الفصل الثاني

8.6K 286 8
                                    


الفصل الثاني
&&&&&&&

(((((فيلاحظا شئ ساقط أرضا لايظهر ملامحه وسط الظلام وكلما اقتربا ازداد اقتراب صوت الأنين. بوضوح ....ليثبت الحاج حافظ مكانه ذاهلًا ناظرًا لتلك الشئ الملقى بصدمة
أرضا يظهر على وجهها وجسدها الكثير من الاصابات والحروق فيردد بصدمة :
-لا حول ولا قوة الا بالله ..لاحول ولا قوة الا بالله
يخلع عباءته بسرعة وينحني بجوارها يغطي جسدها المنتفض من برودة هذا الوقت ..حيث سيبدأ الصباح في البزوغ ..يلتفت لفزاع الذاهل يوبخه:
-قرب يافزاع بسرعة شيلها معايا ياولدي على المستوصف
يعترض فزاع قائلا:
-ياحاج لو شلتها ..عقبال ما نوصل هيكون الفلاحين كلهم طلعوا علي أراضيهم واحنا مش عارفين قصتها ايه ؟...أنا هجري رهوان اجيب العربية علي الطريق قبل ما أهل البلد يصحوا وننقلها فيها...
فيوافق حافظ على اقتراحه فهو يجهل متسبب وجودها وسط الزراعات بهذا الشكل فيأمره ان يسرع:
-بسرعة يافزاع ..بسرعة ياولدي ...
فيراقب جري فزاع حتى اختفى تحت ناظره فيلتفت له يدقق النظر بملامحها يحدث نفسه:
-يا ترى ايه حكايتك يابنتي ...؟!.....شكلك غريبة مش من أهل البلد دي......))))))
................
طرقت الباب بعد علمها بانصراف مالك وطلب الحاج في رؤيتها وتدخل برأس منحية بعد ان أذن لها بالدخول وتخطر خطواتها الرقيقة لتواجه ابتسامته الحنونة تقول برقة معتادة:
-حضرتك طلبتني ياحاج ؟!!!...
-ايوه يابنتي ..طلبتك ...أما لقيتك مطنشاني انهاردة وماطلعتيش من نفسك ...بعت مالك يطلعك ....
يلاحظ توترها وصمتها عند ذكر اسم ابنه دائما ....فهو يعلم جفاء ابنه معها وعدم تقبله لها فمنذ عودته من الخارج ومعرفته بوجودها لم ينفك من إطلاق الأسئلة عنها وليته يحصل على اجابة تريحه من قلقه ...يشعر بما يجيش به قلبها الصغير ..يشعر بحزنها ومشاعرها ولكن مابيده حيلة ليته يستطع العودة بالزمن للوراء وينتشلها من ضياعها ..ضياعها في مجتمع ليس مجتمعها وعادات ليست عادتها وحياة ليست حياتها.....يحاول غرسها في تربة ليست تربتها فهل مع محاولته بغرسها لتكون واحدة منهم ..هل ستثمر نبتة يرضى عنها؟ ...ام ستثمر نبتة شاذة عنهم ؟؟؟....
أما عنها فتراقب عينيه التي يحيطها خطوط التجاعيد وشعره الأبيض يذكرها كثير بوالدها رحمة الله عليه مع اختلاف الطبقات بينهما  تخفض عينيها اللتان يظهران من خلف غطاء وجهها ..نقابها الأسود التي تحتمي خلفه ..تخفضهما علي يديه التي تتلاعب بهدوء بحباتها البنية لتسمعه يقول بمداعبة لها:
-هتفضلي مخبية وشك اللي زي البدر في تمامه عني ...أنا عايز يومي يكمل بشوفته .....
تخجل من مداعبته لها فهو دائما حنون معاها رقيق المشاعر رغم صلابته وصرامته التي شاهدتها بضعة مرات مع احد العمال بالمحلج عندما شاهده يدخن السجائر بالمخزن المملوء بالقطن فتقوم الدنيا بعدها ويقوم بالتهجم عليه وضربه بقسوة ...كانت هذه اول مرة تشهد فيه صرامته ولكن داخل هذه القشرة الصلبة قلب رخو ..لين ....
فترفع أصابعها لتمسك بطرف نقابها الأسود وتزيحه عن وجهها ليظهر من خلفه وجه صغير كوجه الأطفال وبشرة بيضاء كالحليب متشربة بالحمرة التي تظهر عند إحساسها بالحرارة العالية التي لاتعتادها او عند شعورها بالخجل الزائد ....أما عن عيناها واهدابها الشقراء حكاية أخرى ..لقد حكم عليها الحاج حافظ بتغطية وجهها المختلف عن أهل البلدة خوفا عليها من كل مطمع خبيث وأيضا لحمايتها من سبب اخر تعلمه جيدًا .......
يقول حافظ براحة في صوته:
-بسم الله ماشاء الله ..ايوه كده أنا انام وانا شايف اخر وش وش الملائكة ده ...ها الفراشة بتاعتنا ايه طلبتها ...اللي هتطلبه ينفذ في الحال....
تبتلع ريقها وتخرج صوتها مهزوزًا:
-ربنا يخليك ليا ياحاج ...ماليش طلبات ..كفاية انك حميني بقالك سنين جوه بيتك لولاك كان زماني م.........
-اسكتي يابنتي الله يرضى عليكي ...ليه مش عاوزة تنسي وتعيشي ...ده نصيب ان الاقيكي  واحميكي في بيتي ..عشان تشوفي مالك ويبقى جوزك.....
ترفع اناملها البيضاء تحك جبيناها المتعرق :
الموضوع ده بالذات موترني ..ليه مش قابل ان ارجع ...أنا كان لازم ارفض الجواز منه ...أنا كده هبوظ له حياته اللي...اللي .....
تنحبس الكلمات في حنجرتها بسبب بكائها فيهدئها بعبارته الوقورة :
-كل شئ نصيب يابنتي ..وماتفقديش الأمل ...قومي قومي هاتي المصحف انتي عايزة تضحكي عليا وتنسيني التسميع اللي عليكي قومي هاتي المصحف ..
فتبتسم وسط دموعها ووجهها الأحمر وتتحرك من فوق فراشه بخفه معتاده لتتجه لمكان تحفظه جيدا تحمل من فوقه كتاب الله وتتجه لتجلس أمامه فوق الفراش وتقول بخوف:
-اتفضل حضرتك المصحف..
فيفهم من نظراتها الهاربة انها تحاول اختلاق اعذارفيقول:
-شكلك كده ماحفظتيش اللي طلبته منك ..اللي شاغل عقلك ياست خديجة ..
فتخجل من تلميحه لها فتجيبه علي سؤاله مدافعة عن حالها:
-ابدا  والله اصل انشغلت مع "ام سعد " في الخبز كانت بتحاول للمرة العشرين تعلمني ...ورسبت كالعادة...
فتصدح ضحته بقوة  اسمعت من بالخارج يقول لها بمشاكسة:
-مافيش فايدة في شقاوتك ...ههههه..أنا قولتلك ان الايدين الناعمين دول ملهمش بشغل الغفر بتوعنا هنا ..وانتي مصممة تساعديها ههههه...
تزم شفاها بطفولة وتكتف ذراعيها أمام صدرها :
-كده ياحاج ...طيب مخصماك ...ومش هجبلك طبق الرز بلبن اللي بالقشطة اللي جهزتهولك ......
كاد ان يجيبها وسط ضحكه العالي ليتفاجأ بفتح الباب بقوة دون طرق عليه فترتعب وتسرع في اخفاء وجهها بنقابها لتواجهها نظراته الكارهة لها.....فيتعجب من جلوسها بأريحية بجوار والده وكشف وجهها الذي لم يهمه ان يتأمله بسبب كرهه لها وضيقه منها فيقول من بحدة لها:
-انتي ايه اللي مقعدك لحد دلوقت هنا اتفضلي روحي شوفي شغلك تحت ..سايبة ام سعد لوحدها وقعدة تتمسخري هنا....
يصمت الحاج حافظ ويفضل الا يتحدث بحضورها ليطلب منها بهدوء مداعبًا إياها :
-انتي مش وعدتيني بطبق رز بلبن من أيدك ...أنا مستني ومش هاكله الا لما تطلعيه بنفسك....
شعرت بانها ستنهار ببكاء من حدته معها ولكن ما جعلها تمالك حالها انها ارادت عدم إظهار الضعف أمامه فهي تعذره علي جهله :
-حاضر ياحاج ...عن إذنك ..
كادت تخرج من الباب اوقفها صوته الحاد :
-ابعتي الحاجة مع ام سعد مافيش داعي نتعب سيادتك...
تخرج مكسورة الخاطر جريحة من اقرب شخص لقلبها ..كيف اصبح بمثل هذه القسوة؟؟؟ ...تلك القسوة لم تعهدها عليه مسبقًا ...
..........
فيوبخه ابيه بقسوة شديدة علي افعاله ليقول بحدة:
-ممكن افهم ايه اللي صدر منك ده ...انت فاكر أني عجزت وهسيبك تعمل اللي انت عايزه ..أنا سكت بس عشان ما ينفعش اكسر صورتك قدامها ......
-أنا مش فاهم انت متعلق بالبت دي ليه ....
-عشان أنا عندي قلب وبحس بألام الغير ...لكن انت موت قلبك من سنين ومش عارف تحس بغيرك ...حتي مرآتك اللي انت رحت اتجوزتها ..عايش معاها من غير قلب ...انت فاكر أني مش شايف اللي بيحصل .....
-يا حاج ...  أنا .......
يقطع حديثه بصرامة غير معتاده مع ولده الوحيد:
-هي كلمة هتنزل ترضي خاطرها ...وتراعي ربنا فيها ..في بنات الناس يا مالك....بنات الناس!!
يسخر مالك من جملته الأخير ولكنه لم يعلق ...ولم يفت علي والده سخريته فيكمل:
-راعي ربنا فيها يامالك ...عشان ماتندمش علي اي تصرف بعد كده صدر منك ...اتجاهها ...فاهم!!!
.............
دخلت حجرتها تحتمي بها كالعادتها تخلع حجابها ونقابها بعنف لتلقيه أرضا وترتمي فوق فراشها تخفي وجهها بوسادتها بقوة شاهقة وسط نحيبها تريد الصراخ لتسمع الكون صرخاتها فتصرخ بقوة ...ليخرج صوت صراخها مكتوما بفعل الوسادة ..هذه هي طريقتها الوحيدة للتحرر من الشحنات السلبية والكبت العصبي التي تعانيه ..
عند انتهائها من تفريغ صرخاتها استقامت في جلستها لتواجه صورتها بمرآة الخزانة الصغيرة تري وجهها الأحمر وعينيها المنتفخة الحمراء التي تغطيه خصلاتها الطويلة ....الناعمة ......البنية !
..........
وقف متأملًا سكون الليل من حوله يشتم نسائمه العليلة لقد جفاه النوم كعادته من سنوات ..ينتظر نوم الجميع ليخرج من بيت ابيه يجلس فوق حاجز الخيل الخشبي المستدير علي اتساع  كبير يغمض عينيه يتقبل هواء البارد الذي يداعب وجهه ويعبث بخصلات شعره السوداء يبعثرها ..يختلي  بنفسه ويخرج مايجيش به قلبه من ضمير متألم يعذبه يمزقه أربا  وذكريات حالمة لاتختفي أبدا ..بل يخاف نسيانها فيحاول مرارا ومرارا رويها  لتنمو وتزدهر حتى لاتختفي ..فهو يخشي نسيانها واختفائها من ذاكرته..يشعر بان قلبه مازال حيا ينبض بتذكرها...تلك الجنية الصغيرة التي ظهرت في حياته فجأة لتختفي فجأة ..ليعلم بعدها بفقدانه لها للأبد ... رغم قصر مدة معرفته بها الا ان تكونت بينهم علاقة يصعب شرحها ..تخللت بعروقه ودمائه ..تملكت منه ..لاتريد تركه ..هل هذا بسبب ذنبه الذي اقترفه في حقها ..يقسم لنفسه يوما بعد يوم انه ماكان ليتخلى عنها أبدا ..مطلقا ...كما ظنت هي ...ماكان ليتخلى عنها بعد ماحدث بسببه ....يتمنى ضمها لمرة واحدة واحدة فقط ..يريد الصفح والسماح لتهنأ حياته ......يفتح عينيه فيراها بعينيه اليقظتين بفستانها الناعم الأبيض وشعرها الأشقر وجسمها الصغير تدور وتدور حول نفسها بسعادة ليتطاير فستانها وينحصر ويكشف عن ساقين مرمريتين يضيئان بالظلام تدور دورة كاملة تختمها بالوقوف علي انامل قدمها الصغيرة مع رفع ذراعيها لاعلى بحرية ..كالباليرينا ...يتكرر دورانها مرة بعد مرة فتثبت فجأة تنظر اليه بشغف وابتسامة حالمة مع تطاير خصلاتها حول وجهها ..يزداد ضربات قلبه يزداد عشقًا وعذابا ..ينفرج شفتاه ينطق اسمها بتوسل الا تختفي كما تفعل دوما يخرج اسمها من بين انفاسه الساخنة بطريقة متألمة فيهمس:
-شيراز!!!!
يفيق من خياله بسبب سماع صوت الخيل بداخل الاسطبل فتصدر منه إلتفاتة اتجاة الإسطبل المضاء أنواره فيعود للنظر لساحة الخيل الفارغة ليكتشف اختفائها من خياله كالمعتاد فيزفر بضيق للمتسبب في اختفائها ...وتصدر منه سبة من بين أسنانه فهو يعلم من بداخله في ذلك الوقت المتأخر ...
يقفز برشاقة خارج الحاجز ليدب  الأرض أسفله بخطواته الواسعة اتجاه الإسطبل حتى وصل اليه ليسمع صوت همسات كدندنة غريب غير واضح المعنى ولكنه يشعر كأن لحنها سمعه من قبل ليوئد هذا الشعور سريعا ..فيجدها امام المهرة العاصية كما سماها من سنين فهي صعبة المراس ..تهمس خديجة بآذانها بكلمات غير واضحة مع تمرير يديها فوق شعرها الأبيض فيصدر صوت صهيل الفرسة البيضاء مع إراحة رأسها علي كتفها باستسلام غير عادي ليلاحظ تحرك يدها التي تقبض علي شئ ما وتقربه لفكها مع الاستمرار بتحريك يدها فوق رأسها بنعومة فتستجيب الفرسة لها وتلتهم ما بكفها بنهم ،....فهي دائما مستمرة علي هذه العادة منذ ان وطأت قدمها هذا البيت ..كان من الصعب عليها الاقتراب من المهرة العاصية ولكن رويدا رويدا تعمقت علاقتهما فأصبحت اقرب شئ لها بهذا البيت ...هي الوحيدة التي تستطع كشف وجهها أمامها ..وينطلق لسانها بالتحدث عن اسرارها دون توقف او خوف من ان توشي بها ومن العجيب سكونها عندما تبدأ بالحديث لتقص لها عن أحلامها وشقاوتها التى وئدت قبل ميلادها ..كأنها تفهم آلامها لتنتفض عند سماع صوته تشعر بكهرباء تسري بجسدها لوجوده في مثل هذا الوقت ليقول بصرامة:
-مين سمحلك تدخلي الإسطبل ؟!...
كان يقف يراقب ظهرها وجانب وجهها غير الواضح التي اخفضته عند سماع صوته كوسيلة للهروب لن يكذب علي حاله ويقول انه لم يحاول اقتناص نظرة لوجهها ففضوله يقتله ..يعلم انها اشترطت عليه ان لا يرى وجهها ..ليعود ينهر نفسه علي اهتمامه برؤيتها ..فيسمع صوتها البارد الواثق الذي يخلو من الدفء  :
-أنا مسموح لي أتحرك في البيت زي ما احب ...بأمر الحاج ...
يغتاظ من محاولتها اخفاء نفسها عنه ليقترب خطوة خلفها وعند شعورها بذلك مدت يدها سريعًا تخفض نقابها ليختفي وجهها عن عينيه الفضوليتين فيقول بضيق يتخلله بعض الحدة من تصرفها الأخير وردها الواثق ...فهو يشعر دائما انها تحاول تحديه او التقليل منه :
-مين بقى أداكي الأذن ده ؟!...وانا مانع اي حد يدخل الإسطبل وخصوصا للعاصية  ولا حد يديها سكر ....
يبدو عليها كأنه لم يحدثها مستمرة في ملامستها مع إطعامها لتسأله بفضول
-أنت ليه بتتعامل معاها كدة ؟...إسمح لي شكلك ماتعرفش ازاي تتعامل معاهم
يغضبه ثقتها وتعديها بالحديث معه من أين تأتي بمثل هذه الثقة فيخرج صوتًا ساخرًا من حديثها :
-أنا معرفش اتعامل معاها؟!..وانتي بقى اللي هتعلميني اتعامل مع فرسي ازاي ؟
تجيبه بثقة وهي تمد يدها له ببعض قطع السكر :
-ليه  لا؟...الإنسان عايش عشان يتعلم
تبقى يدها مرفوعة منتظرة ان يلبي دعوتها في إطعام فرساتها بتحدي فيخرج صوت الخشن معترضا :
-مش معنى ان الحاج سايبلك حرية التصرف يبقي تخرجي في نص الليل زي ماتحبي ..في حاجة اسمها أصول ولو ماتعرفيهاش اعرفهالك ؟!....
تخفض يدها وتستمر في إطعام فرستها تقول بهدوء:
-بتعرف تهرب كويس من الحوار ..عموما احب اعلمك ان الفرس من أنقى الحيوانات وهو حساس جدا فياريت بلاش القسوة معاها ..وياريت ماتقولهاش المهرة العاصية تاني عشان فعلا هتبقى عاصية عليك...
يرفع حاجبه بذهول من تلك الواقفة التي تملي علي كبير الجعافرة تعليماتها لم يشعر بنفسه الا هو يندفع يجذبها من ذراعها بقوة آلمتها فيسقط من كفها قطع السكر وترتعب من تحوله ..يهزها بقوة ارعبتها يصرخ لوجهها:
-بت انتي ..عوج مش عاوز...كلامك يبقى بحدود هنا ...انتي هتنسي نفسك ...أنت هنا خدامة في بيت الحاج حافظ ..هتيجي تعلميني اعمل ايه؟!.....
يشعر باهتزاز جسدها ورعبها التي حاولت إخفائه بصعوبة لتقول بثقة مزيفة:
-لو سمحت شيل أيدك ..مايصحش كدة ..
ينفض يده عنها بكره لتتراجع خطوتان من قوة دفعه لها فيكمل بضيق:
-الي اهلك معرفوش يعلموه ليكي ...مالك حافظ هيعلمهولك ياست الحسن والجمال .......
ينصرف بغضب من أمامها تلعن غبائها على تحديه ..ماكان عليها إشعال فتيل غضبه فالأيام آتية وستكون لها ...لاعليها ...وقت الضعف ولى ......
.................
امام شاشة التلفاز جلست تشاهد فيلما رومانسيا ترتشف كوبا من الشاي فتخرج منها تنهيدة عميقة من المشهد المتفجر من الرومانسية المبالغ فيها لتقول بنزق لنفسها :
-ايه الرومانسية الأوڤر دي ...ده مش حب ده فقع مرارة للمشاهدين والله ....
فتشاهد اقتراب البطل من البطلة يحملها بين احضانه لشعورها بالدوارفتعلق باعتراض:
-ايه حرقة الدم دي ؟!...يابني دي دايخة عادي يعني مش قصة عشان تشيلها ...أنا ايه اللي خلاني اتفرج علي الفيلم ده ...مش كنت شوفت فيلم رعب احسن ....
تخرج الأم من حجرتها ترى ابنتها الوحيدة التى اقتصرت حياتها بين العمل كمدرسة للمرحلة الابتدائية ومشاهدة التلفاز ليس الا لتنادي عليها بلوم معتاد:
-انتي لسه صاحية يا امينة ..مش عندك مدرسة الصبح ؟!....
تنتبه الابنة لوالدتها فتتجه اليها بعد وضع كوبها فوق الطاولة تضع يدها في جيب بنطالها الخلفي :
-والله يا ام امينة بفكر أغيب بكرة او استقيل خالص ...ايه رأيك بقى ؟
فتؤيد الأم فكرتها لتربت بملل على كتف ابنتها:
-عين العقل يابنتي ..أنا قولت مالكيش في الشغل وتقعدي في البيت تستني عدلك ونخلص منك ....
ترفع أمنية عينيها للسقف ملل تعلم مجرى الحديث إلى ماذا سينتهي فهي المقدمة المعتادة لوالدتها ..الان ستذكر اسم ابن خالتها الهمام ..واحد... اثنان
لتقول أمها بضيق من ابنتها: 
-أنا مش عارفه فيكي ايه ؟..مش عارفة تقربي ابن خالتك ليكي ...شاب زي الفل البنات بيجروا وراه من هنا الصعيد
تضيق أمنية من حديث والدتها التي لا تمل منه يوميًا:
-اكيد سارق منهم حاجة...
تزجرها  والدتها على قولها بضرب كتفها تقول بضيق من طيشها:
-مالك سارق ؟..عيب يابنت تقولي كدة عليه ده كبير الجعافرة بس انتي اللي خايبة...
عدت الأيام وهي تحاول إقناع أمها ان لايوجد شئ يربطها مع مالك فهو بمثابة اخيها الكبير الذي كان يرعاها دوما ولكنه منذ سنين عدة ابتعد عن الجميع بسبب ألمه ووجعه ...لما تتعجب من تغيره ؟..وهي أيضا تغيرت منذ فقدها لها ...
-سرحتي في ايه يا أمنية ؟...فيها بردوا ....
قالتها أمها بحزن واضح فهي تعلم مايعانيه مالك رغم عدم تصريحه بذلك وما تعانيه ابنتها منذ سنين مضت....
فتكمل وهي تربت على كتف ابنتها بحنان :
-ادعي لها يا أمينة ..هي راحت اللي خلقها اللي احسن مننا كلنا ....
تنحسر الدموع بأعينها لا تعلم لما كل ما تذكرتها تشعر بالضيق الشديد والاختناق ليؤل الأمر لارتمائها فوق فراشها تبكي على فقدانها تلك الفراشة الناعمة التي دخلت حياتهم فجأة لتخرج منها فجأة وتتركهم لألام ذكراها....تهمس بشرود
-الله يرحمك يا شيراز !!!!!..
..................
ارتمى فوق فراشة يظهر على وجهه الوجوم والإرهاق بسبب ماحدث بينهما بالاسطبل يقسم ان يحسن تربيتها تلك الخديجة التي حلت عليه من حيث لايعلم ..يجهل كيف سيحل مشكلته مع خطيبته غادة .. إذا علمت بما قرره والده من المؤكد ستثور ولن يمر الأمر مرور الكرام ..فهو يعلمها جيدا لن تتخلى أبدا عما تملكه من اجل أخرى ..من يهدد أهدافها تزيحه بطريقة او بأخرى من أمامها لتحقق أهدافها ..حتى الان لايعرف لما اقدم على تلك الخطبة لأي شئ كان يريد ان يهرب ..يعلم ان كلاهما يجد في الآخر ماينقصه ...هو يجد فيها القوة والإصرار وعدم الضعف ..الشراسة في بعض الأحيان وتلك الأشياء افتقدها مع معذبته من قبل كانت هشة ضعيفة كالفراشة سهلة الكسر وهذا ماكرهه بها ..لا انه لم يكرهها أبدا لقد احب كل تفاصيلها كل همسة تصدر منها ..عشق تشبثها به..توسلها له في لحظات ضعفها بان لا يتركها ...ولكنه كان نذلا كالكثير مثله كان يستمتع ببكائها وتوسلاتها وضعفها كأن ضعفها يعطيه القوة ليقسو علي صغيرته لتنتهي توسلاتها للأبد كأن الموت كان ارحم منه عليها لتنتهي وينتهي عذابها منه .....
تخرج من صدره تنهيدة حارقة فيمسك هاتفه المحمول يحاول الاتصال بخطيبته ولكنه يجده خارج نطاق التغطية ليعلم انها في فترة عملها كمضيفة طيران دائمة التنقل من بلد لأخرى وهذا ما لايعجب الحاج حافظ ويعارض تقاليده وعاداته ....منذ ان علم بخطبته منها الذي حضرها مجبرًا ....هذه الخطبة التي استمرت اربع سنوات تقريبا يخشي ان يتخذ خطوة جديدة في امر  زواجه هناك شئ يمنعه ..
يتصفح هاتفه فيضغط على ملف سري يظهر من خلاله بعض الصور الخاصة له بمفرده وصور لها وصور أخرى تجمعهما معًا يتوقف عند صورة لها وهي تقف بجواره على أطراف أصابعها كعادتها

تحاول الوصول إلى طوله محتضنة بيدها دمية  قام بشرائها  لها عندما اجتازت اول اختبار لها في اللغة العربية التى كانت تصعب عليها بسبب تعليمها الأجنبي ولكنها لاتنظر للكاميرا لا تهتم بشكلها تهتم بشي واحد سلب عقلها وقلبها تهتم به فقط تنظر له بشغف مجنون ..مع ظهور ابتسامتها المشرقة...تنتقل عينه على صورته وهو يقف بجوارها بثقة واضعًا يديه بجيبيه غير مباليًا بمن تنظر له ..ثقته تنبع من عشقها المؤكد له ..ثقته بانها موجودة باقية لا محالة ولكنه لم يحسب حساب غدر أيامه بها ....
يتبع

باليرينا الشرق( مكتملة)محولة للورقي الآن مع تعديل السرد وتحويلها للفصحى كلياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن