميره دائمًا ما يؤنبه لأنه يبعد ابنة عن أبيها!!
اعترضت على كلامه بأنه لولاه لحدث لها وللصغيرة ما لا يُحمد عقباه وأنه لا داعٍ لتأنيب الضمير, فهى ابنتك بالفعل وليست له.. جاوبها بأنها كانت ابنته حين كان سيف مجهول وهو كان مستمتعًا بهذا الدور ويتمنى لو يدوم ولكن سيف ظهر ووجوده حقيقى ولا بدّ من ممارسته لهذا الدور, هو لا يريد البنت على الدوام , هو يريد بأن يشعر بأبّوته لها لا أكثر!! ألا تشعرين بتأنيب الضمير حين ترينه يتألم لأجل رؤية ابنته ولو لدقيقة؟؟ أفيقِ يا إيثار البراء ابنة سيف وعليها أن تعود له ويعرف الجميع بالأمر..
الآن العائلتان علمتا بالأمر فلما لا يكون رسميًا حتى نرتاح جميعًا من هذا الذنب; فبعدما عُرف نسب الصغيرة يجب أن تعود لنسبها, أخشى أن يكون بقاؤها على اسمى خلط بالانساب, ألا تدركين حرمة هذا الذنب؟؟
_اتهمته بالأثرة والأنانية والرياء, فهو لم يكن يحبّ الصغيرة وكان ينافق فى حبّها لأجل نفسه وإيثار, والآن يريد بكلّ سهولة أن يتركها لسيف خوفًا على نفسه!! انزعج من الاتهام ولكنه تمالك أعصابه وهو يحدّثها بأنه لو رُزق بطفلٍ لن يحبّه أكثر مما يحبّ البراء فهى بكريته وحبّة قلبه, وأن هذا الاتهام يظلمه ويجور على ما كنَّ لها وما يكنّ فى قلبه..
أحسّت بالخطأ فحاولت أن تتدارك الكلام بأن أخفضت نبرة صوتها وهى تسأله: أو ستترك له الصغيرة بكلّ سهولة؟؟ أنسيت ماذا فعل معى ومعك ومع الجميع, لقد أخطأ فى حقّ الجميع حتى زوجته؟؟ هذا سيف, أنسيت من يكون سيف؟؟ تركنا للصغيرة يعنى الاستسلام ونحن من نهلل بعبارات الثبات..
_أخفض رأسه وهدّأ من غضبه الذى أشعله كلامها السابق وهو يقول: أحيانًا الاستسلام أفضل من الاستمرار فى المعارك الخاسرة, فما الداعى أن نكمل ونحن نعلم أن اكمالنا لا يعنى موتنا وحدنا بل موت أبرياء كُثر من حولنا.. وهنا الأمر مختلف فسيف حقًّا صاحب حقّ وله علينا أن يأخذ حقّه وإلا ماذا تركنا له؟؟ فكّرِ بالأمر, أفيقِ لأجل ابنتكِ وضميرك, ولأجل أن تستقيم حياتك وتعيشينها بهدوء, أليس هذا بسببٍ كافٍ؟؟ ألم تملِّ الضجر والخوف من يومٍ كهذا؟؟ واجهِ اليوم لترتاحِ غدًا.
_هربت من أمامه ولكنها لم تهرب من داخلها, ظلّ حديثه يطنّ فى عقلها خاصةً أنه جاءها من جهة الدين والأمانة, والراحة.. فكّرت أن لو حدث هذا هل سترتاح؟؟ ووجدت أن بعض الراحة فى هذا القرار وبعضه فى تقبّله إياه..
____
_ذهب سيف لنور ليراها ويطلب منها إما أن تأتِ معه وتصفح عنه, أو تظلّ هنا وينفصلا.. حين رأته أمامها لم تستقبله كما ودّ لو فعلت, لم تفرد الأذرع لتحتضنه وتقبّله وإن ودّت هذا, ألحّت عليها كرامتها بأن تقف ولا تعطيه ما جاء من أجله وإن فاض الشوق بداخلها إليه.. حدّثها بما جاء من أجله فلم تعطه جواب, صمتت فعرف أنها لو وافقت لجرت إليه تعلنها بكلّ الحبّ ولكنها فضّلت الصمت..
_فى تلك الاثناء كان خبر الدعوى قد وصل لوالدها فجاء وسيف هناك.. كانت فرصة مناسبة ليعنّف سيف ويهدده إن كان الأمر صحيحًا؟؟ لم يجبه سيف ولم ينكر الأمر بل أثبته بعد طول تأنيب وتعنيف.. هدده حماه بأنه لن يصمت على الفضيحة التى جلبها لهم وعلى خيانته لابنته.. كانت أمّ نور قد انفردت بها لتوضح لها الأمر فاكتشفت أنها تعلم كلّ شيء.. خرجت مع أمّها حيث سيف يقف كالتلميذ الفاشل أمام والدها وحين رأها نظر إليها أن إذا أردتِ تكلّمت فأوحت نظراتها بأن لا .. طلب منه أبوها أن يطلّقها فهى لن تكمل مع خائن.. هزّته الكلمة على الرغم من أنه كان عازمًا على ذلك إن طلبت منه ولكنه كان يعول على حبّهم وأنها لن تفعلها والآن حين جاءت الحادثة أمامه وبدا الأمر وكأنه مؤكد لم يستطع تحمله, كان يتألم ويتحمّل لحظات صمتها بصعوبة!!
طلب منها أبوها أن تأتِ معهم فهى لم يعد لها عيش تحت سقف واحد مع هذا الخائن, ومن اليوم لن تكون فى عصمته.. صمتت أيضًا ولم تتحدّث!! بدّت أنها تقاوم بصمتها: لن أذهب.. لم تقلها ولكن حركاتها دلّت عليها فدفعت أبوها إلى الجنون والتأنيب: ستندمين وستأتينى وحينها لن تجدنى, اذهبا معًا إلى الجحيم, ثمّ أخذ أمّها وذهب..
_انشرح سيف من رد فعلها وأقبل عليها مبتسمًا لأنها قد صفحت ولكنها أعرضت عنه وتركته.. عرف أنها لم تسامحه وأيضًا لا تريد الانفصال عنه وتركه. هاج وجدانه وكان عزاؤه أنها لا تزال تحبّه ولكنها تكابر.. ودّعها من خلف باب حجرتها وتركها ودموعه قد عرفت طريق وجنتيه, وهى بالداخل تبكى وتتمنى لو تناديه وتطلب منه البقاء ولكن كرامتها تمنعها.._ازدادت التساؤلات حول هوية والد الصغيرة فى بيت عبدالرحمن, ولماذا لم يأتِ حتى الآن لرؤية ابنته بالرغم من مجيء أسرته؟؟ زادت تلك التساؤلات لتشمل لمحات من التشكيك فى إيثار قابلها عبدالرحمن بلباقته وحزمه, ورفض أىّ كلام أخر فى هذا الموضوع.. كان هذا خيطًا لإيثار تمسكه لتزداد قناعة بأن سيف يجب أن يأتِ ليرَ الصغيرة فى البيت وليرَ أهلها أيضًا!!
على مضض فاتحت عبدالرحمن فى الحديث الذى هربت منه وأخبرته بموافقتها فتهلل وحدّث سي فى حينها بأن إيثار جاهزة لتشهد.. أخبره سيف بأن الأمور جاهزة على شهادتها فقط, حتى أنه جهّز ما سيبهرهم لينتهِ الأمر بدون صعوبة ومشاكل فالأوراق معهم والنيابة بيدهم ولكلّ يريد خدمة الباشا!!
فى اليوم التالى ذهبوا وأنهوا كلّ شيء حتى أذهل الأمر عبدالرحمن وكان جلّ ذهوله حين رأى شهادة زواج مزورة وأخرى للطلاق بين سيف وإيثار!! حين أوشك أن يعترض على الأمر أشار له سيف بأنه سيخبره بكلّ شيء فيما بعد وبهذا انتهت الدعوى بالنسب وسُجلت بأنه خطأ غير مقصود!!
انتهت الأمور ودعا عبدالرحمن سيف لرؤية البراء فى بيتهم فتهلل وإن خاف من رؤيتها لأوّل مرّة وهى ابنته رسميًا وكذلك خاف من مواجهة عائلة عبدالرحمن وإيثار, ولكنه تمالك نفسه وقبل الدعوة لرؤية الصغيرة قبل السفر.. حين ذهب لبيت عبدالرحمن وجد بعضًا من جفاء من قِبلِ الأسرة هناك ولكنه تغاضَ عنه لأجل ابنته..
_تظاهر بأن أموره كثيرة وعليه إنهائها قبل سفره فاستئذن وغادر ليتخلّص من المعاملة التى وجدها من قبل الأمّتين , وفى الطريق استئذن عبدالرحمن أن يهاتف البراء حين يسافر.. اندهش عبدالرحمن من الطلب فهو لم يعهد الأدب من سيف فى تلك الأمور, فوافق وأجبره هذا الأدب على القول بأنه يستطيع حتى أن يأتِ ليراها فى أىّ وقت..

انكسار الروححيث تعيش القصص. اكتشف الآن