الفصل العاشر....
..............دخل على والده الجالس فوق سجادة الصلاة ينهي صلاته ويكمل بعدها بتسبيحه لحبات سبحته البنية العتيقة ..مستندًا على إطار الباب بكتفه ليقول بمودة حتى يلفت انتباهه لوجوده :
-حرمًا ياحاج حافظ ..
تلفت اليه والده بعد سماع صوت ابنه الوحيد يجيبه:
-جمعًا ياابني ..تعال ادخل
فيراه يربت بجواره ارضا ليتجه مالك يجلس بجواره كما كان يفعل وهو صغير
ليسأله بحبور:
-ها عملت ايه في الملحق ...جهزته وكل حاجة تمام؟...
-كل حاجة بقت جاهزة على وصولهم بكرة ان شاء الله ....رغم ان خالتي كانت مصممة تنزل في بيت جدي بس أنا قدرت اقنعها تنزل هنا لحد ماننضف البيت ....
هز الحاج حافظ رأسه بتفكير وهو يحرك حبات سبحته :
-كده افضل ....دول اتنين حريم ..ماينفعش يقعدوا لحالهم ...وكمان عشان لو طليق امينة اتعرض لها تكون تحت حمايتنا وعنينا ...
-هو يقدر يدخل البلد ...؟!..بس يعملها ويتعرضلها ....
حافظ محاولا تهدئة ابنه :
-ماتنساش يابني انه ماغلطش ...هو راح اتجوز ..والشرع محلله ده ..لكن نقول ايه نصيب بقي......عموما أنا وصيت عليها في المدرسة اللي نواحينا ...عشان تشتغل فيها زي ما وصيت وان شاء الله خير ....
يسود الصمت بينهما فيشعر حافظ بتردد ابنه في الحديث ليسأله :
-انت عايز تقول حاجة ومتردد ؟!....
ابتلع مالك ريقه وأشاح بنظره للفراغ يريد ان يبلغه ببعض الأمور :
-انت عارف ياحاج أني نفذت رغبتك بجوازي من خديجة زي ما أمرت ...وموضوع غادة الحقيقة طول اوي ...فكنت بستسمحك ان اعمل فرحنا الأسبوع الجاي هنا زي ما انت امرت وبعدين هسافر أنا وهي نقضي شهر العسل في اي حتة ....
بدا على وجه حافظ عدم الرضا من هذه الزيجة التى ورط ابنه نفسه بيها في فترة لم يكن متزنا عاطفيا ليسأله يحاول ثبر أغواره :
-وخديجة ؟.....
-مالها خديجة؟!.....قالها مالك بدون تردد فأمرها محسوم من البداية ..قد يطلق سراحها في اي وقت ولن تعني له شيئًا كما اتفق معه من قبل ...وهذا من طمأن خطيبته لامر هذه الزيجة الإجبارية ...
-مش عايزك تكسر بخاطرها يابني ..مهما كان هي مراتك وليها حق عليك ...حتى لو كان جوازكم صورة وهينتهي بعد كدة ...إياك وكسر الخاطر يابني ...وخصوصا الولايا ....
طمأنه من تلك الجهة ليقول بجدية:
-من الناحية دي اطمن ...أنا وهي اتفقنا على كل حاجة ....
-على خيرة الله يابني ...ابدأ جهز الحاجة والدبايح عشان نأكل الناس ...
-ان شاء الله ياحاج ..يهم بالوقوف ويساعد ابيه ويقوم بإسناده حتى وصل الي فراشه ليسمعه يطلب منه :
-أبقى ابعتلي خديجة ....
يهز مالك رأسه بفقدان صبر ويحاول تمالك غضبه فيجيبه باختصار :
-حاضر ...هبعتها.....
.....................
كاد ان يجن من عصيانها له وعصيان اوامره ..عندما هبط للبحث عنها لم يجدها بالمنزل مطلقا ..بحث عنها بكل بقعة في المكان حتى الإسطبل لم يعثر عليها ..ليتأكد بعدها انها خارج المنزل في مثل ذلك الوقت ...ليتوعدها عند الوصول ....
استلقى فوق فراشه في ظلام الحجرة الدامس لايضيئها الا ضوء هاتفه القابع بين يديه مفتوح العينين يتصفح صورها للمرة التى جهل عددها ...فتقع يده علي عدة صور لها بأوضاع مختلفة كانت عاشقة للتصوير وخصوصا منه كانت تستغل كل لحظة لتوثيقها بعدة صور لها بمفردها او معه كأنها كانت تشعر انها ستهجره للأبد لتترك له ذكرياتها في صور ...ها هي صورة لها وهي تقلده رافعة احدى حاجبيها مع ضم شفتاها بقوة لتظهر كخط مستقيم ...وصورة أخرى وهي بأول يوم دراسي بكليتها كان يظهر عليها التوتر والخوف جليًا لتبتسم ابتسامة مغتصبة ...فيشجعها ويطلب منها التقاط لها صورة توثيقا للحدث ليخفف من حدة توترها ....
فتقع عينه على صورة مميزة لها التقطها لها دون ان تعي له ..كانت تظهر فيها بملابسها المخصصة للتدريب المكونة من بنطلون اسود يظهر تفاصيل جسدها بوقاحة يعلوه قميص قطني دون الأكمام بنفس اللون يكشف عن كتفيها وذراعيها بدون خجل مع فتحة صدر تظهر عضمة الترقوة ....حافية القدمين التي يظهر عليهما الكثير من التقرحات والجروح جالسة ارضا شاردة يظهر على ملامحها الحزن والمرض الشديد ..فهي كانت حريصا دائما على إخفاء عيوبها ..ومرضها ...ممسكة بحذائها الوردي اللامع يتدلى منه اشرطة طويلة من الستان ..
كان في هذا اليوم قد قرر الذهاب اليها في قاعة التدريب بالأوبرا بعد ان امتنعت عن الرد علي مكالماته ورسائله ..بعد ان أوصلها للمشفى وعلمه بمرضها التى اخفته عنه متعمدة ..فوجئ بوصول والدها على وجه السرعة من سفره ....لينسحب بهدوء بعد ان اطمأن على حالتها التى بدأت في الاستجابة للعلاج وأفاقتها من غيبوبتها المؤقتة ..ليعود بعدها ويتفاجأ بخروجها من المشفى وإكمال علاجها بالبيت تحت إشراف الطبيب ...
أراد تركها فترة من الوقت لتستعيد ثباتها ..يوم او يومان ...ولكن مالم يتوقعه منها هذا الجفاء الجديد....لتصل المدة أسبوعًا كاملًا لايستطع فيها سماع صوتها الناعم الذي يحيه... رغم اتصاله بها المتكرر ولكنها لم تعطيه فرصة للحديث معها ليعلم من عم حسين سائقها توجهها للتدريب كاول يوم لها للخروج بعد مرضها ...
....
(((((اثناء شرودها و وجومها شعرت بخطوات بطيئة تقترب منها لترفع عينيها المرهقتان وتصطدم بعينيه اللائمة ...تضربها رعشة فجائية بجسدها تقشعر لها بدنها من نظرته ... فما كان منها الا التحرك تمسك بحقيبتها القابعة بجوارها تلهي حالها بهاو تحملها بصمت هاربة بعينيها عنه ...تقف عازمة على التحرك من امامه والخروج من قاعة التدريب ..لتجده يمنعها بالوقوف امامها قائلا:
-احنا لازم نتكلم ....
اخفضت رأسها رفضت النظر اليه وتجيبه منهية الحديث :
-آسفة ....محتاجة أني ارجع البيت حالًا.....حاسة اني تعبانة....
كادت ان تتجاوزه فيجذبها من ذراعها.لتعود مرة أخرى امامه ويقول بنبرة شديدة:
-انت غبية ..غبية ...فاكرة ان موضوع زي ده هيفرق معايا ..انت ازاي تخبي عليا حاجة زي دي ...؟!..انتي مفكرتيش ان ممكن كان يحصلك حاجة وانا مااعرفش انتي بتشتكي من ايه ؟!...
