الفصل السابع عشر

6.1K 221 3
                                    

السابع عشر

جلست بتيه بغرفتها تنظر الي أركانها بشرود تتأمل تقع عينيها علي خزانتها القابع بمنتصفها مرآة تعكس صورتها المنهزمة الشاحبة شعرها المنسدل على كتفيها ..أين ذهبت روحها النشطة ؟..أين تلك الفراشة التي لم تكل من التنقل من فوق كل زهرة بحرية تنعم برحيقها ...تتقوس شفاهها للأسفل تحارب بكائها ..متى ستظل هكذا ؟..متى ستتحرر من قيودها ؟..متى خلاصها ؟....
خلال اليومان يتهرب منها ..يتهرب من النظر لعينيها ..بعد ان كان يتوسل قربها ..بعد ان أعطاها املا جديد بوجودها ..تألمت عندما سمعت اصرار حافظ بطلبه له ...بان يحررها ..يطلقها ...وقفت حاملة أكواب الشاي ثابتة بصدمة تسترق السمع خلف الباب ليصل لمسامعها طلب الحاج حافظ له ...ولكن ما صدمها اكثر سكونه وصمته وعدم إجابته على طلب والده كانت تنتظر دفاعه عنها باستماتة ..ليقابلها سكووون غامض ...
ومن بعدها لم يتلاقا ..حاولت انتهاز الفرص للحديث معه ولكنها تشعر بتهربه ..ألمها تجاهله المتعمد ...لتجلس كل ليلة تبكي فوق وسادتها وتشبعها صرخاتها المكتومة ..لما يفعل معها ذلك ؟..بعد ان تعمدت نسيانه لتغلق قلبها وتحصنه ضده عاد يداعبها ويحركه مرة اخرى ..
تحركت بإصرار من فراشها ترتدي عباءتها السوداء فوق ملابسها ولكنها لم تهتم بتغطية خصلاتها البنية ..لتخرج الي وجهتها بضيق وغضب يجب عليها مواجهته معاقبته على افعاله ....
صعدت الدرج الخشبي بخطوات مهتزة قاصدة غرفته الخاصة... تعلم انها اول مرة تتجرأ لوطئ غرفته الخاص من قبل وبالأخص بعد زواجه ...وقفت مترددة امام بابه المفتوح جزئيا ...فتتجرأ بدفعه بتمهل تبحث عنه فيصدمها ظلام الحجرة الا من ضوء بسيط صادر من مصباح جانبي ..دخلت بخطوات بطيئة تمرر عينها بجوانبها فتجده جالسًا على حافة فراشه واضعًا رأسه بين يديه ساندا ذراعيه فوق ركبتيه ..بهيئة لم تشاهدها عليه من قبل ،انقبض قلبها لرؤيته هكذا ..اما عنه. قد شعر بوجودها بغرفته يعلم انها هي ولكنه لم يقدر على رفع رأسه لرؤيتها ...
فاقتربت منه منتظرة انتباهه لها وعندما مرت اللحظات على ثباته همست بعذاب واضح باسمه ...ليرفع رأسه من بين يده ببطء يواجهها ينظر لها نظرات غامضة عليها ...صمته شجعها للتحرك اليه تجلس على ركبتيها امامه تستند بكفيها فوق ساقيه لتسمعه يسألها بخشونة بسيطة :
-ايه اللي جابك ؟....
صدمت من سؤاله هل لا يريد قربها ..ام هو سؤال بديهي منه؟....لتجيبه بنبرة رنانة:
-انت اللي جبتني هنا ....جاية اشوفك بتتهرب مني ليه ؟....
لمس كفيها بيده الدافئة يحتويهما يقول بحسرة:
-ياريتني اقدر اهرب ....
تلفتت بعينيها بالحجرة لتلمح حقيبة سفر مجهزة بجوار مكتبة فينقبض قلبها مما فسره عقلها قبل عينيها تسأله بخوف:
-انت ....انت مسافر ...؟!
رأته يغمض عينيه بقوة بعد سؤالها يجاهد نفسه كيف سيخبرها انه تاركها لمصيرها للمرة الثانية ...ولكن هذه المرة ليست بارادته ..ظروفه تعانده ..من بداية عمله المهدد فقده لانقطاعه مدة كبيرة عنه ...إلى .....!!!!
عند هذه النقطة فقد أعصابه لينتفض واقفا امام عينيها المرتعبة من تحوله المفاجئ ..ويتحرك للنافذة شاردا يواليها ظهر يقول بصوت حاد اجش:
-اسمعيني كويس ياشيراز ،..في كلام لازم تفهميه قبل ما امشي ...يمكن الزمن ما يجمعناش تاني ...
تنقبض قلبها واعتصر من قسوة كلماته ..ما هذه الكلمات التى يهزي بها ..تقترب منه بإصرار سانده كفها خلف ظهر تتساءل :
-ايه الكلام ده ؟...تمشي ..تمشي تروح فين ...؟..أنا مش فاهمة حاجة ؟!...
مالك بإصرار عجيب :
-ده امر طبيعي ..ياشيراز ..ان. امشي وأشوف مستقبلي اللي حلمت بيه ..أنا فكرت كتير في وضعنا الغريب ..لقيت ان مش من مصلحتي ان افضل اكتر من كدة هنا ......ولازم اعيش حياتي زي ما كانت مع شغلي ومراتي......
لم تصدق أذنها ...هل ما سمعته منه صحيح ...ايخبرها بابتعاده بكل هذه البساطة بعد سنوات عذابها وحرمانها منه ..؟!بعد ان عثرت عليه بعد فقدانه .....تقول بصوت متألم غير مصدقة موقفه:
-وانا !!!!.انا يا مالك فين من حياتك ....أنا فين من حياتكم كلكم .....أنا مش مصدقة انت اكيد بتكدب ..ايوه بتكدب صح ...أنا مراتك زيها ..زي غادة .وده كلامك مش كلامي ...أنا لما طلبت منك تطلقني قبل كده ..انت اللي رفضت وقولت لي ان حياتك معايا ...ايه اللي غيرك ..؟
سمعت ما جعلها تتمنى الصمم قبل ذلك الوقت ليقول بقسوة :
-اكتشفت انك انتي ماضي جميل ...بأحلام وردية ..أيام طيش شباب ..وللأسف مش هتتعدي الماضي ياشيراز ..لكن مستقبل ..لاااا.....
نبشت أظافرها في ذراعيه لتديره بقوة غريبة عليها لتواجه وجهه البارد تقول من بين دموعها :
-ده مش كلامك ...أنا حاسة ان قدام حد تاني شبهك ..أنا حياتك وروحك ..مش ده كلامك ..رد عليا ...قولي انك مش هتسبني تاني .......
انزل يديها الممسكة به بقوة وجفاء يقول بوجه رخامي :
-جوازنا مصيره الفشل ...عشان كده أنا .....أنا ....هطلقك....
صرخت بوجه من صدمتها تمسك تلابيبه بقوة رافضة تهز رأسها بصدمة تترجاه:
-لا يا مالك ..لا ...انت بتحبني وانا بحبك ..مش هقدر أعيش من غيرك تاني ...انا كنت بكابر كل السنين دي بحاول أكرهك فيها.. وما عرفتش ...أنا مستعدة اعمل اي حاجة تطلبها مني بس ما تسبنيش ...حتى مستعدة اكون زوجة تانية ..ماليش حقوق عندك ،.انا متخلية عنها ..مش هضايقك نهائي...حتى لو وصلت ان اكون خدامة لغادة.. أنا مستعدة ..بس ما تسبنيش ...أنا تعبت ..اقسم بالله تعبت .....تعبت.
أنصدم من انهيارها بهذا الشكل ومن كلامها الذي طعنه في قلبه حاول اخفاء تأثره حتى لا تؤثر عليه بضعفها وحديثها لقد عزم وانتهى الامر :
-مالوش لازمة الكلام ده ....ياريت تطلعي بره عشان محتاج انام ورايا سفر من بدري ...
بروده زاد من انهيارها لتهزه بقوة من قميصه كلبؤة مجروحة مطعونة:
-انت بتعمل فيا كده ليه ؟...ليه دايما بتموتني ..بتدبحني ...أنا استحاله اسيبك تعمل فيا كده ،..أنا بحبك يا مالك ...والله بحبك ...
قامت باحتضانه بقوة رافضة تحريره رغم محاولته لإبعادها عنه بقوة ..فيمسكها من ذراعها بقوة ألمتها يباعد بينهما ويدفعها بقوة عنه أسقطتها ارضا صارخا بها بقسوة :
-قولتلك اطلعي بره ....بررررررا....
جلست ارضا متألمة ..ولكن الألم لم يصل لجسدها بل وصل لروحها المطعونة من تغيره وتعامله القاسي معها الغير مبرر ..اخفضت رأسها بانكسار تجهش بالبكاء الشديد لم تعد تستطع السيطرة على انتفاضة جسدها والسيطرة على شهقاتها التي بدأت بالتصاعد بطريقة مخجلة ..
وقف مثبتًا ناظرا ليده بصدمه ..كيف فعلها ودفعها بتلك القسوة ..كيف هانت عليه ان يؤلمها ويعاملها بالنبذ؟. ..عندما وصله شهقاتها وانتفاضتها ...لم يسيطر على نفسه ليتحرك بسرعة جالسًا على ركبتيه حتى يكون بمستواها ..ممسكا وجهها بكفيه قائلا بنبرة ملتاعة :
-أنا اسف ...اسف ...ما اقصدش أوقعك ...حاسة بحاجة بتوجعك ؟!...
لم تجبه زادت من بكائها ..فيسمعها تقول بعد فترة :
قلبي ....قلبي بيوجعني يا مالك ...
ظلت تضرب صدرها بقبضتها بقوة لتكمل بنحيب :
-اطلع منه يا مالك ..وريحني .....مش هقدر أعيش طول ما انت جواه ...
تعرف تخرج من هنا .....؟!
اشارت باتجاه قلبها بإصرار ....
نظر لعينيها التي اشتعلت باحمرار دامي يراقب نظراتها الملتاعة المترجية العاشقة ..فيشعر بسريان صاعق كهرباء بجسده المتعرق و تلفح وجهه انفاسها الدافئة الخارج من فمها الصغير المهتز ..يخفض عينيه يراقب خروج اسمه منها ببطء كالهجاء ...فيزداد اشتعاله ..لينخفض عليها ملتهم شفاهها صاحبة الدعوة المجانية يبثها شوقه وألمه في بعدها بقوة ..انه يجاهد نفسه ولكنها زوجته ..زوجته ... فتقابل قبلته برفع ذراعيها تلفه حول رقبته مشتاقة للمزيد والمزيد تريد عدم هجره ...لم يدرك كيف حملها ووصل بها لفراشه ؟!...ومتى تجردا من ملابسهما ..ليضمها الي صدره الساخن يغوص في احلامه التي طالما رسمها معها ..يهزي باسمها من بين قبلاته العشوائية التي طالت جسدها بقسوة وتملك ..كان مغيبا لا يهمه العواقب الاهم ان يشعر بها في تلك اللحظة الفارقة وتشعر به ...انها زوجته وبين يده خانعة له كما تمنى في أيام .مضت ....
تأن باسمه بنعومة من هجماته التي أشعلت نارًا لم تطفئها منذ سنوات مضت ...ليزيد من امتلاكها بقوة اكبر وأكبر ...تاركًا لنفسه حرية الاستمتاع بهذه اللحظات حتى تظل محفورة بعقله للأبد .......
........
في العاصمة
.................
منذ عدة ساعات وقف لاهثة من شدة الغضب بشعر اشعث وقميص مفتوح صدره ناظرا بشراسة وغضب للفراغ ...فتقع عينيه على هاتفه المهشم على الأرض ب'الذي ضربه بالحائط بعد إنهاء مكالمته الأخيرة ..كان يتوقع عندما رأى اسمه يضئ بشاشة الهاتف انه سينهي الامر ليعاجله الآخر بحديث غير مرتب فحواه انها على ذمة رجل اخر "....رجل غيره ....!!!!"...مالك !!!!..ليصرخ بقوة به يقول :
-حاج حافظ ....أنا قولت اللي عندي ...وأتصرف ..الوقت ضيق .....التأخير مش في مصلحتها....
ليغلق الخط على وعد منه ان ينهي هذه الزيجة بأسرع وقت ... التي فهم منه انها كانت مجرد درع حماية لها ....زواجا على ورق ....وآن الأوان تسليمه هذا الدرع .....
.........................
ناعمة بأحلامها ..مستمتعة بلمساته الخشنة فوق بشرة وجهها .وجسدها الحليبي ..تتقبل قبلاته باشتياق ..يداعب شعرها بنعومة اشتاقت لها ..شعرت ببرودة بعد مدة لفحت جسدها الصغير في ظهرها المكشوف .تململت بضيق بسيط ارادت تدفئة جسدها بجسده الساخن الملتهب ..الهمجي ....حركت كف يدها بجوارها تلتمس دفئه لعله يغرقها بهجماته مرة اخرى كما حلمت بها ..فاستشعرت اناملها برودة الفراش التي جعلتها تكافح لفتح عينيها الثقيلتين تنظر جوارها بصعوبة حتى اعتادت على ضوء الحجرة المضئ بإشاعة الشمس ..رفعت رأسها تبحث عنه في جوانب الحجرة لعلها كانت تحلم !!..ولكن إذا كان حلم ..لما هي بحجرته ؟!.....
نظرت لحالها لتجد نفسها مسطحة على بطنها عارية الجسد لا يسترها الا غطاء خفيف ،.اعتدلت بصدمة في جلستها تنظر لأركان الحجرة تحاول تغطية حالها بخجل ..رغم انها وحيدة بالمكان ...ذكرها هذا الموقف بموقف مشابه ..عندما عادت لوعيها في غرفة الفندق لتجد نفسها وحيدة عارية تاركًا لها ورقة وداع ....ولكن شعورها اليوم في تلك اللحظة مخالفا للذكرى القديمة تشعر الان بتغير حدث بها ..ألام بسيطة في جسدها لم تشعر بها من قبل فكان ذلك وسيلة لإفهامها انها لم تصبح كما كانت ...انقبض قلبها بألم شديد ..لتؤكد لنفسها ان تلك الذكرى ماضي وانتهى ،.انها زوجته الان فعليا ..ولم تخطئ بشئ ...ارادت التحرك للبحث عنه فمن المؤكد انها تأخرت بالاستيقاظ على غير عادتها ..بحثت عن ملابسها لتجدها ملقاه اسفل سريره فترتديها بعجالة ...ولكن بعد انتهائها لاحظت عدم وجود حقيبة سفره بمكانها لتبتسم بنصر انها نجحت في أثنائه عن سفره
.......
بعد شهرين....
............
جلس واجمًا خلف مقعد القيادة بسيارته الخاصة حاله كحال الجميع داخل البيت كأن الحزن اقسم ان يذيق كلا منهم على حدا ..حاله ليس افضل حالًا من تلك المتوقعة على نفسها بجواره ..صامتة غامضة حزينة .عينيها الكحيلتين تنطق بالكثير والكثير بدون كلمات وحروف ..تحيط عينيها سحابة حزن ودموع منحبسة تأبى الظهور لمدة شهرين كاملين ...كل يوم يمر عليهم كالذي قبله منذ استيقاظهم ليمثلوا على بعضهم ان كل شئ على ما يرام ..يدعون انهم بخير ....حتى نهاية يومهما كلا منهم ينسحب لحصنه المنيع يتقوقع داخله و يظهر لنفسه ما خشى اظاهره امام الجميع ....
دق هاتفه برنة مخصصة ليزفر بقوة ملتقطة بضيق ويجيب بضيق :
-ايوه ؟!!!!......
-"........."
-الحمد لله ......
-"........"
-كلنا كويسين .....
صدرت منه إلتفاته حذرة لأمينة الشاردة في الطريق ويقول بحذر :
-كل حاجة زي ما هي ....
-للاسف الحالة بقت اسوء ....
صدرت منه ضحكة ساخرة ليقول بحقد :
-لا والله حنين اوي.....؟!ما تشغلش بالك بينا......
-"........"
-أنا مضطر اقفل عشان سايق مع السلامة ........
.....
...........
اغلق الخط بعد إلقائه تلك المحادثة الغامضة..تمر لحظات ليجدها تقول وهي على نفس ثباتها :
-مالك مش كده ؟!......
نظر اليها بصدمة ليطول الصمت المقبض بينهما ....لم يكن يتوقع ان تعلم انه يتواصل معه ليطمئن على أحوالهم وخصوصا حال تلك المسكينة التي لا تغادر غرفة امينة مطلقا منذ اكثر من شهرين ...كاملين ...طالها المرض والضعف ..بعد علمها بهجره وتركه لها خلف ظهره كأنها لم تكن في حياته من الأساس .لتهرول كالممسوسة خارج البيت حافية القدمين وشعرها الأشعث ووجهها الشاحب المغرق بالدموع ..تصرخ باسمه ...تصرخ وتصرخ ...وتهرول هنا وهناك باحثة عنه غير مصدقة ما فعله بها ..للمرة الثانية كانت تهزي بكلمات غير مفهومة وبنظرات زائغة تؤكد انه لن يفعلها مرة أخرى بها ..ليست مرة اخرى ....كانت صورتها مفرطة للقلوب ذابحة للنفس ..لعن لحظتها مالك ..
ليحاول هو منعها من الفرار خارج بوابة البيت للبحث عنه كالمجنونة عن طريق الأحكام عليها بذراعيه وهي بهذا الوضع المؤلم للنفس.... لتصرخ وتصرخ حتى تلاشى صوتها تدريجيا مع ارتخاء جسدها بين يده ....وتتقوقع بعدها على نفسها رافضة التواصل مع اي فرد حتى الحاج حافظ ..الذي لم يكل من الجلوس بجوارها لساعات طويلة يحدثها ويبرر بان ما صدر من مالك كان رغمًا عنه ومن مصلحتها الابتعاد عنه ....ولكنها لم تبدي اي إشارة لتجاوبها مع حديثه ..لتظل صامتة واجمة ...نظراتها كارهة لمن حولها حتى هو .....
انتبه لرنين الهاتف ولكن هذه المرة كان هاتفها الخاص ...يجدها تخرجه من حقيبتها الصغيرة بملل كأنها تعرف المتصل ...وتزفر كما فعل هو منذ عدة لحظات و تجيب باقتضاب و وجه عابس:
-السلام عليكم .........
-.............
-الحمد لله ..............هو وصل ؟!...قوليله أنا في الطريق ........
-فزاع معايا فاضل ربع ساعة تقريبا................
-خلاص مش ده اللي انتي عايزاه ...أنا بريحك وانفذهولك ..............
-مع السلامة ..
شعر بريبة في الحوار وخصوصا تمرير عينيها عليه بتوتر في كل لحظة اثناء حديثها فيضيق عينه يسألها كما فعلت:
-دي الحاجة حفيظة ؟؟.........
هزت رأسها بالإيجاب ويلمح نظرة الحزن بعينيها الكحيلة ليكرر سؤاله بإحراج من تدخله وفضوله القاتل:
-مين اللي وصل ؟!.....احم اصل أنا عارف ان الحاج ما خرجش انهاردة فأكيد مش هو المقصود .......
كان مرعوبا من فكرة عودتها لطليقها مرة اخرى ...ليطول الصمت المقبض بينهما وعندما لاحظ صمتها وامتناعها عن الاجابة نظر اليها ..يجدها تنظر له نظرات غريبة لم يستطع تفسيرها فتقول ببطء ؛
-ده واحد جاي يتقدم لي ......
اصطدمت في اقل من الثانية بمقدمة السيارة امامها برأسها من توقفه المفاجئ بالسيارة ..فتمسك رأسها بألم تدلك مكانها توبخه بضيق ؛
-ايه اللي عملته ده ؟...حد عاقل يعمل كده ؟.....ادخل عليه دلوقت ازاي وانا دماغي مفتوحة ؟!......
نظر لها بحدة يقول موبخا :
-همك اوي منظرك قدام عريس الغفلة ....ان شالله تدخلي على نقالة ....
رفعت حاجبها بضيق من تصرفه الغريب :
-انت كمان بتدعي عليا ...،..
-ما قولتيش ليه ان في عريس جاي انهاردة ......
ضاقت من تدخله الغير مبرر فهو يوكل نفسه مسئول عن كل شئ يخصها يدخل في ادق الأمور كما كان يفعل مالك مسبقا ولكن هذا بحكم قرابتهم ولكن فزاع ؟!!.......تقول بنزق:
-وانا أقولك بتاع ايه حضرتك ؟...و لي امري ......
أراد تغيير منحنى الحوار ليسألها بضيق وهو متشبث بعجلة قيادته ناظرا امامه:
-اكرم عارف ؟.......اكرم لو عرف مش بعيد يطخك رصاصة بين حواجبك .....
-انت عايز ايه بالضبط ..؟ايه اللي مضايقة بموضوع العريس ...ما انت كمان بتدور على عروسة الغفلة ...ولا تكون اكرم حاطك جاسوس عليا تبلغه اخباري ........
نظر لها بغضب مستعر من إلقائها بالاتهامات الباطلة الواحدة تلو الأخرى ...ليقول بصدمة ؛
-أنا جاسوس !؟......
ده رايك فيا ؟!........
نظر للطريق بكل برود كأن لم يسمع منها شئ ويقود بهدوء مخالف لمشاعره المتضاربة المتناقضة ...فيجدها بعد مدة من الصمت تحاول ترتيب كلماتها وتقص عليه الظروف المحيطة بالعريس:
-هو كان زميلي بالمدرسة ..ووو...دايما كان عينه عليا ....ووو لمح لي ....اكتر من مرة بس أنا كنت بصده .....بس ..بس من كام يوم جاب رقم جوز خالتي الحاج حافظ وكلمه ان عايز يجي .....وبس.......
أنهت حديثها وثرثرتها الغير مفيدة تنتظر تعليقه على أي شئ تشعر بضألة نفسها وصغرها ..بسبب ظروفها الصحية ...علمت منذ عدة اشهر سابقة رأيه بها بعد ان سألته لو كان مكان اكرم ...ولكنها رأت الاجابة بعينه بدون ان يتلفظها.....
لم يعلق على حديثها كأنه شئ ليس ذو قيمة لديه ..لما دائمًا منحنى تفكيرها يذهب لاهتمامها به ....تتمنى اهتمامه بأحاديثهاوشئونها الخاصة ..تستند برأسها عدة لحظات فوق زجاج الباب الجانبي لتتذكر شيئا مهما لتقول مرتعبة بارتباك :
-فزاع !!!....
انتفض لارتباكها ونظر لها بتمعن ليجدها مرتبكة تفرك يديها معًا تقول برجاء :
-هو في صيدلية قريبة من هنا ....؟...محتاجة حاجات ضروري .....
-اه في ..بس عايزة ايه وانا اجبهولك ....
قالها فزاع بصدق حقيقي ظاهر بعينيه ..،،
فتسرع بمنعه :
-لا لا أنا هشتري ما تتعبش نفسك .....
ابتسم على ارتباكها قد فهم سبب طلبها للصيدلية لجلب أشياء خاصة بالنساء ليقول لها بمكر :
-زي ما تحبي.......
...........
وقف امام اقرب صيدلية ..لتشكره وكادت تخفض ساقها خروجًا من السيارة وجدته يفتح بابه للهبوط معها لتصرخ به باضطراب؛
-انت رايح فين ؟
رفع كتفه بلا مبالاة يخبرها :
-نازل معاكي ....
-ايه ...قولتلك أنا هعرف اشتري ،.ماتتعبش نفسك .....
اغلق بابه بعد عودته لمقعده مبتسما :
-زي ما تحبي ......
............
وقفت امام الطبيب الصيدلي تتلفت خوفا من رؤية فزاع لها بعد ان طلبت طلبها ليقول الصيدلي بعملية :
-زي احسن أنواع عندنا ...
-حضرتك متأكد انهم كويسين
-اه يا فندم ....
حكت رأسها بتوتر وارتعاش من الفكرة المجنونة المقدمة عليها لتطلب منه طلبها الأخير :
-طيب أنا عايزة ........!
انصرف الطبيب وكان عليها شراء أشياء اخرى حتى لا يشك فزاع بأمرها فوقفت تنظر إلى ارفف الفوط النسائية بأنواعها وأحجامها ...رفعت يدها تجلب شئ ما ...لتجد يد تمتد امامها وصوته الأجش المداعب لها يقول :
-النوع ده افضل أنا سمعت كدة ....
شقهت بخجل ورعب لتلتف لتجده قريبًا منها كفاية ينظر لها بداعبة منه لها وابتسامة فوق شفتيه ممسكا بكيسا من الفوط الصحية فتقول بغضب :
-ايه قلة الأدب دي ..انت ...انت ...ازاي ....؟!ابعد ابعد .....
ضحك على خجلها ليقول بلوم زائف :
-كده يا امينة ..أنا قليل الادب ..ده حتى كنت بساعدك ...
صرخت بغضب :
-انت قليل الأدب ...ما تدخلش في حاجة زي دي ...
ضيق عيونه بمكر يسألها:
-هو الدكتور لما تطلبيها منه مش قلة أدب منك ......
تحركت من امامه مبتعدة عن ذلك الموقف المخجل فيحمل الكيس بيده ويقف بجوارها منتظرا حضور الصيدلي ....
الصيدلي :
-الحاجة يا فندم حسابها .......!
انتشلت الكيس القابع فيه أشيائها بحركة جعلت الشك يطرق قلبه وعقله وتسرع باخفائها في حقيبتها الجانبية ...وتنصرف على عجالة الي السيارة بعد دفعها للحساب ليدقق بها يجدها متوترة بقلق وليست خجلًا منه ...
...........
خرج خلفها يدقق في ملامحها وانفعالاتها الغريبة وبعد. وصوله مقعد القيادة مد يده بكيسا اسود بوجه جامد يقول:
-لقيتك نسيتي تشتري الحاجة الخاصة بتاعتك فقولت اشتريها أنا ....
نظرت له بذهول من وقاحته وتجحظ عينيها الكحيلة :
-انت اكيد قاصد تقل ادبك انهاردة ...
ولكنه لم يتأثر بضيقها وظل يدقق النظر في عينيها المتوترة ..فبعد خروجها سأل الصيدلي عن الأشياء التي قامت بشرائها فتحل عليه الصدمة مما اشترت ...فيسألها بهدوء مخالف لبراكين عقله الثائرة :
-فين الحاجة اللي اشتريتيها ؟!.......
لاحظ ضغطها بأناملها فوق حقيبتها تبتلع ريقها بصعوبة ..ماكان منه الا انه انتشل حقيبتها من يدها بقوة أفزعتها...فتصرخ بوجهه مستنكرة فعلته ليصرخ هو الآخر بها محذرا مشيرًا بسبابته امام وجهها :
-اخرسي ...ولا كلمة ...
يفتحها بعجالة يخرج كيسا بلاستيكيا منها مطبوع عليه اسم الصيدلية ..ليدفع بوجهها بقوة حقيبتها الشخصية بكل صفاقة .....تسارعت انفاسها عندما مد يده داخل الكيس الابيض يخرج مافيه فتقول مستنكرة تصرفه:
-انت باي حق تفتح شنطتي ...وتفتش فيها .....
ظلت تثرثر تحاول السيطرة على خوفها تراه عيونه الجاحظة ويده الممسكة بعلبة من العلب امام عينيه بصدمة ...يبتلع ريقه بصعوبة ويسألها بحذر مخيف مقبض:
-ممكن افهم ايه ده ؟........ايه ده يا امينة ....قال جملته الأخيرة بصراخ رج الانحاء ...
تلفتت. بريبة حولها تحاول اخراج الكلمات بحرص فتسمعه يقول بصوت غريب :
-أنا ما صدقتش الصيدلي لما قالي ...بيعمل ايه تحليل الحمل في شنطتك ...وحبوب الإجهاض دي بتهبب ايه مع واحدة في وضعك .....
طعنة غائرة ضربت بقوة ..سؤاله يتبطن به تلميحا لا تقبله لتسأله بكسرة :
-واحدة زي عقيم مش كده؟....ولا اقصد واحدة مطلقة؟...
صرخ يمسكها من ذراعها بألم يضغط عليه بقوة :
-ما تغيريش الموضوع ....أنا عايز اجابة واضحة ..قبل ما الأفكار تاخدني وتجبني لحاجات ماينفعش افكر فيها من الأساس .....
ظلت صامتة بعيون دامعة ..أتسعد انه مهتمًا لأمرها ويخاف عليها ..؟ام تحزن لطعنه وشكه لها....؟
تسمعه يجاهد للسيطرة على طريقة تنفسه ويسألها بغلظة:
-انتِ ...حامل !!!!!!....
جحظت عينيها بصدمة من سؤاله الوقح ما كان منها الا ان رفعت يدها لتستقر فوق وجنتها في لطمة قوية مسموعة هزت كيانها قبل كيانه ...فكانت الصدمة هذه المرة حليفته هو .....نظر لها نظرات شيطانية من إهانتها له مع رفع حاجبه الأيسر ببطء بتعجب واضح ...يسمعها تقول بصعوبة مسيطرة على بكائها :
-تحليل الحمل مش ليا !!!!!.....
................
جالس بزيه المخصص للطيران يرتشف قهوته بمطعم احد الفنادق التي خصصت لهم في تلك البلدة ....شاردا في حياته التي آل اليها ..ها هو يحقق حلمه في التحليق فوق كل دولة بحرية ولكن ماذا عن حلم قلبه ؟!....كيف اختار .وقرر وابتعد بكل سلاسة ليتركها تواجه مصيرها بنفسها ....بكل دناءة .....لم تختلف فعلته السابقة بهذه المرة ...في كل مرة يثبت لنفسه انه من اجبن المخلوقات ارضا ..ليتخلى عنها بعد اول ليلة حالمة بينهما .....يعلم انها عانت بعد رحيله وهجرها بدون رحمة ليكمل قسوته بتطليقها رسميا ...لتنفصل عنه مرة اخرى ...للأبد!!!!.......
..............
وضع هاتفه الخلوى باذنه وهو يقوم بإمضاء بعض الأوراق وبفمه يقبع سيجاره الخاص يتحدث مع الطرف الآخر بحزم :
-وافق على اي شروط يقدمها...المهم الشراكة دي تتم ....باي شكل
-...........
-أنا عارف كويس ان الشركة واقعة بسبب دخوله السجن ..حاول تتصرف ...سلام ....
......
اغلق الهاتف ليلقيه بعدم اهتمام ويظل كما هو مضيقًا عينيه شاردا يدخن سيجارته باستمتاع يهمس بصوت اجوف لنفسه "اهدي يا حازم ...اهدى ...كل حاجة هتبقى زي ما انت مخطط "..فتظهر ابتسامة شيطانية فوق شفته الغليظ ...ويفكر في الخطوة التالية .....
...................
ظل يدور في مكانه باضطراب ذهابًا وإيابًا كالمنتظر نتيجة شهادة الثانوية ..واضعًا يديه خلف ظهره ناظرا لقدمه ..بوجه متجهم انتبه لفتح الباب وظهورها من خلفه بوجه خالي من اي تعبير ..فاندفع اليها متسائلا بريبة :
-ها يا امينة ؟!....طمنيني ..ساكتة ليه؟!...
نظرت له بصمت احتارت فأمره لما هو مهتمًا هذا الاهتمام ؟!...لتقولغ مستهزئة :
-اللي يشوفك يقول مستني مراته اللي بتولد جوه ...
توتر لمواجهتها له فهو بالفعل تصرفاته اصبحت مبالغة فيها ،.بالفترة الأخيرة فيسمعها تخرجه من دوامته :
-للاسف حامل !!!!!!....
يتبع،

باليرينا الشرق( مكتملة)محولة للورقي الآن مع تعديل السرد وتحويلها للفصحى كلياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن