الفصل الثامن والعشرون

4.9K 212 16
                                    

الثامن والعشرون
—————
بعد عدة اشهر ...
............
جالسة ارضا اسفل قدمها كعادتها منذ ولوجها هذا البيت ..تشعر بالراحة من هذا التصرف البسيط ..عندما تجلس اسفل قدمها توليها ظهرها وتقوم الأخرى بتمشيط خصلاتها القصيرة وتجديله كعادتها مؤخرا ..هذا التصرف البسيط الصادر من الأخرى يشحنها بطاقات إيجابية كبيرة ويبث في روحها الراحة والأمان ...تذكرت عندما كانت تجلس بجوار الحاج حافظ فوق الفراش تداعبه ويقوم بمعاقبتها لعدم  حفظها الآيات القرآنية المطلوبة منها ..رفعت يدها بالمعلقة تتناول الصحن الساخن القابع بين كفها فتستشعر لذة في  مذاقه ..لقد أدمنت تلك التحلية التي تذوقتها مرة عن طريق الصدفة من "وداد"..ليتحول تناولها له شئ روتيني لم تمل منه .....
سمعت صوت ضحكات "آمنة"تشاكسها قائلة :
-ايه يا يابنتي مش بتاكلي ليه ؟..هي الشعرية بالحليب مش عجباكي المرة دي ؟
إجابتها شيراز بفم ممتلئ بالشعرية وهي تكمل تناولها له بمشاكسة :
-اه فعلا حساه مش أد كدة انهاردة..عشان كدة هطلب من وداد تجيبلي طبق تاني !!..
ضربتها آمنة فوق كتفها بضحك:
-يوه ...وانا ما يرضينيش انه ما يعجبكيش (إلتفت ترفع عنقها تنادي بصوت مرتفع ):
-يا وداد....يابت ياوداد....
نظرت لظهر شيراز الجالسة بجوار ساقيها تردف بتعجب:
-البت دي غريبة ..ميت مرة نبهت عليها انها ما تقعدش في المطبخ مدام مافيش شغل ...
أسندت شيراز الصحن ارضا تردف بأسى:
-مسكينة، يتيمة و اخوها اللي مفروض يكون سند ليها سايبها تخدم في البيوت في السن ده ...
أردفت آمنة بأسى اكبر:
-اهو ده حال معظم البنات هنا ..ياما اهلهم يخدموهم بالأجرة ..او يجوزوهم بدري وهما لسة أطفال ...نصيب ومكتوب يا بنتي....الحوجة والفقر يعملوا اكتر من كدة .....
صمتا عندما لاحظا دخولها برأس منخفضة لتقول لها آمنة بلوم :
-ميت مرة قولتلك ارفعي رأسك وانتِ بتكلميني ....
رفعت وداد رأسها تنظر لهما بارتباك وتأثر بالغ من معاملتهما الحنونة لها التي تشعرها بانها فردًا لا يتجزأ. من هذا البيت فيزيد هذا ألم روحها ...
فتردف بخجل :
-تحت امرك يا ست "آمنة"...
ابتسمت شيراز مع مد يدها بصحن الشعرية الفارغ تقول بمرح :
-ممكن تجيبيلي طبق كمان ..اصله حلو اوي ...
قاطعتها آمنة بلوم زائف مع صدوح ضحكتها المحببة للأخرى :
-انتِ .....!!!اه منك يا شيراز ..مش قولتي مش حلوة المرة دي ...
رفعت شيراز سبابتها تشير لنفسها بطفولة :
-أنا قولت كده ...مش فاكرة ....يلا يا وداد عايزة واحد كمان ....
..............
بعد انتهائها من
تناول التحلية المفضلة لديها ظلت تتمطع بكسل امام نظر آمنة لتردف بوداعة:
-ايه الملل ده  زهقانة...هو  مافيش اي حاجة نتسلى بيها هنا ...
انتبهت آمنة الساكنة التي كانت تراقب حركاتها بابتسامة حزينة منذ لحظات ...تقارعها :
-وانتِ كنت بتسلي  نفسك ازاي  واحنا نسليكِ
ظلت شيراز بالفعل تفكر ماهي وسيلة تسليتها الحقيقية التي كانت تقضي أوقات فراغها بالاستمتاع بها ..تذكرت عندما كانت ترتاد معهد البالية لتمارس رياضة البالية وكيف كانت تأمل ان تصبح من اشهر الراقصات العالميات ..أجابت بأسى وحزن واضح :
-كنت بقضي وقتي في الرقص ....
تمعنت آمنة في جانب وجهها الحزين ،.لم تستوعب جدية حديثها فتتساءل بحذر:
-كنتِ بتعملي ايه ؟!...
أردفت شيراز بصوت واثق ؛
-كنت برقص ..بتدرب على الرقص في معهد البالية .....
صدرت ضحكة خجولة من وداد الجالسة ارضا تتسامر معهما نظرت آمنة لوداد الواضعة يدها فوق فمها بخجل على حديث شيراز فتسأل بجهل :
-ايه رقص الباليه ده؟...أنا اسمع عنه بس ما اعرفوش...
انتفضت شيراز من جلستها  بسعادة كأنها كانت منتظرة السماح لها بإطلاق عنان أحلامها ...ظلت تدور وتدور امامهما على أطراف أصابعها في سعادة تقول :
-البالية ....رقص راقي ...مش اي حد يقدر يتدرب عليه ..تدريبه بياخد سنين وسنين وممكن يسبب إصابات وقروح وجروح في صوابع الرجل وساعات كتير كسور لو ما اخدتش بالي ...(ثبتت من لفتها تمسك تستند علي ذراع آمنة تحارب الدوار )تضيف :
-ورغم كل ده أنا بعشقه ... بحس بالحرية لما ارقص ..
أشاحت آمنة بيدها الحرة بلا مبالاة :
-لا لا مافيش ..زي رقصنا وحلاوته ...الواحدة كده لما تحب تدلع جوزها..ترقص له وتدلعه ....تلاقيكي خايبة ما بتعرفيش في رقصنا ....
وضعت يدها في خصرها بدلع :
-مين دي يا حاجة آمنة اللي ما بيعرفش يرقص  ..جربي وانتِ  تشوفي....
.................
بعد دقائق كانت تجلس آمنة فوق أريكتها الخاصة تمسك من بين يدها طبلة صغيرة تحتفظ بها للمناسبات الخاصة ...بعد ان أمرت وداد في الإسراع بجلبها من حجرتها ..وها هي تجلس بسعادة مراهقة ..امتلكت نجمة من السماء ...تذكرت عندما كانت بعمر السادسة عشر وحكم عليها الزواج من ابن عمها "منصور" الذي يفوق عمره عمرها اثنتا عشر عاما لتقضي اياما قبل زفافها في البكاء والنحيب لعدم تقبلها هذا الارتباط ..ولما تعرفه عن شخصيته الصارمة مع الجميع ..ولكن بعد معاشرتها له ومع الأيام لم يظهر لها الا كل دلال وحب وحسن معاشرة لتهيم به عشقا ...قطع شرودها في الذكريات صوت شيراز الفرحة مع تصقيفها بسعادة تقول :
-الله عليكي يا حاجة آمنة ،ومخبية المواهب دي عننا وساكتة....انتي تطبلي ووداد تغني دي طلع صوتها حلو جدا ....
ضحكت على مشاغبة زوجة ابنها تشعر بالسعادة الفعلية لتغيرها وتأقلمها مع الجميع في هذه المدة القصيرة تعترف انها جاهدت لكسب ثقتها بشتى الطرق حتى تخرج من قوقعتها ..وتتمنى من داخلها ان تزيل الحاجز بينها وبين ولدها ....صدرت منها حركة تمسح بكفها فوق الطبلة تردف:
-الطبلة دي مش بتطلع الا للحبايب ...يلا  يا وداد.......
............
يا بهية وخبريني يا بويا
عللي قتل ياسين اه ياعيني ..
عللي .....قتل ياسين ...
قتلوه السود عنيا يا بويا
من فوج ضهر الهچين ياحبيبي
من فوج  ضهر الهچييين.
...............
نزل من سيارته الخاصة السوداء ذات الدفع الرباعي التي تلائم شخصيته ...يغلق زر سترة الزرقاء مع وضع نظارته السوداء التي تخفي حدة نظرته الشرسة ينظر حول البيت ...يشعر بسعادة تتراقص بقلبه المقيد بضلوعه يطلب التحرر من قفصه ..بعد هذه السفرة الطويلة شعر بمشاعر متناقضة أثنائها ..رغم كثرة سفره هنا وهناك الا ان هذه السفر التي طالت لمدة شهرين ..اختبر فيها مشاعر جديدة عليه ..لهفة الرجوع كانت تلح عليه اكثر من مرة حتى يقطع سفره ويعود اليها ..ليتدارك نفسه باخر لحظات ويعود عن قراره المجنون ..كأنه يعاند نفسه بانه لا ولن يشتاق اليها مطلقا ...فهو أقوى من ذلك ....
رحب به "جرحي "بحبور:
-حمد لله على السلامة ياباشا ....السفرة المرة دي طولت فيها ....
ابتسم حازم ابتسامة بسيطة يربت فوق كتفه يردف :
-أنا متأكد ان سايب رجالتي مكاني وانا غايب....
ضرب جرحي فوق صدره يقارعه بخنوع:
-رجالتك ولحم اكتفنا من خيرك يا باشا ...
كاد ان يتحرك فشعر بتردد جرحي في قول شئ ليلتفت اليه يسأله؛
-في حاجة عايز تقولها يا "جرحي" ....
ابتسم جرحي بخجل  ويجيبه بتردد قائلا:
-الحقيقة يا بيه ..كان في طلب صغير ..وخجلان منك وعندي عشم في حضرتك    بعد ربنا انك ما تكسفنيش.....
عقد حازم حاجبيه بتعجب من تلك المقدمة الطويلة .فيشير له برأسه يحثه على إكمال حديثه ليقول الآخر :
-أنا فرحي الأسبوع الجاي  ....وكنت عايز  حضرتك تحضر الفرح انت والحاجة آمنة ....
ربت مرة اخرى فوق كتفه ليجيبه   بصوته الأجش :
-مبروك يا جرحي ..اكيد من غير ما تقول ..
.....................
ظلت  شاردة بكلمات الاغنية وصوت "وداد "الحزين الذي يملأه الكثير من الشجن بالإضافة إلى دقات الطبلة التي هزت قلبها المجروح ..كان يكفيها مابها من جرح غادر بقلبها لتضيف كلمات الاغنية بجانب  ضربات الآلة وجعًا فوق وجعها ..ظلت تصفق برتابة على أنغام الطبلة الحزين بشرود ..تذكرت مع كلماتها الأولى قتل والدها فيمر الحدث امام اعينها مرة اخرى  لتشعر بغلالة من الدموع منعت الرؤية عنها مع ثبات ابتسامتها الحزينة التي تحاول الاحتفاظ بها دوما ..لتثبت الجميع انها بخير ...
     &&&&&&&
(وعد ومكتوب عليا يا بويا ومسطر على الچبين .... ياحبيبي....
ومسطر على الچبين...)
&&&&&&&&
قامت ببطء لتسحب وشاح وداد الخفيف تمسكه بيديها لتبدأ بإطلاق عنان روحها المذبوحة ..تحاول كبت دموعها حتى لاتظهر  ...لتبدأ بميل خصرها مع دقات الآلة بطريقة بطيئة ليتحول رقصات لرقص حزين واضح وضوح الشمس للأعين التي تجهل جرحها
&&&&&&
(ترميني وتنچينا يا بوي من بين الغرجانين
الدنيا بخير يا حبايب ...يا ما فيها طيبين ياحبيبي يا ما فيها طيبين.....)
&&&&&&&
ترقص وترقص كالراقصة فوق جثمانها المتألم رافعة يدها بزاوية  امامها كالتي تطلب الخلاص من حالها وحزنها مع انسدال خصلات شعرها الذهبي الهارب من جديلتها  متقنة الصنع ..ليزيد من اخفاء ملامحها المعذبة ...جاهلة امر تلك العيون الثعلبية المراقبة لرقصها الجريح خلسة ...فبعد دخوله ..وصل له صوت دقات الآلة الموسيقية ليبتسم على فعلة امه التي تمارسها من الحين للأخر  غافلة عن وجوده ...وجودها بهذا الشكل المبهر للأعين والجارح للنفس والأرواح ..ألجمه ...،فيتراجع خطوتان مخفيًا نفسه خلف الباب ليشاهدها على سجيتها بدون تصنع و بدون قشرتها الصلبة ...
مست كلمات الاغنية التي سمعها ألاف المرات جزء دفين بقلبه ليكون وقعها هذه المرة مختلف عليه كليًا فيراها تتمايل بخصرها بروعة مع مسك جوانب فستانها الطويل ليظهر جزء بسيط من ساقيها مع الإشارة الي والدتها بابتسامة حزينة اغمض عينه يستمع لكلماتها:
        &&&&&&&&&
(چينا اغراب ..مالناش احباب ...لقينا كرام فتحولنا الباب ...فتحولنا الباب....
چينا وجلوبنا حزينة يا بوي ..ورچعنا مچبورين يا حبيبي ..ورچعنا مجبورين ...)
&&&&&&&&&&&
توقفت فجأة عن التحرك كالتمثال المتيبس لتلاحظ كلتاهما توقفها فجأة مع ثبات نظرها خارج الحجرة لتتبدل ملامحها من البراءة للشراسة الفجائية ..فتتوقف آمنة على ضرب الآلة كادت تسألها عن سبب توقفها المريب وتبدل ملامحها لتجد ابنها يظهر بابتسامته البشوشة من خلف الباب ..فعندما توقف صوت الألة فتح أعينه بفضول ليجدها ترميه بنظراتها الكارهة المتهمة ..على ما يبدو انها ستزيد من اتهاماتها اتهامًا اضافيا ضمن قائمتها وهي "تهمة التلصص "عليها خلسة لتنتفض امه تاركة طبلتها فوق الأريكة تحتضنه بشوق ليبادلها بقبلات لرأسها ويدها امام تلك الشامخة التي ترميه بنظرات قاتلة كارهة فتسمع صوت آمنة يقول بسعادة بالغة :
-اخيرا جيت يا حازم ..كل ده يا بني سفر ..امتى هتريحني بقى وتلغي شغلك اللي مش فاهمها ده وتخليك هنا ...
ابتسم ابتسامة بسيطة كعادتها لا تظهر الا لها فقط يردف:
-ايه يا ام حازم ..انتِ فاكراني لسه عيل ولا ايه ؟
شهقت بسرعة تنفي:
-قطع لسان اللي يقول كده ..ده انت سندي وسيد الكل ...
لاحظ إلتواء فم شيراز بابتسامة تهكمية تدل على سخريتها على الجملة اراد غيظها ليلوم امه لوم زائف:
-بس شكلك ما وحشتكيش اوي زي كل مرة ..بدليل لقيتك مستمتعة بوقتك طبل وغنى و...رقص (قال كلمته الاخيرة يتمهل واضح)ليظهر شرار الكره من اعينها غيظًا  من تلميحه لرؤيتها...
انتبهت آمنة لثبات شيراز وعدم ترحيبها بحازم ،...لقد أقسمت في غيابه ان تقرب بينهما وتذيب  الحاجز الجليدي التي تحيط به شيراز نفسها ضد ابنها لتقول بلوم :
-يووه ..مش تسلمي يا بنتي على جوزك ..وتقولي له حمد لله على السلامة ...
تهكمت ملامحها من تلك الكلمات لتقترب خطوات بطيئة فتردف على وجه السرعة :
-حمد لله ..علي السلامة ...
ليشاهدوها تنصرف صاعدة الدرج متجهة لغرفتها بصمت بعد ان أردفت بجملتها بنزق .....
ظل معلق عينيه عليها حتى اختفت خلف أبواب حجرتها ...فيشعر بامه تربت فوق صدره بحنان تردف:
-معلش يا بني ..بالهداوة ..بالله عليك ما تتخانق معاها زي اخر مرة كنت هنا فيها ....
هز رأسه بطاعة ليطلب منها الصعود لإراحة جسده من عناء السفر ...فتودعه اعينها الكحيلة تدعو لربها صلاح حالهما عاجلًا وليس آجلًا ....
.............
ولجت من باب شقتها بالعاصمة حاملة من بين أيديها اكياس بلاستيكية مملوءة بطلبات البيت كعادتها مؤخرا في اخر شهرين ....منذ تركهما للبلدة واستقرارهما بشقتهما الخاصة ..ولكن في حقيقة الامر تسوقها ليس الا وسيلة للهروب منه لتنفس  عن حالها بعيدا عنه ...عند والدتها التي قام بمنعها عن زيارتها منذ عودتهما من البلدة  ..
