الخامس عشر
—————
حاله لم يكن باقل منها حال ..صدمته في وجودها امامه شلته ..لم يكن يتوقع وهو يبحث بين مفاتيحه عن مفاتيح الملحق النسخة الأصلية له ...انه سيجد بداخله من جافاه النوم لايام من اجلها ...من عذبت روحه وقلبه ..تلك الجنّية التي خطفت قلبه ببراءتها فيخطف هو احلامها بقسوته ..ليعش أيامه بعدها في تأنيبًا للضمير ....ايعقل ان تكون ببيته بجواره ..؟..كل ذلك الوقت ..وهو يبحث عنها هنا وهناك ....هل يتوهم ؟..نعم يتوهم ....أراد التأكد مما رأى... فعندما دخل من الباب بهدوء وسمع صوتا صادرا من المطبخ اقترب بهدوء منه وتسمرت قدماه من صدمته لم يستطع التحرك عندما رأها ترقص ووتتمايل كما كانت تفعل امامه ..لقد خدعته ..وأخفت شخصيتها عنه عمدًا ..قصدت تعذيبه عمدًا ....هل هذا انتقامًا منها ؟!.....هل هي خديجة ؟..ام خديجة شخصا اخر ؟...بدأ يهزي بتفكيره ..يشعر بمس من الجنون ..لم يتحامل الصمت اكثر من ذلك ليخرج اسمها من بين شفتيه لا يعلم هل هو نداء ام سؤالا ام إقرارًا منه لشخصيتها :
-ش.ششيراز!!......
خرجت منها صرخة استنجاد قوية مع تحركها السريع فارة من امامه تحاول الاحتماء بحجرة المطبخ منه لتصرخ مرة اخرى بقوة اكبر عند دهسها قطعة الزجاج المكسور ..ولكن ذلك لم يمنعها من مواصلة الجري رغم جرح قدمها ..ليتحرك هو الآخر جاريا خلفها محاولا الإمساك بها يمنعها من الهروب مرة اخرى منه ..يصرخ باسمها مناديا لها لعلها تتوقف:
-شيراز!!!!!...اقفي عندك ........بقولك اقفي....
تخطى الزجاج ليلحق بها فيجدها كالفأر الذي يبحث عن مخرج ولم يجده تلف حول نفسها برعب حقيقي ودموع تغرق وجهها الابيض يصرخ مرة اخرى بها:
-مش هتعرفي تخرجي من هنا يا شيراز..الا أما افهم عملتي كدة ليه فيا ....
التفت له برعب واضح تبحث بعينيها عن المخرج مستندة بظهرها على المغسلة .لم تجبه ظلت تبكي وتشهق برعب واضح تحاول التحرك مبتعدة بلعين زائغة كلما حاول الاقتراب منها لن تحتمل اكثر من ذلك ..ستقتله او تقتل نفسها وتستريح من عذابها ...تقول له من بين أسنانها بكره واضح كبتته سنين مضت:
-ابعد عني ....ابعد !!!!...أنا بكرهك ..بكرررررهك !!!
هز رأسه بألم حقيقي يشعر بقلبه رافضا تحريرها مرة اخرى وابتعادها يقول:
-ما بقاش ينفع ابعد ....انت هنا فعلا؟!....لازم نتكلم وافهم عملتي كدة ليه ...ليه خبيتي عني حقيقتك .....؟لازم اعرف كل حاجة ....أنا كنت بدور عليكي في كل مكان من وقت ما اختفيتي ..كنت زي المجنون ......
ضحكت بغل لتجز على أسنانها بحقد :
-بتدور عليا ...؟!.....بتدور عليا عشان تكمل اللي عملتوا فيا مش كدة ...!!!!!أنا عايزة أأكدلك ان هدفعك تمن اللي عملته فيا زمان ......
أمسكت بقبضتها سكينًا صغير يستخدم لقطع الخبز تتشبث بها ...فاقترب منها خطوات محسوبة يترجاها بهدوء:
-طيب خلينا نتكلم ...وانا أوعدك عملك اللي انتي عاوزاه ..انتي مش متخيلة أنا بتعذب في بعدك قد ايه ...نفسي اخدك في حضني زي زمان .....أنا لحد دلوقت مش مصدق انك قدامي...خايف اكون بتخيل...
حاول الاقتراب منها بهدوء فيسمعها تقول بألم :
-عارف قد ايه كنت مستنية اللحظة دي ؟....سنين ..سنين عدت عليا وانا في بيتك وانا كل يوم احلم وأتخيل لحظة مواجهتنا بعد اللي حصل منك في حقي ...كان نفسي اشوف نظرة الندم في عينك ..كان نفسي اكون بحلم وكل اللي حصل مابينا يكون كذب ...واني مكنتش رخيصة اوي كدة في نظرك ...عشان تقضي معايا وقت لطيف وتمشي سايبلي ورقة مالهاش تمن ...
اغمض عينه من تلك الذكرى المؤلمة التى تؤرق أيامه من يومها ...يريد الاعتراف لها ...يعتذر لها ...
رفع نظره لها بانكسار واضح يهمس:
-اسف ....اسف على كل حاجة صدرت مني في حقك ..اسف على كل لحظة عدت عليكي في ألم بسببي ..بس سيبيني اشرحلك كل حاجة وانت اكيد هتعذريني .....
لم تصدق بساطة مافعله ..يقدم أسفا على جرمه في حقها بهذه البساطة ..؟!..لا وألف لا ...اقترب منها يمسك ذراعيها بحنان وحذر يترجاها :
-ارجوكي ...خليني احضنك ..ألمسك ...احس انك موجودة بجد مش بتوهم زي كل مرة ..احتضنها بقوة أراد ادخالها بصدره يستنشق عبيرها براحة ..هي رائحتها ،..كان يشك عند قربه من خديجة ..كانت تضربه مشاعر عجيبة بقربها الان تأكد لما كل هذا الخلل ...انها هي ..حبيبته ..معشوقته الصغيرة ....
سمعها تقول من بين بكائها الهادئ:
-اللحظة دي كنت مستنياها من زمااااان ..من زمان يامالك .....
ظن انها اشتاقت له مثله تمام ..لينثر علي عنقها ورأسها قبلات عشوائية محبة:
-وانا كمان يا قلبي ...ماتتخيليش كنت بحلم باليوم اللي ألاقيكي فيه ...واعتذرلك ....سامحيني ..سامحيني على كل حاجة ...
شعر بتصلب جسدها بعد انتفاضته بخفة ..ولكن بسبب هدوئها بين احضانه استمر في حديثه:
-تأكدي ان طول عمري بحبك ..بعشقك ياشيراز ...انت كل حياتي وعمري ماهسيبك تاني ...أنا مش مصدق انك خديجة ...بس ازاي ..ازاي؟
-أنا كمان ..آسفة .....آسفة أني وثقت فيك .....آسفة ...ان طلعت ......جبانة !ومقدرتش ..ماقدرتش أأذيك و اقتلك ....
شعر بارتعاش جسدها بأحضانه ليبتعد عنها ينظر في عينيها ليرى سحابة ألم تعلو وجهها مع إغماض اعينها بقوة نادى عليها بقلق :
-شيراز؟....شي.......!!
خُرست كلماته على لسانه يقف مصدوما
ليحاول اثنائها عن فعلتها المجنونة الغير محسوبة صرخ رعبًا بها يحاول تهدئتها ...كانت ممسكة بالسكين بموجهة نصله بخصرها مع ظهور بقعة من الدماء فوق قميصها :
-شيراز...اهدي ..وانا هعملك اللي انتي عايزاه ....ارجوكي ....
كانت في حالة انهيار كبير بعد ثباتها تلك السنوات الطويلة جاءت لحظة انهيارها
امامه ظلت تهزي بكلمات غريبةوتحرك رأسها بالرفض تبدو امامه التي اتخذت قرارها وانتهى الأمر تقول ببكاء:
-ما قدرتش .....ما. ..قدرتش...
