الفصل الثامن

244 10 0
                                    

_بلغت إيثار ذروة بكاءها عندما سمعت تلك الكلمة "آتى بها " فإلى أين سيأخذها وكيف سيهدّئها ؟؟, ظنّت من كلام الفتاة معها أن أمورها ستكتفى إما بتربية جديدة كالشباب أو بمحضر وقضية ولم يدرك عقلها البرئ أبعد من هذا, وكيف لها أن تعرف وتفكر فى أمور عدّة غير أمها المسكينة التى تحترق بالمنزل لغيابها, فمن المؤكد أن آيات قد أخبرتها بمصابها وهى وحيدة لا تدرى من أمرها شيئًا ولا ماذا تفعل لترجع ابنتها إلى حضنها, وأيضًا ماذا حلّ به ؟؟ , ليتها تدرى لتستوعب ما وقعت فيه وتعرف إلى أين أوصلها ذاك الحب الذى ملأها تجاهه ..
_ما احتملته هو الامساك بيد الرفيقة المجاورة لها تحاول الاحتماء بها ولو أراد سجّانها لأخذ معها الرفيقة فالخارج مليئ بهم ويردوا أكثر وأكثر .. كانت يد البطش أقوى سحبتها بكل جبروت وجرّتها أرضًا حتى خرجت من باب الزنزانة وهى زاحفة وباكية وراجية : بالله اتركونى , أريد أمى ..
وصلت حتى مكتب الباشا .. كان مرتخيًا على مقعد من فرط الاجهاد والتعب فأول يوم عمل حقيقى بعيدًا عن المكاتب ومكيفات الهواء يتعب أىّ شخص .. نظر بازدراء إلى الفتاة الباكية وطلب من أحدهم أن يحضر له شيئ يبعد عنه الصداع الذى لزمه ثم عاد لارتخاءه وتركها تبكى ولم يعرها انتباهًا وكأنها غير موجودة لمدة دقيقة أو اثنتين حتى جاءه الدواء ..
أخذ دواءه وفرك رأسه واعاد فتح عينيه المغمضتين قسرًا ثم التفت إليه : كفِّ عن البكاء , رأسى يكفيه ما به , فلم تكفّ , نهرها بشدة ومع كل نهرة تزداد دمعة حتى سئم منها ..
اجلسِ , هنا على الكرسى المجاور , لم تبكين ؟؟ , أجابته بصوت متقطع وأنفاس متهدجة وعيون دامعة ونظرات خوفٍ وأياد مرتعشة وقلب به ما يكفيه من روع وفزع : أريد أن أذهب , أمى تنتظرنى , أعرف أنها الآن تحترق لابتعادى عنها .... أرجوك , لن أفعلها مجددًا , آخر مرة ..
* مع كل حزمه وصرامته وقوة قلبه التى يصعب اختراقها لان قليلًا ليس لأجل أمها أو لأجل بكائها وإنما لاعجابه بالتنهيدات التى تطلقها والتى من فرطها يهتز معها كل جسده , جميلة تلك التنهيدات وجميلة تلك الفتاة , وصلت للمرحلة الجامعية ومازالت تطلب أمها .. كل شيئ بها أعجبه وزاد اعجابه مع الرجاء , ترجوه أن تخرج , الأمر بيده , بلى أمر انسان بيده , وما أكثر اغتراره بنفسه الآن !! , حسنًا فلنتسل قليلًا وبعدها نرى ماذا سيكون ؟؟ ..
_لمَّ زحفت إيثار على أرض الزنزانة امتلأ رداؤها بالتراب واستحال إلى لونٍ آخر غير ذلك اللون الجميل الذى كان عليه فى أول اليوم فطلب منها ان تنفضّ الغبار عن لبسها .. نظرت بدهشة ملحوظة فلم ترَ هذا الغبار قبل أن ينبهها إليه .. أمسكت بطرفه وبدأت فى نفض الغبار ومن تحته ظهرت رجلها , رجل بيضاء لامعة لو حقًا ما يحكونه عن قدم الغزال فتلك قدم إيثار ثم علت لتفض ما فوق وحاولت الاستدارة لتنفض من الخلف فلم تفلح وهو يتابعها , عيناه لم تلتفتا بعيدًا عن البريئة وهى ملتهية ببكاءها ونفض الغبار ولا ترى شيئًا , لا ترى عينيه حتى قام إليها .. أمسك ذراعها قائلًا : سأساعدكِ فى نفض الغبار , فقط استديرِ ..
