الفصل الثاني عشر

6.6K 224 3
                                    

الفصل الثاني عشر
🌹🌹🌹🌹🌹🌹

داخل حجرة بسيطة الأثاث تسطحت على بطنها فوق فراشها تقلب صفحات المجلة الأجنبية تلاعب خصلات شعرها الأسود الليلي تتحدث بالهاتف بمكر:
-أنا كدة فهمت ايه؟...بقول يا ابني كلمه اعرف منه ناوي على ايه ؟..
الشخص:
-بقولك ايه ياغادة مش هقدر اسأله ...وكمان انتي عايزة تفهميني انك بجلالة قدرك مش عارفة مالك بيفكر في ايه ...ده انتي وقعتيه في شهرين ....
اعتدلت في نومتها لتقول بغضب:
-وبعدين معاك انت كل شوية تفكرني ...وكمان مين اللي وقعني في طريقه مش انت ؟.....
الشخص:
-الحق عليا ..ان لقيتك هتتهبلي عليه والواد كان لسه خارج من قصة فاشلة قولت اذوقك عليه ..وانتي يا حلوة مقصرتيش......
-أف خلاص ...انت بقيت صعب ....أنا اخذت اجازة وهسافرله بكرة أنا وماما ...بس يوم والاقيك عندي ..هخلي مالك بنفسه يتصل بيك ....عايزاك في خدمة.......
الشخص:
-خير..خدمة فيها مزز معاكي.......
-فيها ...بس انت تعرف تحللي المشكلة وتزيحها من طريقي ....
الشخص:
-انت لسه حطاها في دماغك رغم ان قالك انها جواز. مصلحة وهيطلقها ....ياغادة ماقولتلك خليكي معايا وهتكسبي..قولتيلي ماليش في العوج عايزة الحلال ...اشربي بقى...
-خليك انت في عكك ..أنا يا جواز يابلاش ....
..................
في الصباح الباكر وقف "مالك "منتظرا خروج ابنة خالته ليقوم بتوصيلها الي المدرسة خوفًا من تعرض طليقها مرة اخرى لها ...بعد ان طلب من فزاع التوجه إلى محطة القطار ليقل زوجته المستقبلية وامها لبيت الحاج حافظ بعد ان فوجئ باتصالها في الصباح الباكر تخبره بسفرها له ....
يجد امينة تخرج بحقيبتها الشخصية وغطاء رأسها وملابسها المحتشمة تنظر له من خلف نظارتها الشمسية بتعجب حتى اقتربت منه تقول:
-صباح الخير ..ايه اللي مصحيك بدري ...
ابتسم لها ..كيف يبلغها انه جفاه النوم .بعد حديثه معها وكل مايباغته النوم يحلم بها بقربه .ليقفز ينادي ويبحث عليها كالمجنون..تنحنح مجليا صوته:
-مافيش ياستي في واحدة كدة قرفاني ولازم اطمن عليها أوصلها بنفسي ..لا يطلع عليها مجنون امينة تاني ويخطفها ههههه...
ضحكت على تلميحه لجنون اكرم بها ..نعم تعلم انه يعشقها ويذوب بها حبا لكن لن تستطع العودة له ..لقد كسر كرامتها كأنثى لتقول بابتسامة:
-طيب ..هيا بنا أيها الحارس الأمين ..حتى لا نأخذ تأخير حضور ...ويتم خصمه من راتبي ...
صدحت ضحكة قوية منه لدرجة ادمعت عينيه من شدة الضحك فتنخفض تدريجيا ليجدها تنظر لها ببلاهة فيقول بمرح:
-ايييه..حضرة الأستاذة المبجلة سرحت في ايه؟؟؟
-عارف يا مالك بقالك آد ايه ما ضحكتش من قلبك ..تقريبا انا عمري ماشوفتك بتضحك بجد.....
كاد ان يجيبها بروتينية ليلاحظ خروج خديجة من بيته تنزل الدرجات ببطء هدوء معتادة عليه وقع نظرة على. قدميها الصغيرتين تكاد تلامس الأرض وهي تسير فوقها كالفراشة ...الفراشة!!!!

