الفصل الخامس عشر... 4

235 29 0
                                    

أخذ رشفةً صغيرةً من فنجان القهوة الخاص به؛ يشعر بنسمات الهواء الباردة تهب من كل جانبٍ؛ مثل هذا الجو الذى يبشر بقدوم الشتاء يشعره براحةٍ، ألقى نظرةً خاطفةً على ساعة يده ليستنتج أنها تأخرت قليلاً-كعادتها-؛ ابتسم برضا عندما خطر على باله كيف تمكن من استغلال موقف الليلة السابقة بنجاحٍ....
-مساء الخير، لم أتأخر كثيراً أليس كذلك؟
أفاقه من شروده صوت فريدة التى سحبت الكرسى المقابل له وجلست عليه بهدوءٍ
أخذ يطالعها بهدوءٍ ويتأمل هيئتها الأنيقة والجميلة ثم أجابها بابتسامةٍ: مساء الخير يا فريدة...
-لماذا تنظر إلىَّ هكذا؟
-كيف هكذا؟...  أسند ذراعه على الطاولة وأراح ذقنه على رسغ يده ..
-أنتَ تفهم ما أعنيه جيداً...  أجابته مع توردٍ بسيطٍ فى وجنتيها...
-جيد وأنتِ أيضاً تفهمين كلَ شىءٍ، دعينا نبتعد عن المراوغة والعبث ونتحدث بوضوحٍ..
-تمام سنتحدث لمَ العجلة؟ ألن نتناول العشاء أولاً؟ 
قالت بابتسامةٍ بسيطةٍ وهى تمسك قائمة الطعام..
-لم أكن أعلم أنكِ خجولةٌ هكذا، لا مشكلة لنطلب الطعام
........................ تابعت فريدة تناول كعكة الشكولاتة الخاصة بها تحت أنظار مراد الذى بدأ يتحدث: علينا أن نبعدكِ عن يوسف، ستكتسبين عاداته السيئة...
-وأنتَ يبدو أنكَ لا تحب الحلوى مثل مريم...
-لا ليس إلى هذه الدرجة، فقط أحب الحفاظ علي صحتى..، والآن هل أبدأ الحديث؟
-ابدأ...  ابتسمت له وهى تمسح آثار الشكولاتة عن وجهها... 
أخذ نفساً عميقاً ثم مد يده محتضناً كفها بين أصابعه وقال: أنا كنتُ طفلاً عادياً جداً؛ حتى عمر الخامسة تقريباً، فى تلك الفترة زادت الخلافات بين أمى وأبى؛ لم أكن فى عمرٍ يسمح لى بفهم الأمر جيداً ومعرفة من المخطأ، كل ما أذكره اننى كنتُ أنام على صوت شجارهما...
-لم أفهم ما علاقة هذا بمقاطعتكَ لوالدتكَ؟
-لأنها لم تكتفِ بأنها انفصلت عن والدى ومنعته من رؤيتى؛ اكتشفت عندما كبرتُ قليلاً أنها كانت تستغلنى لتجبر أبى على إرسال كمياتٍ كبيرةٍ من النقود إليها؛ والمضحك أنها لم تنفق أى شىءٍ منها على وإنما وضعتها فى حسابها الشخصى... ثم تابع بمرارةٍ: لم أقابل أبى لما يزيد عن سبع سنواتٍ؛ حتى التحقتُ بالجامعة وحاولتُ التواصل معه..
توقف عن الكلام ورفع كفه يمسح تلك الدمعة التى فرت من عينه..
-تمام يكفى لا تضغط على نفسكَ
-...اكتشفتُ فى ذلك الوقت أن كل ما كانت أمى تقوله بشأن خيانة أبى لها كذبٌ؛ وأنه كان يحاول الوصول إلى طوال تلك السنوات، كان وحيداً وساءت صحته؛ كان فى حاجةٍ إلى وجودنا معه ولكن أمى من تخلت عنه...
-وكيف حاله الآن؟ هل تلتقيان؟  سألت فريدة وهى تضغط بأصابعها على كفه
-أجل نلتقى بين حينٍ وآخر؛ هو يتنقل بين اسطنبول ولندن
-ووالدتكَ؟
-لا أدرى ولا أهتم؛ كل ما أعرفه أنها ما زالت تعيش وحدها بين نقود أبى التى أخذتها منه؛ تحاول التحدث معى كل فترةٍ ولكننى لم أعد مغفلاً لأنخدع بكلامها المعسول...
-ولكن... مهما حدث فهى تظل والدتكَ، لا يمكنكَ تغيير هذه الحقيقة مهما هربتَ منها..
-أعلم هذا.. أجاب بابتسامةٍ منكسرةٍ ثم تابع: أنا شاركتكِ أهم سرٍ فى حياتى؛ لا يعلم بهذا الأمر سوى يوسف والآن أنتِ؛ لأنكِ غاليةٌ جداً بالنسبة لى يا فريدة، أغلى مما تتصورين...♥️
.......................................................................
...توسط قرص الشمس الذهبى السماء معلناً عن وقت الظهيرة؛ هذا الوقت فى العادة هو ساعة الغداء فى الشركة؛ أبطأ يوسف سرعة السيارة قليلاً عندما اقترب من الساحل وأخذ يفحص المكان بعينيه باحثاً عنه...
-ها هو هناك..  قال مراد وهو يشير  إليه
-تمام...  ابتسم يوسف قليلاً ثم تحرك بالسيارة ليوقفها فى مكانٍ مناسب؛ وترجلا منها سائرين فى اتجاهه....
-...فريدة قالت أننى سأجدك هنا...    قال يوسف بهدوءٍ بينما تابع السير حتى جلس بجواره على الصخور المرتفعة وبصحبته مراد...   استفاق من شروده على صوته...، نظر إليه عدة لحظاتٍ دون كلامٍ حتى افتتح يوسف الحوار بقوله: هل أنتَ بخيرٍ؟...
-لماذا جئتَ؟     أجابه فاتح بهذا السؤال وهو يحدق فى الأمواج الهادئة...
-أعلم أنكَ لا تتقبلنى؛ وربما أنتَ تكرهنى أيضاً... ؛ ولكننى فعلتُ ما جاء من داخلى فقط..
-سأعطيكما نصيحةً صغيرة؛ من شخصٍ يدفع ثمن خطأه حالياً؛ لا تؤجلا أى شىءٍ يمكن فعله اليوم إلى الغد؛ قد لا يأتى هذا الغد أبداً، كنتُ أنوى أن أصالح أبى فى الغد ولكن الغد لا يأتى بأى شكلٍ ولن يأتى..
أطرق يوسف رأسه بشرودٍ؛ فيما تغيرت ملامح مراد إلى الحزن؛ لا يدرى لماذا ولكنه وبطريقةٍ ما يرى الأمر كما لو أنه إشارةٌ له؛ صحيحٌ أنه غاضبٌ ولن يخمد غضبه بسهولةٍ؛ ولكن الواقع لا يتغير... مهما حدث فهى تظل والدته، زفر بعمقٍ وهو يفكر فيما إذا كانت حكاية فاتح مع والده تحمل فى طياتها رسالةً من أجله؛.... سامحها قبل أن يفوت الأوان....
قطع يوسف الصمت الذى سيطر على المكان قائلاً بابتسامةٍ داعمةٍ وهو يضع ذراعه على كتف فاتح: أنا لا أعرفُ الكثير عنكَ ولم أستطع أن افهم بوضوحٍ الأمر الذى تحاول شرحه؛ ولكن... المرات القليلة التى تعاملتُ معكَ فيها كفيلةٌ بإقناعى أنكَ لا ترتكبُ سوءً بحقِ أحدٍ عن عمدٍ؛ لذا لا تضغط على نفسكَ بهذا الشكل.....
ابتسم فاتح وقال بتعجبٍ: حقاً لستَ كما تبدو أبداً؛ لا عجبَ أنكَ تمكنت من الاتفاق مع مريم...
-ومن قالَ لكَ أننا متفقان أصلاً؟ هذا غير صحيحٍ...
تنهد فاتح بعمقٍ ثم قال: على كلٍ؛ من الجيد أنكما جئتما، هناك موضوعٌ أرغب فى أخذ رأيكما به؛ يعنى بصفتكما مقربان منها من المؤكد أنكما تعرفان ماذا يجب أن أفعل...
-من تقصد؟ سأل يوسف بعدم فهمٍ فيما توصل مراد إلى الجواب سريعاً، استطرد فاتح يقول بعد أن اخذ نفساً عميقاً استجمع به كل شجاعته:....  نيريمان....
****************************
من المفترض أن تكون هذه العطلة الصغيرة التى أعطاها له والده من أجل الراحة فى البيت؛ إلا أنه يفعل العكس تماماً؛ تابع سيره فى هذا الممر الضيق وهو ينظر فى الكاميرا الأمامية لهاتفه ليلاحظ ملامح وجهه التى طغى عليها الشحوب...؛ زفر بعمقٍ قبل أن يتوقف ويطرق الباب؛ ثم دخل بعدما وصله إذن الدخول...
-.....يوسف بيه، تفضل...  قالت تلك المرأة وهى تنهض من مكانها وتابعت: حمداً لله على سلامتك، كيف حالكَ الآن؟...
-بخيرٍ، شكراً لكِ سيدتى... أجابها يوسف بامتنانٍ بينما أغلق الباب وسار باتجاه الكرسى المقابل لها...
تنهد بعمقٍ وهو يبحث عن طريقةٍ للدخول إلى الموضوع الذى جاء من أجله، حمحم قليلاً ثم تابع: لا شكَ أنكِ تذكرين موضوع ملف مريم، لم نكمل حديثنا فى المرة السابقة بسبب الحادث، هل يمكننى الاطلاع عليه؟
-ومريم؟  سألت المديرة بريبةٍ
-أريد أن أراه أولاً، حتى لا تتأمل بدون فائدة...
أخذت نفساً عميقاً ثم قالت: ما أفعله الآن غير قانونى ولكننى أوافقكَ الرأى فى أن لا نعطيها أملاً زائفاً
تابعت حديثها وهى تفتح الدرج السفلى وتخرج منه الملف قائلةً: ليس فيه شىءٌ واضحٌ ولكن مع هذا يمكنكَ أن تفحصه
التقط يوسف الملف من بين يديها، مجموعةٌ من الأوراق القديمة تحمل اسمها بخطٍ عريضِ "مريم يلماز"
..لا شىءَ غير عادىٍ؛ الصفحة الأولى تحمل صورةً باهتةً للصغيرة وقت وصولها للميتم، اخذ يتفحص الصورة بعينيه بابتسامةٍ خافتةٍ؛ إنها جميلةٌ منذ صغرها حقا، تابع قراءة المعلومات المدونة بجوار الصورة وهو يستمع إلى حديث المديرة....
-كل ما أعرفه أن رجلاً عجوزاً هو من جاء بها إلى هنا، ستجد إسمه مكتوباً فى الصفحة الثانية، لم أقابله بنفسى عندما جاء لهنا لذا لم أتمكن من معرفة كيف عثر عليها أو أى معلومةٍ أخرى....
-ولماذا لم تحاولوا التواصل معه بعد هذا؟ حسب ما أراه فإن عنوانه مدونٌ هنا...   سألها يوسف باهتمامٍ لتجيبه هى بأسفٍ: وهذا ما فعلناه ولكن للأسف.... كان الرجل قد توفى وزوجته لم تعطِ أىَ معلومةٍ مفيدةٍ..
أومأ يوسف بتفهمٍ وقد بدأ اليأس يتسرب إلى داخله؛ يبدو أن المديرة كانت محقةً، من الجيد أننى لم أحضر مريم معى...
-عندما لم نصل لأى شىء لم أجد بداً من أن أعطيها لقباً مستعاراً وأضمها لفتيات الميتم...، وقمنا بتسجيل ذلك اليوم على أنه يوم مولدها، لم نستطع تحديد عمرها بوضوحٍ فقدرته بنحو عامٍ...
-فهمت...      صوت طرقاتٍ هادئةٍ على الباب قاطع حديثهما، أذنت المديرة للطارق بالدخول والذى كان مألوفاً ليوسف- بيرى-
حدقت الفتاة بيوسف قليلاً قبل أن تبتسم وتقول: حمداً لله على سلامتك كنا سنزوركَ ولكن مريم قالت أنه لا داعى
-شكراً لكِ...
-ماذا كنتِ تريدين يا بيرى؟    سألتها المديرة بجديةٍ
-هناكَ بعض الطرود وصلت بالخارج والرجل يريد توقيقكَ، ولكن كالعادة العم كمال لم يسمح له بالدخول؛ ثم أدارت رأسها نحو يوسف وقالت بمزاحٍ: صحيح أنتَ كيفَ دخلتَ إلى هنا؟...
-أعطانى تصريحاً بالدخول لأننى صديق مريم، وعلى حد قوله مريم لا تصادق شخصاً سيئاً...
-تمام سآتى الآن وأنتَ انتظرنى هنا قليلاً ريثما أعود..  قالت المديرة وهى تنهض من الكرسى وتغادر الغرفة
...ما إن أغلقت الباب حتى عاد يوسف يمسك الملف بسرعةٍ ويلتقط بعضاً من الصور له....
....................خرج من المكتب وسار نحو الحديقة ليرى المديرة واقفةً بجوار البوابة، تابع طريقه نحوها وقال: أنا سأغادر الآن وأعاود زيارتكِ فى وقتٍ آخر، أريد أن نتحدث بشأن هذا الميتم وكيف نقوم بتطويره
-من النادر أن يحبَ الشباب فى مثل عمركَ عمل الخير، أرجو أن تبقى هكذا دائماً....
ابتسم لها بامتنانٍ ثم سار نحو الباب ليوقفه صوتها
-...على فكرة تليقان ببعضكما كثيراً..
استدار نحوها وأجاب بابتسامةٍ: ليس بيننا شىءٌ كما تظنين، ولكن شكراً على الإطراء، أراكِ فيما بعد....
...إنكار ما يجول بداخلكَ من مشاعر ليس قوةً، بل إنه ضعفٌ وخوفٌ من الحقيقة وما قد يترتب عليها....
****************************************
-مريم، ألم تنتهى من إعداد الشاى حتى الآن؟
صدح صوت فريدة الجالسة على الأريكة أمام التلفاز تتنقل بين القنوات بعشوائيةٍ لتجيبها مريم بصوتٍ مرتفعٍ: لو أنكِ أتعبتِ نفسكِ وجئتِ لمساعدتى قليلاً لكنتُ انتهيتُ منذ وقتٍ طويلٍ
-أنا جالسةٌ هنا فى وضع الاستعداد لأستقبل الضيوف
أجابتها فريدة ببرودٍ ثم تركت جهاز التحكم وأمسكت علبة مساحيق التجميل الخاصة بها؛ تحاول انتقاء لون طلاء أظافرَ ملائمٍ لها....، فى نفس الوقت سمعت صوت جرس الباب......
-ليتنى ذكرتُ شيئاً آخر... قالت فريدة لنفسها بسخريةٍ وتابعت: مريم، هل قالَ يوسف أنه سيأتى؟
-وما أدرانى أنا؟ اذهبى وافتحى ألم تقولى أنكِ تنتظرين الضيوف؟؟
نهضت فريدة من الكرسى بتكاسلٍ وانتعلت حذاءها المنزلى ثم سارت نحو الباب وفتحته..
-مساء الخير..
-نيريمان!!   قالت فريدة وهى تنظر إليها بدهشةٍ
-أعتذر جئتُ من دون موعدٍ
-لا مشكلة، تفاجئتُ فقط.. تفضلى   قالت فريدة بلطفٍ وقد تنحت جانباً لتسمح لها بالمرور
...دخلت الفتاتان إلى غرفة المعيشة، أشارت فريدة لها بالجلوس على الكرسى وجلست هى فى مقابلتها...
-أحتاج إلى مساعدتكما فى أمرٍ...
-بالطبع لننتظر مريم حتى تأتى ثم نتحدث   قالت فريدة بعدم فهمٍ وتابعت: ولكن.. أكره الاعتراف بهذا ولكن الملابس غير الرسمية تليق بكِ كثيراً     ابتسامةُ إعجابٍ لاحت على ملامح فريدة وهى تتفحص هيئة نيريمان؛ كنزةٌ خريفيةٌ بيضاء اللون وبنطالٌ قصيرٌ من الجينز الأزرق، وأخيراً الحذاء الرياضي ناصع البياض، عكصت شعرها للأعلى تاركةً بعض الخصلات بعشوائيةٍ على جبهتها وعنقها؛ مع طوق شعرٍ كبير أبيض اللون على مقدمة رأسها...
-لا أدرى هل أفرح أم أحزن، ولكن شكراً لكِ... ابتسمت نيريمان هى الأخرى
خرجت مريم من المطبخ حاملةً أكواب الشاى وقالت بلطفٍ: أهلاً بكِ، هل تشربين الشاى أم أعد لكِ قهوةً؟
-كوبٌ صغيرٌ من الشاى، ولكن أكثرى السكر لو سمحتِ
-تتناولين السكر بكثرةٍ مثل يوسف...    وضعت مريم الصينية على الطاولة وقامت بإضافة السكر إلى أحد الأكواب وناولته لنيريمان؛ ثم جلست على الأريكة
-لن أطيل عليكما، ا.. تعلمان أن يوسف سيزيل القطب عن الجرح غداً، لذا كنتُ أفكر أن نقيم احتفالاً صغيراً بيننا، جميعنا توترنا كثيراً فى الفترة الأخيرة لذا فكرت فى أن يكون هذا تغييراً من أجل الجميع..
-يعنى... لا أدرى، تفكيركِ جيدٌ ولكننى لستُ فى مزاجٍ لحضور حفلٍ، خاصةً فى مثل هذه الظروف....؛ كما أننى أهملتُ فاتح فى الأيام الأخيرة... أعلمُ أنكِ لا تقصرين فى الموضوع ولكننى أفكر فى أن أراه غداً
قالت فريدة وهى تحدق بها بنظراتٍ ذات مغزى لتقاطعها نيريمان قائلةً: لا لن يكون حفلاً كما تتخيلين، مجردُ شىءٍ صغيرٍ بيننا بدون موسيقى أو كحول أو أى شىء؛ ولأقول الصدق فأنا فكرتُ فى الأمر من أجل فاتح فى الأصل ولكننى سأستخدم أمر يوسف كحجةٍ لإقناعه... 
-لحظة توقفا هنا؛ أشعر أننى فوتتُ شيئاً ما     قالت مريم بملامح مستفهمةٍ ثم ضيقت عينيها وهى تنظر لنيريمان وتابعت: أنتِ وفاتح، لم أفهم....
-مريم عزيزتى أنتِ لستِ جيدةٍ فى أمور الفهم والتفكير أصلاً  قالت فريدة بسخرية
-لا أصدق، منذ متى وأنتما معاً؟  سألتها مريم بابتسامةٍ
-ليس كذلك  أجابت نيريمان بخجلٍ ، لا شىء واضح حتى الآن، على كلٍ هل توافقان؟ هل أتحدثُ مع يوسف؟
-أنا لا مشكلة لدى إذا وافق فاتح
-وأنا ليس لدى امتحاناتٌ خلال هذا الاسبوع ..
-إذن اتفقنا، سأتصل به الآن   أخرجت هاتفها وهمت بالاتصال لتتفاجأ بمكالمةٍ منه، ابتسمت ثم فتحت الخط ومكبر الصوت...
-فى وقتكَ تماماً
-وما الجديد؟ أنا دائماً دقيقٌ فى مواعيد مكالماتى، كيف حالكِ؟
-بخيرٍ، وأنت؟ ستزيل القطب غداً...
-أجل أخيراً، وبهذه المناسبة ما رأيكِ أن نذهب لمحل الحلوى الجديد؟
-فكرةٌ جيدة ولكن لدى اقتراحٌ أفضل، سنقيم احتفالاً صغيراً بيننا؛ يعنى نحن ومراد وليلى وفريدة ومريم وفاتح، ما رأيكَ؟
-لا مشكلة لدى ما دامت بيلين ليست ضمن القائمة، ولكن... تابع حديثه بنبرةٍ توحى بالسخرية: ستخرج المادة الخام للكآبة الآن وتقول ببرودٍ تام: لدى امتحانٌ غداً، لن أحضر... لذا فى رأيي لا تتعبى نفسكِ بإخبارها
-ماذا قلتَ؟   قالت مريم باستنكارٍ وهى ترفع حاجبيها
-هل أنا أتخيل أم أننى سمعتُ صوت مريم الآن؟
-للأسف أنتَ لا تتخيل  أجابت فريدة بضحكٍ لتضحك نيريمان هى الأخرى ...
-فريدة؟ نيرو أين أنتِ؟
-فى منزل فريدة ومريم، كنتُ أسألهما بشأن الحفل ووافقتا، ولكن للأسف أحدهم أفسد الأمر الآن...
-لم يحدث شىء، كنتُ أمزح فقط، أليس كذلك يا مريم؟
-لا ليس كذلك، غيرتُ رأيي، لا أريد أن أحضر لأننى مشغولةٌ ولدى امتحانٌ... التقطت كأس الشاى وارتشفت منه القليل...
-اوف لماذا تغضبين من الحقيقة؟ ألستِ تفعلين هذا دائماً؟
-وما شأنكَ بى؟ أنا أتصرف كما يحلو لى ولا يحق لكَ التدخل، اسمع أنا غاضبةٌ منكَ أصلاً فلا تضغط علىَّ
مدت يدها والتقطت الهاتف من نيريمان لتسمع صوته يقول: لماذا؟ ماذا فعلتُ لكِ؟
-وتسألُ أيضاً، لماذا ذهبتَ إلى الميتم اليوم؟ ألم نغلق هذا الموضوع؟
-الثرثارة الصغيرة أخبرتكِ أليس كذلك؟
-يعنى لو لم تقل بيرى ما كنتَ ستخبرنى؟
-ما العلاقة؟ ثم إننى ذهبتُ لأجل التبرعات، لا علاقة لكِ بالموضوع، هل ارتحتِ؟ هل انتهى الاستجواب الآن؟
-لا أريد التحدث معكَ، نيريمان خذى الهاتف    مدت يدها بالهاتف لنيريمان وقالت بصوتٍ مرتفعٍ: وبالنسبة للحفل؛ لن آ ت ى.... ثم ضغطت على زر إنهاء المكالمة
...اخذت نيريمان الهاتف منها وهى تقول بدهشةٍ: ماذا كان هذا العرض الآن؟ مريم أنتِ تمزحين أليس كذلكَ؟
-لا، لا أمزح، حقاً غيرتُ رأيي ولن آتى..
-ولكن...
-دعكِ منها لن تغير رأيها   اراحت فريدة ظهرها على الكرسى وتابعت: أخبريني ما نوع الحلوى التى سنحضرها؟...... ..............
*****************************************
سرعان ما أتى يوم الغد.....
أمسكَ بذراع ليلى ليجعلها تدور ثم أطلق صافرة إعجابٍ بثوبها المخملى؛ نادراً ما يراها بمثل هذه الأثواب الرقيقة...
-متى أصبحتِ جميلةً هكذا يا فتاة؟؟ كيف لم انتبه إليكِ طوال هذا الوقت؟
-لأن عينيكَ لا زائغتان ولا تريان الجمال الحقيقى كجمالى...
-لهذا أقول دائماً أن لا أجامل الفتيات؛ بسبب هذا الغرور اللحظى...
ابتسمت ليلى وهى تلكمه فى ذراعه ثم قالت بغمزةٍ: أينَ خاصتكَ؟ ألم تأتِ حتى الآن؟
-كم مرةً على أن أقول أن ما يدور فى رأسكِ ليس صحيحاً؟ من المفترض أن تأتى مع فريدة؛ هذا طبعاً إذا جاءت...
-إذا جاءت؟ رفعت حاجبها باستنكارٍ ثم تابعت: أم أنكَ فعلتَ لها شيئاً؟
- لم أفعل شيئاً.. أجابَ بضيقٍ واضحٍ ثم ربت على كتفها وقال:أنا سأذهب لرؤية مراد ثم أعود إليكِ
............................
.....هل رأيت؟ لم تحضر.  قال يوسف بإحباطٍ إثر رؤيته فريدة تدخل وحدها.
-ولكن فريدة تبدو رائعةً أليس كذلك؟  قال مراد بصوتٍ خافت وهو يرمقها بنظرات إعجاب..
أومأ يوسف له بشرودٍ،كانت تقترب منهما لذا حاول رسم ابتسامةٍ هادئة على محياه..
-يوسف، حمداً لله على سلامتكَ...  قالت فريدة وهى تصافحه
-أشكركِ لمجيئكِ.. قال لها بامتنان وهو يمسك كفها بكلتا يديه تحت أنظار مراد المنزعجة،على فكرة تبدين مذهلةً الليلة..
ابتسمت بلطفٍ،أفلت كفها لتتجه هى بأنظارها نحو مراد
الذى تصنع اللامبالاة.....
-كيف حالكَ أيها الوسيم؟
-بخير. قال بابتسامةٍ باردة
-ماذا بك؟ قالت باستغراب لتجده يدير وجهه فى الاتجاه المعاكس.  تحركت أمامه مجدداً
-مراد،هل ستقول لى ماذا حدث؟
-لا يوجد شىء..  قال وهو يبتسم لها ثم تابع:لم أرَ مريم معكِ،ألن تأتي؟
-لا،حاولت معها كثيراً ولكنها عنيدة.
-سيحزن يوسف كثيراً..
-..كان عليه التفكير فى هذا قبل أن يغضبها، دعكَ من مشاكلهما السخيفة، أخبرنى هل تحدثتَ مع والدتكَ؟
سرعان ما انقلبت ملامح وجهه إلى العبوس وقال: فريدة.. أنا لم أخبركِ كل شىءٍ لكى تسألينى، أخبرتكِ لأننى أريد أن اكون صادقاً معكِ منذ البداية...
-بداية ماذا؟   قالت بعبثٍ وهى تمسك كفه الأيسر..
استدار برأسه نحو فاتح الذى كان مرخياً جسده على أحد المقاعد بشرودٍ ثم عاد ينظر إليها وقال: لا تضغطى علىَّ، فاتح هنا وأنا لم أتحدث معه حتى الآن
-على ذكر فاتح، هل صحيحٌ أنه تحدث معكما بشأن نيريمان؟؟
-أجل، وأنا تفاجأتُ أيضاً مع أن لدى علماً بالموضوع
-وماذا فعل يوسف؟  سألته فريدة بفضولٍ
-وهذا ما جعلنى أتفاجأ أكثر، لم يفعل اى شىءٍ، ولم يندهش حتى، مع اننى متأكدٌ أنه لا يعلم اى شىءٍ بشأن الموضوع....
-غريبٌ...  قالت فرية بحيرةٍ ثم التقطت كأساً من العصير...
............... على الجانب الآخر كانت نيريمان تجلس بجوار فاتح وهى تعبث فى هاتفها، ضغطت على زر الإرسال ثم زفرت بضيقٍ
"مريم، ما زلنا ننتظركِ، لم نقم بتقطيع الكعكة حتى الآن
لم يمضِ أكثر من دقيقةٍ حتى وصلها الرد
-"لن آتى، استمتعوا أنتم بوقتكم"
أغلقت الهاتف ووضعته على الطاولة ثم زفرت بيأسٍ
-ما الأمر؟
-عنيدة، لن تأتى...
-هل تقصدين مريم؟ أم أنها تشاجرت مع يوسف؟
-لم أفهم ماذا حدث بالضبط ولكن الواضح أنهما يعتبران هذه السخافة شجاراً، كنتُ أريدها أن تتسلى معنا قليلاً ولكن لا مشكلة، هيا سأقول لليلى أن تحضر الكعكة لنبدأ بتقطيعها....
........................  ..........
....استقل سيارته وأخذ يتجول بها فى شوارع اسطنبول قليلا قبل أن يعود للمنزل... من المفترض أن اليوم كان جميلاً،ولكن شعوره بوجود نقصٍ يفسد مزاجه ،انعطف بالسيارة إلى مقدمة الشارع الذى يقيم به،كان الشارع مظلماً،مصدر الضوء الوحيد به هو مصابيح سيارته ..
تحرك بالسيارة ببطءٍ وهو يقترب من البوابة ليلاحظ ظلاً يتحرك ..... ،أبطأ سرعته اكثر ليتبين هويته
-مريم!!!  قال يوسف بدهشة - لا يمكنه أن ينكر أنه شعر بالسعادة- ،ماذا تفعلين هنا فى هذا الجو البارد؟
-كنت أنتظرك.. قالت وهى تتحرك مقتربةً منه، أوقف سيارته ثم ترجل منها وسار نحوها قائلاً: اصعدى إلى السيارة لندخل إلى البيت
-لا داعى لنجلس هنا...
-تمام إذن لنذهب إلى أى مقهى قريبٍ ما دمتِ لا تريدين الدخول...
-أوف لماذا تكبر الموضوع؟ هيا تعالَ اجلس هنا القمر يبدو رائعاً...   أمسكت يده محفزةً إياه للجلوس بجوارها على حافة السور.... ابتسم بخفوتٍ ثم جلس بجوارها وأخذا يراقبان عتمة الليل- التى يخترقها خيوط ضوء القمر-......
-لماذا لم تخبرينى أنكِ هنا؟
-لكى لا أفسد المفاجأة.
-أى مفاجأةٍ؟    التفت إليها ليراها تخرج علبةً متوسطة الحجم وتضعها فى المسافة الضئيلة بينهما.
-ما هذا؟   ملامح الحيرة كست وجهه لتجيب هى: افتحها.
أمسك العلبة ورفع الغطاء عنها، ابتسم بدهشةٍ ثم نظر إليها قائلاً: مريم...
-إنها المرة الأولى التى أصنع فيها الحلوى وحدى لذا لستُ متأكدةً من الطعم.. هيا تذوقها وأخبرنى رأيكَ.
-هذه من أجلى يعنى؟ سألها بابتسامةٍ بلهاء.
-أليست بالشكولاتة؟ لمن ستكون مثلاً؟
-ولكن انتظرى.. أنتِ لا تحبين الشكولاتة، ليتكِ صنعتِ شيئاً يمكننا أن نأكله معاً 
-لقد وعدتُ نفسى أن أتناول معكَ الشكولاتة عندما تتحسن ،  ثم ابعدت ناظريها عنه وتابعت: من المؤكد أنها ليست سيئةً إلى هذه الدرجة؛ ما دمتَ تحبها...
مدت كفها ملتقطةً قطعةً صغيرةً ثم بدأت تأكلها تحت نظراته المبهمةِ؛ هو فى الحقيقة لا يدرى ما نوع هذا الشعور المريح الذى يجتاحه، بشرودٍ اخذ قطعةً من الكعكة التى صنعتها واخذ يتناولها ليفيقه صوتها الضاحك: ما هذا؟ يبدو أننى اكثرتُ من الملح قليلاً، لم تقل ما رأيكَ؟ يوسف...!!
-إنها أحلى كعكةٍ تناولتها فى حياتى...  قال لها بابتسامةٍ دافئةٍ، لم يمنحها فرصةً للرد إذ مد ذراعه مقرباً إياها منه وأحاطها بذراعه الآخر...
..هذا الارتباك الذى يصيبها مع حركاته التلقائية، تحبه وتريد أن تكون بجانبه دائماً؛ ولكنها فى نفس الوقت تخشى قربه؛ يجعلها تنجرف بمشاعرها المُهلِكة نحوه أكثر..
أرخى ذراعيه قليلاً مبتعداً عنها، بنظراتٍ خَدِرةٍ من رماديتيه؛ نظراتٍ لا تحمل أى تفسيرٍ واضح، هل هو بخيرٍ؟  كان هذا السؤال أول ما قفز إلى عقلها، همت بالحديث قاطعةً هذا الصمت المريب إلا أنه سبقها... سبقها بتلك الأحرف التى خرجت من فمه دون أدنى تفكيرٍ فى معناها؛ وعواقبها..، فقط لأنه شعر برغبةٍ فى قولها...
-أنا...  أحبكِ.....
                                      يتبع......

مريم♥️... " قيد الكتابة والتعديل اللغوي"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن