_عَرِفَ سيف من شقيقه حين جاءت العائلة لتبارك بالحدث السعيد أنَ البراء ستخرج من المشفى هذا اليوم, وأنه دائم التواصل مع إيثار للإطمئنان على الصغيرة وقد زارها بالأمس أيضًا, وسيحاول جهده أن يزورها فى البيت ولكنه فى انتظار موافقة عبدالرحمن..
لوقتٍ فكّر سيف فى هذا الموقف وتساءل فى جزعٍ عمّن أحقّ بتلك اللحظة؟؟ لحظة خروج البراء للحياة مرّة أخرى, مَنْ مِن حقّه أن يسمح لهذا بالزيارة أو لا يسمح لهذا؟؟ أعاد لنفسه تهوّرها وهو يندد بخروج ابنته بدون علمه: أنا أوْلى بتلك اللحظة يا أخى .. أنا أعلم أن اليومين الماضيين وأحداثهما منعانّى من زيارة ابنتى ومعرفة اخبارها, وأنتَ تعلم السبب: لم أكن لأقوَ على ترك نور وهى بحاجة إلىّ!! كنتُ أمنِّ نفسى بأن تعود المياه بيننا لمجاريها ولكنها تأبى, كنتُ مشتت بين زوجتى وابنتى والاختيار صعب ولكنّى لن أدعَ أىّ صعوبة تقف فى طريقى!! سأجمع أبناءى معًا, سأجعلهما يحتميا تحت ظلّ أسرة واحدة!!
_فَركَ شقيقه لحيته وعينيه وهو يحاول استيعاب ما يقول هذا المتهور الذى لتوه كان قليل الحيلة ولا يجد مخرجًا!! فكيف سيجمع البراء وابنه القادم معًا فى أسرة واحدة؟! لم يستكمل حيرته واستفهامه إذ سبقه سيف بالكلام والسؤال عن الموعد المحدد لخروج الطفلة؟؟
تأمله شقيقه لبرهة يحاول أن يفهم ما ينوِه من سؤاله ولكنه اضطر تحت ضغطه أن يجِبه: ستخرج هذا اليوم, لعلّها ما تزال فى المشفى ينهى لها الطبيب فحوصات أخيرة, هكذا قالت إيثار..
كان الجميع يجلس فى سعادة مبتهجين بالخبر السعيد وملتفين حول نور يهنئونها بما تمنوا لها منذ وقتٍ طويل.. دخل عليهم شقيق سيف وحيدًا فجذب إليه الانظار وابتدأ الجميع يسأل: أين سيف؟؟ ألم تكونا معًا؟؟ أين ذهب؟؟ لم يستطع أن يخبرهم بشيء سوى أنه جاءه هاتف فذهب مسرعًا وسيعود حينما ينتهى.. اقتنعوا بالحديث إلا نور التى نظرت له نظرة استفهامية تسأله عن الحقيقة, وهى التى لا تعلم بعلمه للأمر ولكنها أحسّت وهو كذلك أحسّ بأنها فهمت..
جلست نور وشقيق سيف وحدهما وسألته عن الأمر وأين ذهب سيف؟؟ أخبرها بأنّ البراء ستخرج اليوم من المشفى وعليه الحضور حتى ليراها قبل أن تنقطع الزيارة فهو لا يعلم متى وكيف سيراها مرّةً أخرى.. لم تعلق نور على الامر إلا لتسأله: أكنتَ تعلم الأمر؟؟ تلعثم بعض الشيء ثمّ تمالك ذمام لسانه وهو يخبرها بموعد علمه ويرجوها أن تستمع لدفاع سيف أو على الأقلّ لدفاعه هو, ولكنها أبَت وقامت وتركته وإن لم تخفِ فرحتها بخروج البراء..
___فى المشفى اجتمع عبدالرحمن وإيثار ومعهما أمّهاتهما فى انتظار انتهاء البراء من الفحوصات النهائية التى تُجرى لكلّ مريض للاطمئنان قبل الخروج من المشفى.. كانوا مبتهجين وسعداء لم يقلب لهم الفرحة إلا ظهور سيف وتأفف إيثار وعبدالرحمن وظهور الوجوم على وجهيهما.. تساءلت الأمّتان عن السبب ولم يجدا جوابًا.. قام عبدالرحمن إليه ليطلب منه الرحيل وإلّا تصرف بدون حساب لأىّ اعتبارات ولكن سيف لم ولن يخرج, فشخص مستعد للتضحية بكلّ شيء لأجلّ ابنته لن يرضخ لتهديد..
ظلّ يتابع من بعيد ويتفاعل مع كلّ حركة تصدر من الغرفة التى تنتظر فيها البراء حتى انتهت.. حان وقت الخروج من المشفى وكان سيف يعلم أنه لن تسنح له فرصة رؤية الصغيرة مرّة أخرى بسهولة فاستغل الفرصة ودخل ليراها قبل أن تخرج.. دخل خلفه عبدالرحمن يطلب منه الخروج ويعاتبه على بقائه ودخوله الغرفة.. طلب منه سيف أن يتركه مع ابنته بعض الوقت ثُمَّ يعود ليأخذها للبيت ولكن عبدالرحمن أبَىَ.. بدآَ يتشاجرا فأخرج سيف ما بداخله: ستندم, لن أترككَ أبدًا, خذْ حذرك منى.. أوشك عبدالرحمن أن يردّ عليه إلا أن دخول إيثار منعه.. أدركت إيثار الأمر فطلبت من عبدالرحمن أن يتبعها للخارج ليريا شيئًا, وكانت تلك مبادرة منها ليجلس سيف مع البراء بعض الوقت..