كانت مسكة يده قوية تحاول إيثار انتزاعها فلا تقوى ولا تحتملها .. يد تمسك باليد والآخرى بطرف الثوب وإيثار تبكى وترجوه : أرجوك , كفى , لا أريد أن أنفضه , سأنفض لاحقًا , اترك يدى .. وهو يتلذذ بالبكاء والرجاء ونفض الغبار وأشياء آخرى ..
_تفاعل مع مزاجه ما أخذ من دواء للصداع ويا لها من فرصة مع فريسة كإيثار , ازداد الأمر وإيثار تبكى وترجو ولكن هذه المرة : يا الله يا الله , حتى انتهى بهما الأمر وهو يحملها إلى مكان آخر .._فى البيت اجتمع الكثير من النساء حول أم إيثار يواسونها ومن بينهم آيات وأم عبدالرحمن .. كانت تبكى وتبكى كبكاء إيثار فكأن الأمر موروث من أم إيثار لها ولا أحد قادر على ايقافها والحمل عنها , وبين الفينة والآخرى كانت تنظر إلى آيات وتعاتبها ثم تسألها وكأنها لا تعرف بالأمر : أين إيثار ؟؟ , ألم تكن معكِ ؟؟ , ألم تخبرونّى أنكم ستعودا مبكرًا اليوم ؟؟, هاهو اليوم وقد انتصف ليله ولم تعد إيثار .. ثم تلتفت لأم عبدالرحمن وتعاتبها : أنتِ وعدتنى بأن تجعلِ ابنكِ يرعاها ويدير باله عليها , أين وعدكِ ؟؟ , وأين ابنكِ الآن لمَ لم يذهب معها ؟؟ , ثم تسكت لتدرك قولها أو لا تدركه وتردف : وأين ابنتى ؟؟ ..
أدمع الحاضرون لحالها ولا أحد قادر على ايقافها , لو كانت إيثار موجودة لأوقفتها بكلمة واحدة منها , هى وحدها تعرف كيف تضحكها والآن عرفت كيف تبكيها ..
________________
_مرَّ اليوم وجاء آخر وفى الجامعة لا صوت يعلو فوق صوت الصمت والأحاديث الجانبية والهمس الثنائى فقد تجرأت قوات الأمن وأخذت بنات وقد بتَّن ليلتهن فى الزنزانة .. القلوب موجوعة والعقول مشوشة والبعض يجلس بعيدًا يعضّ أصابع الندم فقد كان هو السبب ..
_تقابلت الفتيات لتطمئن على بعضهن البعض وتدعين لمن أخذن وبينهن البريئة إيثار , والشباب يفكر فى الأمر فلا يجد حلًا سوى الانتظار لمعرفة ما ستؤل غليه الأحداث وبالتأكيد لم ينسوا التأكيد على بعضهم بالحذر ليوم أو اثنين حتى يهدأ الوضع ..
_ من بعيد لاح عبدالرحمن وكان على عجلة , ناداه أحد الشباب : إلى أين ولمَ العجلة ؟؟ ,
جاوبه على عجلة : إلى القسم لمعرفة مصير إيثار والبقية , ستكون أمى هناك مع والدة إيثار وليس لديهن ما يعينهن ولذا وجود رجل أمر مهم , ساتأخر , أراك قريبًا , السلام عليكم ..
________
أمام القسم تجمعوا لمعرفة الحال الذى لم ولا أظنّه سيتغير كثيرًا تلك الليلة عليهم ولكنه سيتغير على آخرين ..

انكسار الروححيث تعيش القصص. اكتشف الآن