فتحت باب شقتها الصغيرة بسرعةٍ؛ تحمل على ظهرها حقيبةً كبيرةً وتنتعل حذاءً رياضياً باللون الأبيض..
وترتدي نظاراتٍ ذات عدساتٍ كبيرةٍ تتوارى خلفها عيناها الزرقاوان الواسعتان، لتشكلا مزيجًا رائعًا مع شعرها البندقي الناعم الطويل، والذي جمعته على شكل ضفيرة منسدلة على ظهرها.
كانت تركض بسرعة لتلحق الحافلة، مرت بجوار بقال الحي، ألقت عليه التحية بابتسامتها - تلك- المعهودة وتمنت له التوفيق في عمله.
-صباح الخير يامريم، كان الله معك يا ابنتي الجميلة.
واصلت الركض لتصادف تلك الطفلة الصغيرة -بائعة الأزهار-، بلطفٍ اتجهت نحوها والتقطت زهرة أقحوانٍ، وناولت الطفلة بعض العملات النقدية التي -وإن كانت قليلة - فهي كافية لرسم الابتسامة على وجه الصغيرة.
" تلك هي مريم يلماز ابنة الاثنين وعشرين ربيعًا، والطالبة بالسنة الرابعة بكلية الطب، مريم يتيمة الأبوين -أو هذا ما قيل لها-، عاشت طفولتها في دارٍ للأيتام وبعد بلوغها الثامنة عشرة بدأت البحث عن عمل لتتكفل بمصاريف دراستها وسكنها، عملت بأحد محلات بيع الكتب الى جانب دراستها وتعاونت مع صديقةٍ لها لاستئجار منزل صغير، لتبدأ حياةً جديدةً واضعةً نصب عينيها هدفين اثنين.
أن تصبح طبيبةً ماهرة في المستقبل.
وهدفها الأول دائمًا وأبدًا، العثور على عائلتها.
**************************************
على جانب آخر من تلك المدينة الواسعة -إسطنبول-، وفي قلب قصر كبير تجلس فتاةٌ شابةٌ داخل غرفتها، تضع السماعات في أذنيها وتستمع للموسيقى الهادئة وقد بدت فى حالة استرخاءٍ تامٍ ليخرجها من هذا الجو الهادئ توقف الموسيقى إثر رنين هاتفها .
- صباح الخير بيلين
-صباح الخير نيريمان، من هدوئك هذا يبدو أنكِ لم تشاهدى الخبر
-بيلين أرجوك لا تقولى شيئاً أنا حقا سئمت، أغلقى سأهاتفك فيما بعد....
أغلقت الهاتف ونزعت تلك السماعات بضيقٍ
-......أسبوعٌ واحد ، واحدٌ فقط من دون دون مشاكل، أوف منك يا يوسف......."...... نيريمان مارت أوغلو، تبلغ العشرين من العمر وهى الوريثة الوحيدة لرجل الأعمال الشهير طارق مارت أوغلو، بنتٌ مدللةٌ جميلةٌ فقدت والدتها بعد عامٍ واحدٍ من ولادتها لذا جهد والدها ليعوضها حنان الأم، تعشق الموسيقى وترى فيها حياةً أخرى، تعلمت العزف على العود والكمان والبيانو منذ نعومة أظفارها وفازت بمسابقاتٍ كثيرةٍ وهى حاليا تدرس فى المعهد العالى للموسيقى، نيريمان مخطوبةٌ لابن أقرب صديقٍ لوالدها وشريكه فى استثماراته الجديدة...."
بدلت ملابسها إلى ثوبٍ أسودَ أنيقٍ مع حذاءٍ أسود ذى كعبٍ عالِ ،وضعت أحمر شفاه من اللون الأحمر القاتم ومشطت شعرها الذهبىّ القصير ثم نزلت إلى الأسفل
-نادية أين أبى ؟
- غادر السيد مبكرا إلى الشركة
- تمام أنا سأغادر الآن....
- والفطور ؟
-لا تهتمى لا أريد ، هيا إلى اللقاء
خرجت من القصر واستقلت سيارتها الفضية متجهة الى المعهد ....
*************************************
صوت رنين هاتفٍ يملئ تلك الغرفة الفوضوية، إلى جانب صوت ذاك المنبه الذى يرن منذ وقتٍ طويلٍ، يتخلل كل هذه الأصوات طرقاتٌ على الباب....
يُفتَح الباب لتدخل تلك الخادمة العجوز إلى الغرفة وتقترب من السرير
- يوسف بيه المعذرة ولكن منبهك يرن منذ الصباح
- اطفئيه واخرجى... قال بصوت ناعس
- طيب الهاتف يرن أيضا....
- ألقيه فى القمامة وكفى عن ازعاجى
- متأكد ؟؟
- أجل متأكد دعينى أنام الآن
خرجت الخادمة من الغرفة وهى تحمل هاتف الشاب لتصادف امرأةً متوسطة العمر عند الدرج...- توركان هل استيقظ يوسف ؟؟
- لا أمينة هانم ، السيد الصغير لم ينهض ، هاتفه يرن منذ وقت طويل وقد طلب منى أن ألقيه فى القمامة
- هل قال هذا حقاً ؟؟
- أجل وأكد علىّ تماماً
- تمام اذهبى أنت الآن وأنا سأتصرف معه
غادرت الخادمة لتتنهد تلك المرأة ثم تدخل الغرفة ، فتحت الستائر ثم اقتربت من السرير- يوسف ، بنى لقد تأخر الوقت هيا انهض
- لا أريد
- والدك ينتظرك فى الشركة
- لن أذهب اليوم دعونى وشأنى
- ومن طلب رأيك أصلا ؟؟، هل أنا أوقظك لتذهب للمدرسة؟ كف عن تصرفات الأطفال وانهض
- تمام تمام لقد نهضت ارتحتم... قال بضيق وهو يتجه للحمام......
......جلست أمينة فى غرفة المعيشة تنتظر ابنها، دخلت توركان حاملةً كأسا من الشاى
-أمينة هانم تفضلى
-شكراً لكِ عزيزتى
اتجهت توركان للمغادرة لتصادف يوسف عند الباب
- توركان صباح الخير قال بابتسامةٍ جميلةٍ، صحيح اعذرينى كنت مزعجاً قليلاً فى الصباح.
- لا عليكَ بنى، لم أنزعج من شيءٍ لا تقلق.
- صحيح لقد اشتقت لتلكَ الفطائر الحلوة التى كنتِ تعدينها، هل تصنعينها اليوم من أجلى ؟
- أنت اطلب فقط وأنا أنفذ...
- سلمتِ لى يا أحلى توركان، أتمنى لكِ التوفيق...
دخل يوسف الغرفة وجلس بجوار والدته ثم قبل يديها
- صباح الخير يا جميلة العائلة
- صباح الخير عزيزى، هل أطلب منهم إعداد الفطور لك؟
- لا لا انا مستعجلٌ، سيقتلنى أبى لو تأخرت أكثر
-سيقتلك فى كل الحالات أصلاً... قالت وهى تنظر له نظرةً ذاتَ مغزى
- لماذا؟ ما الذى حدث؟ سألها بحيرةٍ واضحةٍ...
- وتقول أيضاً ما الذى حدث، بنى هل تنوى أن تقتلنى؟
- لحظة ، أمى لا تقولى أن .....
وبالمصادفةِ وقع طرف إحدى عينيه على جانبِ الأريكةِ ليرى إحدى الصحف ويجد اسمه بخطٍ عريضٍ كعنوانٍ لأحد الأخبار...
- أمى هذا ليس صحيحاً، كنا نتسلى فقط لم أفعل أى شىءٍ، أقسم لكِ...
- هل تظن أنكَ ستخدعنى بسهولةٍ؟
- لا أنا حقاً لا أخدعكِ، حسنًا معكِ حقٌ أحياناً كنتُ أخدعكِ ولكن هذه المرة لم أفعل أى شيءٍ...
- يوسف بنى، أنت وريث العائلة، حاول أن تتصرف وفقاً لهذا، وفكر بنيريمان وما تسببه لها تصرفاتكَ..
أومأ بابتسامةٍ وهو ينهض من مكانه
.. اه صحيح، أنا أبحث عن هاتفى منذ الصباح هل رأيته؟
- هل نسيتَ؟ ألم تقل لتوركان أن تلقيه في القمامة؟
-أنا؟ قلت هذا؟
-أجل وهى رمته طبعاً...
-أووف، كيف تنفذون كلام معتوهٍ مثلى ؟ هل يُعقَلُ رمى هاتفى؟
- خذ خذ هيا اذهب بسرعةٍ... قالت أمينة وهى تناوله الهاتف، تناوله من بين يديها ثم غادر المنزل مستقلاً سيارته الحمراء الرياضية....."... يوسف ديميرهان، يبلغ الخامسة والعشرين من العمر، والده أحد أكبر رجال الأعمال فى تركيا، يملك مجموعةً ضخمةً من الشركات الهندسية، شابٌ وسيمٌ، مستهترٌ، وكسولٌ بعض الشىء، خطيبته نيريمان ابنة صديق والده، هى فى الأصل صديقة طفولته ولكن تمت الخطبة عقب توقيع إتفاقية شراكةٍ بين العائلتين...
على الرغمِ من كونهِ استصعبَ التصرفَ وفقاً لهذا ولكنه حافظ على صداقته بها ومكانتها فى قلبه....."يتبع..
أنت تقرأ
مريم♥️... " قيد الكتابة والتعديل اللغوي"
Romance"...مريم -هذا على حسبِ ما تعلم-؛ ابنة الميتم؛ مجهولةُ الأصلِ...؛ أحلامها كانت أبسطَ من أى فتاةٍ فى مثلِ عمرها...؛ مجردُ شعورٍ -ولو لمرةٍ واحدةٍ بالدفء..- ...وإذا به يقتحمُ حياتها المبعثرةَ... ليقلبها رأساً على عقب؛ حلمٌ بالنسبةِ لكثيرٍ من الفتياتِ...