_لم يبد على الأمّ أىّ ملامح وعلامات ضجر أو فرح, ظلّ وجهها جامدلا يظهر حالة تطمئن عبدالرحمن أو تجعله يعيد حساباته . غشاهم الصمت للحظة حتى ابعدته بكلام موزون ونبرة صوت لا تُظهر أىّ تأثر بما سمعت :
قد ربيتك لتكبر ولتتعلم ثم تنهى تعليمك وتتزوج ويكون لك أسرة وأولاد نفرح ونأنس بهم, رسمت حياتك فى مخيلتى على هذا المنوالوكنت أتمنى أنت تسير وفق مخططى حيث أضمن نجاحك وسعادتك, ولكن يبدو أنك تريد اختصار الخطوات فتجعل الخطوة الأخيرة هى الأولى وهذا قرارك, أنتَ حر فيه طالما تستطيع, وحيث ان الكلام عن القدرة والاستطاعة فأخبرنى: هل أنتَ مقتدر للزواج وتحمّل مسؤولية البيت والأسرة ؟؟, من أين ستنفق؟؟ , من الأموال القليلة التى تحصّلها كل شهر, هى بالكاد تكفيك ..
قاطعها عبدالرحمن فلم تكمل: يا أمى , أنا مقتدر وأستطيع تحمّل مسؤولية بيت وأسرة وأنتِ تعرفين هذا كلّ المعرفة, أما عن الأموال, أنسيتِ أنّى سأبدأ عملًا جديدًا تلك الأيام, وأنا واثق أن هذا العمل سيكفينى وزوجتى ..
بذات الوجه الجامد الملامح ردّت عليه أمّه استفهامه: لم أنسَ ولكن ستبدأ تجارة جديدة لا تعرف عنها شيئ, ما أدراكَ أنها ستنجح ولن تكون عبء عليك؟؟, كيف تضع نفسك فى هذا الموقف, موقف الخسارة, فإن كنت وحدك, هان الأمر وتجاوزته ولكن ان كان فى رقبتك من تعول فكيف ستستطيع تمالك الأمر وتجاوزه ومن خلفك تلك الأفواه المفتوحة الجائعة , فكر يا حبيبى, أنا خائفة عليك , أنا أريد زواجك اليوم قبل غد ولكن أ{يدك أن تكون قدر المسؤولية وكبير فى عين زوجتك, تستطيع الانفاق عليها , أعلم أنك تملك مقومات الزوج الصالح ولكن تلك النقطة هى موضع الخلاف , نقطة الأموال, ففتيات هذه الأيام ليسوا مثلنا نحن فتيات الأجيال السابقة , لن يتحملن ضيق العيش , فكر لحالك.
_صمت عبدالرحمن لبرهة وكأن كلام أمّه قد جرحه بسكين فأحدث فكره جرحًا غائرًا يتألم منه الآن, وكان نتيجة الجرح هو عودة الوساوس مرة أخرى, ومع فيض الوساوس رأى صورة إيثار وعاد إلى أذنه صوت بكاؤها الذى تركه من وقت قليل , ثم صوت رفيقه وهو يحدّثه عن الستر والفرج فلم يقل إلا : أنّى أحبها يا أمّى , وأريدها بكل ما أوتيت من قوة ..
رفعت الأمّ عينيها فى عينيه ولأول مرة تظهر عليها ملامح منذ أخبرها برغبته فى الزواج, فكانت مندهشة لما تسمع وتريد أن تسأله ماذا قلت ؟؟, أعدّ القول فقد غطى سمعى ساترًا من فجأة أذهلتنى فلم أعى القول ..
مسك عبدالرحمن طرف الحديث ليقنع أمّه بكلامه : أحبّها , أو ليس الأمر كافٍ لتوافقينّى؟؟ , ثم أنّى قد رتبت الأمر ليسير وفق مخططكِ وإن كانت الخطوات ستختلف , والتجارة والأموال , لمماذا حكمتِ بأن التجارة ستفشل؟؟, أنسيتِ أنّى أعمل بالتجارة وحتى ان كان عملى ضئيل بها فهذا لا يعنى أننى فاشل بل ناجح وأنتِ أول من تشهدين بهذا , ستكون التجارة بنفس الحال ولكن على نطاق واسع بعض الشيئ .. أمّى , وافقِ لأجلى ولأجل أن ترتاحِ , لأجل راحة قلبكِ وقلبى ..حلّت الأمّ عقدة لسانها وقد زاد وجهها فى اندهاشه : منذ متى وأنتَ تحبّ؟؟ , منذ متى وأنتَ تفكر بتلك الموضوعات ؟؟, أنسيت يوم حدّثتك عن الشيماء لأنه كانت تتكلم معك عبر الهاتف فقلت أن الأمر لا يعنيك ولا تفكر فيه وهى مجرد زميلة والكلام معها لأجل العمل بالاتحاد فقط , فما الذى تغيّر الآن ؟؟ .
لا شيئ سوى الحبّ والاطمئنان والرغبة فى الاستقرار , فعليًّا أريد الاستقرار ولمَ لا وقد وجدت السكن والراحة التى كنت أبحث عنها , الأمر مختلف ولكنه جدىّ ..
يبدو أنك مقرر لكل شيئ ولن يستطيع أحد ردعك عن قرارك فقل لى من تتكون تلك السكن والراحة , الشيماء ؟؟ .
ابتسم وتنهد وكأن حجرًا أُزيح من فوق صدره : لا يا أمّى , قلت لكِ انها مجرد زميلة , العروس تعرفينها جيدًا وأحسب أنكِ سترحبين بها , العروس هى إيثار ..
بدا واضحًا أن ملامح وجه الأمّ قد ارتاحت بعد سماع اسم إيثار فكان هذا مبعث خير وفأل حسن لعبدالرحمن الذى ارتاح لراحة أمّه . بنشوة رضا عن العروس سألته : منذ متى ؟؟ , فلم ألحظ شيئ لا عليك أو عليها خلال اجتماعنا معًا المرات الماضية ..
أنا نفسى لا أعرف , سبحانه مؤلف القلوب , أنسيتِ , يقلب القلوب ويؤلفها ..
وهل أخبرتها ؟؟
لا , ما رأيكِ أن أخبرها الآن .
بتلك السرعة , علينا الانتظار حتى أحدّث أمها أولًا ومن ثمّ نذهب .
حسنًا , الليلة سأحدّث أمّها , ما رأيكِ ؟؟
وما دخلك بالأمر ؟! , أنا من سأذهب إليها وأحدّثها ..
أنا قلت أن أوفر الوقت , الليلة مساءًا أكلمها.
مساءًا !! , ولمَ ستذهب عندهم مساءًا ؟؟, لا يجوز يا فتى , أنا من ستذهب ..
_تلعثم بعض الشيئ ثم قال : الليلة سأكون ضيف إيثار ووالدتها .. نظرت إليه أمّه باشمئزاز وتساؤل : كيف ستكون ضيف إيثار ووالدتها . تدارك عبدالرحمن استفهام أمّه المحتقر وأخبرها بكلّ شيئ وأنه سيسرع بالزواج لأجل هذا وسيأخذ معه عروسه ..
لم يبد على الأمّ الاقتناع بالكلام الذى قاله عبدالرحمن ولكنها اقتنعت بضرورة التعجيل بالخطوبة والزواج وعلى هذا طلبت منه الاتصال بوالدة إيثار لتحدّثها ولتذهب إليها للكلام معها فى الموضوع .
كلّمتها واتفقت معها أن تزرها واستغل عبدالرحمن الأمر وحدّث إيثار , أخبرها بموضوع الزيارة فتهللت وبدت كفراشة تطير وسط ورود الربيع فأرهقتها الحركات الطفولية التى قامت بها , فعادت إليها مرافقات الحمل وكان هذا سببًا كافيًا لينهى الموضوع , فكيف ؟؟.