_توجس عبدالرحمن من موقفها وما حدث لها, فالفتاة فقدت وعيها ولا أثر للحياة فيها إلا ربما تلك الانفاس المتقطعة التى يشعر بها عبدالرحمن من حركة خفيفة للشفاه .. ناداها بعدما اقترب منها: إيثار إيثار , ولم يجد ردّ .. هتف بقوة : أمى أمى, بالله أقبلِ , بالله أسرعِ ... خرجت الأمّ مسرعة لترى الأمر ومن خلفها والدة إيثار التى وجدت ابنتها متسطح نصفها الأعلى على جزء من المقعد والنصف الآخر متدلى على الأرض ..
أقبلت عليها تصرخ: إيثار , ابنتى , ماذا بكِ ؟؟, أفيقِ ولم تجد ردّ هى الآخرى, ويبدو أن عبدالرحمن حائط سدّ مناسب لإفراغ شحنات الغضب فيه علّه يتهدم ولكنه أبدًا لا يتزحزح ويتحمل .. هتفت بوجهه تتهمه بما حدث لابنتها وتطلب منه تفسير لحالتها وماذا قال لها؟؟ ... لازم صمته أمام كلمات الأمّ النارية فقطعتها أمه وهى تطلب منها إحضار شيئ مناسب ليساعدوا الفتاة لتستعيد وعيها .. لم تجد مفر من الذهاب للداخل وإحضار ما طلبت والدة عبدالرحمن ...
_يبدو أن فرص الاختلاء بعبدالرحمن كثيرة اليوم حيث لم تترك أمّه مجالًا إلا وعاتبته على أفعاله الغريبة التى لم تعتدها منه والتى جعلت أمّ إيثار تأخذ عنها من الفكِر السيئاتِ ما أخذت وجعلها تطيح بوجهه بكلمات جارحة ... وكان عبدالرحمن يتحاشى الكلام حتى لا يفضح سرّ إيثار ولأنه كان يرغب بالاطمئنان عليها أولًا ..
* كان قلِقًا جدّ القلق عليها, قلق لو رأته إيثار لقامت من مكانها ولاهتزت بالمزح والضحك بالرغم مما تعانى , ويا ليته أظهر لها بعضًا منه فى السابق لكانت ارتاحت ووجدت سببًا لهذا الحبّ * ...
جاءت والدة إيثار بزجاجة عطرية بيدها لتشمّمها إياها علّه تفيق فاستجابت وبدا عليها شيئ من حياة, فتحت عينيها وبدأت تحرك يدها فكان مؤشر جيد جعل والدة عبدالرحمن تطلب الإذن بالرحيل بعد الاطمئنان على الفتاة ...انزعج عبدالرحمن من طلب أمّه, كان يود البقاء حتى يعرف من إيثار, وظهر تأففه على وجهه وحاول أن يشرح الأمر فلم يجد استجابة من أمّه التى طلبت منه السرعة بالمشى ... مشى وفجأة توقف على صوتٍ هزيل ضعيف لتوه عائد من معركة صراخ وعويل ولا طاقة لمزيد :انتظر ...كان صوت إيثار الذى توقف عليه وتوقفت معه أمّه ودُهشت والدتها من الطلب الغريب متسائلة: كنت أطلب منكِ ولو كلمة وقت صحتك فلا أجد والآن وأنتِ مريضة تطلبِ انتظار وكلام عبدالرحمن , ما الأمر؟؟ ...
عادت تردد بنفس الصوت الخافت: عبدالرحمن, لم ننهِ كلامنا بعد, علينا التحدّث قليلًا ومن ثَمّ تذهب, أرجوك ...
كان الضعف البادى عليها وحاجتها الظاهرة للكلام كفيلًا بعودته وتعديل أمّه لرأيها والبقاء ولكن كلمةأرجوك لم تدع مجالًا لرأى الأمّ من عدمه , فحتمًا سيبقى ...
استأذنت والدته بالبقاء والجلوس حيث كانت قبل إغماءة إيثار ولكن والدتها أبت قبل أن تعرف حال ابنتها وماذا حصل لها ؟؟ .. رغبت إيثار فى ذهابها التوضيح فيما بعد ولكنها أصرّت فشرح لها عبدالرحمن أن إيثار ضعيفة جدًا وتحتاج إلى تغذية وهذا هو رأى الطبيبة وأيضًا ما جعلها تسقط وتفقد وعيها من مجهود بسيط قامت به مع الملاحظة أنها لم تقم من سريرها لأيامٍ مضت ...
هزّت الأمّ رأسها بالتوافق مع القول وطرقت رأس إيثار بعبارات تأنيب وعتاب ثم طلبت من والدة عبدالرحمن التفضّل والدخول معها ريثما ينتهوا من الحديث وإن كانت غير مقتنعة بتلك الجلسة الثنائية إن كان الأمر بتلك البساطة والسهولة ....
_ما إن دخلت الأمهاتانِ حتى جلس عبدالرحمن فى موضعه وطلب من إيثار الاطمئنان وإخباره بالأمر ... فى البداية كان سؤاله إمن كان الأمر يتعلق بالقسم أم لا ؟؟ , هنا نظرت له إيثار بحزنٍ : فماذا يقصد؟؟ ... من فورها هزّت برأسها وبلسانها المتحرك بصعوبة لتبعد عن نفسها التهمة وتؤكد أنها بريئة وأن القسم هو حلّ اللغز : لا لا , من يوم القسم , أنت, ماذا تقصد بكلامك؟؟
لا شيئ , أنا فقط أفكر معكِ بصوتٍ عالٍ ..
قالها على استحياء من نفسه وكلماته ثم استطرد فى الكلام : أيمكنكِ إخبارِ بما حدث ؟؟
مسحت إيثار دمعة من دموعها التى لا تنضبّ وزادها كلام عبدالرحمن ثم بدأت تحكى له الأمر برمته وهو جالس ينصت باهتمام وعلى وجهه علامات التفاعل والوجوم والاشمئزاز مما يسمع ..
انتهت من الكلام ولم تستطع انهاء البكاء فطلب منها أن تهدأ وتحاول تذكّر اسمه ... لم تتذكّر أىّ شيئ ثم لاح لها موقف الصباح فتذكّرت: اسمه الباشا , بلى , ناداه بالباشا ...
لم يدرِ عبدالرحمن أيبكى أم يضحك؟؟ , يبكى للحال التى وصلت إليها وعلى براءتها أم يضحك لسذاجتها ... قرّب رأسه منها بعض الشيئ ناحيًا إياها إلى الأمام ثم قال: إيثار, أنتِ ساذجة, كيف وقعتِ فى براثن هذا الذئب يا صغيرة؟؟ , اسمه باشا , إيثار, كلهم باشاوات ونحن العبيد ومن ناداه بالباشا هو السوط الذى يذلنا به الباشا ... ألا تستطيعِ تذكّر شيئ آخر ؟؟ ..
لا , قلت لكَ كل شيئ , لا أتذكر ..
أوتذكرين شكله ؟؟ ...
بلى ..
إن ذهبنا للقسم أتعرفينه؟؟ ..
بلى ...
حسنًا , اطمئنِ , سأحاول الذهاب للقسم معكِ لتريِه ولنرى ماذا يمكننا فعله ...
والآن ذهب الوقت وعليكِ الاسترخاء لمشوار طويل وتجهيز حجة لأمك , لا تقلِ أكثر مما قلت وإن سألتكِ عن الجلسة قلِ لها أنّى كنت أحاول إقناعكِ بالذهاب للجامعة , لا تفكرِ سوى بصحتكِ لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا .. سنذهب ...