الفصل التاسع

251 10 0
                                    

_أمام القسم تجمّع الكثيرون من ذوى المحتجزين والمحتجزات .. كانوا بحالٍ سيئة لا يجهلها من يراهم فقد ظهرت جليّة على وجوههم , فى عيونهم وحركاتهم المنكسرة وكلماتهم المجروحة ..
إحدى الأمهات تحدّّثت بصوتٍ مسموع لمن تجلس إلى جوارها بأنهم قد انتهوا بتلك الليلة التى قضيتها ابنتهم فى الزنزانة , بلدنا صغيرة هى فى الأصل قرية , يعرف كلٌ الآخر والاحاديث لا تنتهى , تُرى ماذا قالوا عن ابنتنا بعدما قضت الليلة فى قسم شرطة ولا نعرف إن كانت ستكون الليلة الأخيرة أم سيعقبها ليالٍ , ثم أخذت تندب الليالى والجامعة ما تبقى لها من حديث مع المجاورة لها ..
_وسط الجاهلات بحال بناتهن اتخذت أم إيثار مجلسًا , كأنها كانت تتدفى بينهن , أنّاتهن تشعرها بالمواساة ; فليست الوحيدة التى تعانى الآن .. "لطالما أردنا التآلف حتى لو كان فى الحزن , الآن الحزن هو الجامع الوحيد لنا والذى يشعرنا بأننا شيئ واحد , كيان واحد , كيان افتقدناه فجمّعتنا عليه السجون والاقسام "..
بجوار الثكلى تلك كانت أم عبدالرحمن وآيات ووالدتها وبعضٌ من المعارف العالمين بحال الأم وابنتها وبوحدتهن جاءوا للمواساة والاطمئنان ولا بأس من الشماتة فليس الأصل فى الجماعة الأنس فقط , هكذا ربتنا الأيام ..
من بعيد ظهر عبدالرحمن رأته آيات الواقفة وعيناها مشخصتان نحو باب القسم الذى جاء عبدالرحمن بجواره , نادته ولوحت له حتى ذهب ليتلقى جزاء حب إيثار واعجابها به .. كانت أمها برغم رداء الصبر والثبات التى ارتدته لا تزال بداخلها شحنات غضب ترغب بأن تفرغها فى وجه أى شخص وليس أفضل من حال عبدالرحمن وشخصه لتفرغها به : ابنتى بالداخل بسببك , طلبت من أمك أن تعتنى به وترشدها لطريقٍ خيّرٍ وليس لطريق السجون , انظر ماذا حلّ بابنتى بسبب أفكارك , انظر إلى أين وصلت حالنا ؟؟ ثم انهمرت بالبكاء كليلة أمس وصباح اليوم و و و وغيرها من الليالى عليها أن تعيشها ..
تقبّل منها الغضب بنظرة أرضية لم يرفعها إلا بتهافت الواقفون إلى مدخل القسم : لقد خرجت الفتيات .. كانت الكلمات التى رنت من فم أحد الواقفين بمثابة طوق نجاة لعبدالرحمن من بحر غضب أم إيثار , هكذا ظنّوا ..
تلفتوا وسط الخارجات بحثًا عنها , أين الفتاة ؟؟ , لا وجود لها بينهن .. هرعت الأم نحو الباب علّها تجدها ولكنها ليست حاضرة .. أصاب الجميع رعب وفزع من عدم خروجها حتى الآن .. استأذنهم عبدالرحمن للذهاب والاستفسار فلم يجد مجيب من الداخل وكان لا بد من إجابة تشفى صدر أمها .. التقط نظره فتاة يعرفها جيدًا فناداها : أين البقية ؟؟ .. بأسفٍ اجابته : الشباب سيُعرضوا على النيابة وسيتم تلفيق قضية لهم , أنت تعلم حال هؤلاء معنا , حتمًا ستكون هناك قضية والفتيات خرجن ..
أعلم كل هذا لكن هناك فتاة لم تخرج بعد , أو يكونوا احتجزوا معهم فتيات , ألم تعرفِ شيئًا وأنتِ بالداخل ؟؟ ..
لا لا , كل الفتيات خرجن الآن , كنا فى زنزانة واحدة وخرجنا معًا ..
كيف هذا ؟؟ , هناك فتاة لم تخرج بعد ؟؟ , أو انتظرت من بينكن فتاة بالداخل قضاءًا لحاجة أو شيئ مثل هذا ؟؟ ..
لا لا , تقريبًا كنت آخر الخارجات ولم تتبقَ أى فتاة كانت معنا ..
كيف هذا ؟؟ هناك فتاة , هى طويلة بعض الشيئ , و ..... و ... لا أستطيع أن أصفّ لكِ , لحظة سأنادى من تعرفها ثم نادى آيات لتخبر عن صفات إيثار علّ الفتاة تعرفها وتنقذهم من حيرتهم ..
ما الأمر ؟؟ .. آيات , أخبريها عن صفات إيثار ..
لم تتكلم آيات فبمجرد أن رأت الفتاة آيات حتى ابتدأت : أنا أعرفكِ , أنا معكِ بالكلية وعرفت صديقتكِ , كنت أراها معكِ ..
تأفف عبدالرحمن : لا وقت الآن , أين إيثار ؟؟ , أرأيتها معكن بالداخل ؟؟ ..
تحرجت الفتاة من الجواب : لا أعرف ماذا أخبركم , كانت معنا ولكنهم أخذوها بالأمس ولم يرجعوها إلى الزنزانة مرة أخرى .. كانت تبكى كثيرًا فأزعجهم بكاؤها وأخذوها للتأديب ولم أرها مرة أخرى ..
أصابتهم اجابتها بالصدمة , تمالك عبدالرحمن نفسه وسألها : هذا يعنى أنها بالداخل فلمَ قالوا أن كل الفتيات خرجن ولم تتبق ولا واحدة ؟؟ , الأمر مريب , أنتِ متأكدة من كلامكِ ..
بلى , أنا متأكدة وهذا كل ما حدث ولكن لا أعرف ان كانت مازالت بالداخل أم خرجت فكما قلت لكم : آخر مرة رأيتها كانت بالأمس ...
تركتهم لحيرتهم وذهبت وكادت عقولهم تذهب معها : أين إيثار ؟؟ ..
_بماذا سنخبر أمها ؟؟ , هكذا لبرهة توقفت آيات عن البكاء لتسأله فلم تجد إجابة وهذا ببساطة لأنه ا يملك إجابة وافية , إجاباته ستكون ناقصة وهزيلة ستقضى على ما بقى بينه وبين أمها : سننتظر بعض الوقت علّها تخرج ..
___________________
_فى الداخل , كانت الفتاة ترتعش , تبكى_فى الداخل , كانت الفتاة ترتعش , تبكى وتحتمى بركن الحائط , مهترئة الملابس منزعجة الحجاب وباقى الأمور كالمذكورات لا تبشر بخير ولا توحى بخير .. وبركن آخر كان يجلس بشرود , شرود لا يُعرف أكان بسبب ما فعل أو أن ما بقى من دواء أخذه بالأمس كان مؤثر .. كان عليه أن يقوم من مكانه فالوقت أزفَ والعاملون سيأتوا ومن عليه الدور سيستلم , فماذا سيقول لهم ؟؟ والأهم , ماذا سيفعل مع الفتاة ؟؟

انكسار الروححيث تعيش القصص. اكتشف الآن