_استُدّعى سيف لمكتب رئيسه فى العمل هذا اليوم بشأن العملية الأخيرة التى فشلت ولسيف يد فى هذا الفشل.. دخل ليجد ما لايسره... كان يعلم أن لكلّ الشعب تقريبًا ملفات عندهم ولم يخطر بباله أن يكون لهم_هم ذاتهم_ملفات, كان على معرفة بأن هناك تقارير تُكتب ولكن لم يتصورها ملفات!!
_أخبره رئيسه بأنه جاءت أخبار بأن سيف على علاقة بأسرة هذا الرجل الذى ذهبوا لأجلّه ولم يجدوه, فقد شُوهد أكثر من مرّة معهم سواء فى المشفى وحتى فى بيتهم, وأنه على علاقة بهم, وأخيرًا رآه أحدهم مع الرجل اياه ليلة القبض قبيل مجيء القوات المنوطة بالقبض عليه, فما السرّ؟؟ أجاب على سؤاله بسؤال: اعذرنى يا سيدى, آو أكون مراقب؟؟
تبسّم الرئيس بوجه ابتسامة لاهية كما سيف طفل أمامه وقال لا , إننا فقط نطمئن على رجالنا, ونحافظ عليهم, أليس من حقّنا أن نطمئن على العاملين معنا حتى لا يصيبهم أو يصيبنا أذى؟؟
_لم يجد سيف ما يردّ به على هذا الكلام, فمن البداية هو وضع نفسه هذا الموضع, موضع المراقبة, فالمكان الذى يعمل فيه مكان للجبناء يخاف كلّ منهم من الآخر لذا يكثر الجواسيس ولا تجد بينهم ثقة, ومكان كهذا بتلك الروابط السطحية الواهية حتمًا سيسقط ويقع.. صمت ثمّ لم يجد بدّ من إنهاء هذا الموقف, تنحنح ثمّ حدّثه وسأله عن القادم؟؟ نظر إليه الرئيس وانتظر برهة وكأنه يرتب الكلمات ثمّ أخبره بأنهم اتخذوا بشأنه قرارًا وهو أنه سينتقل لفترة لمكان آخر, أىّ مكان وإيمانًا منهم بتفانيه فى العمل ومراعاة لظروفه ونسبه سيختار هو المكان!!
استئذن سيف وخرج وهو لا يدرِ أحزين أم فرح لهذا القرار؟؟ كان ما يشغله فقط هو ابنته وهل علموا بأمرها أم لا؟؟ كا خائفًا لأنه منهم ويعرف بطشهم.. خرج من مكتب رئيسه للخارج ولم يزر مكتبه, ذهب بسيارته ولا يعرف لأين؟؟ المهم أنه خرج من ذلك المكان الذى بدأ يضيق به والجلوس فيه كالجلوس فى قبر يخنقه..
_توقّف وركن سيّارته فى مكانٍ ما ولم ينزل منها.. جلس يفكر فيما يحدث له وحوله, وفى المنتصف جاءه كلام عبدالرحمن: لماذا تفعل ما تفعل؟؟ أوجعه هذا الكلام فقط لأنه الحقيقة, فسيف خائف على نفسه والآن يخاف أكثر وأكثر!! تساءل لمن يفعل فعبدالرحمن يفعل ما يفعل لأسباب واضحة وصريحة والأهمّ مريحة وحقيقية, وهو لمن يفعل؟؟
أعاد على ذهنه بعض المواقف ليتضح له أنه انما يفعل هذا فى المقام الأوّل لشخص, يفعل هذا لأجل فرد تدور حوله ولأجله عجلة الحياة, شخص لأجله يتعب الفلاح, ويشتغل ويتاجر التاجر, ويجتهد الصانع, ويؤلف المؤلف, وينظّم الشاعر, شخص لأجله تلد الأمّهات وفى سبيله يموت الرجال وتقاتل الجيوش, بل ولأجله تلفظ الأرض خزائنها, ويقذف البحر نفائسه وتستخرج كنوز الأرض خيراتها, وهذا كلّه ليسبّحوا بحمد هذا الفرد.. هو بالفعل يفعل لنفسه ولكنه حين فكر وجد أن الأسبقية والأوّلوية لهذا الفرد الذى تسقط وتقوم من أجلّه الدول!!
هزّ رأسه باستنكار حين فتح بصيرته وأيقظ ضميره الذى يكاد يقتله من فرط ما يخنق فيه ثمّ قرر أن ينفذ ما قال عبدالرحمن سيفعل من أجل ابنته, سيجعلها تحسّ كمّ ضحى من أجلها, حتمًا سيفعل ما يرفع الرأس..
__________هاتف شقيق سيف نور هذا اليوم وهو متردد وقلق من رد فعلها عمّا سيقوله وسيطلبه منها.. قال بأنه سيأتى بالبراء لمنزلهم وسيعرّفها إلى والديه وهذا ليرفع عن سيف جزء من الثقل الذى يحمله.. لم ترفض ولم توافق, وعدت بأن تفكر بالموضوع ومع إلحاحه بأن وجودها سيخفف عنه ما سيكون من والديه وعدت بالمجيء وحضور الموقف لأجله ولأجل البراء التى تعشقها وتتمنى لو كانت ابنتها هى ...
_اتصل بإيثار لتوفى بوعدها بالسماح له برؤية الصغيرة والخروج برفقتها, مع إلحاحه وتذكّيرها بما كان منها من وعود, ومع اطمئنانها إليه وافقت.. لم يخبرها بما سيفعل فهو يعلم حساسيتها تجاه هذا الأمر ويعلم ان أخبرها لن توافق..
_أخذ الصغيرة التى أحبّته وذهب لبيته يدقّ بابه ويخبرهم بوجود ضيفة ستقضى معهم هذا اليوم ويتمنى لو أحبّوها.. رحّب الجميع بها ولكنهم صُدموا حين رأوها طفلة ترتكز إلى الحائط لتسير بصورة سليمة, كانوا يظنّونها كبيرة, والوحيدة التى لم تُفاجئ هى نور التى ما ان رأتها البراء حتى تهللتومشت نحوها ...
أحبّت نور هذا اللقاء بينها وبين البراء واحتضنتها وقبّلتها وكان هذا كافيًا لعمها ليبدأ الاجابة على تساؤلات والديه بشأن هويتها.. تنفّس وشهق وهو يخبرهم باسمها البراء سيف....... وقفوا مشدوهين نحو الاسم, أيكون ما سمعوا حقًّا الفتاة حفيدتهم ابنة سيف!!
_لم يجدوا حولهم سوى تأكيدات لهذا السمع, فالكلّ يعرف حتى نور ولكن من تكون أمّها؟؟ أتكون نور؟؟ ولكن كيف ؟؟ يبدو من مظهر الاثنين أنهما أمّ وابنتها ولكن متى؟؟ ألحوا عليهم بأن يخبروهم بسرعة فهم يكادوا يجنّوا من الأمر...
_أجابهم ابنهم الفتاة ابنة سيف وحفيدتهم ولكنها ليست ابنة نور فابن نور ما يزال فى أحشائها.. لم يجيبوا أو يلفظوا شيئًا.. كيف هذا؟؟ أزال عنهم ابنهم الدهشة وحرج السؤال حين قال بأنها منهم ..
نظروا إلى نور يستفسروا بنظراتهم فهزّت رأسها بأنها لا تعلم أكثر مما يعلموا, فنظروا إلى ابنهم فلم يقل إلا بأنهم سيعرفوا كلّ شيء من سيف فهو لا يستطيع قول شيء..
بعد نفاذ صبر هتف فيه أبوه بغضب: آتِ بسيف حالًا..