_مع بدايات الزواج أحسّت نور بالرهبة من سيف. كانت تعزى جموده وجديته, أثناء الخطوبة, إلى عمله وخجله من التبسّط معها فى الكلام والمعاملة, ولكن بعد الزواج, لم يكن هناك داعٍ لتفكر بالموضوع من تلك الجهة فسيف بطبيعته جامد وليس من اليسير أن يظهر مشاعره وكل تعاملاته بجدية.
أمّه قد أخبرتها عنه قبل الزواج وبعد أول يوم زواج. جاد ووجهه لا يتغير, هو دائمًا عابس ومع الأيام تتعود. ابتسمت أمام الأمّ مظهرةً الرضا بهذا العبوس ومع لكزة أمّها وغمزات عينها بأنها تستطيع أن تغيّره ببعض الأنوثة والدلال اطمئنت أو طمأنت حالها.
_تكلّمت معه بدلال علّه يلين ومع كلّ كلمة وابتسامة كان ينفر.. فى البداية يتجاوب ثم سرعان ما ينقلب حاله ويبتعد حتى ملّت هى الأخرى. لم تجد سوى البكاء صدرًا تبثّ إليه حزنها ودموعها. تبكى وتبكى ولا تجد سببًا لهذا النفور.
سمعها يومًا تبكى فاقترب, المرة الأولى التى يقترب منها وهى تبكى, ربت على كتفها ومسح دموعها وطلب إليها الكفّ عن البكاء.. لم تستطع الكفّ فما بداخلها يجرح كبرياء أىّ أنثى, وهى أنثى مجروحة لا تملك بيدها شيئًا سوى البكاء فاستخدمته.
لوهلة قرر نسيان ما يبعده عنها وحاول أن يكون زوجًا وحبيبًا.. أخبرها بأنها تكون جميلة جدًا وقتما تبكى.. كأنثى تتتبع كلمات زوجها ردّت عليه وقد نست كلّ شيء: وهل أنا بشعة باقى الأوقات ولا أكون جميلة إلّا عند البكاء, ألهذا السبب دائمًا ما تتسبب ببكاءى؟؟ إذا كان هذا السبب فأخبرنى حتى أظلّ باكية طوال الوقت وأنا لأجلكَ أفعلها؟! ..
ضحك بالبداية ثم سرعان ما انقلب وجهه لحاله, فالجميلة تعود إلى أصلها كأنثى وزوجة وتمسك بالوقائع من وسط السطور, وهى أيضًا التى ذكّرته كم هو سيء وقاسى القلب يتلذذ ببكاء الآخرين..
كاد أن يتكلم فعدل عن الكلام بنظرة للجهة الأخرى وهمّ بالمضى ولكنها انتبهت إلى قسوة كلامها فأمسكت بيده تسأله عن مكان ذهابه؟؟ لم يكلف نفسه عناء الالتفات إليها وهو يقول بأنه سيدخل الغرفة. لحقته قبل أن يدخل: أنا آسفة ..
التفت إليها بعدما توقف ولم يكمل : على ماذا أنتِ آسفة ؟؟
أحسّت بأنه بدأ يلين قليلًا: على كلامى, كان مجرد عتاب, ولم أقصد إزعاجك ..
كانت تتكلم كتلميذ يخاف عقاب مدرّسته لأنه لم ينجز واجباته, منظرها كان يبعث بالضحك_ وإن كان سيف لا يضحك إلا لحاجة قوية فإننا لو حضرناها لضحكنا_ ردّ عليها بكلماته المقتضبة القصيرة: لا بأس.
تقبّلت الكلمة وهى تتعهد بآلا تعيدها مرة أخرى والتفتت لتجلس حيثما كانت إلا أن كلمته استوقفتها: أنا آسف .
بدت كالمذهولة مما سمعت ولولا أنها تعرف طبيعته التى بدأت تعتادها لطلبت إليه أن يعيدها: ماذا تقول؟؟ .... عن ماذا ؟؟ .. الردود تثير الضحك ولكن سيف لم يضحك بعد, كان يحتاج إلى حسم الموقف الذى يتعبه تجاه الجميلة نور.
أنا آسف أنى أبكيتكِ, وسأحاول ألّا أبكيكِ مرة أخرى قدر ما أستطيع ..
بكت فى البداية ثم عادت إليها غريزة الأنثى التى لا تحسن الأوقات: قد قلتها مسبقًا وها أنتَ تفعلها, لا توعدنى , أعلم أنكَ ستعيدها!!
نظر إليها بشراسة وأسرع يعطها ظهره ويدخل حيث قال.. حينما التفتت ولم تجده انتبهت كم هى غبية؟ وكيف أنها أضاعت على نفسها فرصة الوصول إليه, فهو قد بدأ يلين وأحسّت من صوته بهذا فجلست تبكى ..دخل سيف إلى حجرته ليس غاضبًا من نور بقدر ما هو غاضبًا من نفسه. غاضبًا لأنه وصل بتلك المسكينة إلى هذا الحال. يفكر بكلماته أنه يتلذذ بتعذيبها, زاد هو تأنيب نفسه بأنه يتلذذ بتعذيب نور والآخريات, يقصد إيثار. أعاد الأيام القليلة التى تُعدّ التى قضاها مع نور ليكتشف كم هو قاسٍ؟؟ ولكنه مجبر على تلك القسوة!! فكلّ شيء يذكّره بالأخرى ويبعده عنها لذا بقدر ما يستطيع يحاول تجنب نور ..
خلع عن وجهه الشراسة التى أظهرها لنور بالخارج وأحلّ بدلًا عنها الضعف والندم حتى بدأت عيناه تذرف بعض العبرات التى سارع بإعدامها بيده إذ لا يجوز أن يبكِ !! ..
_ دائمًا ما كان حادث إيثار يتعبه ولكن الآن زاد عليه نور وعذابها, والذى يتعبه أكثر هو ذاك الصبر الذى تظهره نور وأنها لا تشكُ لأمّها أو لأىّ شخص. لا تشكُ أنها زوجة للسرير فقط وإن كان هذا لا يكون إلا لتأدية واجب من جانب الزوج ..___________________
_فى منزل السعادة, بدأت الطفلة تكبر وبدأت ملامحها تتضح وذهبت كل تخمينات التشبيه التى أطلقتها العائلة سدى إذ كانت الفتاة لا تشبه أيّهم. لم يعرفوا من تشبه فقد خذلتهم جميعًا واتخذت ملامح غريبة ولكنها جميلة.
الحقّ أن إيثار وعبدالرحمن فقط من عرفا من تشبه الصغيرة. وإن كانت إيثار لم ترَ من الشبيه سوى العينين إلا أنها بدأت تركز فى ملامحه من خلال صغيرتها.
_جلس إليها عبدالرحمن يومًا وهى ترضع الصغيرة وكان يداعبها كعادته معها وهى تستجيب له كعادتها معه وسألها: أتشبهه؟؟
فُزعت وازداد قلبها فى الانقباض من مجرد الاشارة إليه, لم تتحدث لكنها هزت برأسها بعدم المعرفة إذ هى ذاتها لم تتبين ملامحه وهو معها فكيف ستعرف؟؟
أعطته الصغيرة يكمل اللعب معها وقامت تبكى إذ أن عبدالرحمن فتح جرحها الذى يزداد غورًا مع كلّ حركة, ضحكة وابتسامة من صغيرتها .. وعندما لاحظ أنه قد أخطأ عاتب حاله وقام إليها يطلب العفو ويعدها بأنه لن يفعلها مرة أخرى ..