كان لسيف ما أراد, جلس مع البراء التى عرفتها وأحبّت الجلوس معه بعض الوقت ثُمّ جاءت إيثار وأخذتها ليذهبوا.. طلب منها سيف أن تسمح له برؤيتها ولكنها لم تجب سوى بأنّ عليه أن يطلب هذا من أباها وليس منها.. كانت الكلمة كطعنة شقّت قلبه ومع ذلك تحامل على نفسه وكرامته وذهب لعبدالرحمن ولكنه رفض فأعاد سيف تهديده: ستندم, اجعل الأمر برغبتكَ... تهاون عبدالرحمن بالتهديد وولّاه ظهره حتى بدون رد مما زاد غضب سيف..
___
فى بيت عبدالرحمن وبعد انتهاء مراسم الاستقبال والترحيب بالصغيرة اختلَ بإيثار ليخبرها فيما يفكر.. كان يفكر لو ترك البلد بأكملها ويذهب للخارج حيث تسكن أخته وزوجها, فزوجها قادر على توفير عمل مناسب له وستكون الأسرة فى راحة أكثر هناك والأهمّ سيتخلصوا من سيف نهائيًا, حتى فكر بأمّه وأمّها لو أنهما تستطيعا الرحيل معهما!!
لم تعترض إيثار أو توافق, نظرت إليه بدون كلام حتى شعر بأنها معترضة على الأمر فقال ما يقنعها بأن الذهاب أفضل والهجرة بعيدًا عن هذا الوباء المنتشر فى البلد أحسن, ثُمَّ أعاد على مسامعها أهمية الأمر بالنسبة للبراء وبعدها عن سيف فبدأت تستجيب له وتقتنع..
__
كان رد فعل عبدالرحمن على سيف مهين له وهو الذى اعتاد الاحترام والتقدير ممّن حوله.. جلس هذا اليوم فى عمله يفكّر فى الأمر وكيف سيردّ الاهانة لعبدالرحمن بما يليق بسيف "بيه" !! أعاد رأسه للخلف وأسنده على ظّهر المقعد الذى يجلس عليه حين يأتيه أمر "من فوق" وعليه التخطيط له وتنفيذه.. علم أن عبدالرحمن لن يأتِ إلا بحيلة "جهنمية" كالتى يضعها ليوقع بأحدهم فعزم على تنفيذ ما جاء برأسه.. سيأتى به وسيضعه تحت قدمه وسيجعله يتمنى لولم يتجاهله, والأهمّ سيساومه على البراء وسيحقق ما قال" سأجمع أسرتى تحت ظلّ أسرة واحدة" ..
_دقّ جرس أمامه وجاءه أحدهم يضرب له التحية ويسبق كلّ كلماته ب"بيه و باشا".. طلب منه سيف بعجرفة أن يأتِ له بأحد الملفات من مكانٍ ما مكتظ بمثل تلك الملفات التى لا تعرف لمَ قد توضع من الأصل!! ثُمّ ضرب بيده سطح المكتب وهو يظهر أسنانه التى التمعت بابتسامة مكرٍ..
جاء هذا الأحدهم بالملف ووضعه أمامه ثُمّ خرج ليتركه يتفحص ويضع ما يشاء من خطط أو قضايا يوقع فيها عبدالرحمن!! بعد وقتٍ كان قد جهّز ورقة بها بعض الكلمات الظالمة لتكون دليلًا يُدين عبدالرحمن, وذهب بها لتُختم_وإن كان الأمر هذه الأيام بدون ختم_ ثُمّ ليذهب وينفذ ما بها..لم يكن ليذهب بنفسه لبيت عبدالرحمن_البيت الذى مُنع من دخوله_ ولكنه أرسل غيره ممّن هم منوطون بهذا العمل..
___
فى تلك الاثناء كانت إيثار تحدّث عبدالرحمن فى شأن ما فعله معه وأنه سيجرّ عليهم خطر, فسيف متهور ولا يفكر فى تهوره_مثلما قال لها شقيقه_ وعليهم إرضائه حتى يخرجوا من مصر آمنين.. لم يقتنع عبدالرحمن ولكن مع إصرار إيثار وضغطها عليه وافق أن يجعله يراها بشروطه وذلك لحين سفرهم.. قامت إيثار وحدّثت شقيق سيف بما اتفقت عليه مع عبدالرحمن, مما جعله يتهلل ويسارع بإخبار سيف..
فى ذلك الحين كان سيف عائدًا من طريقه حيث كان يوصى من يذهب لعبدالرحمن بأن يأتيه به ولا يتركه!! وحين عرف ما قرر عبدالرحمن لم يدرِ ماذا يفعل لكى ينقذ الرجل الذى صانه وحمل خطيئته..
حاول أن يتحدّث مع من ذهب ليأتى به ولكنه فشل, فأسرع يحدّث شقيقه أن يخبر عبدالرحمن ليهرب, ولم يكن هذا كافيًا!! بل ذهب بنفسه ليخبره!!