_عبدالرحمن فتىً ذومِرّة, حصيف العقل رصينه, لم يعرف كيف أفلتت منه الكلمات؟؟ وكيف أفشّىَ سرّ إيثار؟؟ وكيف بنفسه ضَحى بأسرته التى حارب فى سبيل تكوينها والمحافظة عليها كلّ تلك المُدة؟؟
بيده لا بيدِ غيره أفسد كلّ شيء والآن عليه أن يتعذّب ويذوق نتيجة ما فعل, ولكنّه لن يتألم ويتعذّب وحده, بل أسرة بأكملها ستذوق معه وهذا أكثر ما يؤلمه!!
حاول أن يختلِ بنفسه بعيدًا عن الجميع, ويعاتب نفسه على حماقته فى التصرّف مع سيف وإخباره بأن البراء ابنته بدون وعى منه, ولكنّه لم يلحق أن يبقَ فى وحدته حتى جاءه من يشاركه همومه ويبكى معه.. جاءته إيثار تستند على كلّ حائط من فرط إرهاقها وتعبها, جلست إلى جواره ومسحت بيدها الملساء دموعه, وأسندت رأسها إلى كتفه بحركة أعادت إليه بعض من أشواقهما التى اختفت وسط الأحداث الأخيرة وما قبلها..
_لم يمضِ بهما وقتًا طويلًا من الحبّ والأشواق, وفضفضة فى الكلام الذى حاولت إيثار استدراك عبدالرحمن فيه لتعرف سرّ حزنه وبكائه.. أوهمها بأن السبب البراء ولكنها لم تقتنع فالبراء منذ وقت على هذا الحال وهو متماسك حتى فى أحلك أوقاتها, أما الآن وقد تحسّنت إلى حدّ كبير فلا سبب للحزن والدموع, هناك سبب آخر..
_ضغطت عليه_وكان منهار بداخله, لم يبقَ عنده شيء متماسك_ فانهارَ زيادة وأفرغ ما بداخله وما يفكر فيه: سيأخذها, عَرِف أنها ابنته ولن يتركها.. أرجعت إيثار رأسها للخلف وأسندت ظّهرها للكرسى ولم تتحدّث بكلمة بل تركت دموعها تنزل ولم تمنعها, وهو لم يحاول أن يمسح بيده دموعها كما اعتاد بل كانت دموعه تحتاج إلى من يمسحها هو الآخر..
___
_بقى سيف على حاله, تفكيره فى البراء يسبق كلّ شيء.. يتقلّب على فراشه ولا يجد نومًا ليرتاح, فمن أين تأتيه الراحة وهو سبب شقاء للآخرين؟؟
_باتت عادته بعد أن تشرق شمس كلّ يومٍ أن يذهب للمشفى لرؤية الصغيرة والبقاء إلى جوارها بعض الوقت, وكذا بعد انتهائه من عمله, يذهب إليها ليراها ويسلّم عليها..
فى هذا اليوم_كما العادة_ ذهب وظلّ إلى جوارها يتابع الأجهزة بجوارها وليتابع نبضات قلبها ليطمئن قلبه.. جاءت إيثار صدفة, ولم يكن عبدالرحمن قد أخبرها من قبل أنه يأتى.. وقفت لوقتٍ تتابعه وتفكر كيف سيكون الحال؟؟ أتمضى إليه أم تعود بعد أن يغادر؟؟ لم تفكر أكثر من دقيقة, كانت عازمة على قتله من قبل إذا اقترب من ابنتها, مضت باتجاهه وأمسكت به وهى تهتف بغضب أن اخرج من هنا ولا تلمس ابنتى أو تقترب من مكان تكون هى فيه, لن أسمح لكَ بشيء..
_لم يتحدّث لأنها لم تعطِه فرصة لهذا, انتظر حتى انتهت وأفرغ هو الآخر ما عنده: لن أتركها وأنا من يملك حقّ العتاب فى هذا الأمر!! أنا من أُخذت منه ابنته ولم يعرف عنها شيئًا إلّا بالصدفة, والآن أنتِ من تعاتبين وتلومين!!
لم تصدّق ماذا قال لتوه؟؟ هو من يلومها ويعاتبها!! وكأنه فاقد للذاكرة ونسى ماذا فعل معها !!
أخذهم الكلام والجدال ولم ينتبها لما يدور حولهما.. أفرغَ كلّ منهما ما بداخله وأعلناها رسميًا أن البراء ابنة سيف وإيثار وليس لأحدٍ غيرهما حقّ فيها, نسى من اشترك معهما فى تلك الطفلة وربّاها حتى بدأت تتكلّم وتكبر..
لا يهم ما قالا وما قررا حيث الوقت لم يسمح بالتفكير فى أكثر من هذا أو فى أمور أخرى, الأهمّ أنهما لم ينتبها لمن حولهما ومن يسمع ويتابع, ومن جاء صدفة ليطمئن على الصغيرة_فكّرت نور هذا اليوم أن تزور البراء بعد انتهاء دوامها بالمدرسة, ويا ليتها ما ذهبت!! سمعت كلّ شيء, تابعت النقاش والخلاف وسمعته وهو يعترف بابنته وسمعت إيثار وهى تؤكد على كلامه وتنهره من أن يأتِ للمشفى أو يقترب من الصغيرة مرّة أخرى, وسمعت رده وهو يؤكد على أنه لن يتركها مهما جرى..
_لم تفهم شيئًا, وقفت مصدومة وتحاول أن تتمالك حالها لتستوعب الأمر: من يكون أبًّا لمن؟؟ والبراء ابنة من؟؟ ما فهمت إلّا أن سيف لديه ابنة من إيثار وتلك الابنة هى البراء بذاتها!! كيف ومتى ؟؟ لا تعرف, ما تعرف غير أن سيف وإيثار خدعاها وخدعا عبدالرحمن المسكين, خدعوا الجميع, يا للجبروت!!
_اقتربت منهما ولم تتحدّث, نظراتها كانت تكفى, ثُمّ ولّت ظّهرها لهما وذهبت لا تُعدّ من تحت قدميها الخطوات.. وحين انتبه لها سيف ترك إيثار تائهة وسط ما حدث وجرى خلفها يحاول أن يلحق بها..
_____
_أخبرت إيثار عبدالرحمن ما حدث وكيف أنه يصرّ على أن الصغيرة ابنته وأنه لن يتركها.. لم يعلّق بكلمة سوى على حال المسكينة نور!! وما ذنبها لتعرف بعد سنوات من الزواج أن زوجها وحبيبها قد خدعها..
نور مسكينة لا تستحق مثل سيف, بهذا علّقت إيثار وقامت إلى جوار عبدالرحمن ليفكر فى القادم, فالأمور مع ازدياد الوقت تتعثر وتنفرج ولا تعرف كيف ستلاحق على الانفراج والتعثر..
نظر إليها عبدالرحمن وهى تتحدّث متسائلًا بنظراته ومستفهمًا: كيف أن الأمور تنفرج وتتعثر؟؟ من أين أتى الفرج وسط كلّ ما يمروا به؟؟
لم يقل شيئًا, صمت وهو يتابعها فى الحديث ويفكر فيما يمكن أن تفكر به إيثار, أيمكن؟؟ أيمكن أن تكون إيثار تفكر بأن تتركه وتذهب لسيف وتعيش معها حياته؟؟ آ من هنا جاء الفرج؟؟