الثلاثون

5.3K 195 4
                                    

الفصل الثلاثون
&&&&&&

جلست امام هاتفها تنظر له بتأثر مخالط للرعب فكلمات الاغنية حرك مشاعرها المجروحة ليتجسد امامها صورته الحية بأناقته المعهود بها وجمال ملامحه ..تفر من عينيها دمعة متمردة أسرعت في ازالتها بعنف ..الي متى ستظل تتذكره ؟..الا متى ستغلق قلبها عليه ؟!...
انتبهت لانتهاء المطرب من أغنيته فينتابها الفضول لمعرفة اسمه فتسرع بجذب الهاتف من فوق الشرشف تقرأ اسمه المكتوب فوق الرابط ..وتقرأ بهمس:
(محمد عبد الوهاب)...مين محمد عبد الوهاب ده ؟...هو في مغنى بالاسم ده ..؟..رفعت كتفها بعدم اهتمام تلقى الهاتف مرة اخرى فوق الفراش باهمال ..وتسند ظهرها خلفها تشرد فيما حدث بينها وبين امينة ......
............
جالسًا في الظلام الدامس لا يقبل اي إضاءة من حوله لم يصدق ما سمعته أذنها لتزيد تلك الكلمات من جرحه الغائر وتزيد من ضياعه في هذه الدنيا ...لن ينكر انه اشتاق لنبرة صوتها الرنانة كالمشتاق لقطرة الماء في صحرائه القاحلة ..ولكن هذا الارتواء البسيط لم يشبع حرمانه بل ما زاد من عطشه وحرمانه ...كلماتها القاسية التي انصت لها بصدمة جعلته يكرره مرة بعد مرة حتى يتأكد مما سمع ....
في بداية الامر لم يستوعب لما ارسلت "امينة "تسجيلا صوتيا؟ ..ليأخذه الفضول للاستماع لهذا المقطع القصير الذي أوقف شعر رأسه شيبا ..كان صوتها .نعم صوتها الناعم الرنان ..يتحدث بكل أريحية عن حياتها وسعادتها الحالية ولكن جملة واحدة تتردد باذنه طعنته غدرًا :
(اخيرا يا أمينة لقيت السعادة والراحة اللي ما لقتهاش مع مالك ...لقيتها اخيرا مع حازم ..أنا اكتشف ان عمري ما حبيت مالك)
(شكلي كدة .. بدأت احب حازم يا امينة ).....
........تذكر كيف هاج من هذه الكلمات وظل يصرخ ويحطم المكان من حوله ..لتخرج غادة من الداخل ويبدو عليها اثار النوم ..مرتعبة مما حدث بالشقة من تكسير للتحف الثمينة ..وانقلاب كراسي مائدة الطعام لينكسر واحد منهم ..في هذه اللحظة يكن لها كل الشكر لاحتوائه واحتضانه رغم رفضه لذلك ورفضه لها قبلا ..لم تتركه الا وهو هادئا بين يديها بعد تناوله عصير ليمون وقرص مهدئ ...لتتركه يهدئ وينال بعض من الراحة ....
و ها هو استيقظ منذ لحظات يشعر انه كان يمر بكابوس ليسرع مرة اخرى بفتح هاتفه ليتأكد انه كان يهذي كما تمنى ...ولكن صدمته كانت كبيرة... كانت حقيقة وليس حلما كما تمنى .....
ألقى بثقل جسده فوق الأريكة يتسطح على جانبه الأيسر منكمشًا على حاله يتعرض جسده لانتفاض شديد نتيجة بكائه الصامت ..الذي سرعان ما علا تدريجيا كبكاء طفل فقد امه ويشعر بمرارة اليتم .....
...........
في الصباح
............
وقفت تقبل رأسها و وجنتها بطفولة محببة تحاول ازالة تكشيرة وجهها التي تتلبسها منذ الصباح ..فتردف بلوم طفولي :
-خلاص بقى يا حاجة آمنة اعمل ايه تاني عشان تفكِ التكشيرة دي و تسامحيني ...؟
أشاحت آمنة يدها بضيق :
-لا مش هفكها ..كده يا شيراز ؟..كدة ؟...بقى يطلع منك كل ده ..ده حازم ابني غلبان وحنين ..تعملي فيه المقلب الماسخ ده ..ده كان هيروح فيها حبة عيني !!!...
قبلت وجنتها مرة اخرى بقوة تجيبها :
-أنا اعتذرت له ..وكمان أنا ما كنتش اعرف انه بيتحسس كده ...والموضوع يقلب بجد ..خلاص بقى سماح المرة دي ..
جذبتها من أذنها كالأطفال تعاقبها :
-ده انتِ كنت هتاخدي الغلبانة "وداد "في الرجلين ..اعمل فيكِ ايه ؟...
تألمت شيراز بضحك من تصرف آمنة فهي أكيدة من نقاء قلبها كحافظ تمامًا لتردف بألم مصطنع :
- ااااااه ...طيب قوليلي اعمل ايه عشان ما تزعليش وتسامحيني...!!
ظلت تفكر بزيف مصطنع وتسألها بحرص :
-هتنفذي اللي اطلبه من غير مناقشة !!!؟.
احتضنتها بذراعيها وهزت رأسها بطاعة وعلى وجهها ابتسامتها المشرقة ..فاردفت الأخرى بمكر :
-تنقلي في اوضة حازم ..وما اشوفش حد فيكم في اوضة لوحدة ..
اضطربت شيراز على تعليق آمنة على الامر وأخفضت ذراعيها ببطء تنظر لها بصدمة مع اختفاء ابتسامتها ليحل محلها الوجوم ..شعرت آمنة انها من الممكن ان تكون قد تمادت في طلبها ذلك ولكن سرعان ما نهرت نفسها على ذلك التفكير ..فوحيدها يستحق ان ينال بعض الراحة... في زوجة يسكن إليها لا ان تعذبه ..فإذا وافقت على تركهما بذلك الوضع لن يذوب الجليد بينهما ابدا ...وعند هذه النقطة شعرت بالشجاعة لتردف بقوة اكبر غير متعاطفة مع اضطراب الأخرى :
-ايوه يا شيراز ..المفروض ده الصح ..تكونوا مع بعض تحت سقف اوضة واحدة زي اي اتنين متجوزين ..يعز عليا ابني ينام في اوضة لوحدة ومراته في اوضة ،..
ابتسمت شيراز ابتسامة مهتزة لتفرك يديها المتعرقة بتوتر تقارعها ببعض الشجاعة :
-حاجة آمنة !!..انت عارفة ظروف جوازي من حازم كانت ايه ؟!...وان أنا وهو جوازنا مجرد صورة لحل مشاكلنا ..ومسير الجواز ينتهي..(أكملت بسعادة حاولت إظهارها )؛
-وكمان يا آمنة لو طالبة معاكي حد يبات معاه اوي ..ممكن يتجوز ..لان ده حقه .....
شهقت آمنة لتضرب على صدرها بلوم :
-يتجوز !!.في زوجة عاقلة تقول لجوزها روح اتجوز عليا ...لا يا شيراز اوعي كدة ..أنا زعلانة منك ..
حاولت التخلص من احضان شيراز بغضب حقيقي ولكن الأخرى ظلت متعلقة بها تردف بحنق :
-ما كنتش اعرف انك بتكرهي ابني بالشكل ده ؟...ابني اللي وقف جنبك وحماكي ...وضحى بحاجات كتير عشان يحميكي ..لا لا
أمسكت شيراز "آمنة "تردف بتوسل :
-بالله عليكي ما تزعل مني ..وحياة حازم عندك ..تفهميني ..أنا مش بكره حازم ولا حاجة بالعكس ..أنا بكن له كل تقدير على تعبه معايا ....بس المشكلة فيا أنا ...
أشاحت آمنة بوجهها بعيد عنها بغضب لا تريد الحديث معها في هذه اللحظة غير مستوعبة الصراع الداخلي التي تمر به الأخرى من قلق لخوف لرعب من المستقبل المجهول فالمستقبل بيد خالقها ..
انتبهت لدخوله عليهما بقميصه الأسود المفتوح للمنتصف كعادته وسروال الجينز واضعًا كفيه في سرواله..يمرر نظره بينهما يقيمهما بعد إلقائه التحية لتجيباه كلاهما بصوت مقبض حزين ..فيسأل امه محاولًا استنتاج الامر لقد جاء في نهاية الحوار واستماع جزء منه :
-ايه يا حاجة مافيش فطار انهاردة ولا اخرج من غير فطار ..
اقتربت منه تضرب فوق صدره بمودة بالغة :
-ثواني والفطار يكون محطوط قدامك ..
كادت تتحرك الا ان صوت شيراز أوقفها فتردف باضطراب :
-خليكِ انتِ أنا هروح اشوف وداد خلصت ولا لأ ...
نظر لها بريبة فتقول "آمنة "بتحذير :
-شيراز !!!!..اوعى !!
ابتسمت بحرج واضح يظهر على وجنتيها الحمراء مع خفض رأسها تردف بهدوء :
-قولنا سماح يا حاجة ..ما يبقاش قلب اسود ...
انصرفت تهرب من مراقبته لها بعد ان لمحته بنظرة خاطفة يبتسم على جملة امه الاخيرة .....
..........
على مائدة الطعام
..........
جلس منتظر انتهائها من مساعدة وداد في تنظيم الصحون البسيطة ليردف بصدمة بالغة :
-مش معقول ..فطير يا آمنة ..!!!فطيييير ...
عقدت شيراز حاجبيها من رد فعله اعتقدت في بداية الامر انه جانب من الاعتراض ولكن سرعان ما غيرت رأيها عندما شاهدت آمنة تربت على كتفه بحنان بالغ تقول :
-بالهنا والشفا يا ابن بطني ...انت عايزني اعرف انك نفسك تفطر بيه وما اعملوش ..أنا من الفجرية سويته....(انتبهت لوقوف شيراز تراقبهم بصمت فأكملت تأمرها ):
-ما تقعدي يا شيراز قطعي لجوزك الفطير ...
ابتسم حازم على حركات امه المكشوفة فأراد التخفيف عن الاخيرة ..ورفع الاحراج عنها ليقول بصوته الخشن ؛
-ما تتعبهاش ..أنا هعرف اقطع بنفسي ..
تعالي اقعدي يا شيراز عشان تفطري ...
جلست بهدوء في مكانها المخصص علي يساره ..تشاهده يمسك الفطير يمزقه بلا رحمة ليضع لها في صحنها ..
وعندما بدأ في تناول اول قطعة توقفت يده في الهواء بريبة مفتوح الفم ..صدرت منه إلتفاته صغيرة لها مع عقد حاجبيه يسألها بحرص :
-آكل على ضمانتك ،ولا ألاقي سم فيران المرة دي في الأكل ...؟!!
شعرت بان الأرض تميد بها من شدة الاحراج فتهرب من عينيه الثعلبية المراقبة مع سماعها لضحك آمنة المنطلق تلومه بوده :
-يوووه يا حازم ..خضيتها ووقعت قلبها ....
لينطلق هو الاخر في الضحك مع وضع القطعة بفمه ليؤكد لها انه كان يمزح لا اكثر ...ابتسمت مع احمرار وجهها الذي يكشف توترها الواضح من مزاحه ..بدأت ف تقطيع الفطير بشرود لقطع صغيرة تأكلها بغير شهية وشرود غير منتبهة لمراقبته المستمرة لها ..انتبهت فجأة لصوت أنثوي يصدح بالخارج فتهم آمنة بالتحرك قائلة :
-زي اكيد خيرية جايبة الحاجة اللي طلبتها ..كملوا اكل وانا راجعة ...
شعرت في تلك اللحظة ان تود التحرك خلفها والمسك بجلبابها البيتي كالذي يتبع امه ،.. قرون استشعارها الأنثوية انذرتها لمراقبة عينيه لها اثناء مضغها للطعام فتسمعه يردف بثقة :
-العسل بالطحينة ..لذيذ على فكرة حاجة كدة ملهاش وصف ..اعتقد هتحبيه ...
رفعت نظرها لتكتشف امتداد يده اليمنى امام فمها بقطعة من الطعام المخلوط ببعض العسل الأسود ..ظل ينظر لعينيها يشجعها على فتح فمها لاستقبال تلك القطعة ..عندما طال صمتها بدون تجاوب منها وضع كفه الأيسر اسفل الأيمن مفتوح ليتفادى تساقط العسل فوق ملابسها ..عندما شعرت بإصراره لإطعامها بفمها ..فتحت فمها ببطء مستسلمة لدعوته في إطعامها بنفسه ...حتى لامست شفتاها أطراف أصابعه ،حاولت الهروب من عينيه اثناء مضغها لتتفاجأ بتكرار ما فعله مرة اخرى مع ازدياد ابتسامته الرجولية ..لتقول باعتراض واضح ؛
-شكرا ..هعرف اكل أنا ...
-يلا ياشيراز ..كلي ..مش هسيبك الا ما تأكلي كويس ..لان محتاجك انهاردة بكامل نشاطك وقوتك ...في مفاجأت انهاردة ...
شعرت فجأة بالاختناق من جملته الاخيرة ليتوقف الطعام يسد مجرى الهواء لكبر حجمها ..فتسعل بشدة كعادتها كلما توترت اثناء تناولها الطعام ..
قفز من مكانه يضرب فوق ظهرها بحرص مع مساعدتها لارتشاف الماء ..ظل يحرك كف يده فوق ظهرها بحركة ناعمة صعودًا وهبوطًا يدلك ظهرها بحرص ..ذكرها ذلك عندما ساعدها في ارتشاف العصير عند اختطافها ..انتبهت لتماديه في ملامسته لظهرها بهذه الطريقة ..فأعطى عقلها إشارة سريعة لجسدها لنهره على ملامستها ..قامت بدفع يده تزيح ذراعه بعنف عنها ..عنف اجفله للحظات تأمره بحدة:
-شيل ايدك لو سمحت !!..أنا بقيت كويسه ...
ارتبك بشدة من رد فعلها المفاجئ ..فهو لم يقصد كما فهمت ..بل كان يحاول تهدئة تنفسها ..صدرت منه حكة لأنفه يداري إحراجه ويجلس يكمل طعامه بصمت وشرود ...اما عنها فقد زاد ضيقها عندما لامس جسدها متعمدا ..كلما خطت خطوة في سبيل ثقتها به تتراجع خطوات اكثر ...تشعر بالاختناق دائما لوجوده والارتباك ..كما كان يوترها وجود "ناصر"...سمعته يحدثها بصرامة محببة :
-خلي بالك دايما وانت بتاكلي ..عشان مش كل مرة هكون معاكِ وألحقك...
نظرت له بوجوم من تلك الجملة البسيطة التي لم تعني شيئا في الحقيقة الا مجرد جملة تحذيرية ..لا يعلم ان بتلك الجملة..بسيطة النوايا..... أشعلت ذكريات قديمة بين طيات قلبها وجيوبه ..ذكرى عمرها اكثر من خمس سنوات......نفس الجملة تتردد باذنها لتعود بذاكرتها لحادث "المارشيملو "كما أسماها......
انتبهت لصوت رنين هاتفه مما جعلها تنظر اليه وهو يحاول إخراجه من جيب سرواله الجينز الخلفي بعد وقوفه ولكن ما أعاق العملية اتساخ أصابعه ببعض العسل فجعلت العملية مستحيلة بالنسبة له في تلك اللحظة ..كان يبدو عليه اهتمامه بالرد على هذه المكالمة ..نظرت حولها في توتر اردت مساعدته فقربت له صندوق المحارم الورقية في محاولة منها لحل المعضلة الصعبة ..فتجده يقول بحيرة :
-ايدي مليانه عسل ..المناديل مش هتنفع ..
فوجدته يطلب منها بإلحاح غريب :
-مدي ايدك هاتي التليفون قبل ما يفصل في مكالمة مهمة منتظرها....
وقفت متردد في مد يدها ليس لديها الشجاعة للمسه او الاقتراب منه ..ولكنها اتخذت قرارها عندما زفر بضيق منها ومن توترها المبالغ فيه بالنسبة له ..
حركت اناملها الصغيرة البيضاء. لتجذب هاتفه بطريقة مضحكة كالتي تقوم بتفكيك قنبلة موقوتة ...حتى فقد الطرف الآخر الأمل في الرد ..لينقطع الرنين ...ليردف بغضب شديد ينهرها على فعلتها وخوفها غير المبرر منه:
-عجبك كدة ..اهو قفل ..حتة موبيل مش عارفة تطلعيه ..
ألقى بصندوق المحارم بغضب فوق المائدة لتتهشم الأكواب الزجاجية نتيجة دفعه له ..انتفضت خوفًا من صوته وتحوله المفاجئ فتراه ينصرف من امامها يشيح بيده بوجهها و يردد بغضب :
-حاجة بقت تخنق ...وتقرف !!!...
وقفت مذهولة بعيون جاحظة متسارعة الأنفاس من تحوله المخيف امامها من الاهتمام المبالغ فيه لثورته الغاضبة التي ليس لها سبب من وجهة نظرها ..ولكن عندما هدأت وتمالكت حالها ارجعت ذلك لأصل طباعة... فهذه هي حقيقته التي لا زيف فيها ..غاضب ...متملك ..يثور عندما يفشل في اقتناص هدفه كما كان ......ناصر !!!!!
اخذت نفسًا عميقًا عندما لمحته يخرج من دورة المياة يجفف يديه ..عاقد حاجبيه ويظهر عليه الضيق ..عندما تفاجأ بثباتها كما تركها حاول الهرب من اعينها وارتداء الوجه الخشبي الصارم الذي يخفي خلفه جلد ذاته لما صدر منه منذ لحظات
وقف امامها بتردد يحاول كسر حاجز الصمت بينهما ..انتظرت هي الأخرى ان يكمل ما بدأه من صراخ بوجهها ولكنها تفاجأت بانصرافه يضرب الأرض بقدمه بعد إلقائه للمنشفة ارضا بضيق ....
ودعته عيناها بغضب ظاهر حتى اختفى خارج من المنزل لتهمس من بين أسنانها :
-حقييير!!!!...اوعي تنخدعي فيه ....
..................
جلست بجوار "آمنة "التي تفترش بجوارها العديد من قطع الملابس المتنوعة ذات الألوان الزاهية الصريحة وأمامها تلك المرأة التي تدعى" خيرية "..التى لم تتوقف عن الترحيب بها منذ ان ولجت داخل الحجرة بعد استدعاء آمنة لها والمدح في جمالها الساحر جمالها الغريب عن فتيات البلدة ..ذات الطابع الأجنبي ..ابتسمت عندما تذكرت وجهها المصدوم عندما علمت بهويتها كزوجة لحازم السلماني كبير السلمانية .....
سمعت "خيرية"تشيد ببضاعتها قائلة :
-الحاجة كلها "تركي "يا حاجة وأول ما وصلت لي الطلبية ما عرضتهاش على حد قولت اجيلك الاول ...
-الحاجة كلها جميلة يا"خيرية"..بس جبتيلي اللي وصيتك عليه
قالتها آمنة للأخرى مع غمزها بأعينها بمغزى مقصود ...
اخفت خيرية ضحكتها وقد فهمت الان سبب طلب "آمنة "..لتلك الطلبات التي تعجبت في البداية منها ..ولكن بعدما علمت بهوية تلك الغريبة اتضحت الصورة امامها ...
نظرت شيراز لهما بفضول طفلة تريد ان تعرف ماهية الشئ التى أوصت به "آمنة "لتجد الأخرى تخرج من حقيبتها الكبيرة بعض القطع المغلفة ومن نظرة واحدة عليها استنتجت ماهية تلك القطع ...لتأخذها الأفكار الغريبة متعجبة من طلب "آمنة "لقمصان النوم الحريرية الشفافة قطعت عليها حيرتها الاخيرة عندما وجهت لها الحديث بحبور وهي تمسك بيدها القميص الحريري المكشوف تعرضه امام وجهها :
-شوفتي ..ياشيراز الحاجات دي جبتهالك مخصوص هتبقى تحفة عليكي ...
ابتلعت شيراز ريقها بصعوبة وزاد اضطرابها تشعر ببراكين وحمم ملتهبة ضربت بجسدها من شدة الاحراج ..فتزيد آمنة من إحراجها وتقوم بإلقائه لها حتى تراه عن قرب لتتلقاه بيدها كرد فعل طبيعي بدون إرادة فتردف بصوت مهزوز يشوبه الاحراج :
-حاجة ايه يا حاجة آمنة ..أنا مش بلبس الحاجات دي ...
شهقة لائمة صدرت من "خيرية "التي تجهل الوضع باكمله تقول بنزق:
-هو في عروسة ما تلبيس الحاجات دي ..اومال لو ما كانتيش عروسة ..هتعملي ايه ؟...
وقفت شيراز باضطراب ووجه ملتهب من شدة الاحمرار والخجل كلون القميص القابع بين يدها تحاول ان تبرر رفضها :
-لا أنا اقصد عندي كتير ..ومش محتاجة حاليا ...
ظهر الحزن على وجه آمنة بوضوح فهي تحاول إصلاح حال زواجهما بكل قوة ومن الواضح ان خطتها ستفشل هذه المرة ..لاحظا كلا من خيرية وشيراز صمت آمنة وظهور علامات الحزن على وجهها بشدة ألمها رؤيتها على هذا الوضع وهي لم تكل من توفير سبل السعادة لها ..فتسمع صوت "خيرية" تلومها :
-شوفي اهي الحاجة زعلت ..دي وصتني على الحاجات دي بالطلب ليكي ..هيهون عليكي زعلها ؟!...
شعرت بألم قلبها لحزن تلك المرأة لتهمس بخضوع :
-ما يهونش عليًا زعلها ..هاخد الحاجة ....
انفرجت اسارير آمنة لتصفق كالأطفال وتردف بلهفة :
-هاتي كل الحاجة اللي طلبتها ..واوعي تكوني نسيتي يا ويلك ....
نظرت شيراز بتأثر لآمنة الأم ..تمنت ان تمتلك ام مثلها بنفس حنيتها وصرامتها ..فأمها رغم فقدها لها .لم تتأثر كثيرا بعد موتها ..كانت مشغولة عنها بشركتها وأعمالها التي لا تنتهي ...
انتفضت رعبًا عندما سمعت صوته الجاهوري خلفها يردف بضيق :
-انت هنا وبدور عليكي ....؟!
التفت مصدومة من وقوفه خارج الحجرة المفتوحة تحاول اخفاء ما بيدها خلف ظهرها بخجل تمرر نظرها بينه وبينهما مع سماعها لضحكاتهما المكتومة على فعلتها ..ضيق عينيه يمررها عليها بريبة يسأل :
-مالك في حاجة؟!..
هزت رأسها بالرفض بسرعة ..ليرفع حاجبه الأيسر باندهاش من حالتها ويشير لها بإصبعه لتتبعه :
-تعالي عايزك !!
سار خطوة من امامها ليجدها على وقفتها ليطلب منها مرة اخرى التحرك ..فقالت باضطراب :
-ححاضر ..جاية وراك ...اتفضل !
هز رأسه بعدم اقتناع ليوليها ظهره مرة اخرى فاستغلت ذلك بسرعة لتلقي بالقميص بوجهة خيرية الضاحكة كرمية محترف ..لتردف لهم براحة وهي تستعد لان تتبعه :
-الحمد ما اتفضحناش ...
فرت هاربة خلفه تعلو وجهها ابتسامة لا إرادية نتيجة سماعها لضحكاتهما الهستيرية على فعلتها ...

باليرينا الشرق( مكتملة)محولة للورقي الآن مع تعديل السرد وتحويلها للفصحى كلياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن