_ظلّ حال إيثار وعبدالرحمن كما هو, إيثار قلقة من أمّها ومن حالها, وايضًا من ردّ الفعل عقب الولادة ولكنها تعود لتطمئن بوجود حبيبها إلى جوارها لا يدعّ أىّ شيء يسعدها إلا وفعله ويعاونها.
آما عبدالرحمن فحاله لم يختلف إلّا من تجارته التى تتسع يومًا بعد يوم, وهو المندوب الرسمى للردّ على تساؤلات أمّه وأمّ إيثار بشأن الطبيب والولادة, والواضح أيضًا أنه اختلف هو حبّ لإيثار حيث يزيد يومًا بعد يوم وأفعاله تدلّ على ذلك.
_استمر الحال على ما هو عليه من مماطلة عبدالرحمن للوالدتين حتى حان موعد الولادة وفوجئت الوالدتان باتصال ينبأهم بالأمر مما أثار ثورتيهما ولكن عبدالرحمن قادر على أن يمتص الغضب وإعادة الأمور لمسارها الطبيعى.______________________________________
_توافق يوم ولادة إيثار مع زفاف سيف ونور. كان يومًا رائعًا بحقّ كما تصفه العروس; ففستانها كما تمنت وقد أشرفت بنفسها عليه, وزينتها تحدّث عنها الجميع بمدح, والحفل بكلّ تفاصيله كان مُتقنًا, والعريس يحسدها عليه الحاضرات.
كانت ترقص وتضحك لم تنتبه لشيء سوى المصطفات حولها للتهنئة والمديح والثناء على حسنّها وجمالها الخلّاب. ولكن أكان سيف يشعر بذات المشاعر من الفرحة والسعادة؟؟ لم يبدُ الأمر هكذا كما قال شقيقه عندما لاحظ تجهمه وجِدّه. ذهب إليه يهمس له بأذنه بأن الحزن بادي عليه وسيلاحظ الحاضرون الأمر إن لم يضحك ولو حتى بابتسامة تُبعد عنه العيون.
كما اعتاد منه المزاح ضحك سيف لكلام شقيقه بأنه ربما قَلِق من تلك الليلة وإن كان فى الأمر شيء فليخبرهم حتى يتصرفوا . لكزه سيف وضحك معه وهمس بأذنه بكلام أضحكه ثم تركه وذهب.
وقف سيف قليلًا يفكر بما قاله أخوه, فمن أىّ شيء عبس وجه؟؟ ولما؟؟ . لم يعرف لما كانت الاجابة هى صراخ ملأ أذنه أن اتركنى, أريد أمّى. وضع يديه على أذنه كى يمنعها من السماع لتلك الصرخات ولكنها أبت . رأى من بعيد نور تضحك وبعينها بريق فرح وسعادة ذكّره ببريق البراءة الذ رآه من فترة. أغمض عينيه كى لا يرى البريق فرأى عينين دامعتين تنظران إليه , تلومانه. كاد يفقد صوابه ولكنه اعتاد تلك الحالة_وإن زادت هذه المرة_ وتعلّم كيف يتخلص منها ببعض المهدئات ولكنه نسى أن يتجهّز لها. ظلّ بعض الوقت بعيدًا عن الانظار, واضعًا يده على أذنه ومغمضًا عينه, والجميع يسأل عنه, عن صاحب الليلة.
_رآه شقيقه من بعيد بعدما بحث عنه, ذهب إليه لينقذه مما هو فيه, فهو دائمًا ما ينشغل بالعمل حتى لا تأتيه تلك الوساوس التى تترهقه وتفقده صوابه. حين رأى شقيقه تنهد بعمقٍ ثم ابتسم وبادره بالكلام كى لا يسأله عن شيء وعن سبب اختفائه. أمسك بكتف أخيه ودخل معه إلى حيث تنتظره العروس.
_طوال الحفل لم يرى كم عروسه جميلة تأخذ بعقل من يراها, وابتسامتها ساحرة تُجبر أىّ شخص على نسيان همومه, وعينيها تجذب انتباه أىّ سبّاح كى يغوص بهما ولا يعود أبدًا. كان منشغل بآخرى جاءته كما الطيف ولكنها أثّرت به مادام حيًّا. كان يرى نور بعين تلك الآخرى وخاصةً عيناها التى لم يلحظ سواهما.
_ظلّ تائهًا بداخله وفكره يظهر التماسك للجميع ومن داخله مشدوه بصرخة وعيون بريئة حتى انتهى الحفل وأخذ عروسه إلى شقتيهما._وفى شقته ظنّ أن حاله سيتبدّل وسيعود بكامل كيانه لتلك العروس الجميلة ولكن كلّ شيء كان يعمل ضده, كلّ شيء يذكّره بإيثار, حتى أن نور نفسها كانت تذكّره بإيثار فكان يتعذب برؤيتها.فى منزل الأحبّة, كان الفرح ساكنًا بالمولودة الجديدة حتى أن هذا الفرح كان دفاعًا من عبدالرحمن لأمّه وحماته عندما اتخذتا صفًا واحدًا ضده بسبب عدم حضور الولادة. تعلل عبدالرحمن بأن الطبيب أخبره قبلها بيوم واحد ولم يكن يريد أن يقلقهما وخاصة أن ظروف إيثار كانت صعبة وغير مطمئنة , ثم طلب منهما أن يستمتعا باللحظة حيث أنهما جدّتان لطفلة جميلة .
_لم يخبرهما عبدالرحمن إلا حين عادا للمنزل ومعهم الجديدة تفاديًا لأىّ خطأ قد يقع حيث أن المعروف أن إيثار ستلد مبكرًا , وفى المشفى يعرفوا أن إيثار تلد بميعادها, وأن صحتها وصحة مولودتها جيدة .
_ تقبّل منهما النقد و التأنيب وهو يضحك ثم طلب منهما أن يكفّا عن الأمر ليجعلاه يفرح بمولودته متظاهرًا بأن كثرة التأنيب أزعجه وأبدل فرحه إلى حزن. أمسكت أمّه بيده وطلبت منه أن يعذرهما ويعود لفرحته.
_فى الغرفة التى جلسوا بها, لم يكن أحدٌ أكثر فرحًا من إيثار التى بدأت الحياة تعود لتبتسم لها مرة آخرى, تخلّصت من عبء الولادة واقتنع البقية بولادتها المبكرة لغرض المرض, وستبدأ مع عبدالرحمن حياة جديدة أخرى كما أخبرها بالمشفى حين حمل الطفلة للمرة الأولى , والأهمّ أنها اطمأنت إلى مستقبل صغيرتها حين رأت الفرحة الحقيقية بعين عبدالرحمن.
_
الآن الأمر مستتب , إيثار وضعت الطفلة وهاهى أمّها وحماتها تعتنيا بها, وعبدالرحمن يعيش فترة من الرخاء التجارى والعائلى أيضًا بوصول تلك الطفلة, بقى للاثنان انتهاء المراسم التى تقوم بها الوالدتام من سبوع وعقيقة واحتفالات أخرى ثم تعودا لمنزليهما ليبدآ عبدالرحمن وإيثار الحياة التى رسماها معًا وتخيلاها.
_____________________
فى منزل سيف الجديد, جاءت أسرته وأسرة عروسه تهنئانه بالزفاف السعيد. كانت العروس سعيدة تشوب سعادتها لمسات حزن آما سيف فلم يبد على وجه شيء فهو كعادته جامد متجهم وإن كان صوته يبعث بكآبة ويبدو أن هذا هو سبب حزن نور كما قالت لها أمّها وكما بررت حماتها: تلك عادته وعليكِ أن تعتادِها.
وقد اتخذ سيف تلك العادة غطاءًا لشروده وعبوس وجهه ووسيلة يخفى بها الوساوس التى تأتيه وعلى نور الاعتياد