الفصل التاسع والعشرون

6.5K 199 10
                                    

التاسع والعشرون
—————
وقفت تنظر لجوانب البيت بفرحة عارمة ..تتطلع لألوان الدهانات وبعض التحديثات التي طرأت على البيت كما طلبت ..إلتفت حولها بسعادة عارمة ..لم تتوقع ان يلبي رغبتها بهذة السرعة ..ظلت تدور هنا وهناك تفتح أبواب الحجرات بالدور الأرضي تردف بحبور:
-مش معقول يا فزاع ...في المدة الصغيرة البيت بقى جنة ....
رفع يده الممسكة بفرش الدهان عاليا في الهواء بجواره يردف بفخر شديد:
-انتِ بتكلمي فزاع مش اي حد يا استاذة ..سوبر فزاع بين ايديكي...
نظرت لاعلى تناظر ألوان البيت الحديثة مع تجهيز ديكورات تناسب حداثة العصر الحالي :
-شكرا يا فزاع بجد ...أنا مش مصدقة ان ده هيبقى بيتنا ..بعد كام شهر ....
قارعها بخبث:
-شكرا ..من غير غموس ما ينفعش ..يا استاذة ..
تلاقت عينيها الكحيلة بعيونه السوداء فتجيبه بدلال وهي تقترب بغنج أنثوي :
-سوبر فزاع يأمر واحنا ننفذ ......
ألقى فرش الدهان ارضا وحاول السيطرة على يديه الملطخة بالدهان حتى لا يرفعهما ويضمها ويتسبب في اتساخ ملابسها ..اقتربت وامسكته من تلابيبه بخفة تكمل:
-ها ..طلباتك ؟...
اغمض عينيه يحاول تمالك تهوره ينطق من بين أسنانه:
-كل اللي يجي منك حلو ..أنا راضي ..
-طب غمض عينك...
نظر لها بمكر شديد يعلم خبثها ..فهي استاذة في إشعال لهيبه ثم تركه متألم بدون إشباع رغباته امسك بها بيديه الملطخة بالدهان يحاصرها بذراعيه ..قائلا بمكر :
-مش كل مرة يا استاذة ..تسلم .
صدرت ضحكة أنثوية زعزعت رجولته من الداخل ..مع محاولتها التحرر منه ...لهيب صدره لا يهدأ كلما كانت بقربه ..تزيد من اشتياقه وألمه ..ترفض بدلال إراحته او إشباع جزء بسيط من ذكوريته كما هو مسموح لهما ..تقول بدلال ولوم واضح:
-فزاع ما يصحش كده ..شيل ايدك زمان هدومي اتوسخت ..
حاول اقتناص قبلة تطفئ ناره بها ..يتمنى ان يتذوق رحيقها الأخاذ ..يتمنى ان يكون تذوقهما كما حلم بهما من قبل ...وضع قبلة فوق وجنتها بحنان ....شعر بعدها بهدوء حركتها ومحاربتها لذراعيه ..ما اجمل سكونها بين احضانه !!!..
نظرت له بخجل تسند يدها فوق صدره تهمس :
- خلاص اخدت مكافئتك..؟!
لم يهتم بإجاباتها فأفعاله خير دليل ..اقترب منها ببطء يهدي وجنتها الأخرى قبلة مماثلة ارتعشت لملمسها ..رغم ان "اكرم "كان يغرقها بالكثير من الدلال والقبلات ..وكانت تعشق ذلك منه ..ولكن لفزاع مذاق اخر لم تجد له تفسير ،عضت على شفتيها وهي على علم انه لن يحررها بسهولة حتى يقتنص مايريد ...أغمضت اعينها تستقبل قبلته الثالثة بطاعة ..لتتفاجأ بملمس شفتيه فوق جبهتها وهو يردف امام بشرتها :
-ما تيجي نشوف ألوان أوضة النوم ...تحفففة....
شهقت بخجل تضربه بكتفه على جرأته ليكتم انفاسها بقبلة عاشق متهور ..لأول مرة يختبر هذه الحالة المجنونة .وبالأخص معها ...فترفع ذراعيها تضمه لها في دعوة صريحة له ...بعد لحظات شعرت بتماديه عندما ارتفعت يده اسفل قميصها يلمس بشرتها الناعمة بأصابعه الخشنة ارتعشت من ملمسه لم تستطع تحديد سببا لهذه الرعشة التي اصابتها ..اهو خوفا من تهوره ام رفضا للمساته؟! ..وهي في متاهة افكارها المتضاربة شعرت بضرورة إيقافه والحد من تهوره المجنون ..دفعته عنها بقوة خفيفة تحرر شفتيها من خاصته لتسمع زمجرة غاضبة رافضة لمنعه لتهمس مع محاولاتها لتجنب قبلاته :
-فزاع كفاية كده ...ارجوك ...
صدرت من زمجرة رافضة ليردف منزلين انفاسه اللاهثة :
-لا ..مش كفاية ..اسكتِ ...مش قادر ابعد صدقيني ..
انتبه كلاهما لضربات فوق الباب فأجبر نفسه بتحريرها بضيق يردف بغيظ:
-مين هادم اللذات ده ؟..هو ده وقته ...؟!.....
ضحتك أمينة من هيأته المغتاظة ..لتصرخ فيه بطريقة اجفلته عندما تحرك لفتح الباب بهيأته الغير مرتبة قائلة :
-هدومك !!!..
غمز اليها بمكر ليشير بعينيه لفتحة قميصها وحجابها الغير مرتب :
-وانتِ ...زراير قميصك ..ظبطيهم لحد ما اروح اشوف مين الرخم ده ..
لم ينتهي من كلمته لتجحظ عيونهما رعبًا عند سماعهما صوت الحاج حافظ ينادي من الخارج ..ضربت أمينة فوق وجنتها تولول بخوف :
-اتفضحنا ..اتفضحنا !!!
امسكها من ذراعيها يعنفها بضيق من خوفها ورعبها غير المبرر :
-اتفضحتي ايه ..هو أنا جايبك شقة مفروشة .. ما تركزي كده ..واهدي ..
هزت رأسها بخوف توافقه حديثه غير المقنع لتهمس بخوف :
-بس اكيد هيسأل انا بعمل ايه هنا ..؟!..ما تنساش الكلام اللي اتهمتني بيه العقربة اللي ما تتسمى....
اجابها بصرامة ينهي الحديث :
-وجودك معايا ده شي طبيعي ..شكلك نسيتي انك مراتي !!!..
تحرك من امامها يفتح الباب وتشاهد ولوج الحاج حافظ مستندا على عكازه وقعت عين الاخير عليها فيتفاجأ في بداية الامر بوجودها ليردف بوقار :
-امينة!!..ده الحبايب كلهم هنا ..طبعًا عشان كدة سبتني واقف مدة على الباب ...من لقى أحبابه يا سي فزاع ...!!!!
تبعه فزاع للداخل بعد غلق الباب مبتسما من كلمات حافظ البسيطة فيقارعه بود:
-ملناش حبايب غيرك يا حاج ده انت الخير والبركة ...
وجهه اهتمامه لأمينة المتوترة قائلا بلوم :
-وانتِ يا أمينة ..خلاص نسيتي الحاج حافظ ..ما بقتيش تسالي عليه ..خلاص أخذتِ جنب وزعلانه مننا ...
رفعت امينة نظرها لفزاع تستقوي به ...ليكمل حافظ بخشونة تناسبه:
-انتِ هتبصي لفزاع ..أنا عارف انك واخده على خاطرك بس كنت مستني تيجي وتتكلمي معايا ...
اخفضت عينيها بانكسار لشعورها طعم اليتم والانكسار تردف بلوم محبب:
-كنت فاكرة أنكم هتصدقوني ...و..
قاطعها حافظ بحدة يضرب بعصاه ارضا:
-لا ده انتِ عايزة كسر رقبتك ..ازاي تظني أن أنا او مالك نشك في كلامك؟ .مش معنى اننا طلبنا منك تمشي يبقى معناه اننا كدبناكِ..بس كل حاجة بالأصول ....ماينفعش نسيب الحريم هي اللي تحكم وتتحاكم واحنا واقفين نتفرج ...
رفعت نظرها بتأثر تهمس من بين دموعها :
-يعني افهم من كدة ان مالك مصدقني ..وعارف ان لا يمكن احاول آذي مراته وأسقطها ...
رد حافظ بضيق واضح :
-شوف نقول ثور يقولوا احلبوه ...انت اللي خلاكي مدرسة ظلمك ...
ابتسم فزاع على مداعبة حافظ لأمينة شعر في تلك اللحظة انه يريد ضمها بقوة لصدره حتى تطلق عنان دموعها عليه ..آفاق على كلمة حافظ له :
-ما تحضرنا يا فزاع وسيبك من النحنحة اللي انت فيها دي ..
ليكمل بصوت أبوي حنون :
-يا بنتي ..الكلام اللي قولتيه صعب وانت غلطتي لما واجهتيها ..كنت لازم تيجي تبلغيني عشان نقدر نتأكد بأسلوبنا ..واهي راحت أقسمت علي كتاب ربنا انها ما تعرفش حاجة ..مع ان قلبي ما بيكدبش ابدا ..وحاسس ان كلامك صدق ..بس ما فيش دليل ...
ربت فوق ذراعها بود يكمل :
-سيبي الأيام هي اللي تبين كل حاجة ..احنا الفترة دي مش عايزين نشغل مالك بالكلام ده خليه مركز في حياته بعيد عن هنا وانت فاهماني يا امينة يا بنتي ...
هزت رأسها بتأثر فزوج خالتها معه كل الحق في تلك النقطة يجب لمالك الا يلتفت خلفه يجب عليه التقدم في حياته مع زوجته وابنه ويترك الأخرى لنصيبها وقسمتها ..صدح فزاع بصوته المرح يقول :
-طيب بما ان الحاج هنا ..عايز اطلب منه نعجل بجوازي ..ويكون الأسبوع الجاي ...عايز استّر يا حاج ..خلاص أنا حاسس لو شوفت فرخة معدية هتجوزها طوالي...
زمت أمينة شفتيها بضيق من حديثه ليقول حافظ بصوت الوقور بحبور واضح :
-طيب ما العروسة قدامك اسألها يناسبها الميعاد ولا لا انت عارف أمور الحريم ....
ابتسم فزاع علي خجل امينة من حديث زوج خالتها ليحك انفه بأصبعه يداري ضحكه ..وعندما طال صمتها صدح قول حافظ لهما :
-على خيرة الله الفرح يكون الخميس اللي بعد الجاي ...
قفز فزاع فرحًا ليسرع بمسك رأس حافظ يقبلها يقول كالثائر :
-ربنا ما يحرمنا منك يا حاج ..
ضربه حافظ خلف رأسه يداعبه :
-ما يحرمكش مني أنا بردو ..وكمان كفاية بوس وفره لعروستك ..ليغمز له بحركة جديدة عليه ويكمل :
-ولا ايه رايك ؟!....
هرب فزاع بعينه ينظر لقدمه وظهور ابتسامته البراقة فوق شفتيه مع ارتباك تلك المراقبة التي صدرت منها شهقة مكتومة تتمنى ان تنشق الأرض وتبلغها من هذا الموقف المخجل لهما .....
.............
"قولتلك روحي انت أنا ماليش خلق لقعدة العيادة رحت معاكي المرة اللي فاتت واتخانقت "قالها مالك بحدة وهو يقوم باغلاق أزرار قميصه ليتناول بعدها فرشاته يمشط خصلات شعره الطويل بطريقة أنيقة ..شعر كأن صاعق كهربائي لمس جسده عندما لامست ظهره برجاء ليرفع عينيه يبادلها النظر باهمال بالمرآة ليرى إرهاق اعينها وذبول بشرتها فتقول برجاء:
-المرة دي بس ..خليك معايا ..محتجاك في الكشف المرة دي ..
ألقى الفرشاه باهمال ليتناول زجاجة عطره الخاص ....
أغمضت عينيها تشتم رائحته المحببة لها باستمتاع موجع لقد اشتاقت له ولكنه يعاقبها على شئ تجهله ..انه يمتنع عنها ..كأنه زهدها ليقضي أيامه بحجرة اخرى مستقلة بعيدة عنها ..فتحت عينيها لتنتفض عندما شاهدته إلتفت يراقب ملامحها المرهقة بتمعن ليسألها بروتينية :
أنت في حاجة مخبياها ...البيبي كويس؟...
شعرت لوهلة ببريق من الاهتمام يطفو فوق نبرته الخشنة المحببة لاذنيها لتقترب اليه تسند كفيها فوق صدره تردف بحرص مع ابتسامه مهزوزة :
-أنا اللي مش كويسة ..محتجاك جنبي ..حاسة ان اي اضطراب عنده بيأثر عليه ،...عشان خاطري المرة دي وبس تشوفه معايا علي الشاشة ..تشوف قلبه وهو بيتحرك ....
نظر لاعينها يلتمس الصدق فيهما ..ولكن شئ بداخله يرفض ....شئ بداخله يحثه على الابتعاد وعدم الاقتراب ..فهذا الطفل يقيده بشدة ..كان السبب الرئيسي لتحول حياته ..ورغم هذا القيد الا انه يعتبر قيده قيدًا محببًا لقلبه ..لن ينكر اشتياقه للمسه و ضمّه كمان كان يتمنى ان يضم ابنه منها ..معذبته.. ليعود يسأل حاله مرة اخرى سؤالًا يلح عليه دومًا ..هل شعوره بابنه منها كان سيختلف عن ابنه من غادة ..؟!.....
......................
راقدة فوق فراشها تنظر لسقف الحجرة بشرود ..تشرد في أيامها السابقة والحالية ..لاتعلم لما حياتها كانت مختلفة عن باقي الفتيات؟ ..لما هي مختلفة .؟...كانت تتمنى ان تكون حياتها ابسط من ذلك ..مجرد فتاة شقية ترتاد جامعتها ..وتحقق حلمها ..لتستقر وتتزوج ممن احتل قلبها ..وتنعم بعدها بحياة هادئة كأي زوجة ..لم تصدق كل الاحداث التي مرت بها من عدة سنوات حتى الان ...لتنتهي أيامها حبيسة داخل حجرة ببيت اغراب ..نعم اغراب ..سخرت من تلك الفكرة لتسأل نفسها بلوم ..منذ متى وهي تعيش بين أقارب ...دائما تعيش غريبة وسط اغراب ..غريبة منذ نعومة أظافرها عندما كانت تتولى رعايتها" تينا "المربية وعم "حسن "السائق ..في غياب والدها ..لتزداد غربتها عندما انتقلت لبيت الحاج حافظ ..لينتهي بها الامر ببيت اعدائها ....
فاق من افكارها على ملمس دمعة هاربة من عينيها لتسرع في ازالتها ..لقد اقسمت انها لن تنهار مرة اخرى ..لم يفيدها الانهيار الا ضعفا ...
انصتت السمع لصوت رنين مكتوم ..اعتدلت تستند فوق فراشها تنصت بإتقان تمرر عينيها بجوانب الحجرة ..فسرعان ما استنتجت انه صوت الهاتف الذي لا يزال يقبع داخل الحقيبة ..انتفضت من فراشها تصل إليه تخرجه من الحقيبة لتعقد حاجبها بتعجب عندما رأت رقمًا غير مسجل بالهاتف يظهر فوق شاشته ..ترددت أصابعها في بداية الامر ولكن فضولها اخذها لقرار الرد ..تقوم برفع الهاتف فوق أذنها تضيق عينيها منتظرة الرد من الجهة الاخري بفضول بعد فتح الخط ..ليصلها صوت خشن يردف بضيق :
-ساعة عشان تردي!!!..
نظرت للهاتف بريبة وقد اصابها الغباء ثم تعود وضعه فوق أذنها مرة اخرى تسأل برعب :
-مين معايا؟....
بالجهة الأخرى عقد حاجبه من سؤاله ليبعده هو الاخر عن أذنه ينظر له يتأكد من الرقم المطلوب فيعود مرة اخرى مع رفع حاجبه بتسلية وقد أعجبته اللعبة :
-كدة تنسي صوتي ؟!!..ماكانش العشم يا (شيرو )!!!..
ارتفع جانب فمها باستياء من وقاحة المتصل لتكرر بقرف :
-شيرو !!!..شيرو مين حضرتك ؟!..اكيد حضرتك غلطان في الرقم مع السلامة ...
-استني !!!...يا شيراز ...
عقد حاجبها بريبة من ذلك المجهول لتسأله بغباء :
—حضرتك تعرفني ؟..مين معايا...
تحرك في مكانه يجلس امامه حاسوبه يناظر صورتها الموجودة كخلفية فوق الجهاز باستمتاع و يردف بهدوء :
-أنا اعرف عنك كتير ..وحاجات اكثر مما تتخيلي ....
انتفضت تلتف حولها تزيح خصلات شعرها الذهبي خلف أذنها بارتعاش :
-مين معايا ؟!..لو مقولتش مين أنا هقفل ...
حاول كتم ضحكته بصعوبة يبلغها بمكر:
-حتى لو قفلتي ..هعرف أوصلك دايما ...
جلست فوق فراشها تقضم أظافرها لقد تملك منها الرعب ماذا لو كان احدا يتربص بها ..ويريد أذيتها ...طرأت فكرة متهورة قد تساعدها لتهدد:
-على فكرة أنا مش بخاف ولو مش هتقول انت عايز ايه ؟!..أنا هعرف انت مين ..؟شكلك كدة ما تعرفش أنا مرات مين ..أنا جوزي يعلقك ويسلخك وو يقطعك كمان...
استفزته بكلماتها البسيطة فأراد زيادة توترها ليردف بسخرية :
-ليه ؟..هو أنتِ متجوزة مصاص دماء ولا زعيم عصابة المافيا؟!...أنا بعون الله آده وريني كدة هيعمل ايه ؟..
زاد رعبها من عدم خوف ذلك المتصل لتسأل بخوف :
-انت عايز ايه بالضبط مني؟!...
ظهرت ابتسامة ماكرة بجانب فمه ليهمس بصوته الأجش ببطء مخيف :
-عايزك !!!....
............
دخل بجسد مرهق يخلع حذائه بإرهاق يشعر بهدوء مقبض منتشر بالأجواء كالعادة ...لقد تعمد التأخر بالخارج عن أي يوم ...حتى لا يلتقي بها ..بتعجب من حاله..لما وصل الوضع بينهما لهذه المرحلة ..يتملكه شعور بالرفض في الفترة الاخيرة .....تحرك بخطوات بطيئة بعد ان ألقي بسلسال مفاتيحه علي اقرب مقعد بجوار الباب يلتمس الراحة فوق أريكته التي أدمنها مؤخرا ..ألقى بجسده المنهك فوقها يميل برأسه للخلف مغمض العينين ..يحاول استجماع لحظاته وذكرياته ويسترجع شريط حياته مع من سلبت روحه قبل عقله ..الى متى سيظل الوضع بينهما هكذا ؟!..البعد والفراق من نصيبهما ..تُرى هل تفكر فيه الان ..ام نسته ونست ذكرياتها معه ؟!...إذا نست لن يلومها ..وإذا قست أيضا ..لن يلومها ..فهو يستحق ما يستحقه ..ولكن اكثر ما يستحقه ولن يتنازل عنه مهما طال الزمن ..قلبها!!!...
سمع صوت حركة بالمكان فلم يكلف نفسه لفتح أعينه فهو على يقين من استيقاظها ولن تمرر امر رفضه اصطحابها لطبيبة النسا مرور الكرام ..كان منتظر زوبعتها المعتاد عليها ..فليترك لها حرية الزوبعة لتخرج طاقتها السلبية كما تريد ...ولكن الوقت طال طال اكثر من اللازم في استماع انفاسها السريعة التي بدا يتخللها بعض الشهقات المكتومةً ..ليعقد حاجبه بريبة ويتبعه فتح أعينه ينظر لوقوفها الغريب بملابسها البيتية التي تظهر انتفاخ بطنها الذي بدأ في الظهور تحت الإضاءة الخافتة ..سمع صوت شهقاتها التي بدأ في الارتفاع مع فرك يديها بتوتر كالمذنبة ..سقط قلبه بين قدميه من هيأتها الغريبة ..ليتفاجأ بصوتها المبحوح :
-مالك !!!!...احنا في مصيبة !!!!
......................
جلست على عقبيها بين ساقيه تسند يديها فوق ساقيه تلتمس اي رد فعل على ما أخبرته به ..تلك الكارثة التي سقطت فوق رأسهما ...لم تكن تتوقع ان هذا سيحدث معها يوما من الأيام ولا في اكثر كوابيسها بشاعة ...نظرت له وهو مسند ذراعيه فوق ساقيه يدخن سجارته الرابعة بشرود وصمت مقبض فبعدما استمع لكلماتها الغير مرتبة على الكارثة التي حلت عليهما لم يبد اي رد فعل الا انه تحرك ليسحب اول سجائره بشرود بصمت مقبض ..همس بصوت باكي :
-مالك !!..ما تسكتش كده ..قول حاجة ارجوك ...هنعمل ايه في المصيبة دي ..
نفث دخان سيجارته بوجه متقلص يهمس بألم واضح :
-عايزاني ..أقول ايه ؟...بعد اللي سمعته ..اكيد في حاجة غلط أنا ..أنا متأكد ..ان الكلام ده غلط ..
هزت رأسها بالرفض:
-للاسف يا مالك ..أنا كمان مش مصدقة اللي قالته الدكتورة ..بس هي عادت الإشعة مرتين والنتيجة واحدة ..
وقف صارخًا بوجهها يشير لها بيده :
-كذب ..كذب ..اكيد بتكدبي ..مش ممكن يكون ابني اللي مستنية عنده "متلازمة.... "مستحيل ...
وضعت يدها فوق وجهها بانهيار لتجهش في بكاء متواصل ..فيقترب منها يمسك يدها يكشف عن وجهها المغرق بالدموع قائلا بتوسل :
-غادة !!..أنا عارف ان ضايقتك كتير الفترة اللي فاتت ..بس ده ما يدكيش الحق انك تكذبي في حاجة زي دي عشان تشغليني بيكي ....ارجوكي قولي انك بتهرجي ...
هزت رأسها بالرفض وسط بكائها العالي ليكمل مرة اخرى بصوت معذب :
-احنا لسه ما اتأكدناش مش كده؟ ...لسه ..اكيد في وسيلة نتأكد بيها من الكلام ده ...
إجابته من بين شهقاتها :
-في إشعة طلبتها مني ...وو..طلبت مني اننا ناخذ قرار في موضوع الجنين ..
عقد حاجبيه بغباء يستفسر :
-مش فاهم قرار ايه ؟
نظرت له بشجاعة ليظهر عينيها السوداء تقبع بين بركتي دماء تهمس :
-قرار الإجهاض !!!
................
في الصباح
............
جالسًا امامها فوق مكتبه يرتشف فنجان قهوته المفضل وجهه يرتسم ابتسامة جذابة ..ابتسامة رجولية يخفي خلفها الكثير ..يراقب قطعة الشيكولاته الجالسة امامه بعيونها الفيروزية المتألقة التي يعشق رؤية لونهما الذي يزداد زرقه اثناء غضبها ..ليقول بصوت قاسي خشن :
-شوفي يا شيراز ..زي ما فهمتك قبل كده بلاش ..تتحديني في اي تصرف ..افتكر انك هنا ضيفة وضيفة خفيفة ..واللي صدر منك لو صدر من حد تاني كنت سلخته ...
رفعت وجهها له تواجهه مع رفع حاجبها بتحدي :
-اعتبر ده تهديد ...
زادت ابتسامته الرجولية ظل ينظر لتحديها باستمتاع ..ثم صدرت منه تمهيده مصطنعة مع إراحة ساعديه فوق المكتب امامه يردف :
-لو عصيتني ..هيبقى تهديد ...اسمعيني كويس !!!!أنا مش حابب فترة وجودك معايا يكون في عداء ..اعتبري نفسك جاية مثلا سياحة ..واحنا كشركة محترمة هنوفر سبل الراحة زي أي عميل .بنتعامل معاه ...لحد ما إقامته تخلص ...
لاحظ ارتباكها عندما تعمد تذكيرها بان فترة إقامتها مؤقتة ..اما هي شعرت بألم يأكل صدرها عند ذكر ذلك ..ماذا سيكون حالها بعد المدة ..أين ستذهب ؟..واين سيكون ملجأها ...؟
كل هذا وهو يراقب انفعالاتها الظاهرة ليظهر له توترها وخوفها من المستقبل المجهول ليكمل حتي يبثها الأمان :
-أنا هكون دايما معاكي ..لحد ما تطلبي مني إن ابعد وتستغني عن خدماتي ...
هزت رأسها بالموافقة بصمت وطاعة غريبة عليها تنظر بأصابعها بشرود فتسمعه يضيف بصوته الاجش :
-في بعض الحاجات اللي محتاجك فيها ده اولا ...ثانيا هقولك عليها بعد ما نخلص اولا ....
انتبهت لحواره بإنصات وفضول لتجده يمد يده يخرج ملفًا به بعض الأوراق قائلا :
-الأوراق دي محتاجة أمضتك ..دي أوراق الأرض والبيت اللي اصبح ملكك ..بما انك رفضتي الاقتراح اللي عرضته عليكي انك تنازلي عن الحاجة لمرات عمك ..وان أنا اعوضك بغيرهم ...
عادت لشراستها مرة اخرى تقول بكره :
-عايزني أتنازل عن الحاجة اللي راح بابي بسببها ..بعد كل ده عايزني اهديها البيت والأرض ..يمكن الاول ما كانش يهمني الفلوس ..بس حاليا لا...
أخذ نفسًا فتشاهده يجذب سيجارته الخاصة يشعلها و يردف :
-عشان كده ما حبتش اضغط عليكي في النقطة دي ..واتفاهمت معاها وعوضتها من ناحيتي .....البيت والأرض ملكك يا شيراز هانم ....
شمخت بأنفها من تلقيبه الاخير ..من داخلها تشعر بالامتنان الشديد له ولحمايته لها دواما ..ولكنها دائما تراه ..تراه بوجهه بملامحه لتمقته اكثر وأكثر ..افاقت على حركة الورق الذي وضع امامها مع قوله :
-الأوراق دي ناقصة بس امضتك عشان تتسجل في الشهر العقاري ..وده توكيل منك ليا ...
عقد حاجبيها بحده تردف معترضة :
-توكيل ..ومين قال ان عايزة اعملك توكيل ....
-أنا قولت ...يبقى ده كفاية .....وكمان التوكيل ده لمصلحتك مش ليا ..تقدري تقوليلي هتباشري الأراضي ازاي والفلاحين والمحصول والبيع للتجار ...؟
توترت من هجومه ..فهي بالفعل ليس عندها القدرة او القوة لمباشرة أمور الأرض ..
مسكت القلم وأنهت الإمضاءات المطلوبة تحت نظره المراقب بصمت ..فتراه يجذب الأوراق ينظمها يقول بصرامة :
-كده خلصنا اولا ..نيجي لثانيا ...!!!
ارتابت من سلوكه الغريب المتودد لها يذكرها بافعال ناصر عندما كان يحضر لها الطعام ويحاول إطعامها بيده ..كان كالحية الناعمة ....يطعمها حتى يعدها للذبح ....
انتفضت عندما تفاجأ بوقوفه امامها يمد يده لها في دعوة منه ..وقفت بنفسها تاركة يده خالية بالهواء معلقة ولكن ذلك لم يثير غضبه كما اعتقدت بل زادت من ابتسامته التي تمقتها ..سمعته يقارعها بصوته الرجولي :
-في حاجة احتفظت بيها..حبيت اديهالك بنفسي لان كنت عارف انك هترجعيها زي الشيكولاته ...
شعرت بسخريته في حديثه ..وقبل ان تسأل ماهو الشئ الذي يريد تقديمه لها بنفسه ..؟جحظت عينيها وكادت تسقط من وجهها لتنظر الي يده المتدلي من بين أصابعه سلسالا من الذهب الابيض يتوسطة دلاية على شكل راقصة باليه مطعم فستانها بالفصوص الماسية الزرقاء ...تسارعت ضربات قلبها متزامنة مع اقترابه منها يضيف :
-الحقيقة ..التصميم من اختياري وانا اللي اخترت الذهب الابيض عشان يمشي مع الماسات الزرقا ...
شعر بسخونة تضرب جسده عندما تذكر سبب اصراره على تلك الماسات الزرقاء ..فهي تشبه لون عينيها الزرقاء ...شاهدها تقف امامه كالصنم بعيون جاحظة مصدومة عينيها معلقة فوق الدلاية بتأثر بالغ ..شجع نفسه بسبب سكونها ليقترب ويمد يده يريح سلسالها المميز برقبتها مستغلا صدمتها الغير متوقعة ...عندما انتهى من مهمته شاهدها تزيل دمعه هاربة من عينيها المصدومة بسرعة ..احس من حركتها انها لن ترغب في رؤيته لها بهذا الضعف ..فأردف وهو يبحث عن شي وهمي فوق المكتب ليعطيها وقتها الكافي لاستعادة حالها ..:
-في حاجة تاني ضرورية ..فين راحت ؟!..
ليقترب منها بعد ثواني ليجدها على نفس وقفتها تنظر له نظرة غريبة ممسكة بأصابعها اليمني سلسالها بتأثر ..فيقول محاولا اخراجها من حالتها وهو يمسك كف يدها الأيسر الحر :
-أنا اسف لو الدبلة طلعت مش مقاسك ..او ما عجبتكيش ..بس ده شئ لابد منه ....انت فاهمة طبعا .!!
تركت له يدها باستسلام تنظر لاصبعها القابع به خاتم زواجها بشرود ...
لم تجد كلمات تقدمها في تلك اللحظة ..عندما فاجأها بذلك السلسال المميز توقف الزمن من حولها لتتجسد امامها صورتها وهي بفستان العرض ترقص فوق خشبة المسرح امام الجمهور كما تمنت ..لم تشغل نفسها بتفاصيل ثانوية ...مثل كيفية معرفته بموهبتها ..او بما اهتم ؟...كل ما يهمها انه اهتم بما تهتم ....
همست بصوت متألم شبه باكي :
-شكرا !!!!....
...................
بعد ساعة
........
جالسة بين احضانه الدافئة تبكي فوق صدره متشبثة به كالطفل الفاقد لامه ..كان روحها ردت اليها مرة اخرى .'..رفعت عينيها المبتلة لتقع عينيها فوق عينيه الثعلبية القاسية ..لم تصدق عرضه الذي فاجأها به بعد إفاقتها من صدمة السلسال والخاتم ..ويأتي يسألها سؤالًا قلب موازينها (هل لديها الرغبة في زيارة الحاج حافظ ؟)..مختلًا هو !!..كيف يتوقع رفضها لهذا العرض السخي المغري ...
رفعت رأسها من بين احضان حافظ تقول بدلال :
-وحشتني وحشتني اوي يا حاج ..انت عامل ايه طمني عليك ...ام سعد بتعملك الرز بلبن ولا لا ....
صدح ضحك الجميع من حولها ..فتمرر اعينها بينهما بتأثر ..فعندما ولجت للبيت اشتمت رائحته في كل اركان البيت لينزف قلبها تألما على فراقه ..كانت تشحذ قوتها الفترة الفائتة في محاولة نسيانه ومحو صفحته ..لم تكن تدري ان سيهاجمها هذا الشعور المؤلم ..لتتداعى الذكريات بينهما .ومواقفهما معًا ..سمعت صوت فزاع يرحب بها :
-نورتي البيت والمكان كله يا ست البنات ..
ابتسمت بخجل تردف :
-لسه بتقولي يا ست البنات ؟!..غمزت بعينيها لأمينة تكمل :
-في ناس تزعل ؟!...
ضحكت امينة على حديثها تقارعها :
-لا من الناحية دي اطمني ..أنا ليا لقب خاص بيا ..فزاع مش بيمل يناديني بيه ....ههههه
راقب تصرفاتها وأريحية تعاملها مع الجميع بصمت ليزداد تعجبه من موقفها منه هو بالأخص عن الجميع ..عندما جاءه اتصالا هاتفيًا من حافظ يطمئن فيه على أحوالها طرأت فكرة تلك الزيارة ..في محاولة منه لإزالة الحاجز الصلب بينهما ..حتى لا يشعرها بانها حبيسة بيته ..كما تظن ...
شاهدها تنتفض فرحة قائلة بسعادة غامرة :
-أنا داخلة اشوف ام سعد بتعمل ايه كل ده جوه ....تعالي يا امينة ....
أودعها نظراته الصامتة بشرود ..يتساءل كيف لتلك الفراشة تعيش ما عاشت؟!.....
انتبه لترحيب فزاع الروتيني وحافظ الذي يبادله النظرات بريبة نظرات تحوى على كثير من الأسئلة والاستفسارات الحائرة ..
...........
بعد تناول وجبة الغذاء وتعلل فزاع بالانصراف ليكمل بعض الأعمال المتأخرة بالبيت لضيق الوقت ..انفردت امينة بها لتعلم منها كل ما حدث في الفترة الاخيرة مع ترك الحاج حافظ وحازم معًا في اجتماع مغلق ...جلست شاردة تحمل بين أيديها كوب الشاي الساخن تفكر فيما عرفته من ام سعد ..لقد تفاجأت عندما أبلغتها بالشخص الذي قام بمساعدة حفيدها محمد ..لم تصدق انه هو من تكفل بعلاجه ..كيف ومتى؟..تشعر انها بدوامة ليس لها نهاية ..انتبهت لصوت امينة امامها :
-اللي واكل عقلك ..طمنيني ..عاملة ايه معها ..بيضايقك ؟..لا لا ما اعتقدش ما كانش جابك هنا ..
-ايه ..ايه كل دي أسئلة ؟؟..الصبر يا بنتي ..اولا تطمني هناك بيعاملوني كويس جدا جدا ..والست آمنة ما تتخيرش عن الحاج حافظ ...
ضيقت أمينة اعينها بخبث تضيف :
-أنا على فكرة سألتك عنه ..مش عن امه !!!
ارتشفت الشاي بصمت فتردف بعدها :
-مش عارفة يا أمينة ،..محتارة في أمره ...حاسة دايما انه نسخة من ناصر ..وأنه مش بيعاملني كده لوجه الله ..الدنيا دي علمتني ان مافيش حاجة بتبقى لوجه الله ..بس رغم كده في حاجة جوايا بتقولي انه عكس ما أنا شايفة ...
-ربنا يكتبلك الخير ..بس يا شيراز لازم تفكري هتعملي ايه بعد الانفصال ..حياتك هتبقى ازاي ؟!...
هزت رأسها موافقة على حديثها وتشرد مرة اخرى فتضيف الاخيرة :
-شيراز في حاجة كنت عايزة اقولهالك ..!!!
انتبهت لجملتها لتستشعر الريبة في حديثها ..ظلت تقص عليها ما سمعته وما حدث من احداث بعدها ..وكيف كان دومًا يسأل عنها ومستمر في الاتصال بها ليفشل في كل مرة ..ما اثر على حالته النفسية ..ولكن ما صدمها علمها بتقديم استقالته من عمله ...حلم عمره ..الذي كان يسعى اليه دوما ..تأثرت لهذا الخبر المؤسف لتقرر اتخاذ خطوة تنهي بها تعلقه للأبد .....أمسكت بيد أمينة برجاء قائلة :
-افتحي موبايلك يا امينة واعملي اللي هقولك عليه ...بدون اعتراض ......
......
في حجرة المكتب الخاصة بالحاج حافظ
......
اردف حافظ بوقاره وهو مستندًا فوق عكازه :
-عين العقل يا بني ...كده انت ريحتني من جهة الغلبانة دي ..ما تأخذنيش يا حازم يا بني أنا في البداية كنت مقلق منك ..بس كل اللي انت بلغتني بيه ده كده أنا اطمنت ...وأخيرا الحق رجع لأصحابه ...
أراح فنجان قهوته امامه يقارعه بثقة :
-رغم ان شكك فيا ده مش بقبله من اي حد ..بس أنا عاذرك ومقدر خوفك عليها ..وبقولك تاني يا حاج شيراز طول ما هي معايا هتكون في أمان لحد ما هي تطلب الانفصال ....وكنت حابب اشورك في موضوع كده ...
انتبه حافظ لحديث الاخر بقلق ليردف بقلق :
-خير يا بني طمني....
اعتدل حازم في جلسته يسند مرفقيه فوق ساقيه باهتمام واضح :
-كنت حابب اخد شيراز بعيد عن هنا .
ظل حافظ ينظر له بتمعن يحاول قراءة ما يدور بخلده ويكشف نواياه الحقيقية لهذا الاقتراح ....ليفكر هل آن الأوان تركها للبلد والعودة لحياتها مرة اخرى ؟..ام لم يئن الوقت بعد....!!
................

باليرينا الشرق( مكتملة)محولة للورقي الآن مع تعديل السرد وتحويلها للفصحى كلياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن