الفصل التاسع عشر

188 10 0
                                    

فى الطريق إلى المنزل الذى ضاع وسط خطوات إيثار التائهة , كانت تقف وتحاول التنفس بصعوبة كشخص ملفوف حول عنقه حبل للإعدام ثمّ تكمل الطريق لخطوة واثنتين ثمّ تقف , لم تجد معينًا لها بعد الله إلا ذاك المرافق الشهم عبدالرحمن .. لمَّ رأى حالتها التى يُرثى لها طلب منها الجلوس بعض الوقت على المقعد القريب هذا , لترتاح وتلتقط بعضًا من أنفاسِها وإذا سمح الوقت فكرا بحلٍ لما هم فيه ..
_ما كان يسيطر على إيثار إلا الخوف من القادم, الخوف من المجهول , من المستقبل, والأهمّ الخوف من مواجهة أمها .. كانت تتخبط بفكرها هنا وهناك علّها تجد ما تقوله عند العودة فحتمًا مهما أخفت الأمر سيظهر وستعلم أمها لذا عليها أن تبادر هى بالإخبار ولتنهى ذلك الخوف ..
فكرت مع عبدالرحمن بصوتٍ عالٍ فكان هذا أفضل الحلول إلا أنّ إيثار وجدت آخر خالته الأفضل , أمها إن عرفت بالأمر لن يكون هينًا عليها , إن لم تمت عند السماع فأبدًا لن تغفر لإيثار ولن تقتنع بأىّ مبرر تسوقه إليها , فأفضل حلّ هو إجهاض الحمل , لا حلّ غير ذلك وبعدها ستمرّ الأيام وستتدارى مصيبة إيثار بين طياتها ووسط مشكلاتها ..
لقى هذا الحلّ استهجانًا من عبدالرحمن, فكيف هذا ؟؟ , كيف يقتلون نفسًا بريئة ؟؟ , هذا حرام يا إيثار, أنا أعلم هذا , هذه الخطوة ستودى بكِ إلى معصية وإثم , قالها عبدالرحمن يحاول إثناء إيثار عن موقف الاجهاض ..
ردّت عليه بدموعها التى غلبتها , أحرام أن أجهض طفل وليس حرام ما أنا فيه ؟؟ , فكر فى حالى وما وصلت إليه , كيف أواجه الناس بالحمل , كيف أواجه أمى والأهمّ كيف أواجه نفسى؟؟ , أنتَ لست بموقفى لتفكر بالحلال والحرام وتترك مصيبتك فلا تأسَ علىّ , سامحكَ الله , أونسيت إننى مغتصبة ومن المؤكد أن هذا كافٍ للإجهاض , فكر معى , لا تتركنى , لن أقدر على المواجهة , لن يتركونّى وحالى, لن يصدقوا ما حلّ بى وسيتهموننى بما تعرف ...
تلعثم عبدالرحمن بالكلام ولم يجد ردّ سوى أنها على حقّ فى ما تقول ولكنه لا يعرف حكم المغتصبة وإن شاءت سأل واستفسر ولكن هناك , بعد الحمل والاجهاض أمرٌ آخر عليها أن تنتبه إليه , كيف ستواجه الأمر إذا جاءها أحدهم خاطب ؟؟ ...
كانت تلك مشكلة أخرى أمام إيثار , لم تخطر ببالها, فكرها كان منصبًا نحو الحمل فقط ونست أمر آخر لا يقلّ أهمية عنه .. كان ردّها بديهيًا بدون تفكير : لن أتزوج أبدًا , هذا سهل ...
نظر إليها عبدالرحمن مشفقًا على حالها : كم أنتِ مسكينة يا بريئة , تقسين على نفسكِ كثيرًا وأنتِ الضحية !! , الأمر الآن سهل ولكن مع أمكِ سيأخذ مجرى آخر , أنا على ثقة بهذا ...
وهى الآخرى على تمام الثقة بهذا ولكنها الظروف التى تحاول مواجهتها والتى لم تجد مفرًا منها ومن النقاش حولها إلا الهرب متعللة بالوقت وبأنها ستترك الأمور لمجاريها ووقتها , أما الآن فلا نقاش يعلو فوق نقاش الاجهاض ...
قالتها وقامت تمسح دموعها وتوازى عبدالرحمن فى المشى تارة وتخلفه فى الخطوات حتى توقفا على صوت هاتفه .. أمسك الهاتف ليجده من أمه : عبدالرحمن, جاءوا للمنزل يطلبونك, لا تعود الآن, أظنّهم سيعودوا مرة آخرى , الوضع سيئ ...
تغير وجه عبدالرحمن وزاد أسفًا , حاولت إيثار الاستفهام عن المكالمة وتغير الحال فكانت الاجابات مبهمة وغير مفيدة , كل ما فهمته أنه فى ورطة والعودة للمنزل اليوم غير مرغوب بها ..دعته لمنزلها ولكنه اعتذر , فله مكان آخر يلجأ إليه فى مثل تلك الظروف , طلب منها الاسراع ليوصلها وأن لا تتخذ قرارًا بشأن الحمل إلا قبل الرجوع إليه ...
أوصلها المنزل وذهب إلى حيث يعرف ليجد بعضًا من الرفاق هم الآخرون محظور عليهم الراحة فى بيوتهم فالتمسوا قلقًا فى بيتٍ آخر حتى إشعار آخر ..
دار بينهم حوار حول الأمر , عرِف أن هناك من ذهب وخمنّوا أن الأمر عظيم ويخصّ أنشطة الجامعة وما خارج الجامعة , وأن الأمر سيكون أصعب فى الفترة القادمة وعليهم الاختباء حتى تهدأ الاوضاع ..
الحال كان سيئًا هنا فى ذاك المنزل الآمن , لم يجد عبدالرحمن مفرًا من الراحة وإرخاء الجسد بعض الوقت ريثما تهدأ الأمور والفكر ويستطيع معاودة التفكير فى شأنه وشأن إيثار ولكن يبدو أن الشئون لن تتركه حتى بمنامه !! .

انكسار الروححيث تعيش القصص. اكتشف الآن