نظر اليها بأنفاس لاهثة منتظرا ردًا منها على ما فعلته ليجدها صامتة منحنية الرأس لم تستطع مواجهته فيمسك وجهها بقوة يضغط بأصابعه ويعنفها بقوة :
-افتح عينك وبصي في عنيا ...أنا عايز اجابة منك ..ازاي تظني فيا الظن ده ؟!...ازاي واحدة في مستواكي يفكر بالجهل ده ..؟!..صدر مني ايه يخليكي تشوفيني بالصورة دي؟!...
ندل !!..وحقير!!!!
بلت شفاهها بلسانها تشعر بجفاف حلقها كيف ستخبره انها قرأت قصة مماثلة على احد الجروبات التي تعرض الكثير من المشكلات الاجتماعية على مواقع التواصل الاجتماعي وانتهت بهجر الخاطب لخطيبته بسبب مرضها....بمرض الغدة وهو مرض بسيط مقارنةً لمرضها ....تتساقط دموعها من عينيها المغلقة فتلامس أنامله الضاغطة علي وجهها فيشعر بسخونتها ليحررها ويخفف ضغطه عليها ليلاحظ اثار أصابعه ظاهرة فوق وجنتها البيضاء ويسمع صوتها المجروح من كثرة البكاء :
-كنت خايفة......!!!خايفة تسيبني ..ما كنتش متأكدة من حبك ليا ..خفت انجرح وتبعد عني ....صدقني حاولت أقولك كتير بس خوفت .....وكمان انت اثبتلي ان كل شكوكي صح ....أنا اول مافوقت كنت محتجاك جنبي تطمني ..تقولي انك مش هتتخلى عني ...بس للاسف مالقتكش..
يتركها بجفاء ويتراجع خطوتين للخلف ينظر اليها نظرة مبهمة لم تعرف معناها ليقول بجفاء:
- عندك حق ...انا اتخليت عنك ....عشان كدة أنا ماشي...
نظرت له بصدمة من صراحته ..لقد تخلى عنه بالفعل ..لقد انتهى كل شئ بينهما ..ليكمل صدمتها ويزيد من قهرها وألمها إلتفاته للخروج من قاعة التدريب بخطوات واثقة ..لم تشعر بحالها الا وهي تجري تحتضنه بذراعيها من الخلف بانهيار تتشبث به مستندة الرأس على ظهره تجهش بالبكاء بانكسار متوسلة :
-ارجوك ....متسبنيش ...ماتعملش فيا كدة ...أنا مش هقدر أعيش من غيرك ..هموت لو بعدت عني ..ارجوك....يامالك ارجوك .....
ضربات مؤلمة ضربت صدره شعر بتوقف قلبه للحظات..عندما لامسته وتشبثت به بضعف لعن حاله على تعريضها لهذا الموقف ..كان يعرف حق المعرفة بمقدار حبها ..ولكن اعترافها به وتوسلها بهذا الشكل له وضع اخر ...كان قد عزم على الخروج والتوجه لطلب يدها من والدها وليس لهجرها ....
التفت بسرعة ليجدها تمسكه من صدره قابضة على قميصه كطفل ممسك بأمه يخاف تركها تهز رأسها بالرفض والدموع مغرقة وجهها ..ابتلع ريقه بصعوبة من منظرها المنكسر حاول فك قبضتها من قميصه لتزداد تشبث به رافضة تحريره ....
يرفع كف يده يريحه فوق وجنتها يمسح بإبهامه دموعها المنهمرة ..انفاسها الدافئة تلفح عنقه بخجل لتهمس بكلماتها الأخيرة برجاء :
-ارجوووك....ااا..........!!!
لم يشعر بنفسه الا وهو يبتلع باقي كلماتها في قبلة عنيفة كانت قبلته الأولى لها وله ...قبلة تملكية ..لم يستطع السيطرة على حاله امامها اكثر من ذلك ليضرب بعاداته وتقاليده ومبادئه وتعاليم دينه عرض الحائط في لحظة ضعف منه ومنها ...أراد ابلاغها انه لها دائما وأبدا ...هي من ملكت قلبه وعقله ولن يتخلى عنها ...ليشعر بتبادلها لقبلاته باستحياء ظاهر ..لفت ذراعيها حول عنقه ترفض ابتعاده ..فيحرر شفتيها المنتفختين التى ظهر عليها اثار عدوانه بوضوح ...يقبل وجنتها برقة شديدة يتذوق ملوحة دموعها ..يقاوم ويحارب ليبتعد عنها ......
يهمس امام وجهها بصوت مهزوز:
-يلا ...امشي...
رفعت نظرها مجفلة من كلماته الآمرة ...يأمرها بالابتعاد بعد ماحدث بينهما منذ لحظات ..فيكرر أمره مرة أخرى بحدة اكبر ويتحرك مبتعدا يحمل حقيبتها و حذائها فتشعر ببرودة جسدها. بعد دفئه ....ويقول بصرامة:
-خلصينا ياشيراز ...يلا امشي قدامي ....
-مالك !!!!...........
-يلا ...ماتضيعيش وقت عشان ألحق ابوكي قبل ماينام .......
لم تستوعب كلماته لتهمس بعدم فهم :
-بابي!!!!!!!!!!!
يقترب منها جاذبًا لها من ذراعها يتحرك بها للخارج :
-يا غبية ....ابوكي بينام بدري خليني ألحق اطلب ايدك منه ........
تتوقف عن التحرك بصدمة فيلبي رغبتها بالوقوف وتشرق ابتسامة خلابة على وجهه ويكمل :
-ايوه اللي انتي فهمتيه ...هتبقي ملك لمالك حافظ الجعفري ..هخطبك ياشيراز ...هتجوزك يلّا يا غبية ......
لتصرخ من صدمتها وتحتضنه بعدم تصديق ليقول بحيرة يبعدها عنه :
-انت فين هدومك ...؟!..استحالة تكوني جاية كدة ...
لتضحك بسعادة وتجذب حقيبتها منه بسرعةوتخرج منها بنطلون من الجينز الأزرق وقميص قطني وردي ..كانت ترتديه عند وصولها ....وترتديه فوق ملابسها التدريب بسرعة تحت أنظاره الجاحظة لتقول بعد انتهائها :
-أنا جاهزة ياكابتن ....
رفع حاجبه ينظر لقدميها العاريتين يقول :
-ورجلك ....
-مش مهم ..مش مهم ...يلا قبل ما بابي ينام ....
يهز رأسه من جنونها يجيبها :
-يلا يا روح الكابتن.....
.....
فاق على صوت فتح البوابة الذي اصدر صريرا عاليا عند فتحه ليتجه ينظر من شرفاتها يجدها تولج للبيت بهدوء ..فيصدر منه سبة اتجاهها ويلقى بهاتفه ..سيربيها تلك الخديجة ...
نزل درجات الدرج بملابس نومه المكونة من سروال قطني مربعات وقميص قطني اسود غير مهندم الشعر يمسح بعينه المكان بنظرة سريعة فيستنتج وجودها داخل حجرتها ....
...
دخلت بإرهاق شديد حجرتها تحتمي بها تحمد الله ان لم يشعر بها احد اثناء خروجها ودخولها ..لقد أدت المطلوب منها وانتهى الأمر نزعت نقابها ووشاح رأسها بحركة واحدة لينسدل خصلات شعرها البني التي استطال لمنتصف ظهرها حول وجهها تدلك رقبتها بإرهاق وهي تتجه الي خزانتها ذات المرآة في منتصفها
كادت ان تلامس مقبض الخزانة لتجد من يدفع الباب بغضب يفتح الباب عليها ليصدر منها صرخة رعب قوية مع محاولاتها لتغطية وجهها بكفيها ..خوفًا من ان يتعرف عليها .....
وقف مضطربا من صراخها عدة ثواني وهيئتها التى اول مرة يراها بها...شعرها الطويل !!!....لا يعرف ماذا يفعل؟ ..فما كان منه الا الخروج مرة اخرى مغلقا الباب خلفه كالملدوع من عقرب يحاول تنظيم انفاسه المتسارعة ..يطلق سبة على نفسه ..كان عليه طرق الباب قبلا .....
استجمع حاله ليطرق الباب عدة طرقات ليجدها تفتح الباب بغضب تقول له من بين أسنانها :
-انت ازاي تفتح الباب عليا من غير إذن ..نفرض أني ..أني....
حك رأسه يريد الدفاع عن نفسه :
-أنا شايفك لسه داخله مجاش في دماغي انك لحقتي تغيري هدومك ..وكمان انت مكبرة الموضوع ليه انت كنتي بلبسك لسه .....
ماشوفتش غير شعرك ....
حاولت طمأنت حالها فهي الان تأكدت انه لم يتعرف عليها لتقول بتحذير:
-انت أقسمت علي المصحف ماتنساش قسمك.....
ليتذكر عندما حضرت له ممسكة بمصحفٍ وطلبت منه ان يقسم بانه لن يحاول كشف وجهها او إجبارها على أي فعل مهما كان أهميته ...فاراد ان يشعرها بانها ليس لها أهمية مثلما تعتقد ..ليسرع بمسك المصحف بدون تفكير او تردد يقسم بقسم لم يدرك توابعه الناتجة ...
يضع يديه في خصره يضحك ضحكة سخرية يجيبها:
-أوعي تكوني فاكرة أني دخلت عليكي عشان اشوف طلتك البهية ولا أتأمل جمالك .......أنا جاي افهم الهانم صاحبة الصون والعفاف كانت فين في نص الليل ...
توترت بطريقة ملحوظة له تحاول الهروب من إجابته تجيبه بثقة :
-كنت فين ازاي ؟!...كنت في الاوضة ....
ينظر اليها بغضب ظاهر بعينه يسأل نفسه "ماذا تخفي هذه الكارثة ؟..دائما يحوم حولها الغموض...."
-انت عارفة ان بكره الكذابين قد ايه؟!....قالها مالك ببطء شديد وصوت هامس
لتجيبه وهي تنصرف لحجرتها :
-مش حابة اعرف حاجة تخصك ...عن إذنك .....
كادت ان تغلق باب حجرتها بوجهه بكل صفاقة لتجده يدفع الباب بيده فتتراجع بخوف منه ويغلق الباب خلفه ....
يقف ينظر لها بغضب ليقول بين اسنانه :
-أنا مش عارف ازاي ساكت على تصرفاتك ....
يحاول ان يلتقط انفاسه ليهدئ غضبه ويكمل :
-خلينا في المهم ....كنتي فين ياخديجة في نص الليل وبدون كذب لو سمحت ..عشان ماتشوفيش الوش التاني ....
وضعت يدها في خصرها بتحدي فيلاحظ انحسار ملابسها على جسدها فيظهر تفاصيلها بوضوح تقول بتحدي :
-كنت مكان ماكنت ..انت هتحقق معايا ...
-يا مجنونة أنا جوزك ..فاهمة ياعني ايه جوزك .....
-انت اللي نسيت ياكابتن ظروف جوازنا ...جواز على ورق وبس ....نسيت الاتفاق ولا ايه ؟!...
وكمان روح اشغل نفسك بحد غيري يا مالك ...اشغل نفسك بمراتك مش أنا ......
اسلوبها في الحديث وطريقة اخراجها للكلمات غريب ..غريب جدا ...كل مرة يرغب في إطالة الحديث معها ويستمتع بطريقته في الحديث ...نعم تتحدث باللهجة العامية المعتادة وخصوصا نطقها لاسمه "مالك"تفخيم الميم علي غير الطبيعي ....مثلما كانت تنطقه "شيراز"....ولكن نبرة صوتها مختلفة يصحبها بحة قوية بعكس "شيراز"صوتها ناعم كالأطفال به نغمة خلابة ........
لاحظت شردوه وصمته الذي طال بينهما لتتوتر من نظرته لها وترفع يدها تتأكد من ضبط نقابها علي عينها..وتهرب بهما عنه وتسأله بنعومة :
-انت ساكت ليه ؟!....
-قوليها تاني.....
لم تفهم مقصده فتضيق عينها بتساؤل :
ايه؟.....أقول ايه؟.....
-قولي.... "مالك".......
هزت رأسها بتعجب من حالة فتشير له بسبابتها وتديره في الهواء متسائلة :
-مش فاهمة .....عايزني أقول "مالك"........ليه؟
رأت ابتسامته التي حطت بوجه تدريجيا ليقول:
-اصلك بتقوليها ...زي حد عزيز عليا ...كان بينطق اسمي زيك بالضبط....
ظهر عليها التأثر من حديثه لتلمع عينيها بسحابة من الدموع المحبوسة ......ايعقل ان تكون بباله او يتذكرها ؟!...ام طوى صفحتها منذ سنوات ؟!......
لتقول بهمس:
-عزيز عليك ...ولا عزيزة.....
يبتسم ويخفض راسه مع وضع يده بجيبيه :
-ما أعرفش انك لمّاحة كدة ...الحقيقة هي مش عزيزة بس هي اكتر من كدة .......هي حياتي ونفسي اللي بتنفسه.......
تسارعت ضربات قلبها بطريقة مؤلمة ارادت الارتماء بحضنه والبكاء كما كانت تفعل والكشف عن شخصيتها وتصرخ به مستنجدة "أنا هي ..شيراز...حبيبتك. روحك المسلوبة..لا تتخلى عني مثلما فعلت مسبقا "
لتصدمها كلماته التي ذبحتها ..وضربتها في مقتل ...بعد ان ارتفع بها في عنان السماء افلتها لتسقط ارضا ...
ليقول :
-عشان كدة قررت اكمل حياتي معاها ..غادة طبعا.......
كان يعلم انه يكذب ...يكذب على حاله ...يحاول نسيانها ...كأنها لم تكن........
اخفضت رأسها تخفي عيونها الباكية ..قدميها لم يعد قادرين على حملها فترفع كف يدها تريحه فوق الجدار المجاور لها لعله يعينها على التوازن تقول:
-قصة مؤثرة اوي.....ربنا يسعدكم مع بعض......
ليقول بطريقة آمرة منهيًا للحوار بينهما وهو ينصرف :
-بكرة لازم تصحي بدري عشان تستقبلي خالتي وبنتها ....وتساعديهم لو عاوزين حاجة .....مفهوم ......
تجيبه بكسرة:
-مفهوم.......
....،...............
وقفت خارج الحجرة تستمع للأصوات من داخلها ...تشعر بسرعة ضربات قلبها ..كطفل منتظر هدية العيد عندما لمحتها تولج بابتسامتها المعتادة بجوار والدتها تضيف حالة من المرح على المكان بمشاكستها للحاج حافظ ..ارادت احتضانها ....كم كبرت ونضجت ..صديقة دربها ..كم اشتقات لاحضانها والبوح بأسرارها بأذنها ؟!...."امينة"...وهي "أمينة"......
فزعت عندما فتح الباب على حين غرة لتجدها امامها تشرق ابتسامتها بوجهها ...الخمري الجذاب وعيونها السوداء دائما كانت ملامحهما كالسالب والموجب مختلفان في كل شئ ولكن ماجمعهما شئ واحد .....قلبهما الأبيض ......
تتطرقع أمينة بإصبعها امام وجهها تقول بدعابة:
-ايه ؟!....مين انتي ؟!.....
-ااانا؟...أنا!!!!....
يخرج مالك ينظر إليهما باستغراب قائلا :
-انتي مش بتضيعي وقت يا أمينة ؟!.....على طول اتكعبلتي في خديجة ،.....هي دي خديجة ياستي اللي الحاج كان لسه بيتكلم عليها جوا......
تبتسم امينة بسرور لمقابلتها لقد اسهب زوج خالتها في وصف أخلاقها ويظهر للجميع معزتها الكبيرة لديه فتجيبه وهي تمد يدها لها بمرح :
-اخيرا شوفنا خديجة ....أنا سعيدة اننا اتقابلنا ....أنا امينة ...بنت خالة مالك ....وبس....
-وانا ...خديجة ........وبس.......
..................
اجتمع الجميع لتناول وجبة الغذاء التي تأخرت قليلا في انتظارها جلست امينة بجوار والدتها علي يمين الحاج والدتها التي لم يظهر عليها تقدم السن او التغير ..دائما أنيقة في ملابسها وسلوكها ..علمت من الحاج حافظ اثناء احدى أحاديثهم انها دائما متمردة على عادات وتقاليد الصعيد حاولت كثيرا الخروج من تلك القشرة لتتزوج من احدى المهندسين الزراعيين والسفر به للقاهرة لبداية حياة جديدة نتجت عنها "أمينة".....
فزعت عندما سمعت صوت الحاج ينهرها علي شرودها لقد اصر علي جلوسها بجوار مالك من الجهة الأخرى يقول:
-خديجة ...مابتكليش ليه يابنتي .....
-باكل ياحاج ......
ليأمر ابنه يلكزه في ذراعه :
-قرب الأكل منها يامالك ...انتي عارفها بتخجل ....
فتجده يضع في صحنها قطعة كبيرة الحجم من اللحم المحاط بالدهن ...ياالله تشعر بالغثيان ...فهي تجذع من رؤية كمية هذة الدهون باللحم فترفع عينيها له بترجي لتجده يبتسم بخبث قائلا:
-كلي ....دي زبدة.....
-قالت بدون شعور بهمس شديد وهي تنظر لقطعة اللحم:
(مستحيل) Impossible-
التفت لها مالك يضيق عينيه يتأكد مما لفظته ..لاحظت ذلك فوضعت وجهها بصحنها تنشغل عن مراقبته.....
فتسمع حفيظة والدة امينة تقول:
-و انتي ياخديجة ياحبيبتي ...متعلمة؟!.....
رفعت رأسها تمرر عينيها بينهما لتجد الكل منتظر إجابتها خصوصا من يقبع بجوارها يشع الفضول بعينه ..فتنظر مرة اخرى للحاج هيؤمئ براسه يطمئنها فتقول :
-لا مكملتش تعليمي .......
وكان هذا حقيقيًا فهي لم تكمل جامعتها ....
شعرت بالغثيان المفاجئ فتسمعها تكمل بتهكم:
-شكل الحاج حافظ بيعزك اوي عشان يقعدك معانا تكلي كأنك مننا ....
-فعلا خديجة عزيزة عليا ...وبعتبرها بنتي اللي مخلفتهاش....قالها حافظ بصرامة ....لتكمل هي بنبرة ذات مغزى:
-بس ياحاج حافظ ...الناس مش بتسيب حد في حاله ..ازاي تبقى في البيت معاك وفي شاب زي الفل زي مالك......ماتزعليش مني ياخديجة ومن كلامي .....
-لا ابدا ياطنط..انتي زي مام......
صمتت للحظة وتكمل :-امي........
فيجيبها مالك وكان هذا ما لم تتوقعه ان يدافع عنها:
-عيب ياخالتي الكلام ده ...انت عارفة كويس الحاج حافظ وعارفاني ...ومعذورة لانك ماتعرفيش خديجة ...بس أنا متأكد انك لما هتعاشريها هتحبيها ...خديجة بقالها سنين معانا محدش حاسس بيها....
رفعت عينيها بتأثر من حديثه تشكره على دفاعه عنها فيومئ برأسه لها يطمئنها .....
فتقول بسعادة غريبة وهي تمسك قطعة اللحم وتضعها في صحن أمينة :
-حتة اللحمة دي عينك هتطلع عليها... أنا عارفة...
نظرت أمينة لها بصدمة ونست فمها المفتوح وعندما طال الصمت رفعت خديجة رأسها لتجد امينة ومالك ينظران اليها باستغراب لتقول مبررة بحزن :
-احم...أنا بهرج ...بتبصولي كدة ليه ....
-لا ابدا يا حبيبتي اصل الموقف ده فكرني بصحبتي ..كان دايما تهرب من اللحمة لما اكون عزماها وتقول زيك كدة.....
نظرت خديجة لها من خلف نقابها لتلاحظ لمحة الحزن بعينها مع نظرة اللوم التي رمت مالك بها ليتوتر ويضع وجهه بصحنه يكمل طعامه بصمت....
لاحظت توتر العلاقة بينهما والحدية في التعامل ترى متى اصبحوا على مثل هذا الوضع ؟!..وماذا يكون بينهما؟!.....
فتقف منهية طعامها تقول لأمينة بالأخص :
-أنا بعرف اعمل "كابتشينو"...هعملك كوباية .....
لتنصرف مسرعة للمطبخ تحت أنظارهم المتعجبة ..بسبب الود الغريب الذي نما بينهما في وقت قصير .
..................
وقفت في المساء تنظر من النافذة تتفس هواء المساء بعد ان انتهت من ترتيب المكان بإرهاق شديد مع أمينة بعد ان طلبت منها ان تساعدها في إفراغ الحقائب .....
تدخل عليها حاملة كوبان من الشاي بعد ان أبدلت ملابسها لملابس مريحة تقول مرح:
-كان يوم صعب جدا ....اخيرا خلصنا .....
التفت اليها خديجة لتحمل عنها كوب الشاي الساخن وتتجه برشاقة تجلس فوق السرير كما اعتادت معها تقول:
-كل حاجة بتخلص وبتنتهي ....
-أنا مبسوطة بجد ان لقيت حد اتكلم معاه ..أنا كنت شايلة هم ان هبقى لوحدي هنا ...انتي جيتيلي نجدة من السما ياخديجة.......
-وانتي كمان ....جيتيلي نجدة......
تعقد امينة حاجبة عندما لاحظت ان خديجة لم تكشف عن وجهها منذ الصباح لتقول:
-هو انتي وحشة للدرجة دي ؟!....
-أنا....؟؟
قالتها خديجة بصدمة .....
لتسألها امينة باستغراب:
-انتي مش ملاحظة انك ماكشفتيش وشك من الصبح ...وكذا مرة نبهتك بس حسيت انك مصممة تغطيه.....ليه بقي اعترفي ؟!.....
لم تعرف كيف تبرر ذلك لتقول متهربة :
-قوليلي ...عملتي ايه بعد الجامعة ...
ترفع امينة كوب الشاي ترتشف منه وهي تنظر بعين خديجة بتحدي :
-اشمعني الجامعة ..ليه ماسألتيش عن قبل الجامعة .....
توترت خديجة لتضع كوب الشاي بجوارها وتهرب من عينيها الفاحصة لتقول :
-احكي اللي انتي عاوزاه ...عايزة أسمعك .......
ظلت تقص عليها ماحدث معاها بعد الجامعة وظروف زواجها وانفصالها وظلت الأخرى تسمع لها بإنصات تتمنى هي الأخرى ان تكشف عن حالها وتقص عليها ما حدث .....ظهرت الدموع بعينها لم تستطع إخفائها ....فتقول متهربة منها قبل ان تفقد السيطرة على حالها :
-أنا لازم امشي ...أتأخرت ....
-دلوقتي؟!....
-اكيد هنقعد نتكلم كتير ............. قالتها خديجة وهي تحتضن الأخرى بقوة وتودعها تحت أنظار الأخرى الواجمة ......شعرت بشعور غريب مع جلستها مع تلك الغريبة وخصوصا الشعور الغريب الذي ضربها بعد احتضانها لها..........
يتبع،
أنت تقرأ
باليرينا الشرق( مكتملة)محولة للورقي الآن مع تعديل السرد وتحويلها للفصحى كليا
Romanceأنت برد ونار أنت طريق غير مختار قدر يلاعبنا كالأوتار من بين لقاء ووداع لقاء نبني عليه قصور من الأحلام ووداع يقطع أوصال أفئدتنا لأشلاء