الفصل الثامن و الثلاثون

147 7 0
                                    

_أغلق الشهم من خلفه الباب وهو ينظر بتوسل ورجاء إليها, ينظر بنظرات التساؤل: ماذا سيحدث الليلة؟ كيف ستمرّ وهو الذى اعتاد من تلك الغرفة ألم ووجع؟؟.
_مذّ جاءت الطفلة وهو لا يدع وسيلة يبرز فيها حبه لها إلّا وفعلها. كان يمنّى نفسه بأنّ الأسرة التى تمناها وبدأها مع إيثار ستتكون وتعيش سعيدة, والطفلة هى اللبنة الأولى فى تلك السعادة بعدما عانوا كثيرًا لتأتى, ولكنّه كان يمنّى نفسه أن يكون له ولد آخر, ولد من إيثار يكون ابنه , من صلبه ويحمل نطفه إلى جانب الصغيرة براء.
_بعدما هدأ الحال وعادت إيثار إلى طبيعتها واسترّدت عافيتها, فكر بأن الحياة الطبيعية للمتزوجين لا بدّ أن تدخل بيتهم, فليس يجوز أن يبقيا كالغريبين كُلُّ بغرفة منفردة. حاول أن يتقرّب منها ويتودد إليها ليصل إلى مراده. فهمت إيثار ما يريد ولكنها لم تقدر, عينا سيف دائمًا ما تأتيها بوجه عبدالرحمن, وهى التى لا تتذكر منه سوى العينين. نفرت منه وابتعدت عنه وهى تبكى وترجوه أن يبتعد, حقًّ هى عاجزة, غير قادرة على رؤية تينك العينين.
_التمس لها العذر وتركها تبكى, واتخذ الغرفة الأخرى مكانًا للوم نفسه وعتاب أنانيته التى لم تراعِ مشاعرها ونفسيتها. مرة بعد مرة كانت تبتعد وتبكى حتى صار الوقت تلتمس فيه زيارة طبيب نفسى لحل تلك العقدة _هكذا اقترح عبدالرحمن_ ولكنها لم توافق, لم ترَ أنها تحتاج إلى علاج, كانت ترى أن الأمر سينتهى مع الأيام وستعود إليه.
تركها مثلما طلبت منه. ظلّ فترة يذهب إليها وهى على حالها حتى ملّ. كان كلما دخل تلك الغرفة ممنيًا نفسه بتحسن الحال يخرج منها خائبًا ومنكسر الخاطر حتى يئس منها وحاول قدر ما أمكنه تجنّب دخول تلك الغرفة التى أطلق عليها غرفة البؤس.*فى تلك الليلة والليالى التى تتجمّع فيها العائلة يكون مُجبرًا على قضاءها مع إيثار فى غرفة البؤس. كان ينظر إليها مستفهمًا وراجيًا: كيف الحال هذه الليلة وإن لم يكن الليلة فغدًا أو بعده أو بعده؟؟ وإيثار تكاد تفلت دموعها الحبيسة على بوابة جفونها ولكنها تتظاهر بالقوة وتمالك النفس وبداخلها تتمنى لو تركع تحت قدميه تطلب منه أن يعفو عنها ويسامحها فليس الأمر بيدها, هى مثله مغلوبة على أمرها وهو الوحيد الذى يعلم حالها.
_رأى من نظراتها أن الأمر كالعادة فاتخذ جانبًا من السرير ألقى عليه جسده معطيًا ظهره إليها ومتظاهرًا بالنوم. كان يفكر إن وافقت إيثار على الذهاب لطبيب لتتعالج, ويلقى باللوم عليها بينه وبين نفسه لأن حبّه لها يمنعه من البوح لها بما يفكر.

______________________________
_عَرِف أن نور لديها القدرة على الانجاب, وتستطيع أن تلد ولد واثنين وثلاث, هكذا أخبرت حماته أمّه فى زيارتها لها حيث لم تقوَ نور على إخبارهم, وهكذا أخبرته أمّه وطلبت منه سرعة الذهاب للطبيب ليجد حلًّا.
أحسّ وكأنه ممزق من داخله, بماذا كان يفكر بالأمس وماذا عرف اليوم؟؟ وما أزعجه أن نور على علم بالأمر ولو كان الأمر بيده ما أخبرها أبدًا, فهو لا يحبّ شفقة أحد, خاصةً إن كان هذا الأحد هو نور الذى يتلذذ بتعذيبها.
_عمل بنصيحة أمّه إلا أنه تأخر بعض الوقت, فلم يكن ليذهب لطبيب يعرف زوجته وأسرتها. بحث عمّن يثق فيه وذهب إليه ليخبره بأنه معافى ويمكنه إنجاب ما يشاء من الأطفال_ كيف لا وهو بالفعل لديه طفلة_
_جلس فى منطقة الانتظار بعض الوقت يفكر فى حاله: أين أنا اليوم؟؟ ولماذا؟؟ جاوبته نفسه : أنتَ فى عيادة الطبيب تريد طفلًا . سمع همس نفسه مع نفسه وتحدّث غلى حاله عن الاجابة: منذ متى وأنا أريد طفلًا؟؟ أنا حقًّا لم أفكر بالأمر إلا تحت ضغط العائلة, لمَ سآتى بطفل يعيش نفس حياتى؟! , لو جاء طفلى وعرف فِعال أبيه ماذا سيكون ردّ فعله والأهمّ أن هذا الطفل سيكون مثلى؟! لا لا أنا لا أريد أطفال, لا أريد أن أتحمّل مسؤولية أحد, أنا بالكاد أتحمّل مسؤولية نفسى ونور كفيلة بنفسها وإن فكرت قليلًا فهى لا تحتاج إلىّ.
فجأة هزّ رأسه ونفض تلك الأفكار عنها ونظر إلى ملف يحمله بيده ليعود غلى فكره: إن كنت غير راغب فما الذى أتى بى هنا؟؟ أنا راغب ولكنى خائف, أنا لا أصلح لها, لا أصلح أن أكون أبًّا ولكن الأمر واجب فهى الحياة تكبر لتتزوج ويكون عندك أولاد وتلك هى الاسرة, أو بالأحرى تلك هى الواجهة الاجتماعية التى ستتباهى بها أمّى: ابنى تزوّج ولديه طفل مثلما تتباهى بابنها الباشا, آه لو تعرف أمّى الحقيقة, حقيقة ابنها.
أنا حقًّا أرغب بطفل من نور ولكن إن كان الوقت غير الوقت والزمان غير الزمان, مشاعرى تتجه إليها واريدها بجوارى ولكنها دائمًا ما تذكّرنى بالألم الذى أخفيه بداخلى,
انسحب من أفكاره على وقع رنين هاتفه وكانت أمّه تسأله عن مكانه وتريده أن يذهب إليها. أغلق الهاتف وهو يتمتمم بعبارات الغضب فهو يعرف أن الموضوع هو ذاته حديث الساعة ولن يتغير, ويعرف أن لا بدّ أن تكون أمّ نور قد ذهبت إليها ووسوست لها. من فوره ذهب إلى أمّه , وهناك كانت أمّه قد أعدّت العدّة وجاءت بأبيه ليحدّثه بأن يذهب إلى طبيب.
كان عصبيًا , وهى عادته إلا مع والده, ولكنه تمالك نفسه وإن أفلتت منه بعض الكلمات فى وسط الكلام تدلّ على عصبيته. تحت ضغط من والدته ونظرات أبيه التى يعرفها ويخاف منها, ليس لأنه والده ولكن لأنه اعتاد سماع أوامر الأعلى منه فى العمل, أطلعهم على الملف الذى حصل عليه من الطبيب والذى يفيد بأنه بخير وقادر على الانجاب.
تهللت أمّه وهمّت من فورها تتصل بأمّ نور لتخبرها بأن ابنها معافى, ولم تنسَ وسط الكلام بان تلمّح إليها ببعض الكلام عن أن العيب يكون فى تلك الحالات من جانب الزوجة. أغلقت معها الهاتف لتجد من خلفها ابنها الثانى : من قال أن العيب يكون من جانب الزوجة يا حضرة الطبيبة؟_قالها بسخرية_ زوت ما بين حاجبيها وهى تطلب منه عدم التدخّل بالأمر فتنحى جانبًا يستمع إلى الوعظ الذى تلقيه على مسامع سيف. انتظر حتى انتهت فاقترب من أذن سيف وهمس فيها: لا تسمع لها, أمّك ستذهب بكَ إلى ما وراء الشمس, ستفقد نور.
سمع الكلمة الأخيرة فالتفت بسرعة واستغراب وخوف: أحقًّا يمكن أن أفقد نور؟؟ ردّ عليه بأن كلام أمّه يدلّ على ذلك, لا تستمع إليها..

أخذ ملفه واستئذن وخرج بعد تلك الكلمة . تركهم ولكن الكلمة لم تتركه " ستفقد نور"

انكسار الروححيث تعيش القصص. اكتشف الآن