_يبدو أن إيثار التى لا تعرف غير إعطاء الوعود والوفاء بالقليل منها !! ستكون على عادتها مع وعود أمّها حتى وهى بجوارها, فما ان دخلت الأمّ مطبخها لتعدّ شيئًا للوافد الجديد, الذى لوقتٍ قليلٍ مضى كان غير مرغوب به, حتى استغلتها فرصة لتراه وتشعر بوجوده فى حجرتها.. دقّت عليه باب حجرتها متعللة ببعض الحاجيات التى تحتاجها, بالرغم من أن أمّها قد رفضت ذلك إلا بحضرتها, ولكنها لم تقوَ على وجوده بجوارها ولا تراه ..
_خرج الفتى متلعثمًا ويبدو أنه لم يألف بعد المكان فحتى ثيابه لم يبدلها, وشنطته التى حملت حاجياته مازالت كما هى ويبدو أن أحدهم لم يقترب منها بعد , سألها بعد صمت أقصر من القصير عما تريده فابتسمت وهى تحاول تذكّر ما جاءت من أجله, وأخيرًا, وجدت شيئًا يمسح جبينها الذى بلله عرق الخجل من موقفها: كنت أريد بعض الكتب الموجودة على الطاولة هناك, سأذاكر للامتحانات ..
التفتَ حيث أشارت ثم ادار ظهره ومشى خطوتين وجاء ببعض الكتب ليعطيها لها فإذا بها قد تخطت الباب وأمسكت بمقبضه وهى التى منذ قليل كانت قدماها تلتصقان بالحائط الذى يفصل الحجرة عن باقى الشقة .. أحسّ بالخجل وبدقّات قلبه التى تتسارع, باتت تلك الدقّات تتسارع مع رؤيتها , شيئًا لم يحسّ به الفتى إلا من قليل ..
_أحسّت إيثار بخطأ ما فعلت وما تفعل , لم تكن يومًا بهذا الحال من الجرأة والوقاحة .. عاودت وقفتها الأولى وهى خجِلة نادمة واخذت الكتاب ورأسها يحسب مساحة الأرض التى تقف عليها ومضت إلى حجرتها, لم تعِره فى انصرافها سوى التفاتة حيية تخبره فيها بأنها لم تقصد فلا يأخذ عليها مأخذ, الأمر كله مجرد هياج وطيش ومن ثمّ ستضع انتباهها فى مكانه .. يبدو أنه قد فهم مقصد الالتفاتة فابتسم بنفس الحياء وكأنه يردّ عليها بأنه فهِم الأمر واستوعب الحال ..
*أغلق الباب من خلفها وهو منتشى بحاله هو, كان فرحًِا سعيدًا بحاله الجديد وبالدائرة التى يدور فيها. كان يعلم أن الأمر خطأ وعليه أن ينهيه ولكن دقّات قلبه التى ماتزال تتسارع بين جنباته تمنعه وتقف حاجزًا أمام انهاء الخطأ ...
_بعد بعض الوقت سمِع دقّات أخرى على الباب , ظنّها هى فقام متعجلًا ليراها فوجد أمّها تخبره بجاهزية الطعام فعليه الخروج .. فى بادئ الأمر استحى منها ومن الخروج ولكنه رضخ تحت اصرارها ومع رؤية إيثار تمرّ وبين يديها طبق طعام . اشتهى الطعام من يديها وهو المعتذر لضعف الشهية منذ قليل .._لم تعدّ إيثار تشتكى من حالة صحية هزيلة أو مرض فى الفترة الأخيرة التى أصبح عبدالرحمن جزءًا منها ولكن يبدو أن المتاعب ستعاودها وعليها ايجاد حلّ قبل أن تتفاقم عليها ..
جلس ثلاثتهم يأكلون بصمتٍ لا يقطعه سوى كلمات أمّها لعبدالرحمن بضرورة الأكل وكأنه بمنزله وأن لا يستحى منهم. أكثر من مرة تعيد العبارة وعبدالرحمن يوميء برأسه متفهمًا وشاكرًا ويعود الصمت , ولكن تلك المرة قطعته إيثار بقيامٍ متعجلٍ وسرعة إلى دورة المياه , هزّ قيامها المفاجئ والمتعجل الثنائى , قامت من خلفها أمّها لتستفسر عن حالها فوجدتها تفرغ ما فى جوفها , ظنّوا الأمر مجرد حالة مرضية عابرة تحدث للكثيرين وستمرّ . بعد أن انتهت أمسكتها أمّها وعادت بها إلى الطاولة وسط استفسارات عبدالرحمن ونظراته المتلهفة القلقة , أخبروه أن الأمر عادى فارتاحت قسمات وجهه ولكن الفتاة لم تعدّ تقوى على شمّ الطعام أو حتى رؤيته فقامت مرة أخرى ورفضت العودة إلى الطاولة ..
أقلق الوضع أمّها فأخبرتها بضرورة الذهاب للطبيب .. أقلقت كلمة الطبيب إيثار فعزّت الأمر إلى تغير المناخ ومساوئه وأنها ستأخذ احتياطاتها وخرجت معها لرؤية الضيف المتروك مع قلقه ودقّات قلبه ..
_كانت تنظر إليها وقد عاد الحزن والأسى ليحتل النظرات مرة أخرى , وهو ينظر إليها ونظراته القلقة تتساءل ماذا بكِ؟؟ .. كانا فى دنيا غير دنيتنا , بشرها هم تلك النظرات الحائرة وكلامها الدمعات التى تجاهد إيثار لمنعها من الظهور والقلق الذى يمزق وجه عبدالرحمن لمعرفة الأمر , ولغة تواصلها هى تلك الدقّات التى تتسارع عند عبدالرحمن فتردّ عليها إيثار بدقّات أسرع .. ظلّا على هذا الحال بعض الوقت حتى استأذنت أمّها لتقضِ حاجة بالداخل وتركتهم وحيدين ..
_ما ان قامت حتى أشرق وجه عبدالرحمن وانفك لسانه ليسألها : ماذا بكِ؟؟ , آنتِ بخير ؟؟ .. غلبتها الدمعات لتصبح دموع واضطرب لسانها وهى تقول: سينكشف الأمر , أنا أعرف, تلك من مرافقات الحمل , حتمًا ستعرف أمّى , ماذا أفعل؟؟ .. بعد ذهولٍ قصير لم يجد عبدالرحمن لسانه إلا قائلًا : لا تخافِ , أنا سأحلّ الأمر , دعِ الأمر لى ثم سكت لعودة الأمّ وهو لا يعرف ماذا سيفعل !! ..
استأذن منهم ودخل حجرته وكذلك إيثار دخلت لتكمل بكاءها بعيدًا عن عين أمها , ووجدت الأمّ حالها وحيدة فاستأنست بالتلفاز ...
____________________
_كان فى حجرته وكأنه يسمع بكاؤها فى حجرتها, كان يود لو الأمر بيده ليخرج إليها ويمسح دموعها ولكنه عاجز يبدد التفكير رأسه . نسى حاله هو الآخر وما هو فيه , كان وعده لها هو المسيطر عليه . أخرجه من التفكير هاتفه . كان من صديقٍ حاله كحاله . أخبره عن مأواه فتعجب الرفيق من ذاك المأوى وهل يجوز ؟! , أما وجدت مكانًا آخر يا عبدالرحمن , ابتعد عن الشبهات , تعالَ إليّ فمكانى بعيد عن الأعين , الشبهات يا فتى وان وجدوكَ عندهن لن يسلمن , الحذر كل الحذر ..
_ اغلق معه الهاتف وبأذنه كلمة واحدة هى الشبهات , فهو يعرف أن لا أحد سيعرف أنه هنا لذلك فإيثار وأمّها بأمان أما الكلمة الأخرى فهى الشبهات فهى المعضلة التى وقفت فجأة بطريقه ..
ذكّرت الأمّ ابنتها بها ان عرف أحد بوجوده ولكنها لم تضعها بالاعتبار . وهو لم يفكر فيها بسبب الحاجة إلى أىّ مكان يأويه, كان تفكيره بمكان يغنيه عن التفكير بعواقب المكان فلم ينتبه , آما الآن وقد انتبه فعليه ايجاد حلّ وكان آخر ..
فكر بالخروج ولكن إيثار ووعده منعاه , هل سأترك إيثار ؟ , قلبى لن يقوَ , أصبحت تملكه ولا أستطع البعد عنها , يا رب أعنى , قال تلك الكلمات وباله مشغول بشيء مهم عليه أن ينفذه ليتقِ الشبهات ويفى بوعده لإيثار