الفصل السابع و الثلاثون

149 7 0
                                    

_تمرّ الأيام بالمُعذَبة الثانية بلا جديد إلّا من السال الذى بدأ يظهر على ساحة حياتها: آما من حدثٍ سعيد؟؟ آما من شيء قادم بالطريق نفرح به؟؟
_كانت كالتائهة فى الردّ على السائلين; فلا شيء بالطريق ولا تعلم كيف تأتى به فى ظلّ حياتها التعيسة التى تحياها!! كانت تسرع بتغيير الموضوع والحديث بشيء آخر يبعد الأعين عنها وعن ألمها والتغيّر الذى طرأ عليها.
كانت لتتحمل فهى اعتادت الأمر مثلما اعتادت الأمور الحياتية الروتينية إلّا أن السؤال بدأ يأتيها ممن لا تستطيع أن تغيّر الحكى بحضرتهم, وإن غيّرته بوجودهم يأتيها من الجانب الآخر; فالكلّ مشتاق لسماع كلمة "جدّى أو جدّتى" .. تحمّلت الكلمات ووجدتها مع الوقت روتينية إلّا ان جاءتها منه, من سيف, هو الآخر يريد طفلًا يسمع منه كلمة أبّى.
_حدّثها ببعض الكلام وأقنعها بالذهاب للطبيب لمعرفة سبب تأخر الحمل حتى الآن؟ فقد مرّ على زواجهم فترة جيدة تسمح بوجود طفل!!. أقنعها وذهبت مع أمّها لطبيب تعرفه وهناك عرفت أنها قادرة على الانجاب ولا شيء يمنعها من أن كون أمّ. حضنتها أمّها بعد خروجهم من عند الطبيب وسألتها أن تشكر الله لأن السبب زوجها وليست هى . تغيّر وجه نور وقابلت كلمات أمّها بالتأنيب واللوم إذ كيف تفرح أن زوجها غير قادر على الانجاب؟! ثمّ سألتها من أين عرفت أن سيف لا ينجب؟؟.
_طريقتها كانت قاسية لاحظت معها أمّها أن سائقهم يلاحظ الحوار من بدايته فأسرعت تنمق كلماتها وأنها لا تقصد من ورائها شيئًا, هى فقط فرحة لأن ابنتها يمكنها الانجاب وكلماتها غير مقصودة بما فهمت نور._عادت نور لمنزلها وجلست بانتظار سيف, تحاول أن تجد طريقة تخبره بها أن يذهب للطبيب ليرى إن كان ثمّة شيء يمنعه من الانجاب ليبدأ بالعلاج مبكرًا, اختصارًا للوقت.
كانت تبكى ليس لأنه من المتوقع ألّا تكون أمّ ولكن لأن سيف قد لا يكون أبّ!! بالرغم من الحياة التى تعيشها معه إلا أنها ببعض الأوقات تخرج ما بداخله وتستطيع أن تجعله يتصرف بطبيعته كسيف الفتى طيب القلب الذى يضع قناع الشراسة والجمود على وجهه.
بلى, أحبّته وبرغم ما تعانيه يزداد حبّها له كلّ يوم ولهذا تتحمّل وتضع لها الأعذار فى كلّ موقف أمام الجميع وحتى أمام نفسها, بل زاد الأمر بأن تضع له الأعذار أمام نفسه ومبررًا لأخطائه.
ستصبر معه حتى وإن طلب منها الرحيل, حبّها سيجعلها تبقى, هكذا قالت لنفسها عندما فكرت بكلمات أمّها: أنتِ بخير ويمكنكِ الانجاب, هو من لديه العيب, احمدِ الله واشكرِ فضله, فأنتِ ستنجبين!! إن لم يكن منه فمن غيره, لستِ مُجبَّرة..
بلى يا أمّى لست مُجبَّرة وسأبقى معه, سأبقى مع سيف فهو يحبنى وأنا أشعر به والأهمّ أنّى أحبّه. بللت دموعها خدها وهى تفكر بالحال, وأسرعت تمسحهم قبل أن يقترب سيف أكثر منها ويراها إذ أنه قد جاء للبيت. كان باديًا عليها الحزن والتأثر مما جعل سيف يشكّ إن كان الأمر يتعلق بالحمل وزيارة الطبيب. سألها إن كان هناك شيء, يعرف منها عبر الهاتف أنها بخير ولكنها ستشرح له عندما يعود للمنزل, جعله البكاء يرتاب ألم تقل أنها بخير؟؟ فما الأمر؟؟ .. لم يفكر أن الأمر يخصّه, فكر بأن الأمر عندها ولذلك تبكى ..
هو الآخر بدأ يحدّث نفسه كيف سيكون الأمر لو كانت نور لا تنجب ؟؟ غلبته فطرته ومشاعره التى يدفنها لأجلها والتى بدأت فى الأونة الأخيرة أن تحيا من مقبرتها بأنه لن يتركها وسيظلّ معها ما دام حيًا, ثمّ عادت أفكاره وجموده وشراسته إليه كيف لا يكون لى ولد فأنا سيف؟! سيحكى الناس أن سيف باشا لا يستطيع أن ينجب, ماذا سيحكى لأسرته التى تلحّ عليه بالأمر وتريد ولدًا اليوم قبل غد؟؟ لا لا أستطيع سأتفاهم معها بالأمر وبالتأكيد سنصل لحلّ.
ظلّ مطرقًا رأسه للأسفل, منشغلًا بالتفكير حتى بكت هى من فرط ما أحسّت بسيف. ظنّته أرجع الأمر إليه وهو يفكر في حاله الآن. عندما رفع رأسه ووجدها تبكى حنّ إليها وذاب فى دموعها التى تزيدها جمالًا. سألها مما تبكى ؟؟ فالأمور ستُحلّ إن لم يكن اليوم فغدًا.
لم تستطع قول شيء إليه تركته يمسح دموعها ويفيض بحنانه عليها فهى أسمى لحظاتها. تركت الوقت يمرّ بهما دون أن يشعرا, عاشا لحظات لا تأتيهم كثيرًا, لحظات من أجلها قد تضحى نور بحلم الأمومة; فسيف الآن ذاك الفتى طيب القلب التى تتحمّل لأجله فقد حياتها.
_ تناسيا الأمر برمته وإن كانت شظاياه لا تزال تؤثر على تفكيرهما.

_____________________
فى العالم الآخر, كانت الطفلة تكبر والسعادة تكبر معها فى البيت, ضحكتها كانت الفرحة, لا شيء ينغص السعادة سوى هذا الشبه الكبير الذى أخذته الطفلة عن أبيها والذى يلحظه أىّ رائى, فدائمًا ما يسألوا: من تشبه الفتاة؟؟ وبالطبع لا يجدوا جوابًا. حتى ضحكتها لا تشبه أىّ من المعروفين إليهم! كانت ابتسامتها مقتضبة بسيطة لا تكاد تُلحظ ولكن مع مرور الوقت عرف عبدالرحمن كيف يجعل ضحكتها تجلجل المكان.
كلّ فترة تأتى الوالدتان لرؤية الصغيرة والاطمئنان على الأسرة الصغيرة مما أثار الغيرة فى قلب إيثار من أمّها وجعلها تعاملها بجفاء بعض الشيء, جفاء أغضب الأمّ واضطر عبدالرحمن إلى إزالته بنكتة ساخرة ضحك معها الجميع حتى الطفلة التى لا تعرف شيئًا ولكنها ضحكت لفطرتها:
أتعلمين يا حماتى العزيزة الغاضبة ما هو القضاء والقدر, وما هى المصيبة؟؟, كانت بداية أنبأت عن خطبة سيلقيها الشيخ عبدالرحمن فانتبها لها الجميع بكلّ جوارحهم. هزّت الأمّ برأسها أنها لا تعلم . اعتدل عبدالرحمن بهيئته قليلًا وقال: القضاء والقدر هو أن أمشى بجوار حماتى على أحد الكبارى ثم تقع فى النيل. صمت قليلًا ليلاحظ الوجوه التى بدأت تنفر من البداية وخاصةً حماته التى طلبت إليه أن يكمل. أكمل قائلًا والمصيبة أنه بعد أن تقع الحماة فى النيل تخرج حية!! . صمتوا قليلًا ثم دخلوا فى نوبات ضحك حتى الحماة , وأكملوا ليلتهم كالعادة ودخل عبدالرحمن وإيثار الغرفة التى يشتركوا فيها حتى لا يلحظ أحد شيئًا

انكسار الروححيث تعيش القصص. اكتشف الآن