وقفت أمامهما بتوتر تهرب بعينيها عنه فبعد ما قصته لها امينة .. انه مازال يتذكرها ويعشقها ..تراقصت ضربات قلبها بسعادة ولكن سرعان ما وأَدت ذلك الشعور المخزي ...كيف تحن اليه بعد ما اصابها منه؟!...
لتقول برسمية شديدة لاحظها :
-صباح الخير ....
بادلها كلاهما التحية...شعر انه اطال النظر اليها فقال مدركًا نفسه:
-عاملة ايه دلوقت احسن ؟...
هزت رأسها بإيجاب ...ليقول وعينيه تفضحه من الاهتمام :
-لو احتاجتي اي حاجة بلغيني ..ماشي؟
-حاضر ....
شعر انها تريد قول شئ لأمينة فظل ثابتا الفضول يأكله مصممًا علي عدم الانصراف ..يتفاجئ بتحركها مبتعدة تفتح ذراعيها بجانبها لشئ ما ..ليجد الطفلة سندس حفيدة ام سعد تجري باتجاهها وترفعها بين أحضانها، تغرقها قبلات عشوائية ..يسمعها تقول بحبور واضح لها:
-وحشتيني وحشتيني اوي ياسندس...
-وانت كمان يا خديجة ....
ظل يفكر كيف ارتبط بها الجميع حتى الأطفال تعلقوا بها ..ترى ما السحر التي تملكه تلك الخديجة لتمتلك كل هذه القلوب في مثل هذا الوقت القصير ....؟!
سمعها تبادل تلك الصغيرة الحوار كأن بينهما الكثير من الأسرار والأحاديث الجانبية تقول بلوم طفولي :
-لا أنا كدة ازعل ..ياعني ايه مش هتروحي المدرسة تاني ..؟!البنات الحلوين لازم يتعلموا ،ولا ايه؟
رفعت سندس كتفها بلا مبالاة ترفض الفكرة تقول :
-مش عايزة اروح بردو.....أنا بخاف من المدرس اللي بيدخلنا الحصة ....
قطع حديثهما صوت امينة يحدث مالك الذي كان منسجمًا في حديثها مع سندس تقول بضيق :
-مالك أنا كده فعلا اتأخرت ...
تدارك نفسه ليلتفت لها محاولًا التركيز :
-اه فعلا ..يلا ..
يلتفت مرة اخرى لها يشعر ان قدمه لا تطاوعه على التحرك يغفل عن سبب ذلك الشعور الجديد بجوارها ..يقترب منها خطوة يواجهها وينحني يقبل رأس "سندس "المحمولة بين ذراعيها و يربت فوق ظهرها بحنان لتلامس أنامله كفها المستريح يشعر بكهرباء لمست جسده ..شعر بارتعاش كفها الناعم لتتلاقى اعينهم في تواصل صامت متناغم ..ليسمع صوت الطفلة تقول له :
-أنا هفضل مع أبلة خديجة لحد ما ترجع ..أنا عايزة اركب على الحصان ..زي ما قالتلي....
هربت خديجة من نظراته فهو دائم التحذير لها بضرورة الابتعاد عن الخيل وبالأخص "العاصية"........
يهز رأسه برتابة ونظرة محذرة للواقفة امامه بارتباك يقول باختصار:
-ان شاء الله ........
..................
في المطبخ حول طاولة الصغير تزايدت انفاسها وتسارعت ضربات قلبها كالطبول تشعر بتصلب في جسدها من صدمة ماسمعت من تلك القابعة امامها تقص لها ببراءة لا تعي شيئًا ...أسباب رفضها للذهاب إلى المدرسة لتقول لها مستفهمة ..هل ماسمعته صحيح تقول بحذر تحاول عدم إخافة "سندس "التي تتلاعب بالملاعق والأطباق المعدنية توهم حالها بأعداد الطبخ كلعبة معتاد عليها الاطفال ..ابتلعت ريقها بتوتر تسألها بهدوء:
-حبيبتي اللي حكتيه ده حصل معاكي ..ولا مع حد تاني ...
هزت رأسها بالإيجاب :
-مع كل اصحابي ....
وضعت خديجة يدها على فمها بتوتر :
-احكيلي بيحصل ايه بالضبط ...مش احنا اصحاب وما تخافيش من حاجة ....