أسندت الحقائب بجوار الباب بإرهاق شديد ووجه متعرق تمرر نظرها بأركان الشقة الهادئة لتلاحظ سكونها فترفع ظهر كفها تمسح عرقها وتسرع لحجرة الطبخ تبحث عن مياة باردة تطفئ بها عطشها ....رفعت قارورة مياه زجاجية باردة انتشلتها من المبردة بتلهف فتتساقط خيط من المياة فوق عنقها متسرب من فمها  ..تنتفض فزعًا عند سماع صوته الذي اصبح مخيفًا لها في الآونة الاخيرة يردف بحدة :
-اتأخرتي ليه؟
إلتفتت اليه بعد ان سيطرت على فزعها تمرر نظرها على وجهه المتحفز بنظراته الشرسة الذي زال عنه وسامته وجاذبيته ..لشعره الذي اطلق له العنان حتى استطال لاذنيه بطريقة متموجة ..مع فقدان بعضًا من وزنه ..رأته يرفع سيجارته البيضاء يسحب منها دخانها مع رميها بنظراته الغامضة ويكرر بهسيس مخيف :
-ايه !!!القطة كلت لسانك؟!....بقولك اتأخرتي ليه ؟!....
ابتلعت ريقها بصعوبة بالغة تنطق كلماتها بتوتر:
-ما ..ما اتأخرتش يا مالك ..أنا كنت ..كنت بشتري حاجات البيت زي ما قولتلك قبل ما انزل...
اقترب منها بقدمه العارية وملابسه البيتية ..كالذي يجهز لافتراس فريسته حتى وقف امامها لم يفصل بينهما الا خطوة ويردف ببطء:
-أنا منبه !!!ساعة تكوني هنا ..الساعة بقت تلاته ...كنتِ فين يا غادة؟....
ارادت التحلي ببعض الشجاعة لتقارعه بصرامة مزيفة:
-هو تحقيق يا مالك !!..قولتلك كنت بجيب حاجات البيت ...وكمان أنا زهقت من أسلوبك ده ..تعبت....
رفع سيجارته يسحب دخانها ببطء تحت نظرها لينفثه بوجهها مما جعلها تسعل بشدة ويقارعها:
-دلوقت أسلوبي مش عاجبك و تعبك ؟وايه كمان يا هانم...؟
-مالك !!.ده مش أسلوب حوار ولا عيشة ..أنا زهقت ..نفسي اعرف أنا عملت ايه بتعاقبني عليه ...انت من وقت ما رجعنا من البلد وانت حالك لا يسر عدو ولا حبيب...
تركها تثرثر بلا مبالاة ليتعداها ويتركها خارجًا من حجرة الطبخ لحجرة المعيشة ...فيشتد غيظها من بروده وتتبعه لتجده مستلقيا فوق الأريكة التي أدمنها ناظرا لسقف الحجرة بشرود مستمرا في تدخين سيجارته ..فتتهور وتجذب سيجارته من بين أصابعه وتتخلص منها صارخة:
-أنا نفسي افهم من امتى بقيت مدمن تدخين ..من امتى بقيت كده ؟!..أنت مش مالك اللي اعرفه ....كل ده عشانها ...مضمر حياتك عشانها ..!!..طب وانا وابنك ذنبنا ايه في نزوتك دي ....
ظل شاردا في سقف الحجرة لم تتغير ملامحه فتكمل بصرامة وحدة اكبر وهي تقترب تجلس على عقبيها بجواره
-أنا سيبت الدنيا كلها عشانك ..وافقت ان اقدم استقالتي زي ما أمرت ....منعتني من أمي ووافقت ...استحملت جفاءك  ليا وبعدك عني ليالي وساكتة ومستحملة ...قولي انت عملت ايه عشاني وعشان ابنك ؟!...حتى شغلك خسرته وبقيت قاعد بتصرف من فلوس الحاج ...قولي ايه الغلط اللي بتعاقب عليه يا مالك؟!.....
انتهت من كلماتها تلهث كالخارجة من سباق للركض متعرقة الوجه ..رأته يلتفت ببطء ينظر اليها هامسا بألم :
-بتحبي ابنك يا غادة؟.....
شاهدته يعتدل في نومته ببطء يواجهها ويكرر سؤاله المريب:
-بتحبي ابنك قد ايه ؟....طيب بتحبيني زيّه ؟.....
راقبت هذيانه بتوتر وعيون زائغة وقلب مقبض وأجابت:
-طبعًا بحبه ..و بحبك اكتر منه ....
-لو فقدتيه هتحسي بإيه؟!....
انتظر إجابتها ..لتخبره:
-ايه الأسئلة دي ؟!...اكيد ممكن يجرالي حاجة ....ممكن اموت فيها ...
هز رأسه برتابة ينظر لقدمه ويكمل :
-اهو ده اللي حصلها ...وانا زودت قتلها!!! ...واتخليت  عنها ..عشان ابننا ...
انتِ سألتيني أنا ليه بتصرف كده ..احب اقولك ان الشك دخل قلبي يا غادة ...من ناحيتك ومش عايز يخرج من وقتها .
عقدت ...بس للاسف ما فيش فأيدي دليل ...حاجبها بضيق :
-شك !!!..تقصد ايه ؟...ان كل تصرفاتك معايا دي كلها بسبب الشك ...
انتفضت واقفة تنظر له من علو وتكمل بكره :
-كل ده بسبب بنت ال(...........)اعمل ايه تاني عشان تصدقني أنا وتكدبها هي ؟!...أنا اقسمت لك على المصحف زي ما طلبت عايز ايه تاني ....؟!
وقف ينظر اليها نظرات غريبة نظرات تزيد من ارتيابها نظرات بها الكثير ثم يتحرك متجهًا لحجرة نومه الخاصة التي انفصل عنها فيها يقول بثقة بدون النظر اليها :
-أنا خارج وزي ما اتعودتِ ابقي نامي ما تنتظريش رجوعي.....
نظرت له بأسى على وضعهما بفم مقلوب يكافح البكاء ثم اخفضت نظرها لخصرها مع وضع كف يدها فوق معدتها تحاول ان تبث جنينها بعض الأمان به تلك المناقشة الحادة ....
...................
جلست فوق فراشها تراقب تلك الحقائب الموضوعة ارضا بجوار خزانتها بنظرات شرسة ..منذ لحظات تفاجأت بدخول "وداد"تحمل تلك الحقائب معها وتبلغها انها منه ..ارادت في تلك اللحظة حمل تلك الحقائب وإلقائها في وجهه ردًا على وقاحته ..كيف يجرأ على التعامل كأن لم يصدر منه شئ ...ألم يكفيه مراقبته لها اثناء رقصها خلسة بكل وقاحة ..
نطقت من بين أسنانها :
-وقح ...وقليل الادب ..مش فاهمة "آمنة" تخلف ثور زي ده ازاي ؟!....
برقت عيناها بلمحة من الشر الأنثوي والخبث الواضح مع ابتسامة ساخرة لتردف بتحدي:
-أيامك سودة يا ابن منصور ...
..........
دخلت حجرة الطبخ في محاولة منها اشغال حالها باي شئ يحارب مللها في هذه الأيام ..تعلم انها لن تتمكن في التحرك بحرية كما كانت تفعل في عدم وجوده..تحركت تتلاعب باصابعها في علي التوابل تسترق السمع لتعليمات  آمنة لوداد  ..لتبتسم بشر لتلك المعلومة البسيطة ليتحرك بداخلها كيد الأنثى ...
.............................
جالسة بجواره على مائدة الطعام تتلاعب بكوب المياه الموجود امامها تعلو شفتيها ابتسامة مريبة .بصمت مقبض ...تراقب حركة وداد السريعة في تنظيم الصحون المملوءة بالأطعمة ذات الروائح النفاذة ..رفعت عينيها يمينها لتصطدم عينيها الفيروزية بعيونه البنية الثعلبية ..ماهذه الواقحة لا يكل من مراقبتها على الدوام ....أشاحت بوجهها عنه تنظر لآمنة الفرحة وهي تحاول خلق احاديث ليس لها معنى ...حتى توفق بينهما وتزيل الحاجز الجليدي بينهما ..أردفت  آمنة بسعادة :
-كُل يا حازم ...كل يا بني ...تلاقيك يا عين امك ...وانت مسافر مافيش حد يعملك أكلة حلوة كدة ....عشان كدة خسيت ووشك هفتان ....
صدرت من شيراز ضحكة ساخرة على جملة فقدان وزنه ..هذه السخرية وصلته بوضوح رغم اندماجه بالحديث مع امه ليردف قائلا:
-الحقيقة ما فيش زي أكلك يا  آمنة ..مهما كلت  من أيد اكبر شيفات العالم ..أكلهم مالوش طعم زي أكلك ....
ضحكت  آمنة بسعادة لتردف بفرحة عارمة:
-طيب  ..ياحبيب آمنة كل صدر البطة دي من أيد امك ..انا عارفة بتحب الصدور  .....
صدرت منه إلتفاته للجالسة  يساره فيردف بكلمات لم تفهم معناها الا هي :
-انتِ عارفاني يا ست الكل اموت في حاجة اسمها صدر ......البط طبعًا ...
جحظت عيناها لترفعها له فتجد منه ضحكة ساخرة مع  إلتهامه قطعة من اللحم باستمتاع ....
ارتبكت لوقاحته وحاولت الهروب من أنظاره المراقبة  عن طريق تناول بعض الملاعق من الأرز ....فتسمع صوت آمنة يطلب منها :
-ايه ياشيراز ..؟...قربي طبق المحشي  لجوزك....اما "وداد" عاملة محشى ورق عنب يستاهل ابني الغالي...
فهمت "شيراز "ان الأخرى تحاول التقريب بينهما لتبتسم  ابتسامة بلاستيكية مع تقريب صحن ما اليه و تردف باهتمام مزيف:
-اتفضل ...... المحشي يجنن ....
ضيق عينيه بريبة من حديثها يشتم أمرًا غريبًا من تصرفاتها ونظراتها ..مع انشغاله بها كان يرفع اول قطعة من المحشى المفضل لديه يمضغها باستمتاع ..فيتوقف عن المضغ فجأة تتسع عينيها ويتحول لون  بشرته للحمرة مع ظهور الاحمرار بشكل ملفت ومضحك معا لاذنيه...في بداية الامر كان استمتاعها برؤيته يعاني يعميها عن ملاحظة ما يحدث له من تحول ..ظلت تراقب جحوظ عينه واحمرار وجهه بابتسامة انتصار سرعان مع اختفت عندما شاهدته يمسك حنجرته لتنتفض آمنة صارخة :
-حازم !!..حازم !!..فيك ايه يا بني...
اردف باختناق وصعوبة:
-شطة ..شط...ة
عندما وصلة طعم الشطة الحارة بالطعام وهو يتحسس من الفلفل الاحمر كحالة مرضية تنتابه شعر بصعوبة في البلع والاختناق ...ظل يسعل بشدة لتدمع عينيه بدموع مع فزع "آمنة .."وسرعان ما انتابها هي  الفزع لهذا المشهد لتنتفض تضرب بكفها فوق ظهره بقوة محاولة لانقاذه  ليتمكن منها الرعب والفزع لرؤية وجهه يزداد احتقانا مع إشارته بيده بطريقة غير مفهومة ..شاهدت فرار آمنة من امامها مختفية ..فحاولت برعب وسيقان  مهتزة تقديم المساعدة له لتردف بشبه بكاء:
-حاسس بايه ؟..نتصل بالدكتور ....طيب اعمل ايه ؟؟....أنا مش فاهمة...
امسك كفها بقوة مؤلمة وهو جالسًا مكانه يميل بجسده ورأسه للخلف يقول من بين انفاسه المتقطعة :
-همو...ت...الدوا ...بس...بسرعة .....
شعرت بالرعب من رؤيته على هذه الحالة ..عندما استرقت السمع لتنبيه "وداد "بمنعها بشدة. لوضعها اي نوع من التوابل الحارة بالطعام من اجله ..قامت بإضافة الشطة الحمراء بكثرة عن عمد منها ..حتى تضايقه وتستفزه..لم تكن تعلم ان تلك المزحة ستحول الي جريمة ...اثناء تمسكها به بكلتا يديها تحاول فتح أزرار قميصه لتوفر له تهوية كافية ليتنفس بطريقة افضل في محاولة منها للتخفيف عنه حدة الاختناق ..رأت دخول آمنة بسرعة بيدها شريط من العلاج واليد الأخرى قلم طبي يشبه تقريبا قلم الإنسولين ..لتنجح في ضربها بفخذه بطريقة عمودية مع وضع حبة من العلاج بفمه ..عند هذه النقطة أسرعت تحمل كوبا من الماء مع مساعدتها له ليرتشف بعد قطرات المياه بحرص شديد......
.................
اصعب مرحلة ممكن ان يمر بها البشر هو ان تجلد ذاتك ..تجلد روحك على افعال خاطئة سقطت بها عمدًا او سهوا ..ولكن في كلا الحالتين تصل لنقطة النهاية لنقطة الجلد .....
تجوب الحجرة بضيق ولوم من نفسها على افعالها المتهورة التي صدرت منها اتجاهه منذ متى وهي بتلك الطيش والاندفاع؟ ..كادت اليوم ان تلقي بحتفه ..اينعم هذا ما تتمناه ،...ولكن لم تتمنى يوما قتله ..ما هذا التناقض التي تهذي به ..موته هو قتله كلاهما نتيجتهما واحدة التخلص منه ...ارتمت جالسة فوق فراشها تحرك ساقها بتوتر مع قضم أظافرها ..وقعت عيناها على تلك الحقائب الملقاة ارضا منذ الصباح .. ..انتابها الفضول لرؤية ما احضره بها هذه المرة ..شد انتباهها حقيبة سوداء مدت يدها تخرج مافيها لتكتشف
وجود بعض ملابس النوم القطنية ذات ماركات عالمية ..فتلقيها جانبا ..فيزداد فضولها لفتح باقي الحقائب لعل يثبت بها وقاحته للمرة المليون ويجلب لها شئ تستنكره عليه ...كشراء ملابس نوم خاصة حريرية ..او أنواع من البيبي دول ....ليثبت وقاحته ..
ظلت تفتش وتتفحص الحقائب حتى انتهت قائلة:
-مش معقول اكون ظلمته؟!.. ...نيته كويسة ..؟!!يتحسد حازم ابن آمنة ....
نهرت حالها على التعاطف معه لتحدث نفسها وهي تشير بكف يده بالهواء :
-ايه ياشيراز انتِ هيصعب عليكي؟....
لامت نفسها مرة اخرى على قسوتها لتكمل :
-ما هو ما كانش ينفع اللي عملتيه فيه ...الراجل طلع عنده حساسية مزمنة وكان هيروح فيها بسبب غبائك....
وكمان "وداد "هتتاخد في الرجلين بسببك ..ايه العمل بقى في المأزق ده ؟!..
اثناء شرودها لفت نظرها حقيبة ضمن الحقائب ليأخذها الفضول لمعرفة ما بها  تلك الحقيبة ...مدت يدها بلا مبالاة وهي متأكدة انها ستجد بها بعض الملابس مثل باقي الحقائب ..لتلامس أصابعها صندوق كبير صلب أخرجته ببطء تقلبه يمينه ويسارا بفضول بسبب تغليفه بغلاف لامع كغلاف الهدايا ..بدأ ينتابها الفضول لمعرفة ما به ليتفاقم بداخلها فضول الطفلة التي تتلهف لفتح هدايا العيد ....بدأت بنزع الغلاف بلهفة تلقيه ارضا حتى ظهر امامها صندوقان تعرفت على احداهما بسهولة قد كان علبة شيكولاتة شهيرة (فيريرو روشيه) ذات الكرات ذهبية ..انفرج فاهها باشتياق ..لقد مر وقت طويل لم تتناول فيه الشيكولاته ..هذه النقطة جعلتها احتضنت الصندوق الشفاف الذي يظهر خلفه قطع الشيكولاتة الساحرة بهيام ..مع ابتسامة طفولية كالطفل الفائز بجائزته ..أسرعت في فتحها بتلهف لتتذوق واحدة باشتياق بعد نزع غلافها الذهبي أغمضت عينيها باستمتاع مع إصدار أصوات تلذذية ..لتكرر  فعلتها مرة بعد مرة ....انتابها الفضول اكثر لتمد يدها بسرعة تنتشل الصندوق الصغير الاخر تخرجه من الصندق الكبير لتجحظ عينيها  عندما وجدت هاتفًا محمولًا من اشهر الماركات العالمية ...بدأت بالبحث عن كيفية تشغيله وعند هذه النقطة زالت ابتسامتها تدريجيا عن وجهها لتحل محلها الغضب والضيق ...
فتنتفض من جلستها محتضنة صندوق الشيكولاته الفاخرة تاركة الهاتف ارضا بجوار الحقائب المبعثرة ..وأغلفة الشيكولاته الملتهمة ...ظلت تدور في الحجرة بضيق تهمس لنفسها :
-طيب ده يتشتم ولا يتشكر ...؟!..بني ادم وقح صحيح ...وقليل الأدب ...
ظلت تهز ساقها بغيظ تكمل :
-لا وانا اللي كنت هروح اطمن عليه ...يارب يولع ...أنا هروح ارمي الحاجة في وشه وأقوله مش عايز حاجة من وشك.....
فتبقي جسدها فوق فراشها تهز ساقها اكثر والشيكولاته تقبع بحضنها ..صدرت منها نظرة لها تقول بلوم:
-بس هو جاب شيكولاتة وانا أكلت منها ...هترجع ازاي دي؟....ضربت رأسها بكف يدها تنهر حالها:
-غبية ياشيراز غبية ..دايما متهورة وضعيفة قدام الشيكولاتة....
........
خرجت ببطء تراقب يمينًا ويسارًا كالسارق المنتظر خلو البيت من أصحابه لسرقته ..حاملة بين يدها حقيبة بلاستيكية ..لقد قررت الذهاب اليه لتلقي بهديته بوجهه الكريه..كيف يجرؤ على وضع مثل هذه الصورة وهو عاري الجزع في فمه سيجارته  كخلفية لهاتف مُهدى لها ..ليس هذا فحسب بل ما زاد من ضيقها وقاحته في اختيار صورة وقحة مثله ..ايظن نفسه خارجًا من جلسة تصوير سينمائية هذا المغفل ..؟!...
انتبهت لحركة فوق الدرج لتشاهد صعود "وداد "متجهمًا الوجه منتفخة الأعين حاملة بين يدها كوبا يتصاعد منه الأبخرة ..استنتجت انه مشروب خاص له ...وقفت تحاول ايجاد اي حجة حتى تبرر وقوفها الغريب قائلة بود :
-وداد !!..بنت حلال.. كنت لسه هنزل  لك عشان تعملي لي  حاجة اشربها ....زادها فضولها لتسأل عن سبب وجومها فاردفت ببراءة زائفة:
-مالك يا وداد مين زعلك؟!..
قاومت "وداد "البكاء بصعوبة لتجيبها من بين شهقاتها :
-ست "آمنة "ادتني حسابي وقالت لي اشوف حتة تانية اشتغل فيها ...وانا ماليش ذنب باللي حصل لحازم بيه والله ....
تأثرت شيراز بحالة" وداد "وهي تعلم كل العلم انها من تسببت في ذلك عندما استغلت انشغالها بوضع الصحون والأكواب ...اقتربت خطوة منها تربت فوق كتفها بحنان مواسية لها توعدها :
-ما تخافيش أنا هكلم الحاجة آمنة ..انها تسامحك المرة دي ....
..............
وقفت بساق وأرجل مهتزة حاملة بين يدها كوبا كبيرا يتصاعد منه الأبخرة وباليد الأخرى الحقيبة السوداء..انتظرت الأذن لها بالدخول ..وحتى لو لم يأذن يكون افضل حتى تعود هاربة لحجرتها ..فتنتفض عند سماعه يسأل بنزق :
-هتفضلي واقفة عندك ...يا تدخلي تحطي اللي في ايدك يا تخرجي لان ساعتها النعناع هيبرد وهيكون ماسخ...
تحدثت مع نفسها بصوت غير مسموع :
-اقسم بالله ما في حد ماسخ غيرك ...ثور صحيح !!!
اجفلت من صوته الخشن:
-بتقولي حاجة ؟...
اقتربت تضع الكوب الذي بدأ في فقدان سخونته بنزق تراقبه وهو جالس فوق أريكته امامه جهاز الحاسوب المحمول فوق ساقيه يعمل بآلية ..كل جوارحه تعمل بصمت ..أصابعه تضرب فوق اللوح بسرعة عجيبة ..كانت اول مرة تدقق به اثناء عمله ..وتلاحظ انتفاخ شفتاه واحمرار وجهه مع سعاله المتكرر ...لتكتشف انها أطالت مراقبته عندما رفع عينه لها مع ارتفاع حاجبه الأيمن بتعجب من وقفتها بعد وضعها للمشروب ..فتقوم برفع خصله تحررت من عقصتها خلف أذنها تردف بحدة مزيفة :
-كنت عايزة أسألك ..انت هتعمل ايه مع "وداد "...
ارتفع حاجبه اكثر يدقق فيها ويجيبها بشئ من الحدة :
-مش أنا اللي هعمل ..أمور الناس اللي شغالة جوة البيت يخص الحاجة"آمنة"  ..وبما ان هي أمرت تمشي يبقى هتاخد حسابها وتمشي ..
وقفت تحرك ساقيها. كعادتها تحتضن الحقيبة بين ذراعيها  تفكر كيف ستنقذ تلك المسكينة من ذلك المأذق المتسببة به ..؟كان يراقب حركة حدقتها مع ابتسامة سرعان ما نجح في إخفائها قبل ان تضبطه متلبسا بجرمه...فهو على يقين انها هي المتسببة لهذا الجرم ..لن يخذله حدسه ...سمعها تحاول ترتيب كلماتها تبلغه بضيق :
-بس أنا اتعودت عليها ومش حباها تمشي ..و...و...يمكن ما تقصدش اللي حصل ونسيت وحطتلك فلفل ....
عضت على لسانها الذي لم يكف عن الثرثرة المتواصلة لتراه يتراجع في جلسته يغلق حاسبة ويريح كفيه متشابكين خلف رأسه ينظر لها بابتسامة يشوبها الخبث والتسلية :
-وانتِ عرفتي منين  انه السبب  الفلفل  ...مع انّ ما قولتش  السبب ؟!....
شتمت من بين أسنانها فهي تعلم مدى خبثه وذكائه للاسف ولكنها شجعت نفسها لتجيبه بتهور غير محسوب :
-عرفت منها !!!..والحقيقة بقى ..الحقيقة هي ملهاش ذنب أنا اللي ..اللي ....
رأته يقف ببطء يقترب بعض الخطوات منها يواجها من ارتفاع  ...يضع يديه بجيبه
و يردف بخشونة حادة :
-انتِ اللي حطيتِ الفلفل الاحمر في المحشي مش ده اللي عايزه تقوليله ...
احتضنت الحقيبة بشدة تلعن غبائها الذي جعلها في موقف المتهم امامه ..لتقارعه بشجاعة ؛
-ايوه ..وبصراحة أنا كنت جاية يعني ..عشان اعتذر ماكنتش اعرف ان الموضوع هيقلب بجد كده ...
فتنظر له بغباء وتسأله بسذاجة :
-هو أنت صحيح عندك حساسية من الفلفل ؟..اقصد يعني واحد في سنك عنده حساسية ازاي ؟!... ..(أكملت تحدث نفسها امامه)حساسية ايه وهو زي الثور كده !!..
-نععععم!!!!!...
قالها حازم بحدة مخيفة ...انتفضت بسببها لتتراجع للخلف خطوتين تتدارك الموقف :
-احم ..اقصد يعني انك كبير وضخم اكيد مش حبة فلفل تعمل الليلة دي كلها ...
أنهى حديثها بقوة أحرجتها:
-عندك اي ملاحظات تانية لان حضرتك معطلاني..وأشار بيده خلفه جهة الحاسوب...
ضاقت منه بسبب إحراجه لها لتردف بكبرياء :
-ايوه في ....وداد مش هتمشي وانا هطلب من الحاجة "آمنة"كده .....سلام ..
تحركت تخرج من الباب بغضب تلعن حالها انها فكرت بدخول حجرته وعند محاولة  تذكرها لسبب حضورها من البداية أوقفها صوته يهتف باسمها ..استدارت وعينيها الفيروزتين تزداد اشتعالا ..فيشير بعينيه جهة الحقيبة بفضول :
-على ما اعتقد في سبب تاني لتشريفك ليا في اوضتي!!!
مد يده يسحب الحقيبة المتشبثة بها بعنف يسحب من داخلها صندوق الشيكولاته المأكول ربعه على الأقل ..ثم يدفع الحقيبة بما بها  من  الهاتف المحمول لصدرها بعنف  ..
فتخرج كلماتها بنزق تخفي إحراجها :
-اه كويس انك ..افتكرت ..جيت ارجعلك الحاجة دي
رفع حاجبه الكثيف وبابتسامته ساخرة قارعها :
-وده من ايه ان شاء الله ؟...طيب التليفون هشوف مشكلته ايه ؟...لكن الشيكولاته اللي متآكل نصها دي ..ايه؟..اكتشفتِ انها مش حلوة بعد ما خلصتِها ؟!...
زمت شفتيها بضيق تكتم غيظها من وقاحته وبروده فسقط قلبها بين قدمها  عندما شاهدته يفتح صندوق الشيكولاته ليتناول احداهما بعد إلقاء غطائه باهمال فوق فراشه ويتناولها امامها باستمتاع مغيظا إياها ..فهو على علم مسبق من عشقها المميت للشيكولاته ، فقارعته بضيق :
-بتهيألي من الوقاحة انك تهدي حد هدية ..وتسيب صورتك عليه ..وكمان ..صورة وقحة زي دي ..
لم يجبها بل استمر في تناول قطع الشيكولاته امام اعينها المغتاظة بعد ان جلس فوق فراشه لتصرخ بوجهه بضيق :
-ما ترد يا بني ادم ...وبطل اكل في الشيكولاته ..
أجابها وفمه ممتلئ بالقطع :
-ليه ؟..اعتقد في حد أتمرد عليها ورجعها ..تبقى حلال عليا !!...
زمت شفتاها بقوة مضيقة عيناها كالنمر منتظر افتراس فريسته وعندما شاهدت يده تمتد لتناول قطعة اخرى في استعداد لنزع غلافها الذهبي هجمت عليه تنتشل الصندوق من بين ذراعيه تحتضنه بقوة  وبغيظ طفولي صارخة :
-هات الشيكولاته دي ..أنا اللي غلطانة أنا جيت اسأل عليك ..بني ادم بارد صحيح ..
تحركت تحت عيونه الجاحظة وفمه المنفرج ويده المتوقفة في الهواء ليجدها تتوقف مرة اخرى وتعود تنتشل قطعة الشيكولاته بعنف من يده قائلة :
-وهات دي كمان ..بني ادم بارد !!!....
ظل مذهولًا من تصرفها الطفولي يراقب خروجها حتى اختفت من امامها فصدرت منه إلتفاته الى يده الخالية بصدمة ويهمس بصدمة :
-مجنونة ..اقسم بالله مجنونة !!!..يا سوادك يا ابن منصور ....
يتبع،

باليرينا الشرق( مكتملة)محولة للورقي الآن مع تعديل السرد وتحويلها للفصحى كلياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن