_بعدما انتقلت الأسرة للقاهرة وعاشوا معًا كعائلة كبيرة, بدأت المشاكل تعرف طريقها إليهم وبدأ عبدالرحمن يحسّ بالجفاء تجاه إيثار التى كلما اقترب تبتعد.
فى الاسماعيلية كان يجد متنفسًا بعيدًا عنها فى عمله أو أن يجلس بغرفة أخرى , آما الآن فلا يمكنه سوى البقاء وقت أطول فى المقر الذى ارتضاه ليباشر تجارته.
دائمًا ما يسألها: ماذا فعلت لكِ؟؟ لِمَ كلّ هذا البُعْد؟؟ عينه تسأل ودموعها تجيب: أنا نفسى لا أعرف, لا تحمّلنى مالا طاقة لى به. يتركها ويخرج, يسأله المتواجدات بالخارج: إلى أين؟؟ يجيبهم منكسرًا: إلى عملى, طلبونى لأمر مستعجل.
يبقى هناك من الساعات ما يشاء وما يمرر الوقت حتى أنه تأتى أيام لا يعود للمنزل, علاقته بهم تكون عن طريق الهاتف للاطمئنان عليهم وبالأخصّ الصغيرة..
_حدّثته يومًا إيثار قبل خروجه: لِمَ لا يبقَ ؟؟ جاوبها ويكاد كلماته تختنق قبل الخروج : هناك كنت أجلس بالغرفة الأخرى, أفكر فيكِ, فى حياتنا وما وصلنا إليه, أحسّ أنى مظلوم بفِعالكِ وأكاد أخرج إليكِ لأبوح بما يعتلج به قلبى فتأتينّى ضحكة الصغيرة فأنسى كل شيء وأتذكّر أنكِ وهبتنّى تلك الضحكة وتلك السعادة, فأعود إلى رشدى وأتذكّر فقط أيام السعادة ; آما الأن فلا وجود لى إلا بتلك الغرفة التى ترفضنى, ولا يمكنننى البقاء بأخرى, لا وجود لى إلا هنا, وصغيرتى لا أراها لتذكّرنى بأنانيتى ولأعود إليكِ إذ وجدت رفاقٍ غيرى يظلّوا معها طول اليوم, لهذا أخرج كى لا أجرحكِ!! ...
_لم يبقَ لعبدالرحمن سوى رفاق الأمس الذى لم يجتمع معهم منذ سافر, اتصاله بهم كان عن طريق الهاتف. عاد يسأل عن الأحوال وما صارت إليه أمور كلّ منهم.. عَرِف عن طريق الهاتف أن الأحوال لم تتغير عن السابق وإن زادت سوءًا, والرفاق منهم من سافر مله ولكن لخارج البلاد, ومنهم من يعيش ليرى أهله متنكرًا , ومنهم من أخفته الشمس وراءها لا يعرفوا عنه سوى أنه خلف حاجز ورؤيته لدقائق تُعدّ على اليد .. إذًا لم تعد هناك رفقة كالسابق, كلّ ما يجب أن يفعله عبدالرحمن بعد العودة هو الحذر وعدم الظهور كثيرًا والابتعاد قدر الإمكان, وأن يحمد الله أنه ابتعد عن منطقته القديمة التى يعرفه كلّ من بها.. وأن يحمد الله أنه وجد ما يشغله ..كانت طفلته تكبر وعليها أن تذهب لمدرسة, لتبدأ بها من فترة الحضانة حتى تنتهى. منذ جاءت الطفلة وهو يعد إيثار أن يلحقها بأفضل المدارس ويجعلها تتعلم أفضل تعليم وها هى اللحظة ليفى بوعده.. بحث عن أفضل المدارس وألحق الصغيرة بحضانة هناك وكانت بالفعل الحضانة مميزة كما وعد عبدالرحمن..
_ مع مرور الوقت اعتاد عبدالرحمن الواقع الذى يعيشه, وإن لم يعتاد البقاء بعيدًا عن طفلته. كان يذهب إليها ببعض الأوقات ويأخذها بعد دوام الحضانة, يخرج بها ويقضى معها الوقت فى لهو ومرح ثم يعود للمنزل ويبقى بعض الوقت ثم يخرج ويعود فى منتصف الليل , هذا إن عاد!!
لاحظت أمّه وحماته التغيرات التى طرأت على حال أبنائهم, وأن السعادة تتسلل من بين أيديهم, فاقترحت كلّ منهم أن تتحدّث مع ابنها ولكنهما لم يجدا طائلًا من الحديث, كلّ ما وجدتاه هو كثرة الشغل من جانب عبدالرحمن التى تتسبب فى بقائه خارج المنزل وقت طويل وعندما يجد حلًا للأمر سيعود لطبيعته ..._أصرت عليه والدته يومًا أن يبقَ بالمنزل تلك الليلة معهم ولا يتركهم , وافق على مضض بعد الضغط عليه ويا ليته ما وافق!! .. ذاع صيته كتاجر شاطر يدخل الصفقة _حتى ولو كانت صغيرة_ ويفوز بها, وأصبح له أعداء بالمهنة يتمنوا الخلاص منه, ومنهم من لا يخشَ الله الذى يبحث خلفه ليعرف كيف يوقع به؟! وجاءته الفرصة حين عرف عن ماضيه وعرف من يكون, الأمر الذى ظلّ يخفيه عبدالرحمن كى لا يقع له ما وقع لرفاقه.. أبلغ عنه بأنه من الشرفاء, من هؤلاء الذين لا يقبلون الضيّم ولا ينزلون أبدًأ على رأى الفسدة, فجاءه أنذال الفجر يروعوا نساءه ويخترقوا حرماته.. أخذوه وتركوا من خلفه النساء تبكى, حتى الطفلة التى لا تعى من أمرها شيئًا كانت تبكى وكأنها تحسّ مصيبتها وتحسّ بما حدث وما سيحدث لأبيها..
_أخذوه ومن خلفه إيثار تبحث عمّن ينجدها مما وقعت فيه, ما أعانها هو خبرة حماتها بتلك الأحداث, الأحداث التى كانت تسمع عنها وتدعو الله أن ينجيها منها ويبعدها عنها.. اتخذت حماتها الاجراءات التى كانت تعرفها من قبل وبدأت تبحث عن محامٍ وبالأخص المحامى الذى تعرفه وتعرف أنه منوط بتلك القضايا التى تُجهز وتلصق بالأبرياء..___________________
_كانت نور تتقلب فى حياتها بين السعادة والشقاء. تبحث عن حنان سيف وسط أعصابه المتوترة وهتافات اللغط التى لا يكفّ عنها.. ما كان يسعدها هو رؤية اهتمام سيف بانجاب طفل, وهو الحال الذى لاحظت نور تغيره منه. كان يدفعها للذهاب للطبيب فى كلّ موعد لإجراء فحص جديد بل ويذهب معها بعض الأوقات..
وكانت أكبر سعادة لها هو الذهاب للمدرسة التى تعمل بها ومجالستها للأطفال هناك. كانت تتخيل ابنها من بينهم وتعامل كلّ طفل كما لو أنه ابنها. متعتها كانت ضحكة الأطفال وخاصة تلك الطفلة الجديدة التى التحقت من فترة قصيرة بفصلها.
كانت تخبر سيف أن الطفلة التى جاءتها تشبهه كما لو كان أبوها. ضحكتها مثل تلك التى يطلقها لو قال له أخوه نكتة يسخر بها منه أو من فعاله , تغضب وتزوى ما بين حاجبيها مثله فتظنّ نفسها لا تخرج من البيت, فسيف بالبيت والبراء بالحضانة.. كانت تخبره أيضًا كيف أن الطفلة تحبّها ومتعلقة بها كما لو كانت قريبة لها فيضحك سيف تارة إن كان رائق البال ويغضب بينه وبين نفسه ويتمنى أن يهتف بوجهها غاضبًا: أن آتينى بطفل كالذين تتحدّثِ عنهم وكفى كلامًا فارغًا, أنا مللت..
_فى الفترة الأخيرة كانت نور غير واضحة المزاج ما بين الشرود والألم .. تعلّقت بالصغيرة التى تعلّقت بها هى الأخرى حتى أضحت لا تحتمل ابتعادها عنها, والتاة لم تأتِ منذ أسبوع, أصبحت لا تحتمل, تتمنى لو تستطيع أن تذهب لتعرف عنوان منزلها وتذهب إليها ولكن بأىّ صفة؟؟ وماذا لو هجرت الفتاة مكانها كلّه والمدرسة ؟؟ .. كانت تفكر بها كثيرًا وتقول لمن يسألها عن سبب ارتباطها الشديد بتلك الطفلة بالذات وهى التى يمرّ عليها من الأطفال ما لا يُعدّ بأنها لا تعرف, شيء بداخلها يدفعها لتلك الصغيرة, يمكن أن يكون الشبه الشديد الذى يجمعها بسيف, لا تعرف!!!