الرابع والاربعون(الاخير)الجزء الاول

6.5K 213 25
                                    

اخيرا وليس آخرا
&&&&&&
الفصل الاخير (الجزء الاول)
&&&&&&&&&&&&

ظل جالسًا بجوارها منذ اخر تدهور  وصلت اليه لم يبرح مكانها خائفا ان تستسلم وهو ليس بجوارها كما يفعل منذ تعرضها لغيبوتها ..هل الحياة قاسية بهذا الشكل الذي يجعلها ترفض الرجوع لها مرة اخرى ؟....اقترب منها يلمس وجنتيها بانامله كما يفعل دائما ..يودعها قبلة فوق جبينها يترجاها الا تستسلم ...يرجوها العودة لاحضانه ..كل يوم يمر ينقص من فرصة نجاتها ...امسك كف يدها يودعه قبلات دافئة ..وكاد ان يقص عليها احداثه اليومية كما يفعل هو ومن معه ..كما اوصى الطبيب بضرورة التواصل معها دائما لمساعدتها للخروج من هوتها السوداء ......قاطعه دخول تلك الممرضة المختصة بمتابعتها وتغير محاليلها المغذية .....واثناء مراقبته لعملها اليومي بروتينة..شعر بحركة اناملها تضغط على كفه الخشن ..انتفض لتوهمه ..فنظر لها برعب يصرخ بلهفة بوجه الممرضة :
-ايديها اتحركت ..ايديها اتحركت ......
اقترب تراقب حالتها بيأس تردف :
-حضرتك ..بيتهيألك اكيد ...!!!
لم تكمل حديثها ليجدا تحرك حدقتيها اسفل جفونها المغلقة مع شعوره بضغط اناملها بقوة اكبر من الاولي صرخ يناديها بقلب مخلوع غير مصدقا لما يراه :
-شيراااااز !!!..شيراز سامعني ....انا مالك ...
ظلت تحارب لفتح  جفنيها المثقلتين باكياس من الرمل حتى اعتادت على ضوء الغرفة لتصطدم عيونها بعيون مالك الغارقة بدموعه الحارة مع تكرار ندائها لها البعيد ممسكا بكفها بتملك  ..لتتساءل لما هي وسط احلامها مرة اخرى وهو بها  ...ألم تكتفى بالاحلام مطلقا لما لا تتوقف تلك الدوامة التي تلقي بها في كل اتجاه ......
اقترب منها مالك يأخذها بين احضانه بلهفة يحمد الله على عودتها له مرة اخرى فداعبت انفها رائحته التي كانت تباغتها دائما وهي باحضان حازم ..صدرعنها تأوهات متألمة فابتعد عنها بحرص دون تحريرها ينظر لوجهها الشاحب عن قرب وهي تحاول فتح اعينها بصعوبة فقال بحبور:
-حمدلله على سلامتك ..ياعمري ..كده يا شيراز تعملي فيا كدة ..عايزة تسيبني ..الحمد لله يارب ...
ظل يمطرها بقبلات عشوائية ولهفة فقاطعه صوت الطبيب المازح من خلفه الذي ابلغ من ممرضته بإفاقتها ليأتي لفحصها على وجه السرعة :
-ممكن يا كابتن مالك تسيب لي المريضة شوية اطمن على حالتها الاول ..وكمل احضان براحتك ...
ابتعد عنها على مضض يريح رأسها لوسادتها ولكنه رفض يحرر كف يدها ..فاقترب طبيبها يفحصها بقلم مضئ بين اصابعه يوجهه لحدقة عينها وسألها بعملية:
-شايفاني كويس ؟
هزت رأسها ببطءبنعم فقال :
-حاسة بحاجة بتوجعك ..
حاولت تحريك كف يدها اليمني فضربها وغزات مؤلمة بظهره كما كانت تشعر دائما ولكنها لم تستطع رفع كفها ..ارادت لمس جنينها فسألته بارهاق وصوت هامس:
-ابني !!....ابني جراله حاجة ...
اقترب منها مالك يخفف عنها يعلم ان الوضع مؤلم فاجابها يصبرها :
-اهم حاجة انك كويسة ..دي اهم حاجة عندي ...الولد هنعوضه ...واوعدك نجيب فريق كورة ما تزعليش نفسك  .....
قبل كف يدها بحب حقيقي فشعر بسحب يدها عنه فاجفل من جفائها ..
و نطقت بصعوبة :
-نعوض ايه ؟انت بتقول ايه ؟....
ظن الطبيب ومالك انها لازالت تحت تأثير الصدمة ..فحاولت التحرك من فراشها ولم يسعفها جسدها المتيبس نتيجة نومتها الطويلة ..فاندفع كلاهما يمنعها ولكن ما نطقت به جعلهما يثبتان بمكانهما :
-حازم !!..عايزة اشوف حازم يا مالك ...حازم مات ....صح ..مات انا شوفته ميت...
نظرت له كأنها تذكرت شيئا :
-وانت !!!..انت ازاي عايش ؟..انت مت قدام عيني ...انت ازاي ما متش ..انا شوفتك وانت بتموووت ...
نظر كلاهما لبعضهما بتوتر فمالك لا يعرف عن اي شي تتحدث ...حاول تهدئتها فقالت ببكاء :
-حازم وصاني على ابنه ..انا مقدرتش احافظ عليه ياا مالك ...حااااااازم ...
نظر لها بذهول وبدت اليه كالتي تهذي ..حاول تثبيت يدها حتى لا تؤذي نفسها فاقترب الطبيب يسألها بلطف :
-ممكن تهدي وانا هنفذلك اللي انت عايزاه ..بس تقدري تقولي اخر  حاجة فكراها ايه هي ؟...نظرت لمالك الممسك ليدها مذهولا فقالت له :
-قوله يا مالك ..انت كنت معايا وقت ما قتلوا حازم ..وقتلوك انت كمان ..وانا ....!!انا قتلت نفسي ....
ألقى مالك نظرة مستفهمة للطبيب المتجهم وسأله :
-هي مالها يا دكتور !!!...
فعاد مرة اخرى يحاول احتضانها يحاول تذكيرها :
-شيراز حبيبتي ..مافيش حد قتل نفسه ..وانا اهو الاصابة اللي في كتفي كانت بسيطة وقدامك انا كويس  ..مالك بس يا قلبي في ايه !!!
حاول الطبيب جذبه باصرار:
-استاذ مالك ياريت تسيبني معاها شوية لوحدنا عشان نطمن علىها  عايز اتاكد من حاجة....
رفض مالك باصرار الابتعاد عنها فقال بغضب :
-انا جوزها وماحدش هيخاف عليها قدي ....
-انت كده بتعطل شغلنا ..المريضة لازم تتفحص كويس...
ظلت تردد وهي تراقبهما يتجاذبان الحديث :
-انا في حلم ..انا في حلم ..ايوه بتحلمي زي كل مرة ياشيراز  ..انا في حلم ..انا في حلم وهصحى ...
قطع مناقشتهما دخول اخر شخص يتمنى رؤيته في تلك اللحظة خلف  والده يقول :
-خديجة !!!.حمدلله على السلامة يا بنتي .....
كانت تردد لحالها انها تهذي وتحلم وستفيق عن قريب توقفت الكلمات فوق لسانها المصاب بالشلل عند ظهور  الحاج حافظ جحظت عينيها بصدمة عندما ظهر من خلفه اخر شخص ممكن ان تتوقع ان يكون حيا ...لم تسمع لحديث حافظ المحبب ....ظلت تنظر لهما بخوف ورعب جلي ..كيف كلاهما لازالا  احياء ..فهي على يقين من موت الحاج حافظ وقامت بواجب عزائه ولكنها تأكدت انها في حلم وهمي عند رويتها ....اقترب حازم  يرحب بها مبتسما :
-حمدلله على السلام يا شيراز!!......
-لا ....لا .لاااااااااااااا
ظلت تصرخ رافضة لما تراه تصرخ بوجوهم المصدومة من وجودهم على قيد الحياة تنكمش على حالها بصعوبة :
-انتوا وهم ...كلكم وهمممم ...سيبوني في حالي  ...لاااااااا انتو ميتين ميتين ..كلنا ميتين ...كلناااا...
اثناء تثبيت مالك لها وقع نظرها على وجه حازم الجامد الذي يسأل الطبيب برسمية :
-هي مالها؟...
نادته برجاء تعلم انه يعشقها ولن يكذب القول :
-حازم !!..حازم قولهم يسيبوني ..انت سايبني ليه يعملوا فيا كده ؟..وانت بتعمل ليه كده ؟!...حااااااازم ....
نظر بريبة من حالتها الغير مطمئنة وتبادل النظرات مع حافظ المتجهم ومالك الغاضب من توسلها لذلك الغريب ...فقال الطبيب بحدة غاضبة يأمر الممرضة :
-نورهان ...حقنة مهدئة بسرعة....
اجابته بسرعة :
-حاضر يادكتور .....
ظل مالك على وضعه يحتضنها بقوة مع محاولتها للتحرر منه بضعف يناسب حالتها الصعبة فنطقت بهذيان واضح للجميع كأن اصابها خلل عقلي فجائي :
-ابننا مات ..مات ياحازم ..اشمعنى انتوا عايشين ...وهو لا ....
شدد من احتضانها بقوة يدفن انفه بعنقها يحاول السيطرة على دموعه التي خانته لتقفز من اعينه المغلقة مع همسه لها:
-انا جنبك وهفضل جنبك ...مش هسيبك تاني ... ياقلب مالك ...نامي واما تصحي هتكوني احسن ..شعر بتراخي اعصابها وهدوئها التدريجي الا من شهقاتها المتقطعة التي تضرب قلبه تمزقه ...
نظر لاعلى مناجيا ربه بان يلطف بها ..والا يوجع فيها مرة اخرى...فلن يتحمل فقدانها مرة ثانية...
...................
وقف الطبيب خارج حجرتها المخصصة يوضح ما وصلت اليه الحالة فسأله حافظ باهتمام :
-يعني ايه يابني اللي بتقوله ده ؟...يعني  اتجننت البنيه ؟
-انا ما قولتش كدة يا حاج ..كل اللي طلبته محدش يحاول يدخل للمريضة اطلاقا لحد ما نستعين بطبيب نفسي للحالة ...ما تنساش انها كانت في غيبوبة مدة كبيرة ورد فعلها لما فاقت يجبرني على كده ...
سأله مالك المتعرق بصوت مهتز:
-طيب انا ممكن اكون معاها ..انا جوزها ..واكيد هي محتجاني جنبها...
نظر له الطبيب بتمعن في الامر فاردف بشك:
-اكيد طبعا ..عندك حق ....بس هل تفتكر هي معتبراك جوزها حاليا ..هل اتعاملت معاك على الاساس ده ؟!..انت ماشوفتش رد فعلها وطلبت مين ؟!.. ....
نظرة كارهة اطلقها" مالك "لذلك الثابت بوجهه الصلب كأن ما يحدث لا يعنيه ...فنطق" حازم "اخيرا برسمية وبنفس وجهه الصارم :
-تمام يا دكتور مافيش حد هيدخل لها زي ما حضرتك طلبت ...
قارعه مالك بحقد :
-وانت مين عشان تقول رايك ..مش كفاية المصايب اللي من تحت راسك وراس عيلتك كلها ...انا لولا الحاج مانعني كنت بلغت عنك انت واهلك كلهم يا حازم ...انا مش حايشني عنك الا قسم ابويا ...لكن وعهد الله لو قربت منها لاكون قتلك بايدي وما هيكفيني عيلتك كلها ....
تدخل حافظ واضعًا كف يده فوق صدر ابنه يربت بحنان :
-استهدى بالله يابني ..حازم عمل اللي عليه ..واحنا  مش عاوزين بوليس يدخل بينا لا تولع نار بين العائلتين ...كفاية اللي عمله مع عمته وكسر شوكتها ....
ابتسم مالك بسخرية متهكما:
-ايه يعني ؟..عمل ايه ؟..هتقولي طرد عمته واخذ فلوسها تاني ..ماهي ممكن ترجع وتعمل اللي عملته مليون مرة ...ده ما يبردش ناري ياحاج...
وضع حازم يديه بجيوب بنطاله يكمل حديثه :
-وجوزتها راجل من رجالتي ياحاج.... "جرحي "انت عارفه ...راجل شوكته صلبة هيقدر عليها وهتعيش على قد عيشته ذليلة بعد ما كانت ملكة   ...كل ده مش كفاية يا مالك بيه...انت عارف انا وقفت ضد السلمانية ازاي وعاديت مين ؟!...
-بس كنت عايز تتجوزها .كنت حاطط عينك على مراتي وبتحارب عشان اللي عايزه .....هتنكر!!!!!!.....
تنفس حازم بضيق يعلم انه صادق في قوله ولن ينكر اعجابه بها وحربه للزواج منها خوفا من وصول عمته لها ...فقال يدافع عن نفسه :
-اولا انا ما كنتش اعرف علاقتك بيها وفاهمتك اكتر من مرة يا اخي ...لو كنت اعرف انها تهمك بالشكل ده ما كنتش طلبتها للجواز كنت فاكر الحاج حافظ مجوزك ليها صورة وشكل  عشان تحميها زي ما كنت هعمل وتأكد ان ده كان هدفي مش اكتر  ..وده غلطك ياحاج كنت لازم تفهمني انه بيحبها كنت ممكن ادور على حلول تانية ...وياريت نقفل الموضوع ده الكلام فيه مش هيقدم ولا هيأخر......كل اللي يهمنا حاليا نعرف حالتها دي وصلت لها ازاي ؟!...
هز حاج رأسه بحزن يجيبه:
-عندك حق يابني ..ساعات كتير واحنا بنحمي اقرب الناس لينا بنأذيهم واحنا مش عارفين ..كنت خايف عليها بزيادة وكنت عايز احافظ عليها ...بس نقول ايه نصيب...
وجه مالك نظره لباب حجرتها المغلق بشرود يتمنى ان تعود له كما كانت اليوم قبل غدا .....يتمنى لو يكسر الحواجز بينهما لتعود اليه هو فقط ...
...............
في اليوم التالي
............
ظلت شاردة بوجهها الشاحب تنظر للنافذة المفتوحة جزئيا يتسرب منها نسمات الهواء العليل يداعب خصلاتها المتطايرة فوق وجهها فلم تكن لديها القدرة والرغبة  لرفع اصابعها تزيحها عن وجهها ..... تفكر كيف وصلت الى هنا مرة اخرى لتلك البلدة ؟...بعد ان تركتها منذ ثلاث سنوات رافضة العودة مع زوجها حازم ..كانت في بداية الامر تظن انها بدوامة احلامها كعادتها ولكن تلك الاحلام هذه المرة طالت مدتها عن المعتاد ..اسأله كثيرة تطرق رأسها كمطرقة مؤلمة لا تعرف عنها إجابة مريحة ..حازم !..مالك!!.الحاج حافظ !!!...تدور في دائرة مغلقة تريد من يساعدها واخراجها من تلك الدوامة قطع شرودها ..صوت تلك الطبيبة التي تصر على تبادل الحديث معها منذ دخولها ..ولكنها قابلت وجودها بالتجاهل وعدم الرد ..ليس لديها القدرة على التجاوب مع الاخرين ومازاد من احباطها عدم سؤال احد عليها منذ رؤيتهم لها اخر مرة ...سمعت الطبيبة تقول بود :
-شيراز انا هنا جاي اساعدك ..لو فضلتي ساكتة ورافضة التجاوب محدش هيقدر يساعدك ...
-أنتِ وهم !!..ومهما كلمتك في النهاية هتطلعي وهم ...
قالتها شيراز وهي مثبته نظرها على النافذة كما هي..
تفائلت "سما "لتجاوبها فاردفت بسرعة تستغل تجاربها :
-طيب ايه رايك تحكي لي عن حلمك ...
إلتفت لها ببطء تنطق بيأس:
-واذا كان انا مش عارفة الحلم من الحقيقة ..هحكيلك ازاي..؟!..
ابتسمت سما فاردفت بمرح :
-طيب ايه رايك لو اسألك وتجاوبي ..ولو افتكرتي اي حاجة عايزة تقوليها قوليها ....
هزت رأسها بالموافقة فسألتها سما :
-أنتِ عارفة أنتِ هنا ليه يا شيراز؟...
ابتلعت ريقها الجاف تردف بصوت مرهق:
-ايوه ....انا جيت هنا عشان ضربت نفسي بالنار ...بعد ما حازم اتقتل ومالك كمان مات...
عقدت "سما "حاجبها ونظرت للدفتر القابع  بيدها المذكوربه سبب دخولها المشفى منذ ثلاث اشهر ....
فسألتها بروتينية :
-حازم ومالك دول مين بالنسبة لك ؟..
-حازم جوزي ابو ابني .....ومالك كان جوزي ...
ضيقت "سما "عينيها بتركيز ارادت التاكد مما امامها :
-بقالكم كم سنة متجوزين ؟..
-تلت سنين .....سيبنا البلد وعيشنا في العاصمة ..كنت منتظرة ابني بفارغ الصبر بس للاسف مات زي ما ابني من مالك مات .....
-أنتِ شوفتي حازم ومالك ؟مش كدة؟
اجابته بتيه:
-شوفتهم ..عشان كده بقولك انا في وهم ...حازم اتقتل قدامي اخد طلقة في راسه ..ومالك مات وهو ماسك ايدي روحه طلعت وهو ماسك ايدي وبعد كدة انا مت...انا في حلم ....اكيد حلم...
ارادت الطرق على الحديد وهو ساخن فسألت بسرعة تواجهها :
-ازاي وانتِ قاعدة قدامي ...؟
-انا في وهم ..وهصحى منه ...
كانت كلمات شيراز البسيطة تؤكد لنفسها ان ما تمر به ليس الا حلم ستستيقظ منه عاجلا ...
سألتها سما بعد ان بدأت في تشخيص حالتها :
-عندك كام سنة ياشيراز ؟...
-٢٦....
اردت الطبية مواجهتها كخطوة في سبيل التشخيص لقالت نافية :
-شيراز !!!!..انتِ عندك ٢٣سنة ...مش ٢٦...وما خرجتيش من البلد نهائي  ..انت يا شيراز هنا في المستشفى بقالك تلت شهور في غيبوبة نتيجة طلق ناري ادي لموت ابنك ..ابنك من جوزك ... جوزك ..مالك !!  حازم مش جوزك يا شيراز ....ولا عمرك اتجوزتيه....!!!!!
نظرت لها شيراز بذهول غير مصدقة لما يحدث لها هل يمكن ان تكون قد اصابها مس من الجنون؟ ...ظلت تحرك رأسها رافضة لما تقول تهذي بشفاه مرتعشة لن تصدق حديثها ابدا ...ابدا ..فهي زوجة حازم ..لما يفعلون بها تلك الافاعيل المذيبة لاعصابها ..لمًا يدفعوها للجنون ....
....................
بعد اسبوع
.........
اجتمع الجميع ..كل من له صلة بها او قام بزيارتها اثناء غيبوبتها ..جلسوا امامها منتظرين بفضول ما ستبلغهم به قامت بتجميع اوراقها مع رفع اعينها تراقب رد فعل الجميع باهتمام تردف بطريقة عملية مبسطة :
-اكيد كلكم منتظرين بفضول تعرفوا مجمعاكم ليه ...؟
الحقيقة الموضوع معقد مش عارفة هتفهموه ولا لأ..
نظرت بتمعن في وجوه مالك وحازم تسألهم:
-انتوا كلكم زي ما بلغني دكتور "طارق"كنتوا كل يوم معاها وبتتكلموا معاها كتير ..زي ماطلب منكم ...بس اللي حابة اعرفه انتوا كنتوا بتتكلموا عن ايه؟... عن الماضي ولا الحاضر!!!! ....
عقد مالك حاجبه مستفهما عن سؤالها :
-مش فاهم حضرتك تقصدي ايه ؟
اجابته بيأس :
-الحقيقة يا استاذ مالك المريضة اثناء غيبوبتها فضلت انها تصنع لنفسها عالمها الخاص بيها وتعمل له حاجز اسمنتي صلب بعقلها تحيطه بيه ...رافضا للواقع اللي رفضه عقلها او كان اكبر من عقلها يستوعبه ...ببساطة يا جماعة عقل الانسان ملئ بالحجرات الصغيرة.... شيراز حبست نفسها جوه حجرة محددة منهم وقفلت على نفسها .
تنحنح حازم مستفهما اكثر :
-وايه علاقة ده بكلامنا معاها ؟!..كلنا كنا بنحاول نكلمها كتير عشان يوصلها صوتنا وترجع لوعيها ونعرفها ان احنا موجودين معها ...
اجابته بتوضيح اكبر :
-للاسف الكلام ده جه بطريقة عكسية مع الحالة ..من الطبيعي في كل الحالات ان الحالة بتستجيب وتفوق فعلا ..بس شيراز كانت اذكى من انها تنفذ اللي انتوا عايزينه كانت كل ما بتتكلموا وتغذوها بمعلومات عن حياتكم الشخصية والاحداث اللي فايتاها كانت بتاخد المعلومات دي كسلاح لزيادة الحاجز وكانت بتستخدم اللي بتقولوه في صنع خيال خاص بيها زي ما هي تحب وتستريح ..
نظرت امينة الجالسة بجوار فزاع برعب له فامسك كف يدها بقوة يربت عليه يطمئنها ..فسمعت الطبيبة توجه لها الحديث :
-خلينا نبدأ بامينة مش كده ؟
هزت امينة رأسها بتوتر منتظرة ما ستلقي به فسمعتها تردف :
-أنتِ والاستاذ فزاع مكتوب كتابكم صح ؟...وحصل مضايقات من طليقك ؟....على ما اعتقد كنتِ بتحكي المضايقات دي ليها ....احب اقولك ان المعلومة دي شيراز هي اللي قالتها ..انها حضرت كتب كتابكم في اوضتها وبوجودها ..وحكت لي تفاصيل اليوم ده بالتفصيل وان طليقك بعدها حاول يفرق بينكم ...
قاطعهم حافظ بتعجب يقول :
-بس يابنتي خديجة كانت وقتها بغيبوبة واحنا فضلنا نكتب كتابهم في اوضتها عشان نسعدها وتفوق وترجع تاني ....
-انا فاهمة ياحاج اللي بتقوله انا بوضح لكم ان اي كلمة حصلت كانت شايفاها شيراز بعقلها...  هي ...احب اقولك ياحاج ان شيراز قالتلي انها اتجوزت الاستاذ حازم يوم كتب كتاب امينة ..لان ده كان طلبك !!!...
نطق مالك بضيق :
-ما حصلش ايه الجنان ده ؟
-لا ..حضرتك ده مش جنان ..شيراز مش هقدر اقول الا ان عقلها الباطن  ذكي جدا في تكوين حياة خاصة بيها حياة وهمية ...
صمتت لثواني تقول وهي تقلب بين الاوراق والدفتر الخاص به المسجل بيه معلومات خاصة :
-انت مثلا كنت متجوز غادة مراتك..تقدر تقولي مقابلتك لمراتك لاول مرة بعد الحادث كانت فين ؟
صمت للحظات يتذكر فاجابها :
-كان في اوضة شيراز ما كانتش لسه فاقت من العملية ...
نظرت للورق بدقة تقرأ معلومة مسجلة :
-وحصل ان مراتك اعترفت لك انها حامل ..وانت رفضت تطلقها ...
اندفع يجيب :
-اااايوه..الكلام كان في اوضتها بس انا انفصلت عن غادة وقتها حتي قبل ما اعرف  بحملها المزيف ....كانت شيراز عندي اهم من كل شئ.....
-اهو هي اخذت اول معلومة وكونت هي باقي القصة زي ما هي مقتنعة .....
حللت الطبيبة حديثة بدقة:
-كلكم كنتوا بتدوا شيراز اول الخيط وهي تغزل القصة بعقلها زي ما تحب ...هي سمعت اعتراف غادة بحملها وده كان طرف الخيط ..وتكفلت هي بنسج القصة زي ما هي شايفاك في عقلها ..غزلت القصة بانك تخليت عنها زي ما تخليت عنها قبل كدة زي ما ذكرت في الجلسة اللي بيني وبينها وقالت عنك كلمات كررتها اكتر من مرة ( مالك دائما بيخذلني) ...(بيتخلى عني ...)...(بيظلمني ...)للاسف رغم حبها ليك الا ان عقلها مقتنع بحاجة واحدة انك عمرك ما هتتمسك بيها ...
وضع مالك راسه بين كفيه يداري ألمه قبل ان يظهر امام الجميع كقطرات من الدموع تغرق وجنتيه ...
-نيجي للاستاذ حازم وهو المشكلة الاكبر ...انت كنت بتتكلم معاها كتير عن نفسك ..مش كدة
نظر له مالك شزرا وضرب بكف يده فوق الطاولة اوقع  كأس المياة فوق المكتب يصرخ به بشراسة :
-انت كنت بتدخلها يا حازم...... من ورانا ؟
هجم عليه مالك الثائر يمسك بتلابيبه بوجه غاضب منعه فزاع وحافظ من ضرب ذلك المتعجرف يقابل ثورة مالك بكل هدوء وثبات ...يقول بثبات اشعل الجميع :
-كنت لازم اتكلم معاها ....في حاجات كتير كانت لازم تعرفها...
-لييييه ؟..تتكلم معاها لييييييه؟..هي اساسا ما تعرفكش ...وربي لاربيك...
نظر له نظرة غاضبة يقارعه:
-إلزم ادبك يا ابن حافظ ..واوعدك نبقى نصفي حسابنا بره مش هنا ...
صرخة غاضبة من طبيبتها لتنهي  تلك المهزلة :
-لو مش هتلتزموا الهدوء وجودكم يبقى زي قلته وتتفضلوا من هنا ....
جلس مالك على مضض ينظر له بتوعد ويقابله حازم بابتسامة ساخرة تزيد من غضبه ربت فزاع فوق كتفه يهدئه ...
طلبت انصراف الجميع وبقاء حازم عندما لاحظت حساسية الوضع وتوتره القائم بينه وبين مالك
فقالت سما لحازم بعد انصرافهم :
-ممكن اعرف نوعية الكلام اللي كان بيدور بينكم ..مع انك مش من المقربين ليها ...وتعتبر غريب ...
حك ارنبه انفه بارتباك يردف بصوت ثابت :
-احم ..كنت بتكلم معها عادي ...يعني بحب ايه ..بكره ايه ؟.حكتلها عن علاقتي بالوالدة.... الحاجة آمنة .....حكيت لها  عن حاجات شخصية زي حساسيتي من الشطة ..يعني حاجات كتير...
سألته بفضول :
-حكيت عن شغلك ..حياتك العملية ....؟
هز رأسه متنهدا يردف:
-ايوه..حكيت عن شركتي هنا وفي ايطاليا
هزت رأسها بتفهم تسأله عن شخصين بفضول :
-چولين واندرو....!!!اشخاص تعرفهم ولا اشخاص وهمية صنعتها هي...؟
ضاقت عينه بفضول متعجب من معرفة الطبيبة لتلك الاسماء فاجابها بفضول :
-جولين واندرو ناس اعرفهم بس ..چولين سكرتيرتي الخاصة واندرو شخص له قصة معايا وهو بالمناسبة يبقى خالها .....بس هي عرفت ازاي صلتي بيهم .....
-اكيد اتكلمت عنهم باي شكل من الاشكال ...
صمت لثواني قليلة يتذكر عندما كان في احدى المرات يقوم بزيارتها بعد انصراف الجميع خفية بدون علمهم وجاءه مكالمة من چولين واصرف في الحديث معه وقتها بشئون الشركة ...
قطع تفكيره سؤالها المباغت التي ضربته في مقتل ..لم يتوقع مباغتة الطبيبة بمثله :
-استاذ حازم ...هل حصل بينك وبين المريضة اي تلامس جسدي اثناء غيبوبتها ؟!.....
انتفض من سؤالها ثائرا رافضا اتهامه بتلك التهمة :
-أنتِ اتجننتي ازاي تسأليني سؤال زي ده؟...انتِ !...انتِ!
وضعت قبضتها اسفل ذقنها بابتسامة ثابتة تراقب انفعاله الذي يخفي خلفه اشياء كثيرة ..بادرته بنفس السؤال مع رفع حاجبها :
-استاذ حازم !!حصل اي تلامس جسدي بينكم ...؟!..ومهم اوي الاجابة ومتخافش ..اللي هيتقال هنا مش هيخرج بره .
نظر إليها بوجه متجهم مخالف ثورته منذ لحظات ...وجلس ببطء ينظر لها بارتباك يلوم نفسه على تهوره في لحظة من لحظات ضعفه فقال بتهور وهو يمسح وجهه بكف يده :
-كنت بلمس كف ايدها ...
رفعت حاجبها بتحدي ان يكذب فاكمل بعد ان فقد صبره من استجوابها :
-بوست ايدها اكترمن مرة وو...وخدّها....بس بالله عليكِ ما حد يعرف الكلام ده ....
هزت رأسها بتفهم وقالت تنهي المقابلة :
-اطمن !!!.سرك في بير ....
.................
بعد شهرا
..........
ظلت جالسة فوق مقعدها امام النافذة المفتوحة على وسعها مغمضة الاعين تستقبل تلك النسمات التي تداعب خصلاتها بحرية للخلف تصفي ذهنها من الافكار المتداخلة التي ترهق عقلها ..ضحكت ساخرة على وضعها وعلى ما وصلت اليه وعرفته من الجميع ..ما كانت حياتها الا وهمًا صنعته بنفسها وباختيارها رفضا لواقعها ..هي الان حرة..بدون قيود تقتلها ..حرة بدون قيود حازم او مالك ..سمعت صوت تلك المترجية تقول بتأثر:
-كمان واحدة يا شيراز..أنتِ لازم تتغذي كويس عشان تخرجي بقى من المستشفى دي ....
فتحت اعينها تنظر لصديقة عمرها بامتنان تجيبها :
-صدقيني ..مش قادرة بلاش تضغطي عليا بالله عليكي يا امينة .....
تنهدت امينة بتعب تريح صحن الطعام فوق الطاولة تردد:
-مع ان خالتك حفيظة و ام سعد هيزعلوا بس نخليه شوية لحد ما تجوعي...
ظلت تنظر امامها بصمت غير راغبة بالتجاوب معها مرة اخرى فسألتها امينة :
-لحد امتى يا شيراز ؟..هتفضلي رافضة تشوفيه ..انت مش متخيلة انه موقف شغله وحياته من وقت دخولك الغيبوبة ..ايه القسوة دي....؟
ظلت صامتة على وضعها غير قادرة على الحديث فهي اوضحت لطبيبتها عدم رغبتها برؤية الجميع وبالاخص مالك وحازم...ليتناوب على زيارتها امينة بشكل يومي وحافظ للاطمئنان عليها ..ابتسمت عندما تذكرت زيارة حفيظة وام سعد لها وكيف امطروها بالقبلات والاحضان الغير متناهية حامدين خالقهم لعودتها مرة اخرى ..ولم تسلم من مناكفة "حفيظة "لها ...بتذكيرها انها غير راضية عن فزاع كزوج لامينة لتبتسم على هيئتها المرحة اول ابتسامة منذ إفاقتها .....
سمعت تنهد مسموع من صدر  "امينة "فنظرت لها باهتمام تسألها :
-أنتِ كشفتي قبل كده عن حالتك ؟..اقصد عشان الخلقة ؟!...
رفعت امينة كتفيها بلا مبالاة غير مهتمة فاكملت شيراز بترجي :
-هطلب منك طلب ..ياريت تنفذيه وما تسأليش ليه؟روحي تابعي  مع دكتور كويس وانا متأكدة انك ما عندكيش حاجة تمنع الخلفة ...ارجوكِ....
نظرت لها بتعجب من طلبها ولكن لم ترغب في رفض طلبها المُلحة به ..فوعدتها بان تتابع في اقرب فرصة ...
قطع حديثهما دخول تلك الممرضة المتابعة لحالتها بمرحها المعتاد :
-صباح الخير يا مدام شيراز ...لا بسم الله ماشاء الله احنا بقينا احسن كتير عن الاول ...ممكن بقى اشيل الكانولا من ايدك ...
نظرت لها شيراز تدقق في ملامحها تشعر بانها سمعت صوتها من قبل بنفس الاسلوب المرح ونفس خصلات الشعر الاصفر المصبوغ فنطقت شيراز تسألها والاخرى تقوم باخراج الابرة من ظهر كفها الايمن :
-أنتِ معايا من وقت ما كنت في غيبوبة صح؟
-ايوه يا فندم ...
-اسمك ايه ؟
ظلت تدقق في نبرة صوتها وحديثها كأنها سمعته في احلامها فتذكرت سريعا تلك الشخصية الوهمية عندما وجدتها تجيب بمرح :
-اسمي نورهان ..تحبي بقى اقولك ايه غير مدام دي تحسيها تقيلة كده !!!.....
انتفضت ارتباكا عند جملتها الاخيرة ظلت تنظر لها بتأمل تعجبت منه امينة المراقبة فهمست بصعوبة اثناء شرودها :
-قولي لي يا شيرو ...اصل بحب الاسم ده !!!!
انتهت نورهان من سحب الكانولا من مكانها الذي خلف ورائه كدمة زرقاء تسبب لشيراز الالم ..لفته من شيراز فوق كفها التي تشعر بوغزه وألمه المستمر لتبتسم بحسرة على ما وصل إليه تفكيرها لقد تأكدت فعليا ان كل ما مر بها كل كان الا حلما حتى شعورها بالم كان نتيجة تلك المحاليل ..وألام معدتها كانت نتيجة إجهاضها والجرح الناتج عن استخراج الرصاصة ..حتى الاصوات التي كانت تطاردها وتناديها تطلب منها العودة ما كانت الا اصواتهم هم ..في محاولة منهم لمساعدتها للخروج من تلك الهوة التي تبتلعها ..ابتسمت بحسرة على وضعها فكل  البشر لهم واقع واحد وحياة واحدة ..ولكنها اختارت ان تكون اكثر تميزا عن الاخرين ليصبح لديها عالمين مختلفين عاشت فيهما ......
................
يتبع 👈🏻👈🏻👈🏻

باليرينا الشرق( مكتملة)محولة للورقي الآن مع تعديل السرد وتحويلها للفصحى كلياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن