_ودّعا الأحبّة ومَرِحا بعض الوقت معًا وهاهو وقت أول ليلة فى كنف الحبيب قد حان. دخلت لا تسع القدمان خطوة, تهرول ولا ريب فإنه الميعاد. أمسك عبدالرحمن بيدِها يستمد منها دفء مُفتقَد, طريقها كان بعينيه تنظر فيهما وقدماها تخطو بالاحساس خلف خطواته, تعرف أنه لن يخطىء الخطا وأنها معه فلا خوف ولا خطر ..
_لو كانت إيثار مثل الآخريات لاختلفت ليلتها مثلهن, ولكنها إيثار, إيثار حيث للحبّ شعارٌ آخر وللزواج حياة آخرى . من خلفها اقترب عبدالرحمن وهمس بأذنه وكأنهما وسط صحبة يأبى عبدالرحمن أن تسمع الصوت فكان الهمس: أحبّكِ ولا اكتفاء من هذا الحبّ, أحبّكِ حدّ انتهاء الكون إذا كان للكون انتهاء, ثم تنحنح وهو خَجِل من القول: من هنا الطريق إلى غرفة النوم, غرفتنا.
_تبدل الحال, حال إيثار بعد سمع الكلمات الأخيرة, فماذا سيكون الحال؟؟ .. تحادثت فى نفسها وهى لا تجرؤ على البوح بما تكنّ النفس وينشغل البال: تُرى كيف سيمضى الحال ؟؟ ..
لاحظ أن ملامح الوجه اختلفت والبسمة الحيية تلاشت حتى اختفت, فحدّث حاله بأنه قال ما يزعج, عاد إلى قوله فإذا به غزلٌ ونسيب ليس به ما يسىء. لوهلة خطر بباله بعضٌ من كلامٍ سمعه عن هذه الليلة, ليلة الزفاف, فالعروس تكون خجولة والبعض يقول خائفة وحالها مُتغيِر وعلى الزوج أن يجاريها بتغيّرها وتقلّبها حتى تمرّ تلك الليلة فاطمأن باله مما قال وسألها عما بدّل حالها ..
لم تكن لتقول ما خطر ببالها إلّا أنه اقترب منها يقبّلها ويمسك بها وهى زوجته . انتفضت كالمقبل على نارٍ يخشى أن يحترق بلهيبها وابتعدت عنه وهى تبعد يده بشيء من خشونة ولسانها يقول أنه لا يجوز ..
تغيرت ملامح عبدالرحمن واتخذت ملامحه وردود أفعاله جانب من صرامة بدا بها كالأبله عندما ترك حاله لكلماتها, سألها عما لا يجوز فهى زوجته ويحقّ له ما يحقّ لجميع الأزواج ؟! ..
كادت أن تبكى وهى تذكّره بما اتفقا من قبل وبما تحمل فى أحشائها: عبدالرحمن , أنا حامل ولا يجوز شيء من هذا قبل الولادة, ألم نتفق؟؟, أنسيت؟؟ .. أنا بحثت فى الأمر عندما اتفقنا على الزواج ..
_خبط بيده على رأسه وهو يضحك بالقهقهة : وماذا كنتِ تظنيننى سأفعل؟؟ , أنا أعرف بهذا الأمر وقد حسبت حسبته قبل أن أتقدّم لخطبتكِ, ولم أكن أنتوى فعل شيء يغضب الله , لا تقلقِ والآن اقتربِ لا تخافِ ..
*لم يبد على ملامح إيثار أنها قد وعيت ما قال بل ظلّت جامدة الوجه تارة , وخائفة تارة آخرى حتى طلب إليها أن تبدل ثيابها وتدخل حيث أشار لها, حيث غرفتهما ..
_مضت تلك الليلة المرعبة لإيثار, مضت هادئة ساحرة حتى هى لم تكن تتوقعها بهذا الهدوء ولا السحر .. أمضتها جلّها بالقرب من عبدالرحمن التى لأول مرة تكتشف فيه جوانب آخرى, ولا عجب فهذه الجوانب تمت للنبل والشهامة التى عرفته بهما .. حتى إذا جاء الصباح وابتدأ يوم جديد جلس إلى جوارها ولكن تلك الجلسة لم تكن كساحرة الأمس وإنما بها بعض الجديّة يحدّثها كيف ستمضى الحياة؟؟
حياتنا لن تقف عند حدّ الحمل بل ستمضى كحياة زوجين, حقًّا أنها لن تكون كاملة ولكن لا ضير بعد شهور قليلة ستكتمل, سنتعامل كزوجين ,وشدد على تللك الكلمة ليصلح ما حدث بالأمس من إيثار, أىّ سيكون طعامى وشرابى وملبسى مسؤوليتكِ ولا تنسِ وصية أمّكِ قبل أمّى, الآن أنا مسؤوليتكِ وضحِك فضحكت هى الآخرى , ثم أكمل, سأبدأ العمل بعد عدة أيام وخلال الأجازة التى منحتها لنفسى سأقضى وإياكِ عدة أيام عسل, أيام معدودة وليس شهر كما يقولون .. قالها فانفرجت ضحكات إيثار ولم يعد لها قيد يوقفها فضحك معها وهو يخبرها أن ضحكتها هى سعادته ويرجوها أن تظلّ ضاحكة مستبشرة بالقادم دائمًا وأن تترك همومها خلف ظهرها ..
____________________فى عالم آخر جلس إلى جوار خطيبته سارحًا فى عينيه, متعمق فيهما وكأنه يبحث عن كنز دفين بداخلهما, سألته الخطيبة : أين ذهبت؟؟..لم يردّ سؤالها إذ كان فى عالم آخر, حين لم تجدّ جوابًا لسؤالها لكزته بيدها توقظه من سباته: أيناك ؟؟ , فأنا أتحدّث إليكَ من وقتٍ ويبدو أنك لم تسمعنى..
ابتسم وهو يدارى انشغاله خلف تلك البسمة : لا شيء , أنا معكِ وإن كنتِ عاتبة فلعينيكِ كلّ العتاب إذ فيهما أسبح ولا أجدّ برّ أرسو عليه , فى المرة القادمة حين أكون معكِ أديرِ عينيكِ عنى حتى أكون معكِ ولا أضيع فى سحرهما ..
ابتسمت فأعطتها الابتسامة سحر إلى سحرها وجمال إلى جمالها: دائمًا ما تغلبنى ..
أنا لا أغلبكِ ولكن لعينيكِ بريق يأخذ بعقلى ووجدانى حتى لأخال نفسى جسد بلا روح وأنا إلى جواركِ .. إن أبعدتِ عنى هذا الجمال فأوعدكِ بأن أكون بكامل عقلى وأنا معكِ وبغير هذا لا تلومينّى ..
خجلت واتسعت ابتسامتها ثم طلبت إليه أن يختار معه ما يحتاجانه من مفروشات فى شقتيهما حيث اقترب موعد العرس ..
* غازلها وهى منتشية بهذا الغزل وهو لا يدرِ لمن كان الغزل, لتلك العينين الخضراوين أم للعينين السوداوين البريئتين التى صادفهما من فترة ولم يجدهما حتى الآن مرة أخرى, حقًّا أنه لم يبحث عنهما فى نفس المكان مرة آخرى ولكن تعمقه فى كل العيون التى يراها وكأنه فاقد لروحه يل على أنه يبحث ..
_جلست إلى جواره فى سيارته ومضى بها وهى تحدّثه وهو منصت لكلامها وهى تصرخ وتطلب أمّها وهو لا يرحمها, حتى إذا توقفت نور عند جملة تطلب منه مشاركتها فيها تظاهر بانهماكه فى القيادة فتتركه ثم يعود إلى الإنصات إلى الصراخ وجملة أريد أمّى لا تترك أذنه وتصرّ على ملاحقته ..
هنا منزل نور, فهكذا أعلن صرير السيارة وهى تقف .. انتبه بأنه فعلًا المنزل وأن سيارته لا تخطيء الطريق بينما هو دائمًا ما يفعل. ودّعته بابتسامتها الساحرة التى لا تفارقها فودّعها بابتسامة الغزل التى تخفى خلفها رأس مثقل بالأفكار ثم قاد سيارته إلى منزله .. وتلك المرة كان يستمع إلى الحديث ولكنه حديث نفسه وسؤالها : أيناكِ ؟؟ ..
_لا يعرف إن كان يحبّ نور أم لا , كلّ ما يعرفه أنها باتت جزءًا من حياته لا يستطيع الاستغناء عنه. الآن بات ينام على صوتها ويصحو على صوتها فأصبحت جزءًا منه قد تعوّد عليه, كشيء لازم فى حيواتنا ليس باليسير الاستغناء عنه, ولكنه لا يدرِ لماذا كلما كانت معه أو فكر بها تأتيه هى , ذات الطفولة والبراءة التى انتهكهما بدون ذنب منها ..