الاربعون
—————بعد شهرين
.......
تمر بين الاروقة كعادتها تحاول تفادي طلاب كليتها ..حتى وصلت امام باب مكتبه فوقفت تضبط من وضعية ملابسها ونظارتها التي تخفي الكثير من ملامحها ..طرقت الباب عدة طرقات محسوبة يتبعها فتحها له لتتقدم بثقة معتادة عليها تتقدم امام مكتبه تقول برسمية :
-صباح الخير يا دكتور ....
كانت اعينه تراقب تفاصيلها منذ الوهلة الاولى لدخولها بنظرة غريبة عليها تزيد من توترها ..اراح ظهره لكرسيه يجيبها :
-صباح النور يا آنسة.....اتفضلي !!...
خطت خطوات بسيطة مع بقاء باب الحجرة مفتوحا عن عمد تردف مع تقديمها لما بين يديها :
-البحث اللي حضرتك طلبته مننا ..اتفضل !!!
امسك بملفها ووضعه امامه باهمال يسألها بفضول شديد :
-بقالك اربع ايام ما بتحضريش ليه يا آنسة؟؟؟؟؟.....
عقدت حاجبها مع ضبطها لوضعية نظارتها الشمسية فوق وجهها:
-وحضرتك عرفت منين ؟..مع ان الايام دي ماكانش في محاضرات لحضرتك ؟!...
-لان سألت عليكِ وعرفت انك مش بتحضري ...
رفعت حاجبها بتعجب فاكمل بطريقة آمرة:
-اقفلِ الباب ..وتعالي اقعدي عشان محتاج اتكلم معاكِ في موضوع مهم.........
........
بعد لحظات كانت تجلس امامه بتوتر بالغ من قوة صدمتها لطلبه المباشر ..ظلت تحك جبهتها تتسأل هل طلب منها التقدم لها ؟!..ام تهذي .؟!..كيف ستجيبه ؟!..فهو معذور لعدم معرفته بزواجها ..قالت بتلعثم دكتور "طارق "الحقيقة انا !!!!..انا مش عارفة اقول لحضرتك ايه ؟..انا ...انا متجو.....!!
قطع حديثها رنين هاتفها الشخصي فنظرت له معتذرة بان تجيب مكالمتها ..اتخذت نفسا ملأت به رئتيها ثم اجابت بكلمات مختصرة تحت اعين ذلك المراقب الفضولية :
-ايوه ياحازم !!!.انا عند دكتور طارق بسلم البحث ..
رفعت عيناها بتوتر لذلك المراقب فاجابته بتوتر :
-اطلع فين ؟...ليه ؟...انت فين بالضبط ؟!...
اغمضت اعينها بقوة كادت ان تفقد اعصابها من محاصرته لها فزفرت بضيق تنهي الحديث :
-حاضر ..ثواني بس ....
اغلقت الهاتف تنظر لدكتورها المضيق اعينه في تركيز واضح لمكالمتها حتى قطع صوته الصمت المقبض يتساءل :
-مين حازم ده ؟!....اخوكي ؟!....
رفعت اصابعها تزيح خصلة شعرها خلف اذنها ارادت انهاء تلك المهزلة سريعا فاردفت بشجاعة :
-لا ..حازم يبقى .....!
مرة اخرى قطع حديثها رنين هاتف مكتبه تلك المرة فتجده يقف من مجلسه بعد انهاء المكالمة يقول برسمية :
-معلش نأجل كلامنا ...العميد طالبني ..وانتِ فكري في الموضوع اللي عرضته عليكِ ..وما تنسيش دي فرصة اي زميلة ليكِ تتمناها ...
..........
ظلت تزفر بقوة باعصاب محترقة لقد امرها بالخروج له وها هي في انتظاره منذ مدة ولم تجده ...استمعت لرنين هاتفها المميز فرفعته على اذنها تجيبه بغيظ :
-هو ده اللي منتظرني بره ؟..بره فين ؟!..
على الجانب الاخر حاول كتم ضحكته بقوة ليجيبها برسمية شديدة يخبرها :
-انا عند العميد ..ثواني واكون عندك !!!!..
اغلق الخط بوجهها سريعا تاركا اياها تنظر للهاتف بعته تهمس بغباء :
-هي ايه حكاية العميد انهاردة مرشوش عليه سكر وانا ما اعرفش؟!...
............
وقفت تشاهد فتح باب حجرة العميد يليه خروج عاشقها بوقاره الذي يذهب العقول كما سرق انتباه طالبات جامعتها باناقته وعطره الأخاذ يليه خروج دكتورها ...استقر امامها بعد خطوتين ينحني يقبل رأسها يقول :
-اتأخرت عليكي ياقلبي ....
ارتبكت مما فعلا داخل حرم كليتها ..فتلاحظ بعدها مراقبة الاعين المحيطة لها منهم دكتورها مما جعلها تردف بضيق من تصرفاته:
-حازم !!..انا في الكلية ما ينفعش اللي بتعمله ده ؟!...وكمان انت ايه علاقتك بالعميد؟!...
رفعت نظرها تنظر اتجاه الصوت الذي اخترق صوتها يقول :
-استاذ حازم ..انا دكتور طارق كنت مع حضرتك جوه عند العميد من شوية...
-اهلا دكتور طارق !!!....
قالها حازم بخشونة وحدة لم تخف عن شيراز المراقبة لهما تمرر نظرها بينهما خوفا من يعرض طارق على حازم طلبه الذي عرضه منذ لحظات فقطع تفكيرها صوت طارق اللزج :
-كنت حابب اتكلم مع حضرتك في موضوع يخص الآنسة شيراز ..فحابب اخد موعد من حضرتك في البيت لان المكان هنا غير مناسب..
شعر حازم بأناملها التي ضغطت على كتفه ليترجم عقله تصرفها البسيط لتوترها ..باتت شيراز شفافة له في ابسط تصرفاتها ..لمحها بجانب عينه تمرر نظراتها بينهما بتوتر فابتسم بنزق ابتسامة مختصرة وقد وصله اشارات اخترقت عقله لحقيقة هدفه فقال بكبرياء وهو يرفع ذراعه يحيط شيراز به يدخلها بحضنه امامه بتعمد :
-تمام بنتظر حضرتك في الفيلا واهو تحضر معانا حفل عيد جوازي انا وشيراز ....
انفرجت شفتي طارق فيبدو لم يستوعب ما سمعه للتو فتنحنح مستفهما لعله سمع خطأً:
-عيد ميلاد مين؟!
رفع حازم رأسه يصحح كلمته ببطء مقصود :
-عيد جوااازي يادكتور ..انا وشيراز !!!!!
...................
واقفا وسط ساحة الفندق الخاص على وجهه ابتسامة رضا تزين وجهه القمحي بيده هاتفه فوق اذنه يقول بامتنان للطرف الأخر :
-مش عارف اشكرك ازاي يا اسماعيل ..نردها لك في خدمة قريبة...
اسماعيل :
- ياريس انت جيت لي نجدة انا ما كانش ليا مزاج اطلع الطلعة دي ..انت عارف مراتي على وشك ولادة وما صدقت انك طلبت مني ان اعتذر وتطلع بدالي ..انا اللي مفروض اشكرك ....
.............
جلست ترتشف العصير البارد الذي تم تقديمه لهم عند وصلهم كتحية استقبال
للفوج الجامعي ..فقطع استمتاعها بالمشروب صوت كريم زميل فرقتها :
-احنا هنفضل كتير كده ؟!..مش المفروض الفندق يكون عارف اننا على وصول الواحد عايز يفرد جسمه ...
اجابته شيراز بروتينية وهي تمرر عينيها بين الطلبة والطالبات من الفرق الاخرى :
-ما تستعجلش اكيد في حاجة يخليهم يتاخروا كده ...
تحرك "كريم "من مجلسه يخبرها وهو ينصرف على عجالة:
-هروح اشوف شكلهم بيوزعوا مفاتيح الاوض...
-استنى جاية معاك ....
قالتها شيراز وهي تتبعه تسحب حقيبة ملابسها الصغيرة فوق الارضية المصقولة بيد واليد الاخرى مشغولة بهاتفها تحاول الاتصال به تطمئنه لوصولها فتقترب بخطواتها الواثقة لذلك الجمع المنتظر بساحة الاستقبال ..كان عقلها مشغولا بالاطمئنان على وصوله للبلدة كما اخبرها ...تداخلت الاصوات حولها وبدأت تنتبه لتوزيع الحجرات وسماعها صوتا مألوفًا لها يخترق حواسها ..لن تكذب اذناها!!! ..صوتا كانت تعشق صاحبه ..صوتا كان يلعب باوتار قلبها ومازال ..بدأت تحاول دفع الطلبة من امامها في محاولة منها التأكد من شكوكها حتى كانت الصاعقة الكبرى لها عندما تلاقت اعينهما واختفت الاصوات من حولها الا من صوته تلاقت اعينها الصدومة بعينيه البنية الساخرة ..ساخرة!!!..ماذا يفعل هنا ؟..وكيف علم بوجودها ؟!..هل كان يتتبعها ؟!..ام..ام..!..ما هذا العته الذي اضحت عليه ؟!..نظرت بجواره لتجد وجهها مألوفًا لها بزي رسمي يقترب باتجاهها بابتسامة صادقة فتقول بترحيب حار :
-مدام شيراز اهلا بحضرتك !
حركت اعينها المصدومة ليدها الممدودة فبادلتها التحية بروح مسلوبة وعينيها عادت تراقب من يقوم بتنظيم زملائها وتوزيعهم بأماكنهم لتسمع صوتها مرة اخرى يقول برزانة :
-حضرتك اكيد مش فاكراني ..لاننا اتقابلنا في ظروف مش كويسة في الشركة ....انا "نورهان "مديرة العلاقات العامة بشركة (......)للسياحة اللي حازم باشا صاحبها ...
نظرت لنورهان مرة اخرى وهزت رأسها بالايجاب ببطء وحاولت اخراج حالها من صدمتها واستعادة تركيزها :
-اهلا وسهلا ..معلش مش فاكرة اوي ..بس انتو !!..اقصد انتي بتعملي ايه هنا؟..
اجابتها نورهان بطريقة لبقة يشوبها بعض الحبور :
-حضرتك الشركة بتاعتنا هي المسئولة
عن تنظيم الرحلة دي بأوامر من حازم باشا شخصيا ....طبعا احنا استغربنا في الاول لان شركتنا مش بتتعامل الا مع الافواج السياحية اللي جاية من بره ...بس كده الرؤية وضحت لنا ...
عقدت حاجبها من كلماتها الاخيرة فوضحت "نورهان "حديثها بابتسامة راقية :
-اقصد اهتمام حازم باشا بالرحلة دي بالاخص ..اكيد طبعا عشان حضرتك ...
اشارت لها الاخيرة بيدها اتجاه العدد القليل المتبقى من الطلبة امام "مالك تحثها للتقدم "فمررت عينيها على ملابسه لتلاحظ ارتدائه لملابسه الرسمية السوداء وربطة عنقه اسفلها قميصا ابيضا ...مع شارة ذهبية منقوش بها اسمه فوق سترته ...صعودا لوجهه التي اشتاقت له ..ولكنها نهرت نفسها سريعا على منحنى تفكيرها وتذكر نفسها بما صدر مسبقا منه ....فسمعته يردف بسخرية واضحة لسمعها:
-حمدلله على السلامة يا ....مدام !!!....
رفعت انفها تعامله كزوجة رب عمله بطلب منه باستعلاء:
-مفتاح الاوضة يا .......!!!
لحقتها نورهان تكمل عبارتها :
-مستر مالك يافندم!!اسمه مالك !!..
اجابتها بكبرياء مهملة الاخر .. اقسمت انها رأت نيران رأسه تخرج من اذنيه من اسلوبها :
-معلش يانورهان ..خلي التعارف بعدين مش فاضية للكلام ده و ياريت تعرفيني مكان اوضتي لان هموت واخد (شاور )...هلكانة من الطريق ..
ألقت نظره جانبية عليه اثناء سيرها بكبرياء ...استشعرت للحظة انه سيدق عنقها بكفه القابضة جانبيه غيظا ...
.................
ألقت بجسدها فوق الفراش بعد حصولها على حمامها السريع تنظر للسقف تحاول ترتيب افكارها من البداية ...اسئلة كثيرة تطحن رأسها ..هل وجوده في المكان مقصود ؟..لقد علمت مسبقا من امينة عمله بمحض الصدفة بشركة حازم السياحية وهذا يبرر وجوده اثناء الحادث ..ولكن هل يعلم حازم بوجود مالك معها الان؟..لا ..لا من المستحيل ...غير معقول ان الصدفة تلعب بدورها بهذا الشكل المخيف ..اثناء تفكيرها جحظت عينيها فجأة وانتفضت جالسة تحدث نفسها بصدمة عندما استنتجت هوية من اخبره بوجودها في تلك الرحلة :
-يابنت اللذين يا امينة !!!!..اما ربيتك !!!!
...
ابعدت الهاتف عن اذنها تتفادى صراخها من الجهة الاخرى تقول مهدئة في محاولة كتم ضحكاتها :
-طيب انا مالي ..بتشتميني ليه ؟..
قفزت من فوق فراشة جالسة على عقبيها تردف بغيظ:
-اشتمك ؟..اشتمك بس ؟!..ده انا هقتلك ..تبيعيني ليه ؟..بتوصلي ليه تحركاتي ....انا اللي غلطانة ان وثقت فيكي تاني ..
اعتدلت امينة في جلستها تجيبها بهدوء وتأثر :
-شيراز !!.انتِ لسه زعلانة مني بعد اللي حكيته ليكي ..لسه ما سامحتنيش مش كدة؟ ..والله انا ماقولت حاجة هو اللي سمعني وانا بكلمك قبل سفرك وعرف من الشركة ميعاد سفر الفوج ..
-عموما وجوده ما يفرقش معايا .."مالك "بالنسبة لي حاليا موظف بيشتغل عند جوزي ..وياريت تبلغيه ان ماينساش الكلام ده ...
اجابتها امينة بحزن تملكها :
-حاضر يا شيراز ..ربنا يوفقك...
........
اغلقت امينة هاتفها وظلت تنظر له بوجوم ..هل من الصواب ما تفعله في محاولة لمجرد محاولة بسيطة تعلم فشلها مسبقا في ازالة الحواجز الصلبة بينهما ؟ ..محاولة رأب الصدع !! ..كمجرد محاولة ...
شردت فيما حدث منذ اكثر من اسبوع بينهما ...عندما اخذتها قدميها لمسكنها لتستقبلها خادمتها وإبلاغها بعدم عودتها من جامعتها بعد .. فظلت منتظرة عودتها من الخارج لتتفاجأ الاخرى بوجودها داخل بيتها منتظرة اياها باعصاب محترقة ولكن ما اذهل امينة استقبال شيراز لها بترحيب رسمي ...لقد كانت تتوقع طردها على الفور ..وبعد ان قصت عليها حقيقة زواجها من مالك كانت تتوقع تبدل ملامحها للصدمة والاندهاش الا انها ظلت على نفس ملامحها الثابتة ..لم تهتز ولم تتغير ..ظلت تنظر لها بوجه صلب لتصدمها بجملتها الحاسمة :
-خلاص يا "امينة "مابقاش ينفع اي تبرير ..اللي حصل حصل ..انا و"مالك" عُمر طريقنا ما هيبقى واحد ولا كان واحد ..يمكن اللي حصل ده كله حصل عشان افوق لحياتي والسنين اللي بتضيع من ايدي ..انا المفروض اشكرك مش ازعل منك .....
..................
أنت تقرأ
باليرينا الشرق( مكتملة)محولة للورقي الآن مع تعديل السرد وتحويلها للفصحى كليا
Romanceأنت برد ونار أنت طريق غير مختار قدر يلاعبنا كالأوتار من بين لقاء ووداع لقاء نبني عليه قصور من الأحلام ووداع يقطع أوصال أفئدتنا لأشلاء