_فى اليوم التالى لحديثه مع أخيه أخذه وذهب معه للمشفى ليرَ ابنته كما وعده, وليعلم شقيقه كم كان سيف محقًّا وهو يصف له البريئة الصغيرة الذى أضحى بين يومٍ وليلة عمًا لها!!
قضى معها بعض الوقت يداعبها ويلاعبها واطمئن عليها ثُمّ توقّف فجأة حين دخلت إيثار وعلى وجهها الغضب.. صاحت بوجه سيف توبّخه لمجيئه للمشفى مرّة أخرى وطلبت منه إن كان يملك كرامة أن يبتعد عنهم, والتفتت إلى شقيقه تستفسر منه عن حاله: أنتَ الآخر, من تكون؟؟ ولماذا تجلس هنا؟؟ اترك يد ابنتى..
تعرّق سيف من الخجل عمّا أحلّ بشقيقه بسببه, وطلب منه أن يخرج معه ليذهبا, فلا داعٍ لمزيد من الاهانة, لا شأن له فيها.. لم يستجب له شقيقه وأصرّ على المكوث قليلًا ليشبع من ضحكة الصغيرة الودودة حتى لم يرضخ لإصرار سيف بالخروج والذهاب والحضور مرّة أخرى.. خرج سيف وحده وتركه مع البراء وإيثار التى تكاد تجنّ من هذين الشخصين, فهى لا لم تتخلّص بعد من سيف حتى يأتيها شخص آخر على شاكلته!!
اتكأت على الحائط وشبّكت ذراعيها أمام صدرها فى انتظار شقيق سيف أن ينتهِ ويخرج من الحجرة ولكنه لم ينتهِ.. هو تعمّد أن يبقَ فترة أطول لا ليشبع من البراء مثلما قال لسيف ولكن ليتمكن من الحديث مع إيثار وإثناءها عن رأيها بشأن سيف, أو الوصول لحل إن أمكن..
انتظر حتى غفت الصغيرة واستدار لإيثار: كملاك, نامت الصغيرة.. لم تنبث إيثار بكلمة ولكنه لم ييأس, جلس إلى مقعدٍ مجاور لسرير البراء, كان مقررًا لإيثار أن تجلس عليه وهى تتابع الصغيرة, وبدأ بإلقاء كلمة بين الحين والحين لتتكلم إيثار التى تستشيط غضبًا من وقاحة هذا الشخص الذى يجلس أمامها وهى واقفة..
يبدو أنها كلّت كثرة الوقوف فأثرت إنهاء الأمر وقالت: إن الفتاة نامت ولن تصحُ الآن, يمكنك الذهاب..
انتظر برهة وكأنه يجمّع ردًا ثُمّ قال: بكلّ صراحة, لن أذهب حتى نتكلّم معًا ونناقش بعض الأمور, اسمحِ لى أن أحدّثكِ فى شأن سيف والبراء ولن أطيل عليكِ, الفتاة نائمة ويمكننا الحديث هنا.
أظهرت التأفف والغضب وهى تقول بأن لا شيء مشترك ليتحدّثا فيه, فهى لن تسمح بأن يكون هناك حديث أطرافه البراء وسيف بل ويعقد الحديث للمناقشة, هذا محال..
نظر إليها متعجبًا ثُمّ ردَّ بسخرية: أنتِ على حقّ, فلا حديث يكون أطرافه الأبّ وابنته!! كيف تتحدّثين؟؟ سيف أبو البراء وأنتِ أكثرهن علمًا بهذا, يجب التحدّث فى الموضوع لنصل لحل وإلا سيكون هناك عواقب لن تستطيعِ تحمّلها, فسيف لا ينوِ ترك ابنته مهما كان ومهما كلّفه الأمر, وأظنّنّى أيضًا لن أترك جميلة كتلك تضيع من بين أيدينا, دعِنّا نتحدّث ونتفق على حل..
لوهلة خافت إيثار وعادت إليها أوهامها بأنه سيأخذ الصغيرة, ففى كلام هذا الشخص تهديد واضح لها وعليها الرضوخ لهم كى لا تخسر ابنتها, ولكن هى لا تجد حيلة ولا تعرف كيف ستتناقش معه؟؟ ولا كيف ستعقد صفقة على ابنتها؟! أحسّت بالرغبة بالبكاء ووضح هذا فى عينها, وتمنت لو يأتِ عبدالرحمن فهو يعلم كيف يتصرف؟ وكيف يتعامل فى مثل تلك الأمور؟؟
لاحظ توترها والدموع التى بدأت تتلألأ فى عيونها فعاتب نفسه على تصرفه وإن لم يمنِّ نفسه بأنه أخافها وسيصل لحل بعد أن أجبّرها كلامه على البقاء والحديث معه..
جلست على طرف السرير أمامه ولم تتكلّم بشيء بل أخذ هو زمام الأمور والمبادرة وتكلّم: سيف لا يريد شيء سوى ابنته, يكفى أنّكِ ظلمتيه يوم أخفيتِ عنه ابنته ولولا الأقدار والصدف ما عرف عنها شيئًا حتى يموت, الأفضل أن يكون هناك حوار ما بينكما لتصلا لحل.. لم تتحدّث بل أولًا أعلّت شفتيها بابتسامة ساخرة ثُمّ قالت بنبرات أكثر سخرية: أنا ظلمت أخاكَ!! يبدو أنه ما قال لكَ شيئًا, ارجع إليه فسأله ما باله يوم كنّا فى قسم الشرطة؟؟ واسأله عن فتاة اسمها إيثار, ما ذنبها ليحدث فيها ما حدث؟؟ وبعد هذا عدْ لنقول من الظالم ومن المظلوم!! لا تتهمنى بدون دليل فإخفاء ابنتى لا يديننى..
أخفض رأسه ولم يستطع رفعها وهو يردّ عليها: أنا أعرف كلّ شيء, سيف أخبرنى, هو فعلًا نادم على الأمر, وأنتِ لم تعرفِ دافعه لفعل ما فعل, هو فعلًا مظلوم!! لم يكن يدرك حاله ولا يملك نفسه حينها, وحقًّا تعذّب كثيرًا حينها وما يزال حتى وجدكِ وعلم أن له ابنة منكِ, وأنتِ ظلمتيه لأنكِ لم تخبريه بحملكِ من البداية..
بدأت نبرات الغضب تظهر مرّة أخرى فى صوت إيثار: لم أخبره بحملى!! أتعرف كم تعذّبت لأصل إليه أو حتى أعرف اسمه؟؟ لا تعرف ومن أين تعرف؟؟ أنا عانيت كثيرًا فى كلّ شيء, فى حملى الذى كان قبل زواجى, ثُمّ فى زواجى, وحتى عند الولادة وغيره وغيره.. أين كان أخوكَ وأنا أدارى فضيحتى وأختبئ فى البيت طوال الحمل حتى لا يلاحظ أحد الفرق؟؟ أين كان وقت ولادتى التى كانت بدون علم أمّى كى لا تكتشف عارى؟؟ أين كان وقت كلّ هذا؟؟ لا تقلْ بأنّى ظلمته, أنا حتى أخر لحظة وأنا أدعو الله أن يأتِ وأعرف عنه شيئًا كى أتخلّص من همى, ارجع لأخيكَ وقلْ له بأنه ظالم..
لم يجد ما يقوله لها بل طلب إليها أن تهدأ وأن تعود لطبيعتها لأن الصغيرة بدأت تفيق, ثُمّ طلب منها بأ، تعطِ سيف فرصة ليتناقشا ويجدا حل وأن تسمح له, هو شخصيًا, بأن يعود لزيارة الصغيرة, ثُمّ قبّل الصغيرة وذهب_حين استثقل سيف مرور الوقت وشقيقه لا يخرج ذهب وتركه.. جال بسيّارته بعض الوقت ثُمّ لم يجد نفسه إلا أمام منزله. اشتاق لنور وكان يودّ لو يطمئن عليها بعدما حدث, فلم يجد نفسه إلا أمام شقته يفتح الباب ويدخل..
_كانت بائسة حزينة تجلس على أحد المقاعد وتسند رأسها إلى مسنده وتبكى, يبدو من مظهرها أنها لم تكفّ عن البكاء منذ فترة.. دخل يجرّ قدميه عجزًا ألّا يراها تبكى فوجدها تبكى, اقترب منها وقال: بقدر ما انسابت دموعك بسببى أحبّكِ. نظرت إليه وعيناها تملأها الدموع وقالت: وبقدر ما انسابت دموعى بسببك أكرهك, فتركها وخرج مرّة أخرى, تركها تبكى ولم تكن تدرِ أتبكى لحبّه أم لكرهها؟؟
_ظلّ أمام البيت لم يتحرك, لم يعرف أين يذهب ويتركها على حالها؟؟ جلس وقتًا تعب من حسابه ثُمّ قرر أن يعود ويحدّثها ويشرح لها الأمر علّها تلين وتتفهم موقفه.. دخل وكانت فى مكانها لم تبرحه, وعلى هيئتها لم تبدّلها, ودموعها لم تكفّ.. اقترب منها ولم تخفِ فى قلبها سعادتها بأنه عاد وإن لم تظهرها له!!
جلس قبالتها لا يتحدّث, وحين أراد البوح بما جاء لأجله صدّته وقامت من مكانها لتذهب بعيدًا عنه.. أمسكَ بيدها وطلب منها أن تسامحه وتستمع إليه, لم تتحدّث بشيء ولكنها هزّت رأسها بالرفض.. حينها قام وهو يقول لها إن لم تسمعه سيذهب ولن يعود هنا مرّة أخرى وسينتهى ما بينهم: أنا فقط أرجوكِ أن تعرفِ الحقيقة وتعرفِ كيف حدث الأمر كلّه من البداية؟؟
لم تسمعه, تركته وذهبت من أمامه تتثاقل فى مشيتها من التعب والاجهاد والدموع التى غشيت عينها فلا ترى شيئًا.. قال وصوته يتألم: سأذهب ولن أعود, وهمّ بالذهاب كما قال.. بكت فى نفسها ودلّت دموعها على ذلك ثُمّ وقعت على الأرض فلم يجد نفسه وقد فتح الباب ليخرج إلا أن عاد وأغلقه وأسرع إليها يحملها ويضعها فى سريرها ثُمّ أحضر طبيبًا..
_أخبره الطبيب بأنها تهمل صحتها ولا تتغذَ جيدًا بما يليق بها وبحالتها, عليها الاعتناء بصحتها لأن هذا يؤثر على الجنين.. شهق سيف: وأىّ جنين؟؟
ضحك الطبيب منه وهو يسأله: ألا تعرف, زوجتكَ حامل..