_فجأةً وسط الأناشيد والابتهالات والخطب الحماسية اهتز المكان من تحت الحاضرين, ارتبك بعضهم وبدأ التوتر يعرف طريقه إلى الآخرين .. لاحظت إيثار والتى لم تغب عينها عن عبدالرحمن أحدهم وهو يهمس بأذنيه ثم تأففه وابتعاده معه, ثم لاحظت انسحابات كثيرة لبعض من المنظمين الشباب تبعهم الفتيات ..
بعد عدة دقائق, أمسك أحد الشباب مكبر الصوت وبدأ يعلن انتهاء المؤتمر لظروف أمنية وعلى الجميع المغادرة; القوات الأمنية بالخارج وسوف تفتك بكل من له صلة بالمؤتمر ومن تشكّ بانه كان من الحاضرين .. علا صوت الموجودين بالتكبير وأصروا على المواصلة فلن ترهبهم تلك الأفعال وهم على حق ..
مع حماس الحاضرين واصرارهم على المواصلة لم يجد عبدالرحمن بُد من المواصلة, فالمؤتمر بالداخل والقوات لن تجرؤ على تخطى الأسوار والدخول إلى الحرم الجامعى, هم فقط عليهم الحذر عند الخروج والحذر من اندساس بعض العناصر الأمنية وسطهم .. أمسك عبدالرحمن مكبر الصوت وأعلن المواصلة ثم اعطى المكبر لأحد الواقفين على المنصة ليستكمل ما بدأه فعلا صوت تكبير الحضور مرة آخرى معلنًا التحدى واستكمال المؤتمر بل المعركة حتى النهاية ..
_مرَّ من الوقت ما يقرب ربع الساعة والمؤتمر على استكمال وقوات الأمن بالخارج فى انتظار الانتهاء حتى لم تجد مفر من المواجهة وتخطى الاسوار ومحاولة كسر عزيمة الشباب بانهاء المؤتمر بالقوة .. كان بعض الشباب قد استلم مهمته بالوقوف بالقرب من القوات ومراقبتها وواخبار الموجودين بالداخل عن تحركاتها ولمَّ وجدوا القوات تتقهقر إلى عرباتها اطمئنوا وعادوا يخبروا الحاضرين عن انتصارهم وهزيمتهم قوات تمتلك معدات حرب بالاصرار والعزيمة ويا ليتهم ما فعلوا !! ..
كان انسحاب القوات مجرد خدعة وتجهيزكان انسحاب القوات مجرد خدعة وتجهيز للقادم السيئ, لم يكن ينقصهم لانهاء الأمر سوى تصريح بسيط لتكتمل شرعية دخولهم وقد حصلوا عليه .. لمَّ سمع الطلاب صوت العربات وهى تتحرك أخذوا يهنئوا بعضهم البعض ويمنّوا أنفسهم بالمواصلة بعدد ساعات أكبر مما قرروا من قبل ولم يكونوا على علم بأن هذا الصوت لا يبتعد عن السور الخارجى وان اقترابه بتلك الدرجة ليس لأنه بالجهة الموازية لهم خارج السور بل لأنه بجهتهم وداخل السور ..
فوجئوا بهم على أعتابهم ,فجأة صمت المكبر والسماعات الكبيرة فى أول المؤتمر, جرى بعض الشباب لبعيد, ساد الهرج بالمكان حتى البنات من وجدت مكان لاذت بنفسها وهربت; وإيثار تقف بأحد الجوانب تحاول استيعاب ما يحدث بجوارها, آيات اختفت والبنات أيضًا وهى تبحث ليس عن مخرج لنفسها بل عن أحدهم ضاع من عينيها وسط الهرج .. أين هو ؟؟ , أترى أخذوه مع من أخذوا ؟؟ , يا ربى رحماك بنا وسط ما نرى .. كلماتها كانت عزاءًا ليس لمَ وصل إليه المؤتمر الفرح ولكن كأنها كانت تشعر بحالها فكانت تعزيها لمَ سيصيبها من فقد وألم ..
_القوات بدت ككلاب مسعورة رُبطت وحُبست قبل وقتٍ وأُفرج عنها الآن, لم تترك أحد حتى البنات, تأخذ فلا تبقى ولا تذر وهى خروجها للدنيا لم يكن سوى قبل عدة أشهر, لازالت تجهل عنها الكثير وخبرتها بها لا تتعدى وسيلتان للمواصلات , ومسجد للكلية , ومحاضرات تنتظر انتهائها, وحكاية من آيات تضحك عليها بصمت و أحدهم .. ظلّت بمكانها , حسبت نفسها مختفية عن الانظار وبمنأى عن نباح الكلاب , وظنّت أنها بمأمن فكما قالت لها أمها من قبل : أمام الكلب النابح قفِ ولا تهتزِ فالكلاب التى تنبح لا تعضّ .. وياليتها ما سمعت من أمها تلك المرة , فليس الامكان أن تصيب الأم كل مرة لكن الامكان هو أن تخطئ ..
_ لاحظها أحدهم بل هى من كشفت عن ذاتها , رأت عبدالرحمن وسط الفارّين, ظنّته الملجأ الأخير لها وحتمًا سيساعدها ويخلصها, مسكينة !! لم تعرف أن من ينقذ حاله هنا ان استطاع فهو البطل , التفت إليها عبدالرحمن ولم يدرِ من أمره شيئًا , وقف لبرهة ينظر إليها وفجأة واصل جريه من أمامها فأحدهم قد التقطها وبالفعل وضع يده عليها ليأخذها معه فى احدى السيارات ..
لم تستعب الأمر ولم تحاول أن تفتح مداركها بكل تلك الشواهد التى تحيط بها, من حولها فتيات يبكين , سيارة كبيرة سوداء رأتها فقط فى الأفلام ولفتت انتباهها على الطريق السريع وهاهى الآن فى ما يُعرف بزنزانة حبس ..
_لمَ انتبهت على حالها واستفاقت من صدمتها بكت بشدة كالصغار تطلب أمها, أدخل أحدهم رأسه من خلف حاجز حديد ونهرها وأخبرها بأنهم سيأتوا بأمها لتكون معها لأنها لم تحسن تربية ابنتها فازدادت فى البكاء ... وممن كن معها طلبت منها احداهن أن تكفّ عن اصدار صوت وهى تبكى أو تكفّ نهائيًا عن البكاء فهو الآن لن يجدِ .. سألتها عما سيفعلون بهم ؟؟ , أجابتها وكأنها معتادة الأمر ولا تبالِ بالحال التى هن فيها الآن : لا شيئ , نحن غدًا سنُعرض أو لا نُعرض على النيابة وفقًا للحالة المزاجية للباشا , يمكن أن يخرجنا بدون نيابة ان أراد أو يبقينا يومًا آخر وبعدها سنخرج أو يعرضنا على النيابة وحينها سنخرج بأمرها أما الشباب فحتمًا سيكون لهم قضية أو محضر محترم ولن يخرجوا قبل أن يعيدوا تربيتهم , انتظرِ وستسمعِ الأصوات والتربية التى تُعاد ..
_زاد انفعال إيثار وزاد بكاؤها فهى لن تخرج لأمها اليوم وستظل ليوم أو يومين ويمكن أن يتطور الأمر لقضية تظلّ حبيستها لفترة وان كان مجرد محضر فلن تجرؤ عمرها على الاقتراب من مكان شرطىّ .. بكت وبكت ثم هدأت قليلًا ليزداد النحيب مع زيادة الآهات الواصلة إليهن من زنزانة قريبة , ومن بجوارها تطلب منها الكفّ حتى يستطعن النوم ..
_مرّ بالجوار سيف وسمع من تبكى , دخل للزنزانة الآخرى وهى تبكى وعاد وهى تبكى .. لم يؤلمه بكاؤها بقدر ما ازعجه .. أدخل رأسه من مكان سابقه وطلب منها الكفّ مهددًا اياها ولم يعلم أنها تبكى لمجرد التهديد .. مع كل كلمة له كانت تبكى أعجبه بكاؤها واهتزاز صدرها وضلوعها مع كل تنهيدة .. أخرج رأسه من بين الحديد وطلب ممن يقف خلفه : افتح الباب وأتى بمن تبكى لنهدئها ..