الفصل الحادى عشر

252 10 0
                                    

_بدا جو ذلك اليوم حالك , ومرعب وكئيب .. جوًا يناسب حال إيثار ولكن كيف وصل ذلك الحال إلى سيف فاتخذ حجرته ككردون عازل لا يقرب منه أحد حتى جاءته أمه :
ألم ترتدى ملابسكَ بعد ؟! , علينا أن نذهب , العروس بالانتظار وليس عليها أن تنتظر أكثر , هيا لنذهب , كلنا جاهزين وبانتظارك ..
أعطى أذنه لأمه وهى تحدّثه وخاطره بوادٍ آخر , وادٍ من الكُلام غير ذى زرع ولا ماء وهو يسير بجوانبه على غير هدى , يحتاج إلى من يرشده ولا يجد , ينادى ولا يردّ عليه سوى صدى صوته المكتوم بداخله .. يفكر فى حاله ولم يعطِ لنفسه برهة يفكر فى حال آخرين , لم يعطِ باله اشارة تفكير فى مظلومين غرقى يحتاجون تفكيره علّهم يكونوا سبيل نجاته ونجاتهم ولكن مثله لا يرقّ له قلب ولا يستصغر باله ليفكر إلا بحاله ...
_تظاهر بسماع أمه والانتباه لها وشدّ انتباهه يدها وهى تمسح على شعره راجية له أن يقوم معهم ويلبى لها رغبتها برؤيته عريس ثم زوج له أسرة وأبّ له أولاد ..
أجاب عليها برأسه أنه سيقوم معها ولسان حاله يقول : هل لو عرفتِ أمرى ستظلِّ بنفس العطف يا أمى ؟؟ , بلى يا أمى , سأقوم معكِ وسألبى رغبتكِ كى يكون لى شفيع عندكِ فأنا لن أقوى أن تهتز صورتى أمامكِ .. صورتى هى الأهم ..
_قام وأعقبها ليبعد عن نفسه فكرة اهتزاز صورته أمام أسرته واهتزاز صورة أسرته أمام من وعدوهم بالزيارة .. الصورة هى الأهم ..
__________________________________
_هدأ المنزل حول إيثار بصورة شعرت بها أمها ولم تشعر بها إيثار التى كانت تغوص فى عالم آخر .. طلبت منها أمها الراحة ولم تعلم أن راحتها انتهت وعليها العودة للحياة , كفى براءة يا إيثار وعليكِ المواجهة : تلك هى الكلمة التى رددتها أنفاس إيثار المختنقة بداخلها والتى بالرغم من خروجها من محبسها إلا وهى مازالت متعثرة ولا تجد الحرية فى الخروج _ لا شك وهى تعيش بغابةٍ حتى الأنفاس فيها معدودة وتحتاج لتصريح _ تظاهرت بالنوم عندما رأت خيال أمها باديًا على الحائط أمامها .. ربطت عليها بيدها الملساء وقبّلتها ثم دثّرتها وعاودت أدراجها من حيث أتت , عادت وتركت إيثار تتألم ولا تدرى عنها شيئًا ...
_لفت انتباه الأم الملابس الموجودة على طرف السرير فأخذتها معها ; فى البداية استغربتها , من أين جاءت إيثار بتلك الثياب ؟؟ , ليست لها ولم تكن كالتى خرجت بها , أخذتها وأغلقت من خلفها الباب ..
أما إيثار فتمنت لو أحرقتها , تمنت لو ألقت بنفسها فى حضن أمها وقصّت عليها كل ما يجول بخاطرها وما جال بها الأمس واليوم فتقوم أمها من فورها وتحرق بنفسها تلك الثياب ولكن كالعادة ودوال الأيام المطالب لا تُحقق بالتمنى بل بالأفعال وهى ما بيدها حيلة لفعل ولا حتى لقول ..
غمست وجهها بين طرفى وسادتها وبكت وما أغلاه من فعل اكتشفت مؤخرًا أنه ليس بيسير لآخرين ..._بكل ترحاب قُبلت تلك الزيارة وقوبلت الأسرة السعيدة من أجل زيارة سعيدة تمنيًا لمناسبة سعيدة .. جلسوا فى جلسة سمر وحديث كعادت تلك الجلسات إلا سيف كان بعالم آخر , لم يقوَ على تفكيره النكات والأحاديث كما قوى هو على إيثار من قريب ..
_ حان موعد التقاءه بالعروس , جاءت ولكن ليست كالعرائس فى مثل تلك المناسبات تحمل صينية عليها أكواب من العصير بل استغنت عن تلك العادة بواحدة تحملها الخادمة .. كانت جميلة ولا يخفى جمالها عن أحد , ينساب شعرها من خلفها وعلى كتفيّها وهربت منهم بعض الخصيلات التى زينت بها جبهتها وكانت تلك الخصيلات هى أول مرأى سيف ..
_ الخصيلات ليست بالمرة الأولى التى يراها بها أو هى شبيهة بواحدة رآها من يومٍ واحدٍ فقط عندما سقطت إيثار تحت قبضته فحاولت المقاومة فانتُزع عنها أو انزاح جزء من حجابها فظهرت من خلفه بعض من السلاسل المنسابة , انسابت على عينها فكانت نظير شؤم لها أعاق رؤيتها وكان خير معين له سهل عليه مهمته ..
_جلست بجواره عندما طلبت منها أمه : نور , اجلسِ بجوار عريسكِ ..
_جلست على استحياءٍ من الموجودين وعلى حياءٍ من الوافد الجديد على الأسرة .. أفسحوا لهما المجال ليتعارفا وطوال الجلسة الثنائية لم يكن سيف سوى مستمع أو مجيب بالرأس .. ظلّ يفكر و يقارن : هى مثلها , أنا لن تخفَ علىّ تلك العيون والخصلات والنظرات الحيية , من خفت علىّ فقط هى الابتسامات والضحكات , لم تسنح لى الفرصة لرؤيتها تضحك وتبتسم ومن ثَمَّ أقارن ولم أعرف كيف تبكى نور ولكنّى عرفت ووقفت على بكاء الأخرى وكنت المتحكم والمستلذ به ..
_دار بين الكلمات والحركات حتى مرّ الوقت وكان عليه الذهاب , انتهى الوقت أو مرّ , لا يدرك كل ما يدركه هو أن الجلسة انتهت وعليه الذهاب فقام إلى أمه كطفلٍ يخاف الضياع وظلّ بجوارها , فأمه حتمًا تعرف كيف تنهى الأمور ..
والآن عليه التقرير : موافق أم لا

انكسار الروححيث تعيش القصص. اكتشف الآن