_تسمّر بالمكان ولزِم كلمة واحدة : لن أذهب قبل الجلوس معها, لن أذهب قبل أن أرى إيثار وأتكلّم معها . لم يكن حاله الحزين بأكثر حزنًا من والدته المشفقة على ابنها وهو فى حالة الصدمة والذهول, وأمّ إيثار الململمة دموعها بيدها فتارة حزينة لحال ابنتها المتقلب المتغير وتارة لذلك الفتى الغير مصدق رفض محبوبته. لم تظنّه يعشقها لهذا الحدّ. كان بقلبها مثقال من شكٍّ نحو سعادة ابنتها معه وراحتها وحبّه لها والآن مُحى هذا الشكّ, فمن غير الحبيب ليفعل ما يفعل عبدالرحمن الآن؟؟. تعاهدت أن لو وافقت ابنتها لأسرعت بزفافها إليه لتطمئن عليها .
_حينما اشتد سخط عبدالرحمن من كثرة ترديد طلبه ولم يستجب له أحد, هدد بأن يدخل إليها ليعرف ما بها وتعليلًا لرفضها . أمسكت به أمّه كطفل وسط زحمة تخاف عليه من الضياع, شدّت على معصمه برفقٍ وهى ترجوه الذهاب معها . كان حال قد تبدّل من الذهول الذى يصاحبه ضحك بلا سبب إلى وجه غاضب ونبرات صوت أكثر غضبًا, ولم يكن هو ذالك الولد السيء التعامل حتى بلحظات الغضب حتى يشعرهم بالرهبة وينفذوا ما يطلب ولكن تغيّر وجهه بالألوان التى تدل على رغبة شديدة جعل أمّ إيثار تدخل إليها لتقنعها بمقابلة عبدالرحمن حيث كانت على علم بابنتها وتعرف جيدًا أنها سترفض الخروج معها .
_استمر عبدالرحمن واقفًا وأمّه تمسك بمعصمه ليس خوفًا من فعل طائش يقوم به ولكن شفقة عليه ولتشعره بأمان وجودها بجواره . آما عبدالرحمن فلم يكن يشعر بأى شيء حوله حتى يد أمّه. كان يفكر بإيثار وسبب رفضها, يعصر مخه ليطلع منه بكلمة قالها أساءت لها فرفضت بعد الموافقة , كل هذا ولم يجد أىّ سبب , وبدلًا من العتب على إيثار عاتب حاله فهو حتمًا من فعل ما يسيء ويزعج .
جاء الشيطان بوساوسه فانقلب الحال برأسه : كيف ترفض؟؟, أنا ما فعلت هذا إلا رغبةً بالستر عليها , إذًا فلم ترفض, أنسيت ما فعلت وما أفعل لأجلها ؟؟. هزّ رأسه كمن تلاحقه ذبابة يريد الخلاص منها, وأغمض عينيه ثم فتحهما لينظر حوله كأنه بالمكان لأول مرة , والتفت إلى أمّه يخاطبها : ألم تأتِ بعد ؟؟. جاوبته بهزة رأسٍ ليست لنفض الوساوس كمثيلة هزة ابنها ولكن لتخبره بالواقع أن إيثار لم تخرج بعد .
بحنو ورفق الأمّ على رضيعها قالت له : أو نذهب ؟؟. همّ بالمضى أمامها للذهاب لولا أن فُتح باب بالداخل وخرجت عبره اثنتان , كانت إيثار وأمها . قد اقنعتها أمها وأقسمت عليها بكل عزيز وغالٍ أن تخرج لترى ذاك المفطور فى قلبه , فخرجت وعلى وجهيهما أمارات البكاء وما كان بالداخل .
_استأذن منهم وجلسا بعيدين عنهما بعض الشيء . ظلّا فترة جيدة صامتين حتى قال عبدالرحمن : لماذا ؟!, ألم تكنِ موافقة , قد شعرت بفرحتكِ يمس نشوتها وجهى وأنا أحدّثكِ, الآن وقد جئت ترفضِ , لماذا ؟؟ . لم تتكلم , بكت وصوتها بات ملحوظًا .
وكمن يحاول أن يلحق ندى الوردة قبل أن يسقط أمسك منديله وفعل مع دموعها , مسحها برقة كمن يمسح على بشرة رضيع . قال لها وهو مشفق بصوته ونظراته : لا تبكِ , اخبرينّى لماذا الرفض , فإن كان لشيء فىّ أصلحته لعيون إيثار , وإن كان فيكِ أقبله لحبّ إيثار . بكت أكثر وأكثر حتى همّت أمّها بالذهاب إليها إلا أن أمّ عبدالرحمن طلبت منها الانتظار .
_بعد أن تنهدت بعمقٍ كالخارج من أعماق محيط ولتوه التقط نفسه ثم قالت وهى تبكى : إ،ه لشيء فيّ, ولا أظنّك ستقوى على تحمله أو تقبله . زوى ما بين عينيه وهو مندهش ثم قال: وما الشيء الذى قد لا أقبله , اعذرينّى , فأنا أعرف كل شيء وأقبل كل شيء وإن كنت لن آتى مع أمى .
رفعت رأسها إليه لتريه عينيه الملتمعة بالدموع كأضواء وسط ظلام ثم قالت: الحمل , أنسيت الحمل , كيف أتزوجك وأنا حامل ؟! .
أراح ظهره للخلف وهو ممسك برأسه , فكيف لم يفكر بالأمر ؟؟, هو يعرف أنها حامل ولكن الأمر تاه عنه وهو يفكر بأمر الزواج برمته , كيف أتـزوجها وهى حامل ؟؟. أعاده إلى حيث كان قول إيثار : ماذا تقول فى الأمر ؟؟, أماتزال تصرّ على الزواج من حامل لا تعرف والد ابنها .
_وضع يده على شفاهه دليلًا على أمر يصدره إليها بالصمت: اصمتِ ولا تقلِ هذا فحتمًا سنجد حلًا للأمر , الأيام ستأتِ بحلّ يريحنا ويخرجكِ من مصيبتكِ وأنا حلّ تلك الأيام . أنا أحبكِ ولن أعيش بدونك ولن أتزوج غيركِ . أفهمتِ , لن أتزوج غيركِ . وان كان ابنكِ بلا أبّ فأنا أصلح لأكون أبّ, عنى قد قالوا هذا وهم يشاهدون شغفى نحو الأطفال, أنا والد ابنكِ وسيسير الأمر على ما يرام . قد تعهّت بتحمل مسؤوليتكِ منذ عرفت بأمركِ وها أنا اتعهّد بحمل مسؤولية ابنكِبكت ولا تملك غير البكاء. كانت ممتنة لشهامة عبدالرحمن الذى لم يخذلها حتى الآن. وكانت تعرف تلك الشهامة ولكنها كغريق وسط الدوامات أرادت التأكد فسألته بذات البكاء : أحقًّا لن تتركنّى وابنى ؟؟ .
أبدًا لن أترككِ وابنكِ , سنكون معًا أسرة واحدة . لا تبكِ . أقول لا تبكِ فتبكِ , قالها ثم ابتسم لتلك النظرة المشعة التى بثّتها عين إيثار والتى أراحت قلبه . ثم طلب منها إعلان موافقتها للجميع حتى يتمّ الأمر حيث يجب أن يسافر فى أقرب وقت ويبدو أنه لن يسافر وحده .
_لمَّ أعلنا موافقة إيثار لم تكن فرحتهم بأكبر من فرحة أمهاتهم وبخاصةً أمّ إيثار التى حمدت الله أ، وجدت لابنتها زوجًا كعبدالرحمن . جلس عبدالرحمن على رأس جلسة الاتفاق وهو يبادر بقراءة الفاتحة ويحادثهم بالنكات ليقرأوا معه . ثم جلسوا جميعًا لباقى الاتفاقيات التى ما ان يقول عبدالرحمن الشيء فتسارع إيثار بالموافقة لأنه خلاصها ومن بعدها أمّها نزولًا لرغبة ابنتها وفق قولها ورغبتها التى أكنّتها فى نفسها إن كانت بادية على وجهها .
اتفقوا على كلّ شيء , سيتزوجا ويسافرا يبدأ حياة جديدة هناك .