رفع يديه امامها متوسلا لها بالا تقدم علي اي فعل يؤذيها :
- ما قدرتيش ايه ؟..قولي لي وأنا هعمل لك اللي عاوزه ....أنا ما صدقت لقيتك ..عايزة تحرميني منك تاني ؟!...
كان قريبًا منها ويستطع منعها ولكنه خشى ان يقترب منها فتسرع بطعن حالها قبل ان ينجح في منعها
وجدها تبتسم له بتشفي من بين دموعها
مع ارتفاع يديها بالسكين بتهور فجأة وخفضها اتجاه خصرها قاصدة طعن نفسها وقتلها ....بصراخ كبير صادر منه قبل منها..يمنع وصول السكين لخصرها محاولا احتجاز يدها ليستقر طرفه بجانبها وسط ذهوله لاقدامها على قتل نفسها بسببه ..بسببه هو
فيشاهد بقعة الدماء وتخاذل قدمها ليلحق بها بذراعيه قبل ارتطامها ارضا صارخًا باسمها يتوسلها يحاول الضغط على جرح خصرها بكف يده بقوة يمنع نزيفه ..الذي لا يعلم مدى سوءه ....تنظر له بعيونها الزائغة تبتسم له من بين ألمها ابتسامة رضا تهمس له بكلماتها الأخيرة :
-اخيرا ...هحس بالراحة .......
فتغمض عينيها مستسلمة لدوارها ودوامتها بسعادة ...
.............................
طرقات متتالية فوق الباب جعلته ينتفض من نومه العميق بعد السهرة الخاصة الماجنة التى اثقلت من رأسه وجسده ...لم يكن عليه احتساء الخمر بهذه الشراهة هذه المرة ...تحرك بجسد مثقل الي الباب صراخا للطارق الذي لم يكف عن الطرق بقوة :
-ايه ؟...الحرب قامت ...
فتح الباب بعنف لتجحظ عيناه بعدها بقوة ناطقًا باسمها بذهول من وجودها :
-غادة !؟...
دفعته من كتفه تتجاوزه بثقة للداخل تقول بغنج:
-كل ده نوم ياكابتن ..اوعى تكون معاك حد من بتوعك.....
دخلت لمنتصف الحجرة تنظر للفراش الفارغ المبعثر ثم تلاحظ وجود قنينة فارغة من الخمر بجواره لتلتف له بابتسامة واثقة وهو مازال فارغ الفاه ثابتا وخلفه باب الحجرة المفتوح لتقول له بعد ان جلست بكبرياء تضع ساقا فوق الأخرى تأمره بضحك حاولت كبحه:
-ايه يا نادر ؟..زي مايكون شوفت عفريت ..اقفل الباب وتعالى عايزاك.....
انتبه لوقوفه بسرواله الداخلي وجزعه المكشوف لينظر خلفه برعب يغلق باب حجرة الفندق بارتباك وتقدم اليها بفزع :
-انتي اتجننتي ياغادة ؟...ايه اللي جابك هنا ...انتي ناوية على قتلي وقتلك ....
هزت ساقها برتابة تنظر لطلاء أظافرها بكبرياء:
-بطل جبن بقي ..وقرب ..أنا مش هينفع انأخر اكتر من كدة....
تحرك نادر يبحث عن قميصه القطني وسرواله الذي وجدهما ملقى ارضا ليرتديهما على عجالة ..يجلس فوق حافة السرير متحفزًا لها :
-اديني قعدت ..ممكن افهم اللي جابك ...وإزاي عرفتي ان هنا....
ضحكت ضحكة سخرية تجيبه بعدها:
-انت شاكلك لسه نايم ..لانك انت اللي قايلي امبارح انك في اجازه وأنك بالأقصر ....
حك رأسه يحاول التذكر ..ليتذكر انها حدثته امس تنفث عن ضيقها من مالك ..:
-اه افتكرت .....
اخفضت ساقها لتستند بذراعيها فوق ركبتيها تقول:
-نادر ..أنا محتجاك .....
انتبه لكلماتها التي تحمل اكثر من معنى ليقول ببلاهة:
-محتجاني ازاي مش فاهم ...؟
نظرت له في عينيه بغرور مع رفع حاجبها بدون اجابة ليظهر عليه التوتر جليًا وينتفض من مجلسه يشير له باصبعه :
-اكيد ماتقصديش اللي فهمته...انتي اكيد مجنونة ..اللي بينا انتهى يوم ما اختارتي مالك ...واختارتي تبقى زوجة ليه...أنا اه وسخ بس الا ده يا غادة فاهمة!!! .....
ضحكت بقوة شديدة ضحكة جعلته مصدوم مما دار. في رأسها اتجاهه هل جنت ان تعيد ما مضى بينهما ..فغادة بالنسبة له كأي فتاة قضى معها بعض الوقت ولكنه إلتزم بحدود هذه العلاقة معها كفتاة تحاول الحفاظ على عذريتها ...وبعد ظهور مالك في حياتها وإعجابها به قررا معًا إنهاء تلك العلاقة العابرة العابثة ..يسمعها تبصق كلماتها بخبث:
-هو اه في فرق بينك وبين مالك ..وهو مش قادر يرضي الجزء ده فيا ..بس مش لدرجة اللي جه في دماغك أني اكون زوجة خاينة ....
ارحاته بكلماتها رغم خبثها لتشير إليه لعدم وصولها للرضا الكامل معه ..لن ينكر انها من النساء القليلين الذي صادفهن فابهروه وكانت لهن بصمة في ذاكرته ..كانت علاقتهما عابرة لم تطل الا انها كانت لها اثرا في نفسه
سألها بحيرة لقد أشعلت فضوله :
-عايزة ايه ياغادة ؟..من غير لف ودوران ..أنا عارفك ماتتكرميش بزيارتي بالشكل ده الا أما يكون في حاجة مهمة ....
-طول عمري بقول انك ذكي يا نادر...عموما هريح فضولك ..أنا عايزاك في خدمتين الخدمة الأولى هتنفذهالي فورا أما التانية فنخليها لوقتها ....
ظل ينظر اليها بحيرة لا يعلم هل من الأصح ان يسير وراء رغباتها ليرضيها ام يقطع علاقته بهما ..وينأى بنفسه عن كل هذا اللغط المحيط بحياتها ....ولكنه في النهاية يرجع تصرفاتها لرغبتها في الاحتفاظ بزوجها لها فقط بعد تضحية منها دامت اربع سنوات عجاف....
...............
جلس جوارها يراقبها بعد ان اطمأن عليها وعلى جرحها الغير نافذ ..كاد ان يجن عندما رأها تقدم على الانتحار بسببه ...يسأل حاله ماذا لو لم يكن بجوارها في مثل هذه اللحظة ليتلقى الطعنة بيده بدلًا من خصرها ..هل كان سيتحمل
فكرة فقدها مرة اخرى بعد العثور عليها ....يعلم انه اخطأ في حقها في فراشته ..جنيته الصغيرة..ليبتسم وهو ينظر لها وهي غائبة عن الوعي يتفحصها بدقة ..فمن الواضح انها مازالت فراشته كما كانت ولكن ليست بصغيرة ..لقد طرأ عليها بعض التغيرات لتصبح كالفاكهة الناضجة منتظرة حاصدها ....نظر إلى كف يده الدامي الملفوف بقطعة من القماش الذي تلقى الطعنة بدلًا منها ..يشعر بان الطعنة تلقاها بقلبه وليس كفه ..لقد اختارت في لحظة ضعف إلقاء حالها في احضان الموت بدلًا من احضانه ..هروبا منه ...عقابًا له ...اقترب منها بهدوء يجلس بجوارها يراقب ملامحها المتشنجة بابتسامة باهتة ينتظر لحظة فتح اعينها الزرقاء ليغرقها بقبلاته الآسفة ...توقف للحظة تذكره لون عينيها ليضحك على سذاجته عندما سألها عن لون عينيها الأسود الذي تغير للبني ،...لقد نجحت في اخفاء نفسها عنه عمدًا كل هذه السنوات ....يا لغبائه.....!!!!
اقترب منها يودعها قبلة حانية فوق جبينها يريدها ان تستيقظ من اغمائها بنفسها ..ظل يحرك أصابعه فوق وجنتها برقة جعل ملامح وجهها تسترخي من تشنجها ليقوم بالنداء باسمها بهمس محبب في أذنها :
-شيراز ....شيراز .....انت سامعاني ...قومي كلميني ..في حاجات كتير لازم تعرفيها ...أنا لازم اعترفلك بكل حاجة حصلت لي من يوم ما سيبتيني واختفيتي ...أنا قلبي مات من يوم بعدك عني ..كنت حاسس ان نبضه وقف ..وانتي جيتي حيتيه تاني
...ليه ما قولتيش انك هي ....ليه ؟...ليه سبتيني انتظر كل ده وانتي جنبي ومش حاسس بيكي ...لا ..كنت حاسس ..كنت شاكك ان خديجة فيها حاجة غريبة ..كنت حاسس بس كنت بكدب نفسي وأقول انت بتتوهم يا مالك شيراز خلاص ماتت ومش راجعة ..قومي ارجوكي......
كانت في حلمها ترتدي فستانا ورديًا حريريًا بشعرها الأشقر يزين رأسها تاجا من الورود البيضاء والوردية في وسط حديقة مملوءة باتساعها الزهور الوردية والبيضاء من نفس لون التاج ..يقف امامها ببذلته الأنيقة السوداء وربطة عنقه الصغيرة مع قميصه الابيض ...ممسكًا كف يدها يودعها قبلة رقيقة فوق ظهره يعتذر لها عما اقترفه في حقها لتقول له وهي تسحب يدها بغضب منه:
-مش مسامحاك ...مش قادرة ...
اقترب منها يحيط خصرها بذراعه يعاتبها:
-سامحيني ياشيراز ..أنا بتعذب ...سامحيني وصدقيني هعوضك عن اللي فات بس سامحيني ....
-انت لسه بتحبني يا مالك ؟!!......
أودعها قبلة فوق وجنتها بهدوء:
-أنا ميت من غيرك ..انت الحياة ياشيراز ...
وجدها تبتعد عنه بغير ارادتها كأن شئ يجذبها بقوة من الخلف لتتطاير معها الزهور ويطير تاج رأسها من فوقه فتمسك به بقوة محاولة التشبث به من شدة الجذب كالإعصار تتوسله:
-مالك ...ما تسبنيش ...اوعى تسيبني ..
صرخ بها برعب من قوة الهواء :
-امسكي فيا ياشيراز اوعي تفلتي ...الهوا شديد ...
يتزايد الهواء ويسحب كل شئ حوله الا هو ثابتا بمكانه لا يتحرك لتصرخ هي باستجداء وهي تشعر بإفلاته لها:
-مااااالك!!!!!
كانت الصرخة بالحلم كفيلة ان تعيدها لواقعها لتفتح عيونها بفزع غير مستوعبة مكانها او ما حدث لها لتصطدم بعيونه السوداء الصقرية التي طالما تغزلت بهما ..فتشعر باقترابه المهلك لأعصابها ...وتهتز حدقتها بتوتر تتلمس غطائها برعب وتحاول تغطيها جسدها الذي كان مغطى بالفعل ...احتماء وخوفًا منه ....يهمس لها وهو يمرر عينيه على ملامحها :
-وحشتيني .......
ظلت صامتة تحاول السيطرة على حالها تفكر في مخرج لهذا المأزق ..كانت دائما تتخيل الكثير من السيناريوهات بينهما بعد كشفه امرها ..تتخيل مرة قتله بيديها ليقف مستسلمًا لموته ..مرة اخرى تتخيل سبه وقذفه باقذع الكلمات ...لما شلت في هذه اللحظة ؟!....
ليكرر كلمته مرة اخرى يستجديها :
-ما وحشتكيش ؟!....ردي عليا ..نفسي أسمعك بتكلميني زي زمان ....انت وحشتيني اوي ياشيراز بطريقة ما تتخيليهاش...
انفرجت شفتيها المهتزتين تنفي بحدة:
-أنا مش شيراز .....أنا خديجة ........
عقد حاجبه من حدتها :
-طيب اهدي عشان نعرف نتفاهم ...سواء كنت شيراز او خديجة ...
اعتدلت في جلستها بعنف تصرخ بوجهه:
-قولتلك أنا مش شيراز ...مش شيراز ...أنا خديجة ..خديجة وبس.....
مسكها من ذراعها يهدئها :
-خلاص حقك عليا ...انت خديجة ..ممكن تسمعيني ...في حاجات كتير لازم تعرفيها .عن اخر يوم شوفنا بعض فيه ....وكمان لازم اعرف وصلتي هنا ازاي .وهربانة من ايه؟...وليه صوتك متغير كده ليه؟....
ابتسمت بسخرية مع خفض يديه عن ذراعها تتساءل بكره واضح :
-يوم..يوم ايه؟...تقصد يوم فرحك ؟..ولا يوم ما اختفيت وجابني حازم بن السلمانية ....
اغمض عينيه يحاول تهدئة الوضع يعلم انها غاضبة ثائرة ويحق لها :
-يوم شرم يا شيراز ...اخر يوم شفتك فيه ...أنا عارف انك غضبانة من اللي حصل مني ..وأنه شئ لا يغتفر بس صدقيني أنا بموت في كل لحظة بفتكر.فيها اللي صدر مني...
أنا اسف بجد ....
صرخت به بقوة مما تسبب في احتقان وجهها:
-آسفك ده مايلزمنيش ..روح قدمه للي تستحقه (شيراز)...لكن أنا مافيش حاجة بيني وبينك ..
تحركت من جواره قاصدة تركه ولكنه لم يمهلها قام باحطتها بذراعيه من خصرها من الخلف ليصبح ظهرها بصدره يقيد ذراعيها بكفه يهمس بأذنها كلمات أسفه مع صراخها ومحاولتها للتحرر:
-اسمعيني ..اسمعيني المرة دي بس..أنا كنت معذور ..أني اشوف البنت اللي خطفت قلبي في حضن واحد تاني ويكون طالع من أوضتها ..ده شي محدش يتحمله ....أنا كنت عامل زي المجنون مطعون في كرامتي ..كنت عايز انتقم منك ..واجرحك..بس صدقيني ما قدرتش ..ما قدرتش ألمسك ..مقدرتش أخذ حاجة مش من حقي ..كان عندي اموت ولا ان اعتدي عليكي ..أنا اكتفيت بأن... بأن اوهمك ان قضيت معاكي وقت وسيبتك .....لكن صدقيني اقسملك ما حصل حاجة ..صدقيني ياشيراز ارجوكي ...
لاحظ سكوتها وسكونها ..اثناء حديثه كانت تقاوم منذ لحظات لتتحول مقاومتها له لسكون غريب لا يقطعه الا صوت تنفسها العالي الشاذ لهذا الهدوء ..أراد بثها الطمأنينة ..أراد محو ذنبه ...ليكمل بإصرار اكبر:
-ايوه ياشيراز...أنا ملمستكيش صدقيني ..مقدرتش اعملها ..مقدرتش ...كان الغضب
عاميني ..
سمعها تهمس بذهول غير مصدقة لما تسمعه هل ظلت كل هذه السنوات تلوم حالها على غدره..لا تعلم ما اقترفته في حقه من خطأ ..ليأتي الان يقدم بعض الكلمات الاسفة ويتوقع منها مسامحته ...نعم هو لم يلمسها كما يقول الان ولكنه كشفها قام بتعريتها بدون وجه حق ..الم يكن هذا اعتداء علي روحها قبل جسدها ...؟ ألم تتسول رده في رسائلها ؟..ألم تشعر بالقهر والوحدة من هجره لها بدون سبب ؟...تتذكر كل كلمة كتبتها بقهر تترجاه فيه الا يبتعد ..ان يجيبها ..يريحها من عذابها ...يواجهها بماذا اخطأت؟ ..هل كل ما حدث بسبب سفرها وكذبها فقط ؟!..لمجرد كذبة بسيطة عاقبها ؟!..هجرها؟!..ليأتي الان طالبًا الصفو والسماح....
همست بصوت تائه مصدوم :
-الرسايل!!!!....اترجيتك كتييير تسمعني ..تفهمني أنا عملت ايه ...؟دورت عليك في كل حتة .مالقتكش ...ما لقتكتش وقت ما كنت محتجاك ....حتى اخر رسالة بعتهالك كنت بعتاها وانا قلبي حاسس انها هتكون الأخيرة بينا ..اترجيتك ترد عليا مرة واحدة ...اسمع صوتك لمرة واحدة بس.......لكن انت بخلت عليا بده ....ويوم ما عرفت انك ابن الراجل اللي حماني كنت مستعدة اجرى عليك واترمي في حضنك لكن للأسف وقتها عرفت انك اتجوزت ونسيتني...و اني فعلا عمري ما كنت افرق معاك زي ما كتبتلي..
احتضنها بقوة يدفن انفه بعنقها يشتم عبيرها ويكرر آسفة مرارًا لها تصفح عنه لتخبره بألم واضح في صوتها :
-اندرو ..يبقى اونكل ...اخو چينا الصغير ...مكانش واحد عارفاه عليك يا مالك .....
اغمض عينيه بألم يكابح دموعه بالا تظهر فتشتد ذراعه حولها يخبرها :
-عارف ....عرفت انه خالك وقابلته بس متأخر بعد فوات الأوان ..بعد ما اختفيتي من حياتي ..انتي و والدك ......
انتبهت لكلمة (قابلته)..لتنتفض مبتعدة عن مجال ذراعه تلتف تواجهه بوجهها الغارق بدموعها تسأله برجاء:
-شوفت اندرو؟.....امتى ؟...هو دور عليا مش كدة ..كنت متأكدة انه هيدور عليا .....
ضم شفتيه بقوة يحاول إظهار ابتسامة مغتصبة ويربت فوق وجنتها بحنان مؤكدا لها ظنها يقول:
-بعد مدة من اختفائك جالي تليفون من امينة بتقولي تعالا حالًا ..اول ما وصلت لقيته قاعد ما حستش بنفسي الا وانا بهجم عليه وبضربه طبعا الكل كان مستغرب رد فعلي ...بعد ما قدرت أسيطر علي نفسي لقيت امينة بتقولي انه خالك وجاي يسأل عليكي لما عرف وفاة باباكي وأنك مفقودة ..ساعتها حسيت ان الدنيا لفت بيا الشخص اللي شفته معاكي وظلمتك عشانه يبقى خالك وانا بغبائي عاقبتك علي حاجة انتي مش عارفها ...
لم تستمع لكلماته الاسفة واعتذاراته كل ما يهمها ان هناك من يبحث عنها في هذا الكون ،.من يهتم بها ..رأت في ذلك بصيص امل يخلصها من قدرها المحكوم عليها ..نظر اليها لايستطع تفسير ملامحها كانت شاردة بعيون زائغة تبتسم تارة ببلاهة وتارة تعبس بوجهها تفكر بشرود أراد في هذه اللحظة سبر أغوارها ...اقترب منها يمسك كفيها بحنان بالغ يبثها الأمان بقربه فانتبهت له واستمرت تنظر الي عينيه بوجوم مررت نظرها بينه وبين كفيها القابعتين بين يديه لتراه يخفض رأسه يودع كفها قبلة رقيقة ارتعشت لملمسها فتضرب دقات قلبها صدرها بقوة. لم تشعر بهروب دمعة من محبسها فوق وجنتها ...ليؤلمه قلبه لمرآها بهذه الحالة الضائعة ....اقترب منها يسرق المسافة الفاصلة بينهما و يودع عينيها الدامعة قبلة حانية يتذوق ملوحة دموعها بشفتيه فتتحول القبلة لقبلات عشوائية موزعة فوق وجهها بلهفة.. فتأن من بين ذراعيه ليزيد ضمها لصدره يمسح فوق ظهرها بحنان يهمس باذنها:
-أنا مش مصدق انك بين حضني ..و رجعتيلي ياشيراز ..ودعواتي استجابت ...أنا مش مصدق ..الحمد لله ..الحمد لله.....
بعد لحظات تذكر شيئا فتوقف فجأة بصدمة عن احتضانها ..شعرت هي بتصلب جسده فجأة لتعقد حاجبها بخوف من سكونه فتجده يبتعد عنها يتفحصها بصدمة يسألها :
-احنا اتجوزنا ...!!!!....انتي مراتي ؟....أنا مش مصدق ...
اخفضت رأسها تهرب من سؤاله عن ماهية زواجه بها ليكمل تساؤله بحيرة :
-بس ازاي ؟...مين خديجة اللي اخدتي اسمها ؟.....
ارتعشت شفتاها هل تصارحه بحقيقة هويتها واسمها ..رفعت رأسها بكبرياء تخبره بشجاعة زائفة:
-أنا خديجة ...اسمي الحقيقي خديجة .....خديجة حفني الشاذلي .."شيراز "ده اسم اللي مامي اختارته ليا ..وبينادوني بيه.......
ظل ينظر اليها مبهوتا مما قالته ايعقل انه عقد قرانه عليها ..؟!علي حبيبته دون ان يدرك ...احتضنها بقوة كبير كادت ان تكسر عظامها غير مصدق كرم الله عليه ان يجدها ببيته و تكون زوجته ....كيف كان سيقدم على طلاقها ..كيف؟......
عني لها بلهفة مملوءة بالسعادة :
-انت مش هتبعدي عني تاني ...انتي فاهمة .......
أبعدته عنها بقوة ألمته في قلبه :
-انت أقسمت ان يوم ما اطلب انفصل عنك هتطلقني ...
صمتت تنظر لعينيه بقوة غريبة يشوبها التحدي لتكمل :
-وانا عايزة اطلق ......
.....................
اثناء طريق الرجعة جلست بجواره تنظر للزراعات الخضراء على يمينها براحة عجيبة ..يوميا تنتظر مرور فزاع ليقلها إلى المنزل وتستمع بهذا المنظر الخلاب لمحاصيل الذرة قبل حصادها ..لقد اشتهت رائحة الذرة المشوي اثناء احتراقه على الفحم ..تعجبت من حالها في الفترة الأخيرة من إلحاح شهيتها للذرة ..خجلت من التلميح له لرغبتها في النزول والجري بين المحاصيل وخطف حبات الذرة كما كانت تفعل في صغرها خطفت نظرة اليه اثناء اندماجه في القيادة يدندن مع نغمات الأغنية التي تصدح من المسجل ..لقد استمعت لها من قبل ولكنها اول مرة تشعر بلذة في الاستماع اليها ليخرج صوته الرنان موازيا لصوت المطربة
أنت تقرأ
باليرينا الشرق( مكتملة)محولة للورقي الآن مع تعديل السرد وتحويلها للفصحى كليا
Romanceأنت برد ونار أنت طريق غير مختار قدر يلاعبنا كالأوتار من بين لقاء ووداع لقاء نبني عليه قصور من الأحلام ووداع يقطع أوصال أفئدتنا لأشلاء