هزت الطفلة رأسها بالموافقة وبدأت بالقص لها مايحدث داخل المدرسة في الخفاء ......
...............
جلست تنظر بعينيها تقيم ذلك الصرح بأنف مرفوعة وساق فوق الأخرى بكبرياء تستمع إلى ترحيب تلك السيدة العجوز التى لم تكل ولا تمل من الحديث منذ لحظة وصولها هي وأمها ..لتتأفأف بضيق وتشعر باقترابها تقدم لها كوب الشاي تقول بحبور:
-اتفضلي ياست العرايس ...ده البيت نور بوصولكم ...يا الف مرحب ....
تناولت كوب الشاي وترمق امها نظرة ذات مغزي كانت كلتاهما تبحثان بعينهما عن هدفهما تلك التى اخذت مكانة لا تستحقها ...يجب عليهما البحث عن حل لاطاحتها .....
ليقول الحاج حافظ بجدية:
-منورين البلد ...بس مش كنتم بلغتونا من بدري عشان نعرف نستقبلكم ....
تجيبه ام غادة بمكر:
-هو احنا غرب ياحاج ده احنا اصحاب بيت ولا ايه؟ .....لتكمل بعد ان اراحت كوب الشاي على الطاولة ...
"ماتأخذنيش ياحاج ..احنا جينا انهاردة عشان نعرف رأسنا ..من رجلينا ...الولاد بقالهم مدة كاتبين كتابهم وجه الوقت نطمن عليهم "
هز رأسه برتابة بدون اضافة اي كلمة ليقول مالك :
-عن إذنك يا حاج ..طبعًا حضرتك عندك حق وانتو نورتونا ..هي بس كانت مفاجأة غير متوقعه لان غادة من النوع الحريص جدا في عمله ماتوقعتش انها تكون اخذت اجازة ...وبالنسبة للفرح حضرتك ماتحملي هم كل حاجة جاهزة لو من بكرة ...
ارسلت غادة نظرة ثقة لامها لتقول بعدها:
-أنا كمان مستعدة ....
ليقف الحاج حافظ يقول بصوت جاهوري :
-على خيرة الله ..نبدأ نجيب الدبايح ..لان زي ما مالك بلغكم لازم الفرح يكون هنا في وسط بلدنا وحبايبنا......
رن هاتف مالك لينظر لشاشته يجد اتصال من فزاع ليقول لأبيه :
-ده فزاع!!!!..
قلق حافظ لهذا الاتصال ليخبر ابنه :
-رد يابني ..لا يكون اكرم اتعرض له تاني .....
فتح مالك الخط وكاد ان يتحدث ليجد صراخ فزاع من الجهة الاخري:
-مالك ..إلحق خديجة ......
وقف بصدمة ليقول بقلق اعتلاه:
-مالها خديجة يافزاع ؟....انطق......مالها؟؟
............
لا يعلم كيف اندفع خارجًا تاركًا كل من يستفسر عن الأمر بدون رد ليقود السيارة مسرعًا الي طريق "المعدية .."...ليستقلها بسرعة ..لايعلم ماذا يحدث بالمدرسة فحديث فزاع غير مفهوم عن ضرب خديجة لاحد المدرسين وهاتف امينة لا تجب عليه ...حطت قدماه داخل المدرسة الابتدائية ليجد تجمهر بساحة الفناء الصغير والكثير من الطلبة والمعلمين والمعلمات واولياء الأمور وقف يبحث عنها ..ويدفع الناس المتجمهرة ليتعالا صوت صراخ المدرس وسباب أنثى له ..لينصدم عند رؤيته لخديجة تعتلي احد المدرسين مفتوح الرأس دامي الوجه تتناوب ضربة بكعب حذائها الذي سبب له جرح غائر بالرأس ...ووقوف الكل متفرجا سعيدا لهذا المشهد مع محاولة امينة منعها وجذبها للخلف لتبتعد ولكن محاولات امينة تزيد من شراسة الأخرى ..لتصرخ وتخرج كلمات غير مترابطة وغير مفهومه لم يصل له الا كلمة واحدة اخترقت أذنه (متحرش)!!!!!!!!!...
وقف للحظات لا يعي ما يحدث ..وجدها ترفع الحذاء لاعلى بقوة لتنزل به بقوة على وجهه ..كان ذلك إشارة كافية ليتحرك جسده يبعد من يعيقه ويندفع يحيطها بذراعه من الخلف يرفعها عنه لتصرخ وتضرب بيدها وساقيها في الهواء تحاول التخلص منه تسب وتلعن ذلك القابع ارضا :
-اقسم بربي لأقتلك ..يا كلب يابن ال......
صرخ بأذنها مهددا إياها حتي يسيطر على انفعالها:
-ايه اللي بتعمليه ده ؟!....انت مجنونة فتحتي راسه...
صرخت بصوتها المبحوح:
-سيبني يامالك ..سيبني...اموته ...مش لازم يفلت من عملته....
كانت تبدو له تهذي بالكلمات الغير مرتبة ...
ليجد المعلم (رشدي)يحاول الوقوف يمسح الدماء من جبينه يهددها:
-أنا هسجن يابنت ال (.....)خليكوا شاهدين هي اللي خرجتني من الفصل وضربتني قدامكم ......
عند هذه النقطة فاض كيل مالك لن يسمح باي تطاول يمس من يخصه وخصوصا هي ...ليتركها في يد امينة تحاصرها بقوة وهي مازالت على مقاومتها العنيفة ..يتقدم يمسكه من تلابيبه يقول من بين أسنانها:
-هي مين بقى اللي بنت ال(....)....
ابتلع الأخير من مهاجمة مالك له يقول:
-أنت مش شايف بهدلتني ازاي ..؟أنا عايز حقي منها.....
-سيبني يامالك اقتله وأخلص الناس منه ...
قالتها خديجة بصراخ وهي ممسكة بفردة حذائها مثبتة بايدي امينة ....لتطيحها في الهواء اتجاهه كادت ان تصيب وجه مالك لولا تفاديها في اللحظة المناسبة...ينظر لها بتعجب من ثورتها ومدى انفعالها ثم
ظل ينظر للرجل بريبة يضيق عينيه ..يحاول تذكر هذا الوجه يشعر بانه رآه من قبل ....لم يخفض نظره عنه وهو يسألها بحرص شديد :
-عمل ايه الراجل ده معاكي ياخديجة خلاكي تعملي فيه كده؟!......
صرخت خديجة كأنها تنتظر الإشارة للانفجار :
-(الوس...)ده بيتحرش بسندس ومش بس هي ده بيتحرش بالفصل كله .....
-كدابة ...كدابة يا أستاذ ..ايه إثباتك .....؟
هذه الكلمة ترددت علي أذنه من قبل في موقف مماثل ....
جحظت عيني مالك بصدمة عندما تذكر ذلك الوجه انه هو ....متحرش شيراز .....حاول تدارك الأمر ليصرخ مالك في الجميع
-كله يروح يشوف بيعمل ايه...فين مدير المدرسة دي ؟....
........................
كان هذه المرة هو من يمسكه من تلابيبه يكيل له اللكمات الغير منتهية وقفت بجانب الحجرة ممسكة بأمينة محتضنة حذائها لصدرها ...مرعوبة من ثورته الفجائية فيبدو عليه انه تذكره مثلما تذكرته اول ما وقعت عينيها عليه عندما اشارت لها سندس عليه تداعت ذكرياتها معه عندما كان يتحرش بها عن عمد ..لم تشعر بنفسها الا وهي تستأذنه بهدوء للخروج للساحة لتحدثه على انفراد ثم تكيل له الضربات والسباب بعد ان ضربته ضربة قوية بركبتها لتسقطه ارضا متألما.........
سمعت. مالك يتوعد له بفضحه يقول بصراخ:
-هو انت ما بتحرمش ...مافيش فايدة في نجاستك .....
-ارجوك اخر مرة ...اقسملك اخر مرة ...
صرخت خديجة في مالك الا يصدقه:
-ماتصدقهوش يامالك ...ده لازم يتحبس المرة دي......
نظر لها مالك باستغراب من حديثها
فيستنجد الآخر بأمينة ببكاء كالتماسيح:
-يا استاذة حوشيهم عني ..ده احنا مدرسين زي بعض ...أنا بيتي هيتخرب ...
لتجيبه خديجة وهي تحاول الإفلات من أيدي امينة القابضة عليها حتى لا تتهور :
-دلوقت افتكرت ان ليك بيت وعيال خايف عليهم .....اسجنه يامالك ماتسيبوش ....
تدخل في الحديث مدير المدرسة الذي ظل صامتًا يشاهد تلك المسرحية ..رفع يده يمسح عرقه فسمعة المدرسة على المحك ومن الممكن ان يطاح به بسبب هذه الكارثة :
-الشرطة في الطريق ...أنا اتصلت بيهم ...
صرخ المدرس بقوة في وجهه:
-اتصلت بيهم ..بتبعني ...؟...طبعا ما كبرات البلد طرف في الموضوع ..ليه ماتبعنيش ليهم ؟
زجره مالك وقد فقد صبره وهو ما زال يمسكه من تلابيبه:
-انت ايه يااخي ؟!..مافيش فايدة في طولة لسانك ..طب ايه رايك بقى ..أنا اللي هحطك في السجن بايدي ..لحد ما تعفن ..وكلمة زيادة ..هطلع القديم فاكره ولا نسيت ...؟نسيت شيراز ...؟ده الفيديو لسه محتفظ بيه ...ووحياة اللي خلقك ...ما سايبك ..المرة اللي فاتت هي اترجتني اسيبك المرة دي لا .....
-أبوس ايدك ،..أبوس ايديكم كلكم سمعتي ومستقبل عيالي .....
طرقات علي الباب جعلتهم ينتبهوا للداخل ليجدوا ضابط الشرطة بزيه الرسمي يدخل المكتب ليسود الصمت في جوانب الغرفة ..لما هو آتٍ........
..................
جالس بأريحية في قصره الفخم بالقاهرة مرتديا بذلته الزرقاء أسفل قميصه الابيض ....مفتوح صدره للمنتصف يدخن سيجارته المستوردة مستريحة في فمه وبين يديه ملفا ازرق ينظر اليه بصمت ....
تتقدم منه إمرأة بقوامها الممشوق وزيها الرسمي من تنورة سوداء قصيرة وقميص ابيض حاملة بيدها تليفونه الخاص تقول بلغتها الخاصة :
-مستر حازم ...مكالمة من البلدة....
رفع نظره اليها ويلقي الملف باهمال على المنضدة ويتناول الهاتف منها ثم يشير لها بإصبعه حتى تنصرف ليقول بعددالتأكد من انصرافها :
-خير!!!!
جرحي:-..............
-ضيق عينيه يستمع لما يقصه الطرف الآخر ليقول :
-والموضوع وصل لايه ؟؟؟
جرحي:..........
حازم بصلابة يأمره:
-عينك عليها ..فاهم ...لو غابت عن عينك ماتلومش الا نفسك ..انت فاهم ..يلا روح...
اغلق الهاتف لينظر لأمامه بتفكير عميق يهمس لحاله:
"وبعدهالك يابنت حفني ...مستعجلة على موتك ليه؟!!!!..." ...
................................
ساد الصمت المقبض للقلوب كلا منهما شاردا فيما حدث منذ ساعات ..لم تصدق دفاع مالك عنها بكل ببثالة عندما امر ضابط الشرطة باحتجازها مع المشبوهين بسبب ما نتج من تعديها على الآخر ...ليهدد هو بإخراج الفيديو المصور وعرضه على النيابة لتزيد من عقوبته ....حتى يتنازل عن المحضر المقدم ضدها .....
انتفضت عندما ضرب طارة القيادة بغضب ليقول من بين أسنانه:
-مش عارف عقلك كان فين وانتي بتتهجمي عليه؟ ...مافيش رجالة ترجعيلهم ..نفرض كان ضربك ولا مد ايده عليكي ..كان هيبقى كويس ....
يصمت يلتقط انفاسه تحت أنظارها الذاهلة وتسمعه يكمل بتهكم :
-ولا كنتي ناوية تقتليه زي اللي قبله وتهربي......؟!!!
ابتلعت ريقها بتوتر لتقول بصوت مبحوح من الصراخ الذي قامت به :
-سندس استنجدت بيا ...مافكرتش مرتين لما ...لما حكت لي.....
يوقف السيارة التي تسير فوق الطريق الترابي ينظر لها بغضب وقد بدأ الظلام يتخلل ضوء السماء بخجل ليتراجع النهار عن وجوده ليجز على اسنانه :
-وانت بقى فاكرة نفسك هولاكو ..اللي مافيش زيه ...وهتقدري عليه ...ده أنا جايبك من فوقه ..قدام الناس ...ايه الوقاحة دي؟!....
حبست دموعها لا تريد إظهار ضعفها امامه فتشيح به وتسند رأسها على الباب المجاور لها ..تراقب غروب الشمس الواضح بين الأراضي الزراعية الخضراء ..ذكرها ذلك المنظر بذكرى سيئة عاصرتها ..ذكرى فقدانها لوالدها لتغتاله الأيدي الآثمة ثم اختطافها عنوة لتشهد موته بأعينها ...لم تشعر باهتزاز جسدها من تلك الذكرى البغيضة ولا لنحيبها الذي بدأ يعلو تدريجيا لا تستطع السيطرة عليه
ارتبك لسماع صوت بكائها المتعالي وانتفاضها ..أراد تهدئتها ولكنه لم يتوقع منها مثل ذلك الفعل ..اول مرة يرى ضعفها وانهيارها كأنثى فيسمعها تقول من بين بكائها :
-ممكن نمشي من هنا ...ارجوك ..مش عايزة اكون في المكان ده ....
هز رأسه لها بإيجاب كأنها تراه ..ليهم بتشغيل السيارة ولكنها أصدرت صوتًا كالحشرجة ..ليحاول مرة اثنان ...ويفشل في تشغيلها لتسأله بخوف :
-في ايه؟!..
نزل بدون رد يفتح غطائها ثم يضئ هاتفه ليساعده على الرؤية التي بدأت في الانعدام ..ويفشل في معرفة السبب ليضرب السيارة بقوة صارخا بغضب من تعطلها ....فيتقدم بعد هدوئه ينحني امام نافذتها يقول بأسف:
-العربية بطاريتها نامت....مش هتشتغل ....
شهقت بخوف وتتتلفت يمينًا ويسارًا برعب تخبره:
-يعني ايه مش هتشتغل ..هنعمل ايه ؟!...
-هتصل بفزاع يجي بعربيته .....قالها مالك برتابة ..فيحاول الاتصال به ويلاحظ انعدام شحن البطارية ..فيتصل به ليجد الهاتف خارج نطاق التغطية ..ليتفاجأ بانطفاء هاتفه لفقدان شحنه.....
نظرت له وهو يغمض عينيه يحاول تمالك أعصابه فالظروف كلها تعانده ....
يسمعها تقول ببلاهة :
-ماتقولش التليفون شحنه خلص...
هز رأسه ببطء بإيجاب ويقول بعدها:
-للاسف احب أقولك توقعك في محله .....
هربت بعينيها لتراقب المكان بخوف تقول برجاء:
-المكان هنا يخوف ..نفرض حد طلع علينا ولا حد قتلنا ..او حد خطفنا ..هنعمل ايه؟!...
رفع حاجبه بتعجب من توترها وكلامها الكثير :
-ليه شيفاني شوشو ؟!....
تذكرت عندما كان يدافع عنها والدها ببثالة تخالف كهولته ولكن كما يقال "الكثرة تغلب الشجاعة ".....
سمعته يقول بحيرة:
-طيب هنعمل ايه ؟!..هنفضل منتظرين ولا نأخذها مشي ؟
.........
سارت بخطوات مسرعة مهرولة خائفة ترغب في مجارات خطواته الرجولية الواسعة ..كادت ان تتعثر اكثر من مرة بسبب عدم وجود طرق ممهدة ..ينظر بعينه يراقب خطواتها المتعثرة وإلتفاتها برعب يمينًا ويسارًا ..يكتم ضحكته على هيئتها الخائفة ..يشعر احيانا بتردد اناملها تلامس ظهره لتتراجع في اللحظة الأخيرة ..تريد الاحتماء به ولكنها تأبى اللجوء له بكبرياء ..لا يعرف سببه .....
توقف فجأة ينظر امامه في وسط الظلام الدامس يشعر بعدها بارتطام جسدها البض بقوة يليها صرخة منها ...
التفت خلفه في صدمة ليجدها مفترشة الأرض بجسدها وتلطخ عباءتها بالأتربة وبعض الوحل مع رفع ذراعيها بإشمئزاز من تلطخ يديها بالطين ليضحك بقوة على منظرها ..تصرخ به بغيظ :
-مش تفتح ..عجبك كدة بهدلتني ....
كان يكافح نوبة ضحكة التى صدحت في الخلاء مع سكون الليل المهيب فيشير لها بيده :
-بقى بذمتك في حد يمشي وشه في الأرض ..نفرض خبطي في عمود او لوح .....
-ما أنا خبط في اللوح فعلا ...
قالتها بغيظ ووتحامل بيديها تستند علي الأرض الطينية وتستقيم في وقفتها ...ثم تقترب خطويتين منه وترفع كفيها تدفعه بخفة من صدره تقول بغنج أنثوي مقصود:
هو احنا هنفضل طول الليل نرغي ولا ايه ياكابتن .....؟...
تتحرك وعلى وجهها ابتسامة انتصار تاركة إياه ينظر بذهول لقميصه الأزرق الذي طبع عليه كفيها بالطين بشكل واضح ..يجز علي اسنانه يسبها بسبب تصرفها الطائش ....ليبتسم بعدها على فعلتها ويحاول اخفاء ابتسامته سريعا...
ظلت تسير بجواره اكثر من ساعتين حتى شعر بتعبها وخطواتها التي بدأت في التراجع ليقف فجأة مرة أخرى ينظر لها بإشفاق لتسند هي يدها فوق ذراعه بتألم تقول:
-لسه كتير ؟..أنا تعبت مش قادرة اتحرك خطوة واحدة ..
يجيبها بتأثر لحالها:
- شوية زي اللي مشيناهم ...
-ايه؟!!..
قالتها بفزع ليشعر بانها اوشكت على البكاء والانهيار ....فيكمل محاولا تشجيعها :
-احنا ممكن نفضل هنا تريحي رجلك شوية ..او اشيلك ....
-ايه ؟...لا طبعا .....
ضحك من فزعها يقول بخبث:
-لأ....ما تريحيش ..؟؟؟ولا لأ اشيلك ؟!!..
اخفضت رأسها عن نظره تقول بتوتر:
-الاتنين !!!...
نظر مرة اخري في وسط. الظلام ليجد شئ مضئ في وسط الظلام ..ظل يفكر في امر ما طرأ على عقله فجأة......
...............
ظلت تجوب الحجرة ذهابا وايابا تفرك يدها غيظًا لتقول لها امها بضيق:
-يابنتي اتهدي ..مش عارفة انام منك ...
-انام ازاي وأهدى ازاي ...ده من وقت ماجري يشوف الهانم مارجعش ..ولا هو ولا هي.....لا و أنا الهبلة اللي يقولها جواز مصلحة ومافيش بينه وبينها حاجة .....
اعتدلت امها في نومتها تواجهها بعيون ناعسة :
-انتي اللي هتضيعيه من ايدك ..عجلي بالجوازة ماتخليش حاجة تعطلك.....
نظرت لامها بحقد تقول بإصرار:
-بس يرجع ويكون ليا كلام تاني.....
.......................
نظرت لوجهها بالمرأة تتأمل احمراره الشديد بعد غسله بالماء الدافئ الذي ساعد على تورده وسريان الدماء به مرة اخرى ...لم تصدق انه فعلها ..توردت وجنتها اكثر بفعل الخجل عندما تذكرت ما فعله منذ قليل بتهور ..
عندما لاحظت سكونه ونظره للامام كأنه يقيم شئ بعينيه
لتجده بدون اي مقدمات يقفز من فوق مجرى مائي ضيق لتصريف المياة الفائضة من الأراضي.... تفصل الأراضي الزراعية والطريق ...
ليسألها بتحدي :
-هتقدري تنطي ؟!!!.
لم تجبه ليزيد ذلك من ضيقه فيجدها تتراجع ثلاث خطوات وترفع طرف عبائتها التي أظهرت ساقيها تجري اتجاهه برعونه لتقفز مارة بالمجرى وتستقر بجواره متكومة فوق الأرض صارخة بالألم ممسكة قدمها التي اصيبت .......
انحنى بجوارها متساءل بقلق واضح:
-رجلك فيها حاجة ؟!..
هزت رأسها بالرفض ........
التفت اليها فجأة يسألها بفتور "تقدري تجري ؟!!.."لم ينتظر إجابتها فتلاحظ ابتسامة خبيثة ظهرت على وجه لينحني فجأة يحملها وتجد نفسها رأسها للاسفل جهة ظهره يجري بها لتصرخ به موبخة ترفض فعلته وسط ضحكاته الخشنة ... تحرك ساقيها بالهواء وتضربه بكفيها بظهره بضيق ...ليقول لها موبخا من علو صراخها:
-اخرسي ...!!!!!هتفضحينا ..هيقولوا ايه خاطفة؟!......
-نزلني يامالك ..نزلني يا متخلف ....عيب كدة
يضربها بكفه أسفل ظهرها كالأطفال موبخا لها بداعبة منه ...فتشعر بالألم وتقوم بتدليك مكان الضربة بغيظ فيقول :
-أنا متخلف ...؟طيب ياخديجة يابنت الأصول ...خليني صابر عليكي ..أما نشوف آخرتها معاكي ....
.....
عادت تبتسم بخجل عما صدر منه لتجده ينزلها بقوة لتتأوه من ساقيها المصابة فتجد نفسها امام بيت من بيوت احد المزارعين من طابق واحد يدل على شكله بساطة سكانه فيأمرها بصلابة :
-خليكي هنا ..وماتنطقيش بكلمة ...
سيبيني اتصرف ......
.....
فاقت على طرق الباب وسماع صوت تلك السيدة التي استقبلتها ببشاشة يختلط به بعض الشك لأمرهما تقول :
-أنا جهزتلكم العشا ...
ردت بتوتر :
-حاضر جاية....
.......
خرجت بهدوء بعد ان نظفت ملابسها نوعًا ما وجسدها من الطين الملتزق بها ..واضعًا نقابها علي وجهها لتجده جالسًا بجوار ذلك الرجل البسيط الذي لم يكل من الترحيب به بعد ان عرف مالك بنفسه وعرف بها .....
ليقول الرجل بحبور :
-يا الف أهلا وسهلا ..ده البيت نور ..همّي ياولية هاتي الوكل .....
اعترض مالك لذلك ليقول بحرج :
-وجبكم واصل ...أنا بس محتاج تليفون او شاحن اتصل بحد يبعت عربية ....
هي الرجل يخرج من جيب جلبابه هاتف اسود صغير بأزرار ...يمرره له يقول :
-اومال !!...التليفون وصاحب التليفون تحت امرك يا سي مالك ...
رفع عينيه لها يجدها لازالت واقفة بارتباك فيشير بعينيه ان تقترب وتجلس بجواره ...لتلبي ذلك بصمت .....
............
وقفت تحارب داخل الحجرة فتح سحاب عبائتها السوداء من الخلف ..بعد ان عرضت عليها تلك السيدة البسيطة بان تبدل تلك الملابس المتسخة حتى تستطع تنظيفها وتجفيفها حتى الصباح ..لقد تحررت من وشاحها ونقابها حتى تستطع تبديل عباءتها لينسدل شعرها البني المصبوغ لمنتصف ظهرها بطريقة غير مرتبة ...
تنتفض عند سماع صوت فتح الباب وغلقه ولكنها لم تقدر على الالتفات ...ما هذه المصيبة التي حلت عليها كيف ستواجهه ..والأصعب كيف ستهرب من هذا المأذق ..هو معها بنفس الغرفة التي خصصت لهما ..بعد تعريفه بانها زوجته ...بالداخل هو معها....وبالخارج سكان البيت ..كيف ستهرب ؟!.

باليرينا الشرق( مكتملة)محولة للورقي الآن مع تعديل السرد وتحويلها للفصحى كلياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن