الفصل التاسع و الثلاثون

154 7 0
                                    

_ركب سيارته وسار خلف وساوسه لا ينتبه للطريق بقدر ما ينتبه لما يدور برأسه. هل ستتركنى؟؟ _يقول لنفسه_ هل ستبتعد عنى؟؟
تزوجت نور تحت ضغط العائلة. فكرة الزواج بأثرها لم تكن برأسى ولكنها كانت مناسبة جدًا لأكمل بها ديكور حياتى; فهى واجهة اجتماعية ممتازة وداعم أكثر من ممتاز لأواصل عملى بنفس المستوى. فى بداية فترة الخطوبة كنت أحسبها مملة; فهى لا تفعل سوى رعاية الأطفال والحديث عن الجمعية الخيرية التى تنشط بها, كلها أحاديث لا تهمنى, ولكن مع الوقت عَرِفت كم هى رقيقة, وأحاديثها تنبع من الحنان الذى يفيض بداخلها. اكتشفت حنانها الذى مسّنى ودفعنى لأنّ أنهل منه.
بعد الزواج كان حنانها وكرمها يفيض علىّ وأنا لا أفيض عليها سوى بالبؤس. دائمًا ما تذكّرنى نظرات عينيها وهى تبكى من جفائى وتتوسل بنظرات العين التى تسببت بشقاءها. بحياتى كنت مصدر ألم للكثيرين, وما أزال, ولكن تلك المرة كانت أكثرهم ألمًا ولا أكذب إن قلت أننى لم أندم ولن أندم على خطأ ارتكبته كهذا الخطأ.
هذا الندم لا يأتى من كون الألم عظيم يستحق أن أندم عليه. كان سيمرّ ويزول أثره بعدها بأيام لولا أن نظرات الترجى تقف بينى وبين النسيان. تذكّرنى تلك الحادثة ببدايات عملى, حينها جاءوا بأوّل من نريد منه معلومات واعترافات, كنت جديدًا بالعمل وقتها, فزعت أوّل الأمر من الطريقة التى يستوجب بها المتهم, كنت أعلم أن تلك الحادثة ستأتى, كنت أستهين بها وأعلم أنها ستمرّ, وهذا بالفعل ما حدث, مرّ علىّ يومان أو ثلاث, لا أتذكر ثمّ عدّت طبيعيًا مع تكرار الحادث أمامى, بل أصبحت لذتى هى أن يأتونى بالمتهم وأنا أتصرف!! ...
_كانت الحادثة اياها بالنسبة لى كأوّل استجواب أحضره, كنت فزعًا من الأمر, فكرت بينى وبين نفسى وقلت أنه سيمرّ وسأنساه لولا تلك النظرات التى لا تفارق مخيلتى, والكلمة التى لا تبتعد عن أذنى " أريد أمّى" .

_وصل إلى منزله ليجد نور قد وصلها خبرًا من أمّها عن الحال. كانت فرحة وهى تجرى إليه وتهنأه بسلامة الوصول وسلامة التحاليل. جلس معها ليتحدثا قليلًا ويخبرها عمّا قالت أمّه بضرورة الذهاب لطبيب مختص لمعرفة سبب تأخر الحمل إن كانا الاثنان بخير. لم ترتبك من الأمر فهى الآن مطمئنة إلى سلامتها وسلامة زوجها وتعرف أن الأمر يحتاج إلى وقت لا أكثر.
____________حين ذهبا للطبيب أخبرهما أن تأخر الحمل يكون من سبب عضوى أو نفسى; العضوى يُعالج , والنفسى أيضًا ولكنه يحتاج إلى وقت أطول ويعتمد على المريض أكثر.
أمّا عن سيف ونور فهما ليس لديهم سبب عضوى بل نفسى وهذا يحتاج إلى مجهود أكبر من الاثنين, ومعرفة السبب والعمل على معالجته , وفى بعض الأوقات يأتيه مرضى لا يرغبوا بالانجاب من البداية فيكون هذا سببًا نفسيًا كافيًا لعدم الانجاب.
خرجا من عند الطبيب وهما يفكرا بالكلام, السبب يمكن أن يكون عن رغبة الزوجين فى عدم الانجاب من البداية, فمن منهم لا يرغب بالانجاب ؟؟ تساءلت نور وهى تجلس بجواره فى السيارة وتنظر إليه بنظرات حائرة. أنا دائمًا ما أرغب بالأمر وأحبّ الاطفال وأرغب بوجودهم بحياتى , فمن لا يرغب بالانجاب؟؟
وسيف بالجوار يفكر إن كان السبب هو أو نور؟؟ يعرف أنه كان لا يرغب , يخاف الأمر ويخاف المسؤولية ولكنه عدل عن الأمر بسبب مشاعره تجاه نور و ذهب لإجراء الفحوصات التى طلبها الطبيب منه, إذًا فهو راغب فى الانجاب, فمن الذى لا يرغب؟؟
_كلٌّ منهم فكر بانعدام رغبة الآخر ولكنهم تجاهلوا الكلام الآخر الذى ذكره الطبيب والذى يعود إلى العامل النفسى, ويمكن أن يكون بسبب الخوف; فنور دائمًا ما تخاف من سيف, تخاف من بعده عنها وتركه لها, وتخاف نظراته المبهمة التى لا تشعرها بالأمان مع ذلك فهى تحبه وترغب بالانجاب منه وتكوين أسرة معه.
وسيف طوال الوقت خائف, لا ينعم بأمان وهو المنوط به أن يحافظ على الأمان_فاقد الشيء لا يعطيه_ ومخاوفه دائمًا ما تأتيه من تلك الجهة وأن يكون ابنه على شاكلته.
______________________
_لم تتغير حياة عبدالرحمن وإيثار بل ظلّت كما هى , إيثار تنفر وعبدالرحمن يقترب, عبدالرحمن يبتعد وإيثار تحاول وهكذا. ما كان يسلى عبدالرحمن سوى تجارته التى تكبر وتكبر وتحتاج إلى وقت ومجهود أكبر, وإيثار كانت تعطى اهتمامها الأكبر لصغيرتها نظرًا لأن عبدالرحمن أصبح يقضى جلّ وقته فى عمله.
_اتسعت تجارته وكان لزامًا أن يباشرها بنفسه سواء فى الاسماعيلية أو فى القاهرة حيث افتتح تجارته هناك وتعامل مع معارفه فيها وقت كان يعيش هناك فكان يسافر كثيرًا ويترك إيثار .
فكرت إيثار أن تستغل وقت الفراغ الذى امتلأت به حياتها, خاصةً بعدما كبرت الطفلة بعض الشيء وأصبحت منتظمة فى النوم والأكل. فكان لا بدّ وأن تعود لدراستها لتكملها. شجعها عبدالرحمن على المعاودة وكذلك أمّها فعادت تنتظر الوقت لتنتظم أو على الأقلّ تذاكر منزليًا مثلما تفعل الكثيرات, و كررت أمّها الاعتناء بالطفلة وقت الامتحانات.
_عُرف عبدالرحمن كتاجر ممتاز بمنطقته ولهذا كان محطّ أنظار الكثيرين, خاصةً وأنه كان مشهورًا بالسمت الاسلامى. وكان هذا السمت داعيًا للمضايقات التى اعتادها كطالب والآن كتاجر, فكان يحاول تجنب المضايقات ولكنها لا تتجنبه.
بعدما كبرت تجارته وزادت المضايقات, ومع عودة إيثار للدراسة قرر أن يعود إلى القاهرة حيث كان بها الجزء الأكبر من تجارته لتبدأ هناك مضايقات أكبر .
اشترى منزلًا أكبر فى مكان بعيد عن سكنه القديم الذى يعرفه الجميع ويعرفه من يكره عبدالرحمن, وضمّ إليه أمّه وحماته كى لا يتركهما وحيدتين كلُّ بشقة منفردة, وليلمّ شمل أسرته كما تمنى وليبدأ حياة جديدة بعيدة عن المتاعب ولكن هيهات أن تتركه المتاعب

انكسار الروححيث تعيش القصص. اكتشف الآن