الفصل السادس و العشرون

160 9 0
                                    

_أغلقت الهاتف ودنيتها لا تسعها ولكن الكون برحابته واتساعه ضاق عليها وعلى فرحتها فعاود معاندتها . ظنّت فى الأيام الأخيرة, منذ تقرّبت من عبدالرحمن وأحسّت بأن قلبه يدّق لها, أن الحياة تبتسم لها وتعطيها أمل جديد بعدما ضنّت عليها وهى الفتاة التى لم تتجاوز العقدين بعد .
طارت من فرحتها وملأت النشوة قلبها وعبدالرحمن يخبرها: ستأتى أمّى للحديث مع أمّكِ بشأن الزواج, فهل توافقين ؟؟. صمتت ولم تستطع الاجابة إلّا بابتسامتها الرقيقة العذبة التى لو رآها عبدالرحمن لتحدّث بشأن كتب الكتاب وليس الخطوبة, ابتسامة من الخوافى عنه حيث لم يعهد إيثار إلا حزينة مدمعة العينين قلما ضحكت وابتسمت بحضرته أو حتى بعدمه . ألّح عليها بالكلام : إيثار , ألا توافقين ؟؟, أريد الزواج منكِ وأمّى ستأتى لتتحدث فى هذا الشأن, فإن رغبتِ بادرنا وإن كرهتِ عدلنا . لم يجد جواب فقط أحسّ بدموعها وهى تقول : عبدالرحمن ولا تكمل أىّ كلام . قال لها وقد غلبه الحنين إلى رؤياها وهى فَرِحة : أشعر بأنّكِ مثلى, لا تجدِ قدماكِ من فرط السباحة فى ملكوت السعادة, أليس كذلك؟؟, إذًا سآتى وأمّى , أحبّكِ .
فرحته غلبته حتى حررت عقدة لسانه ليقول الكلمة التى ما كان حتى يفكر فيها, فمنذ متى وكل هذا؟؟, هو نفسه لا يعرف, دائمًا ما يجيب قلبه الذى بات ينبض باسم إيثار أن سبحانه من يؤلف القلوب .
_كانت إيثار تبكى وتبكى من فرحتها ثم سرعان ما ازدادت بكاءًا من حسرتها . دارت بها رأسها وأحسّت بالرغبة فى الاسترخاء والاستلقاء على سريرها بعدما سعدت بما يكفى وكأن دنيتها تستكثر عليها فرحتها . استلقت وياليتها ما استلقت . جاءها هاتف ليوقظ افكارها : استيقظِ يا بريئة , يا فَرِحة كما الأطفال بثياب العيد فهذا الأمر لا يجوز , أنسيتِ , كيف نسيتِ!! , بداخلكِ قطعة لحم صغيرة تنمو لا يجوز أن تدخلِ عليها ماليس منها , أفِقِ و يرحمكِ الله ..
_تبدّلت وما أسرع أن تتبدّل إيثار هذه الأيام , دموع فرحتها انقلبت عليها , قلبها دقّ بالأسى , الكلمة الأخيرة قتلت فرحتها , ماذا تفعل؟؟ , فحقًا لا يجوز , كيف الأمر , كيف ؟؟
تساؤلاتها لم تُستكمل ولكنها لن تنتهى حيث دخلت أمّها تخبرها بالخبر السعيد والتى لرؤية ابنتها بتلك الحال حدّست بأن الخبر قد وصلها بالفعل, فأىّ شيء يستدعى بكاء الأميرة غير قدوم الأمير . سابقتها بالفرحة وبالاحضان : آتاكِ الخاطب , أعرف أنكِ ما تمنيتِ إلاه , كنت أرى رغبتكِ وحبّك بعينيكِ كلما جاء , أليس كذلك ؟؟ , وأنا لهذا لم أعترض بل رحبت بالأمر بالرغم مما يحيط به من مشكلات ولكن أمّه قالت ان الأمر سينتهى بمجرد الزواج حيث لن يبقَ العروسان هنا ليواجها المشاكل بل سيبتعدا قليلًا ليرتاحا , وأنا بالرغم من أن فراقكِ مؤلم لقلبى لكن سعادتكِ أهمّ لذلك وافقت , هيا إلى خزانة ملابسكِ , انتقِ أفضل ما تحوى لتقابلِ العريس وأمّه يا عروستى الجميلة ..
لا , لن أقوم , لا أريد : تفاجأت الأمّ بتلك الرغبة الرافضة من ابنتها وهى التى ظنّت أنها لن يحويها مكان من فرط فرحتها . ما الأمر يا حبيتى , لمَ الرفض فهذا عبدالرحمن , أونسيتِ عبدالرحمن , أنا أعلم كل شيء وكنت أحسّ بكِ فى وجوده , فلمَ ترفضِ الآن ؟؟ , العريس وأمّه سيصلا بأىّ وقت ولا يصح ما تفعلِ , قمِ بسرعة قبل حضورهما ..
بكت أكثر مما كان وارتمت بحضن أمّها التى أخذت تربت على كتفها وتتلاعب بخصلات شعرها الأملس وقد بدأت تبكى لبكائها . حاولت تهدئتها وإشعارها بالأمان ومحاولة أخذ بعض الكلام منها لتفهم سبب الرفض ولكنها فشلت حيث دقّ الباب معلنًا مجيء العريس مع أمّه . قامت الأمّ مسرعة وهى تمسح دموعها وتطلب من إيثار لآخر مرة سبب تقوله للخاطب فلم تجد سببًا ولا ردًا سوى البكاء .
خرجت تقدم قدمها وتؤخر الآخرى , ترفع يدها لتمسك بمقبض الباب لتفتحه ثم تنزله من فرط الخجل . لا تدرِ ماذا ستقول لهم ؟؟ , كيف ستقول أن الأمر انتهى قبل أن يبدأ , كيف ستخبرهم بالرفض وهى التى منذ أقلّ من الساعة قد أعلنت الموافقة والرغبة بأن يكون عبدالرحمن زوجًا لابنتها . فتحت الباب لتُقابل بالترحاب والسرور والبشر , ومن فرط سعادة عبدالرحمن لم يلحظ ملامح أمّ إيثار بل لاحظتها أمّه , لاحظت ارتباكها وتغيّر نبرة صوتها عما كان بالهاتفبعد ترحاب غير الذى نجده عندما يأتى خاطب لإحدى البنات , ترحاب فاتر , دخل عبدالرحمن وأمّه , أجلستهم الأمّ ثم استأذنت لتحضر شيئًا ليشربوه . همست أمّ عبدالرحمن بأذنه بأن فى الأمر شيء , ألم تلحظ الأمر ؟؟ . أجابها ولم يتبدل حاله أو حتى تتبدل تلك الابتسامة البلهاء على وجهه ونظراتها التى تكاد تنطق بالشغف والرغبة برؤية إيثار أنّه لم يلحظ شيئًا !! .
جاءت الأمّ وبيدها صينية بها بعض أكواب العصير , وضعتها وجلست على وضع الصامت لا تتكلم , لا تُبدِ أىّ تفاعل ولا أىّ غشارة وكأن بطاريتها انتهى شحنها . قطعت عليها أمّ عبدالرحمن الصمت : أين العروسة ؟؟, ألن تأتى لتجلس معنا وتحضر خطوبتها والاتفاق الذى سيجرى بشأنها ؟؟. ابتلعت أمّ إيثار ريقها بصعوبة وهى تجيبهم بأنها مريضة ولن تستطيه الخروج .
دعت لها أمّ عبدالرحمن بالشفاء وهى تصرّ على سماع موافقتها بنفسها ليستكملوا الأمر . هنا كأن وجه أمّ إيثار مر على لون السواد قبل أن يلتقطه ويثبت عليه ووجه عبدالرحمن قد تهلل ويوشك أن يرقص . لم تستطع أمّ إيثار فعل شيء سوى المضى بتثاقل نحو الغرفة التى تمكث بها إيثار لتخبرها بواجب الخروج ولتخبرهم بنفسها برفض الأمر .
بكت إيثار حتى كاد صوتها يُسمع بالخارج إلا أن أمّها نبهتها . ثم قامت ووضعت حجاب كأنه خرقة على رأسها ولم تبد كعروس أبدًا, فهذا منظر لا يُوحى بعروس , ثم خرجت ووجهها متعب من كثرة البكاء وعينيها محمرتين , وقدماها لا تحملاها لتقول : لا أرفض هذا الزواج , لا أستطيع .
قالت الكلمة قبل أن تسمع أىّ شيء أو تنتظر لتسمع ما أعقب الكلمة ثم دخلت غرفتها وهى تجرى ليس كما خرجت , ارتمت على سريرها وهى تبكى . أما عبدالرحمن فلم يبد أنه استوعب شيئًا , فمازالت تلك الابتسامة البلهاء تنير وجهه وعلامات الفرح تعلوه , لكزته أمّه أن هيا لنذهب ألم تسمع ؟؟ .
لم يبد أنه سمع شيئًا , استفسر من أمّه عما قالته محبوبته : ماذا قالت , لم أفهم شيئًا !! . قالت له أمّه بنبرة خجل وشفقة على وحيدها : قالت أرفضكَ وأرفض زواجك .
كيف ؟؟, قالها عبدالرحمن وهو يزداد ضحكًا , لا يمكن أن ترفض , أنا أعرف , قبولها قد وصلنى عبر الهاتف , أحسست به وبها . لم تستمر الأمّ أكثر فى السماع بل قامت وشدّت ابنها من يده ولكنه أبى : لن أذهب قبل الجلوس معها .

انكسار الروححيث تعيش القصص. اكتشف الآن