الفصل التاسع عشر.. 2

179 25 0
                                    

.....ثم ذهبنا إلى السينما وتناولنا الكثيرَ من الفشارِ..؛ أو أنا تناولته كله تقريباً.. مريم تنامُ أصلاً بعد بدايةِ الفيلم بقليلٍ ولكنها حاولت الصمودَ اليومَ... عزيزتى لا أفرطُ بها..  ابتسم بطفوليةٍ وهى يضع كوبَ الشاى على طاولة المطبخِ ثم أراحَ رأسه عليها...
اقتربت توركان منه لتأخذَ الكأسَ بينما قالت: وماذا أيضاً..؟
-لم يكن هناكَ وقتٌ أكثرُ للأسفِ..؛ هى عادت إلى عملها وأنا إلى الشركةِ... لم أستطعْ شراءَ الأزهارِ لها حتى...
-ليسَ مهماً؛ المهمُ أنكما استمتعتما باليومِ كاملاً... سكتت لحظةً قبلَ أن تتابعَ: يوسف بنىَ... أنتَ حقاً جادٌ بشأنِ هذه الفتاةِ أليسَ كذلكَ؛ ليست علاقةً عابرةً أو ما شابهَ..؟
-لا أفهمُ لماذا لا يصدقنى أى أحدٍ... حتى أنتِ يا توركان؛ ألا تفهميننى أبداً..؟
-ليسَ الأمرُ أننى لا أصدقكَ... ولكنكَ حتى الآنَ لم تفاتحها فى الموضوعِ... لذا أحاولُ التأكدَ إن كنتَ متردداً بشأنها..
-لا ليسَ شيئاً كهذا؛إنما أحاولُ إيجادَ لحظةٍ مناسبةٍ... هل تريدونَ أن ترفضنى الفتاة..؟ لا... إذن أعطونى وقتى كى لا يحدثَ هذا..
-ولماذا ترفضكَ..؟ أليست علاقتكما جادةً كما قلتَ...؟ تدخلت أمينة فى الحوارِ أثناء سيرها إلى داخلِ المطبخِ..؛ تابعت وهى تنظرُ إليه باستنكارٍ: هل ستقول لى بصراحةٍ من هى..؟ تلكَ الفتاةُ التى أحضرتها معكَ من قبل أليسَ كذلكَ؟ الطبيبة...
-هل سترتاحينَ لو قلت لكِ نعم؟ حسناً لا مشكلةَ يا أمى... أجل هى؛ مريم..
-لا أدرى لماذا تتحدثُ بعدوانيةٍ هكذا؛ هل قلتُ أننى أرفضها مثلاً؟
-لحظة؛ ألن ترفضيها...؟  اتسعت عيناه قليلاً بينما نهضَ من مكانه؛ لتجيبه هى بقلة حيلةٍ: يبدو أنكَ تأثرتَ بجو المسلسلاتِ الصيفيةِ.. لماذا أرفضها دونَ أن أعرفها حتى..؟
ابتسم ببلاهةٍ بينما اقتربَ منها معانقاً إياها بقوةٍ قائلاً: أمى حبيبة قلبى.. كنتُ أعلمُ أنكِ لن تُحزنينى..؛ صحيح كنتُ سآخذ رأيكِ فى شىءٍ.. أخرجَ هاتفه من جيبه ثم قربه منها ليريها إحدى الصورِ..
-ما رأيكِ بهذا..؟
-لا أدرى؛ ولكنه يبدو مبالغاً به بعضَ الشىءِ بالنسبةِ للفتاة.. لا ليسَ جيداً... ابتسمت وهى تنظر إليه وتابعت: لم أتوقعْ أن أراكَ هكذا فى الوقتِ الحالى... صغيرى واقعٌ فى الحبِ حقاً...
-...على كلٍ سأبحثُ عن غيره؛ تصبحانِ على خيرٍ..  ابتسم بعبثٍ وهو يلامسُ خد والدته بحركةٍ مازحةٍ أثناء خروجه من المطبخِ لتقولَ أمينة: لستُ مقتنعةً بما يحدثُ ولكن لا بأسَ... لنعطه فرصته...
......................................................
...ألقت نظرةً على ساعةِ يدها؛ بالكادِ قد بلغت السابعة صباحاً...؛ حركت وشاحها قليلاً لتحمى به عنقها من الهواءِ الباردِ... درجة الحرارة بالتأكيدِ لا تتجاوزُ خمسَ درجاتٍ...
تابعت سيرها العشوائى على الساحلِ..؛ لا تدرى ما الذى أيقظها فى هذا الوقتِ الباكرِ... ما زالَ هناكَ الكثيرُ حتى موعدِ العمل..؛ ربما بسببِ ذلكَ الحلمِ السيئ..
شىءٌ باهتٌ وغيرُ واضحِ المعالمِ...؛ ظلٌ مخيفٌ يحيطُ بها.. بل بهما.. ما الذى يحدثُ..؟
أخرجت الهاتفَ من حقيبةِ يدها الصغيرةِ وقامت بتشغيله؛ رسالةٌ صوتيةُ... منه طبعاً...؛ ابتسمت بخفوتٍ وهى تقربُ الهاتفَ من أذنها لتستمعَ إلى صوته الناعسِ..
-مريم حبى... صباحُ الخيرِ؛ كيفَ حالكِ اليومَ؟.. على كلٍ هل نخرجُ باكراً لتناولِ الإفطارِ سوياً قبلَ العملِ؟
نبرته اللطيفةُ المحملةُ بآثارِ النومِ أثناءَ همسه باسمها...؛ لتكونَ صادقةً فهى لم تتخيلْ أن اسمها بمثلِ هذا الجمالِ... ؛ ابتسمت بخفوتٍ أثناء إدخالها لبعضِ الأحرفِ.. رداً على رسالته...
"صباح الخيرِ..؛ لنفعلْ هذا فى مرةٍ أخرى فأنا قد خرجتُ أصلاً... أراكَ بخيرٍ يا عزيزى.. أحبكَ"
..........................
-عزيزى وأحبكَ...؟ اعتدلَ فى جلسته قليلاً ثم تابعَ بدهشةٍ وهو يعبثُ بخصلاتِ شعره المبعثرةِ: لا أنا خائفٌ حقاً.. ماذا حدثَ لهذه الفتاةِ الآنَ..؟ تابع ببلاهةٍ: يبدو أن روحى الفاسدةَ قد أثرت عليها....
************************************
-...مريم؛ ماذا تفعلينَ هنا فى هذا الوقتِ الباكرِ؟   كانَ هذا صوتُ العاملِ المسئولِ عن مكتبِ المحاماةِ الذى تعملُ به... والتابع لوالدِ زميلِ نيريمان فى المعهد...؛ ابتسمت مريم بينما أجابته: صباحُ الخيرِ يا عمى... كنتُ متفرغةً قليلاً اليومَ فقلتُ أن آتى وأفتحَ المكتبَ باكراً...؛ حتى أننى أفكرُ فى أخذِ بعضِ الساعاتِ الإضافيةِ هذه الأيامِ.. تابعت بابتسامةٍ بسيطةٍ: أنفقتُ الكثيرَ فى الفترةِ الأخيرة
-كان الله معكِ يا ابنتى... ولكن لا تضغطى على نفسكِ اتفقنا؟ لا تنسى أن لديكِ دراسةً أيضاً
-لا تقلقْ يا عمى... هل أعِدُ لكَ شيئاً تشربه معى...؟
-ممكن... سلمتْ يداكِ يا ابنتى...  ابتسمَ الرجلُ أثناءَ حمله لبعضِ الملفاتِ عن الطاولةِ... أما مريم فسارت نحو المطبخِ المُلحقِ بالمكتبِ... ؛ إنه مجردُ حلمٍ فقط... ليسَ شيئاً حقيقياً...
لا داعى لكلِ هذا التفكيرِ...
.................................................
بالانتقالِ سريعاً إلى شركةِ ديميرهان ومارت أوغلو...؛ الوقتُ ما زالَ باكراً بالطبعِ... إلا أن المديرين التنفيذيينِ للشركة كانا من أولِ الواصلينَ...
...وضعت المساعدةُ الشابةُ فنجانى القهوةِ أمامهما ثم خرجت بهدوءٍ...؛ حرك صالح يده ليلتقط الفنجان بينما بدأ تابعَ عبارته التى لم يكملها قبل عدةِ لحظاتٍ: سنرى ماذا سيفعلُ الآنَ.. ها قد تركتُ له كل شىءٍ..
نظرَ إليهِ طارق ببعضِ الاهتمام...؛ يتحدثُ بعدمِ تصديقٍ لوجودِ تلكَ العلاقةِ الجادةِ فى حياة ابنه
تركَ الفنجانَ على الطاولةِ ثم أجابه: ربما هو حقاً جادٌ كما يقول... من يدرى؟
-جادٌ؟ ذلكَ الكائنُ المستهترُ...؛ هذا لا فائدة ترجى منه...؛ يكفينى ما حدثَ مع نيريمان..
-ولكن... شئنا أم أبينا فذلكَ الموضوعُ كان خطأنا نحنُ من البدايةِ...؛ أجل قد تكونُ طريقةُ علاجه للمشكلةِ سيئةً ولكن هذا الشىءُ الوحيدُ الذى كان يمكنه فعله...
سكتَ لحظةً قبل أن يتابعَ: هل تعلمُ أن نيريمان عرفتنى على أحدهم قبل عدةِ أيامٍ..؟ نظر إليه صالح بدهشةٍ فيما أكملَ طارق: ما أحاولُ قوله... الحياةُ تستمرُ... لا يمكننا التوقفُ عند فشلِ علاقتهما سوياً...
من يدرى ربما كانَ هذا أفضلُ لكليهما...؟
...كما أننى أشعرُ أنكَ ستكونُ سعيداً باختياره هذه المرةَ...
-لا أدرى لماذا أشعرُ أنكَ على علمٍ بهويةِ الفتاةِ..؟
-ربما... ابتسم طارق بينما نهضَ من مكانه وتابع: على كلٍ أنا لدى بعضُ الأعمالِ اليومَ..؛ قد أمرُ على الشركةِ مجدداً فى المساءِ... أراكَ فيما بعد...
......................................................
-...حسناً وهذا المرض؛ الأدويةُ المستخدمةُ... ما كلُ هذا؟ لماذا تدرسوننى أدويةً لا تستخدمُ فى الوقتِ الحالى..؟ أغلقتْ كتابها بمللٍ بينما أرجعت رأسها للخلفِ...
...الموازنةُ بينَ الدراسةِ والعملِ صارتْ أصعبَ مما مضى...؛ حتى علاقتها العاطفيةِ... كانتْ تتخيلُ أن الأمرَ مجردُ أزهارٍ ورسائلُ صباحيةٌ...؛ فقط السيرُ سوياً على الساحلِ... مكالماتٌ غزليةٌ وما شابه...
اتضحَ أنه ليسَ بسيطاً هكذا؛ ثمةَ شىءٌ يجعلها تشعر بالمسئوليةِ تجاهه...؛ مسئوليةٍ أكبرَ منها بكثيرٍ...
طبيعىٌ للغايةِ..؛ نظراً للاختلافِ الشاسعِ بينهما فى كل شىءٍ.
الحبُ ليسَ كل شىءٍ...
خرجت من شرودها على صوتِ فتحِ البابِ؛ اعتدلت فى جلستها بينما وجهت بصرها نحو الباب..؛ قالت بدهشةٍ: طارق بيه... أهلاً بكَ...
-الطبيبة الصغيرةُ... ابتسم ببساطةٍ بينا قالَ: ماذا تفعلينَ هنا؟ هل لديكِ مشكلةٌ أو ما شابه..؟
-أبداً... أنا أعملُ هنا منذ فترةٍ...؛ بفضلِ مساعدةِ نيريمان بالطبعِ...
-جيدٌ...  قال بهدوءٍ بينما جلسَ على الكرسىِ المقابلِ لها؛ كنتُ سأوقعُ بعضَ الأوراقِ اليومَ؛ هل هى معكِ؟
-أعتقدُ أنها مع المديرِ؛ ولكنه ليسَ هنا الآنَ... أظنُ أنه سيعودُ بعد نصفِ ساعةٍ على أقصى تقديرٍ...
-لا مشكلةَ... يمكننى أن أنتظره...
-أنا أعتذرُ...  قالت وهى تنظر إليه بهدوءٍ...
-لماذا تعتذرينَ يا ابنتى؟ ليسَ ذنبكِ... حقاً لا مشكلةَ... ابتسمَ لها بينما تركَ هاتفه على الطاولةِ؛ لتقترحَ هى بلطفٍ: ماذا أقدمُ لكَ...؟
-كوبٌ من الشاى سيكون جيداً للغايةِ؛ ولكن لا تنسى أن تضعى لكِ أنتِ أيضاً لأننى لا أحبُ أن أشربَ شيئاً وحدى...
أومأت له بابتسامةٍ خافتةٍ بينما سارت نحو المطبخِ....
.......وضعت الصينية الصغيرةَ على طاولتها المرتبةِ ثم جلست على الكرسى قائلةً: كم أضعُ من السكرِ؟
-أنا سأتصرف... سلمت يداكِ..
-بالعافيةِ... أمسكت كوبها وبدأت ترتشفُ القليل منه فيما كان هو يتابعُ تقليبَ كوبه؛ عاد ينظر إليها ويقولُ بابتسامةٍ حزينةٍ: ألينا أيضاً كانت تشربُ الشاى بدون سكرٍ...
-من ألينا..؟
-زوجتى-...أعنى والدة نيريمان-؛ حسناً لا تعبسى هكذا إنما خطرَ على بالى فقط عندما انتبهتُ لكِ...
أومأتْ له دونَ كلامٍ ثم عادت إلى كوبِ الشاى خاصتها...
-كيفَ يسيرُ الوضعُ مع يوسف...؟   اتسعت عيناها فجأةً على سؤاله التلقائى هذا؛ وبتلقائيةٍ أكبر نظرت إليه... تحاولُ تكوينَ جملةٍ ذات معنى فى عقلها دون جدوى؛ تورد وجهها قليلاً بينما قالت: أنا.. ذلكَ الموضوع...
-حسناً لا تتابعى لا مشكلةَ؛ لم أقصد إزعاجكِ بسؤالى... ولكننى رأيتكما سوياً فى الشركةِ ذات مرةٍ لذا سألتُ... لا تهتمى...
-لم أنزعج... ابتسمت بحزنٍ بينما تابعتْ: عقلى مشوشٌ هذه الأيامَ، لا أدرى إن كانَ ما أفعله صواباً أم لا.
-موضوعُ الصوابِ والخطأِ أمرٌ نسبىٌ..، وأنتِ ما زلتِ صغيرةً وقليلةَ الخبرةِ فى الحياةِ.. لذا من الطبيعى أن تتخبطى بهذا الشكلِ...
-ربما تكونُ محقاً؛ أنا حقاً لا أجيدُ التعاملَ مع أى شىءٍ... يبدو أننى سأعود من جديدٍ إلى طريقتى المعتادة مع كلِ مشاكلى فى الحياةِ...
صمتَ قليلاً فى محاولةٍ منه لتخمينِ مكنونِ كلامها دونَ جدوى؛ لتقطعَ هى الصمتَ عندما عادت تنظر إليه ثانيةً وتابعت: شكراً على سؤالكَ... أنا سآخذُ هذه الأكوابَ
نهضت من مكانها ثم مدت ذراعها ممسكةً الكوبَ الذى أمامه؛ ليلفتَ نظره ف هذه اللحظة... تلكَ القطعةَ اللامعةَ التى انحنتْ أسفلَ عنقها...
-جميلةٌ هذه القلادة، تبدو تصميماً خاصاً أليسَ كذلكَ..؟
-أجل... هديةٌ...؛ ابتسمت وهى تلامسُ القلادةَ بأصابعها؛ ذلكَ التصميمُ المميزُ الذى يتحدثُ عنه...، مزيجٌ من اسمين بالأحرفِ اللاتينيةِ       "Meryem, Yusuf"
...هديته التى فاجأها بها مع بدايةِ العامِ الجديدِ...
******************************************
-....فريدة؛ لا تنتظرينى اليومَ فقد أتأخرُ قليلاً...  نطقت بهذه الكلماتِ بصوتٍ مرتفعٍ إلى حدٍ ما... أثناءَ انتعالها لحذائها بجوارِ البابِ...
-لماذا لا تنتظريننى قليلاً؟ ما زالَ الوقتُ باكراً...
-لا شىءَ، أريدُ أن أتمشى قليلاً قبلَ الذهابِ للجامعةِ، خرجت الأخرى من غرفتها لتقولَ وهى تتابعُ جمعَ خصلاتِ شعرها للأعلى: منذ عدة أيامٍ وأنتِ تخرجينَ وحدكِ باكراً، ما الأمرُ هل لديكِ مشكلةٌ مع يوسف؟ هل أزعجكِ ذلكَ المنحرفُ الحقيرُ؟
-...لا لم يفعلْ شيئاً...؛ هو لم يفعلْ أى شىءٍ...
-ما هذا الآنَ؟ تتحدثينَ بغرابةٍ  
-لا تهتمى،  على كلٍ أراكِ فيما بعد... أبلغى مراد ونيريمان تحياتى...
تابعت رحيلها بعدم فهمٍ؛ ما الذى حدثَ لهذه الفتاةِ؟ كانت غريبةَ الأطوارِ فى الأصلِ... ولكنَ الوضعَ تضاعفَ فى الآونةِ الأخيرةِ...؛ كما لو أنها... فقدت بريقها تماماً...
-...مريم هذه تستحقُ الضربَ...؛ لا تعلمُ أن الخبرَ لو انتشرَ قليلاً ستصيرُ محطَ أنظارِ جميع الفتياتِ... وهى تتجولُ ببؤسٍ هكذا....
عادت إلى غرفتها بينما تابعت: ستحولُ الشابَ المرحَ الذى مثلُ الوردةِ إلى كئيبٍ مثلها......
.......................................................
....عادت تجلسُ على الكرسى مجدداً بإرهاقٍ بعد جولةٍ طويلةٍ بينَ الرفوف والملابسِ المعلقةِ فى كل مكانٍ؛ بالكادِ خرجت من الجامعةِ لتتجه مباشرةً نحو مكانِ عملها...؛ وها هى الآنَ تجلسُ فى أحدِ أشهرِ متاجرِ الملابسِ... تنتظره لينتهى من قياسِ الزى رقم... لم تعد تذكرُ الرقمَ نظراً لكثرتهم...
...طلبَ منها أن تأتى معه فلم ترغبْ بكسرِ رغبته على الرغم من كونه يوماً مرهقاً ولكن...
...لقد اتضحَ أنه أسوأ حالاً من الفتياتِ فى موضوعِ تضييعِ الوقتِ أثناء التسوقِ...
-ما رأيكِ؟.. ها هو قد خرجَ أخيراً من غرفة تبديلِ الملابسِ؛ رفعت رأسها نحوه...
قميصُ رمادى اللونِ... ثقيلٌ إلى حدٍ ما؛ وبنطالٌ قماشىٌ أسودُ اللونِ...
...وأخيراً تلكَ السترةُ السوداء التى اكتملت بها اطلالته الرسمية...
-جيدٌ؛ يبدو جميلاً؛ هل أختارُ لكَ ربطة عنقٍ..؟
-لا لا أحبها؛ تشعرنى بالاختناقِ؛ أنوى تركَ الأزرارِ الأولى مفتوحةً فى الأصلِ..
-هل ستخبرنى لماذا تشترى ملابسَ رسميةً أصلاً؟ أهى تعليماتٌ بشأنِ العملِ أو ما شابهَ..؟
-لا؛ لا أحدَ يمكنه أن يجبرنى على شىءٍ؛ يمكنكِ القولُ أننى سأحتاجها قريباً؛ سأخبركِ فى الوقتِ المناسب
أومأتْ له بلا اهتمامٍ؛ أما هو فقد اقتربَ منها قليلاً وتابعَ: متأكدةٌ أنه جميلٌ أليسَ كذلكَ..؟
-قلتُ أنه جميلٌ وانتهى...؛ هذا هو الطقمُ العاشرُ الذى لا يعجبكَ تقريباً؛ نظر إليها بعدم فهمٍ لسببِ انفعالها الغريبِ هذا، لتتنفسَ هى بعمقٍ وتتابعَ: لم أقصد...؛ أردتُ القولَ أنه جميلٌ حقاً؛ أحبُ الرمادى مع لونِ عينيكَ..
-هل أنتِ بخيرٍ؟
-أجل، الإرهاقُ العادى..
-ولماذا لم تقولى منذ البدايةِ؟ أنا آسفٌ لم أنتبه...
-لأنه لم يكن هناكَ داعٍ حقاً؛ على كلٍ إذا انتهيتَ هيا لنخرجْ..
-لمَ العجلةُ؟ لو نشترى لكِ شيئاً أولاً...؟
-سأتغاضى عما تقوله الآنَ؛ أنتظركَ فى الخارجِ...  تجهمت قسمات وجهها قليلاً بينما أفلتت يده عازمةً على السيرِ نحو الخارجِ... ليوقفها هو مجدداً بينما قالَ: حسناً أنا آسفٌ، لم أقصدْ...
تحدثتُ هكذا دونَ تفكيرٍ...؛ أجابته بلا اهتمامٍ: لا مشكلةَ...
-لا أنتِ غاضبةٌ حقاً، انظرى إلىَّ... قرَّبها منه أكثرَ مستعيناً بذراعه التى احتوتها بلطفٍ؛ بينما استخدمَ الأخرى فى رفعِ وجهها نحوه...
-تعلمينَ أننى لم أقصدْ شيئاً؛ هل تصالحنا الآنَ؟... هزت رأسها بخفوتٍ ليبتسمَ لها بينما تابعَ العبثَ بخصلاتِ شعرها المتناثرة بعشوائيةٍ على جانبِ وجهها... قبلَ أن يجدَ نفسه يقتربُ منها أكثرَ بتلقائيةٍ...
...حسناً؛ نيته واضحةٌ للغايةِ، لماذا لا تتحركُ؟ ماذا يحدثُ...؟
-يوسف بيه إذا....   شهقَ فجأةً بينما تراجعَ للوراءِ مغمضاً عينيه؛ عاد يفتحهما مع زفيرٍ طويلٍ ثم التفتَ نحو تلكَ الفتاةِ العاملةِ قائلاً: حسناً سآتى الآنَ...
هزت رأسها بإحراجٍ قبلَ أن تنسحبَ سريعاً فيما قالَ هو بغيظٍ: فى وقتها تماماً...
تحركَ باتجاه الطاولةِ الصغيرةِ ملتقطاً مفتاحَ السيارةِ ثم قالَ: خذى المفتاحَ وانتظرينى فى السيارةِ، لن أتأخرَ... لأنَ هناكَ موضوعٌ مهمٌ أريدُ إخباركِ به...
التقطت المفتاحَ ثم خرجت من أمامه بسرعةٍ؛ أما هو فسار محبطاً نحو غرفةِ الملابسِ وهو يحدثُ نفسه بخيبةِ أملٍ: منذ عدةِ ساعاتٍ ونحنُ وحدنا ولم تجدْ إلا هذه اللحظةَ لتأتى... يعنى عندما لم تدفعنى هى تتم مداهمتنا؛ ما هذا النحس....؟

مريم♥️... " قيد الكتابة والتعديل اللغوي"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن