اتجهت مريم نحو الصغير وجلست بجانبه، أخذت تحادثه بهدوءٍ وابتسامةٌ جميلةٌ تظهر على شفتيها
-كم عمرك ياعزيزى؟
-سبعة وأنتِ؟
-أنا فى الثانية والعشرين، أخبرنى أين تسكن؟
-فى ملجئ .......، على أن أعود بسرعة تأخرت
- لا لا تقلق، نحن سنوصلك إلى هناك، والآن أنا سأذهبُ لأساعد الطبيب، ابتسم الطفل وهو يومئ برأسه، نهضت مريم لتتجه مجدداً نحو الطبيب ليوقفها صوتٌ: جميلةٌ هذه الوردة.....
استدارت للصغير: هى لكَ إذن، اعتبرها هديةً منى
قالت وهى تنزع تلك الوردة من ضفيرتها وتعطيها له
تركت الصبى وعادت ليوسف الذى كان يتابعها بعينيه منذ البداية
-إنه يعيش فى ملجئ الأيتام الذى فى شارع ........
-تمام سآخذه لهناك .
-سنقوم بالأشعة أولاً لنطمئن ثم تغادر
بالفعل تم إجراء الأشعة والتى لم تظهر أى إصابةٍ خطيرةٍ، حمل يوسف ذلك الطفل واتجه ليغادر المشفى
...كانت مريم تجلس على أحد الكراسى فى غرفة الإسعاف، سمعت صوت رنين هاتفٍ يصدر من جيبها، أخرجته ونظرت به
-إنه هاتف ذلك الشاب، أوف لقد نسيته
اتجهت مريم نحو الممرضة لتسألها عن يوسف
-المعذرة أين الشاب الذى كان هنا ؟
-لقد غادر قبل قليلٍ
خرجت مريم من غرفة الإسعاف بسرعةٍ متجهةً نحو باب المشفى، أخذت تنظر حولها لتراه يفتح باب سيارته
- انتظر، لحظة لو سمحتَ...
قالت مريم بصوت عالٍ وهى تركض نحوه ليلتفت لها يوسف
-ما الأمر ؟
-لقد نسيت هاتفك، يعنى المعذرة أنا أخذته عندما كان يرن ونسيت إعادته لكَ، لم أقصد النظر إليه ولكن هناكَ فتاةً استمرت بالاتصالِ بكَ...
-على فكرة لم يكن عليكِ تبريرُ كلِ هذا
قال يوسف بابتسامةٍ ثم مد يده لها
-شكراً لكِ على كل شيءٍ
-أنا لم أفعل شيئاً، هذا واجبى فقط
أجابت مريم وهى تمسك بيده لتصافحه....
...ركب يوسف سيارته متجهاً نحو الملجأ، أمسك هاتفه ليقوم بالاتصال بأحد الأرقام
- أين أنتَ؟ أنتظركَ منذ وقتٍ طويلٍ...
- أنا آسفٌ، حدث أمرٌ طارئٌ ولكن لا أستطيع إخباركِ الآن، عودى للمنزل وأنا قادمٌ إليكِ بعد نصف ساعةٍ
-تمام إلى اللقاء..... *********************************************
عادت مريم الى استراحة المشفى لتأخذ أغراضها
- أين أختفيتِ كل هذا الوقت ؟؟
- كنت فى الإسعاف، وقع حادثٌ، هل يمكنني أخذُ ورقة التحاليل خاصتكِ؟لقد أضعت الأخرى....
- لا بأسَ، أنا لن أبحث ثانيةً أصلاً، هيا إلى اللقاء....
.....خرجت مريم من بوابة المشفى وسارت نحو موقف الحافلات، قاطع شرودها صوتُ رنين الهاتف
-...مريم لماذا لم تأتى؟
-آسفة خرجت لتوى من المشفى، كان لدى عملٌ كثيرٌ، يمكنكَ خصم اليوم من راتبى...
-سأخصمه أساساً لن أسألكِ عن رأيكِ...
-كما تريدُ، اعذرنى سأغلق سأركب الحافلة الآن
أقفلت مريم الخط وهى تقول: مستبدٌ، لا يعرف شيئاً عن الإنسانيةِ....
*******************
وصل يوسف إلى قصر عائلة مارت أوغلو، أشار للحارس ليفتح البوابة العملاقة ثم صفَّ سيارته فى الحديقة، ترجل منها وسار نحو الباب الذى انفتح فى نفس اللحظة
-أهلاً بك يوسف بيه
-أهلاً، أين نيريمان؟؟
-تنتظركَ في غرفة الجلوس...
دلف يوسف للحجرة لتتفاجئ نيريمان عند رؤيته .
-ماذا حدث لك ؟
نظرت بقلقٍ إلى الضمادات الطبية حول رأسه...
-تعرضت لحادثٍ، كدت أصدم صبياً صغيراً، ولكن الحمد لله، نجونا... أجابها وهو يتنهد براحةٍ بينما جلس على أحد الكراسى...
-لقد كان يومكَ صعباً، المهم أنكَ بخيرٍ
-أنا حزين لأننى أفسدتُ خطة اليوم، لقد أردت مصالحتكِ بشكلٍ أفضل من هذا...
-هل كانت هناك مفاجأةٌ؟ رفعت حاجبيها بدهشةٍ وهى تحدق به؛ أما هو فأخرج عُلبةً صغيرةً من جيبه....
-...لم اخطط لتقديمها هكذا ولكن لا بأس
فتحت العلبة لترى قلادةً من الألماس تحمل علامةً موسيقيةً فى نهايتها...
-لم يكن هناك داعٍ لهذا، جميلة جداً قالت بحماسٍ باسمٍ وهى تحاول وضعها فى عنقها؛ اقترب منها ليساعدها....
-المهم ألا تكونى غاضبةً منى، أنتِ صديقتى ويهمنى أمركِ...
-أعلم هذا قالت نيريمان وهى تحتضن كفيه بكلتا يديها؛وأنت أفضلُ صديقٍ لى...
-أنا سأذهب الآن، أمى ستستجوبنى عندما أعود
-لن تفلت من الخالة أمينة، أبلغها تحياتى
-سأفعل، اهتمى بنفسك، إلى اللقاء.
قال يوسف وهو ينهض من مكانه ثم غادر القصر؛ عائداً لمنزله......
**********************
فتحت مريم باب منزلها الصغير، دلفت للداخل ووضعت كيسَيْنِ من الخضراوات على الأرض، أغلقت الباب ثم أشعلت الضوء
فريدة، لقد عدت أين أنتِ؟
اتجهت نحو غرفة الجلوس لتجد التلفاز يعمل
-أين هذه البنت؟ فريدة
-مريم، لماذا عدتِ مبكراً؟ ألم تذهبى للعمل؟
قالت فتاة بيضاء البشرة بشعرٍ بنىٍّ داكن وهى تخرج من المطبخ...
-لم أذهب، تأخرت فى المشفى...
-لا يهم، لقد انتهيتُ تقريباً، تعالى وساعدينى فى إعداد المائدة....
-حسنا أنا قادمة
.....وهكذا جلست الفتاتان تتناولان الطعام
-قولى، ماذا فعلتِ اليوم ؟
-ماذا سأفعل يعنى؟ كانت لدىَّ محاضرةٌ فى الصباحِ وقضيت باقى اليوم فى المشفى...
-يومٌ مملٌ معتادٌ... حركت فريدة يدها بلا اهتمامٍ
-هناك شىءٌ؛ لقد عالجتُ مصاباً بحادث سيرٍ، وقد كان شاباً ثرياً
-شاباً ثرياً؟ هل تذكرين اسمه ؟
-لستُ متأكدةً، قال الطبيب ديمير أو شيئاً كهذا
-يوسف ديميرهان؟؟
-أجل، هذا هو .... اومأت برأسها وهى تضع الملعقة على الطاولة...
-مريم حقاً أنا لا أصدقكِ، كان بين يديكِ يوسف ديميرهان ولم تعرفيه؟؟
-ومن يكون حتى أعرفه؟ هل عالمٌ فى البيولوجيا، أو اكتشف علاجاً لمرضٍ مهمٍ، أو قام ببحثٍ عن أمراض الجهاز العصبى؟ ليس أحد هؤلاء فلماذا أشغل نفسى بمعرفته؟
- على فكرة هو مشهورٌ أكثر من هؤلاء الذين تحدثتِ عنهم، إنه أشهر أبناء الطبقة المخملية فى تركيا، ألم ترى صوره من قبل فى الصحفِ؟أحدٌ غيركِ كان سيستغلُ هذه الفرصة، نحن لا يتسنى لنا مقابلة الأغنياء كل يومٍ
-فريدة صدقينى لستُ مهتمةً بما قلتِهِ الآن، أنا ساعدته فقط وانتهى....
- لن تتغيرى أبداً ... قالت فريدة وهى تتابع تناول الطعام
********************************************
دخل يوسف لغرفة الجلوس وهو يجمع فى عقله إجاباتٍ لعشرات الأسئلة التى توقع أن يطرحها عليه والداه
-بنى لماذا تأخرت كل هذا الوقت؟ قالت والدته ثم تغيرت قسمات وجهها إثر رؤيته
-ماذا حدث لكَ؟ ماهذه الضمادة؟
-أمى لا تقلقى، أنا حقاً بخيرٍ، حادثٌ بسيطٌ ليس أكثر
-تكلم بوضوحٍ، لا أريد أن أعرف من الصحف غداً
قال والده "صالح ديميرهان"وهو ينظر إليه ببعض الشك
-لقد كدت أصدم ولداً صغيراً، الحمدلله لم يتأذَ
-ألم أطلب منكَ ألا تقود بسرعةٍ؟ عرَّضتَ حياتكَ وحياة طفلٍ برىءٍ للخطرِ، المهم أنكَ بخيرٍ، توَّخَ الحذر فيما بعد
-حاضر...
-عزيزى لا تشعر بأى ألمٍ أليسَ كذلكَ؟ هل نُحضرُ لكَ الطبيب؟
-لا لا ليس هناك داعٍ أبداً
-العشاء جاهزٌ يا سادة قالت توركان وهى تدخل الغرفة
-بالعافية لكم جميعاً، أنا لا رغبة لى، سأذهب للنوم
قال يوسف وهو يغادر نحو غرفته قبل تلقى مزيدٍ من الأسئلة......
....نزل للأسفل عند منتصف الليل متجهاً للمطبخ، فتح الثلاجة وأخذ يعبث بها بحثاً عما يأكله
- هل كان يجب أن أتركَ الطعام وأصعد؟ ها أنا الآن جائعٌ ولا أعرف ماذا آكل
-من هنا؟؟ يوسف بنىَّ أهذا أنت ؟؟
قالت توركان وهى تدخل المطبخ بملامحَ خائفةٍ
-هل أيقظتكِ؟ أنا آسفُ، ابتسم بهدوءٍ وهو يُربتُ على كتفيها ثم استطرد: علمينى كيف أنامُ مثلكِ هكذا، أنا لو انفجر مفاعلٌ نووىٌّ بجوارى لا أستيقظُ...
ابتسمت توركان له ثم قالت: هل أنت جائعٌ ؟ هل أعد لك شيئا؟
- لا، عودى للنوم أنا أتصرف
- وهل أنا لا أعرفك؟لا يمكنكَ أن تسلق بيضةً حتى، هيا تعال اجلس هنا....
جلس يتناول الطعام وتوركان تشرب كأساً من الشكولاتة الساخنة.....
-ألن تقول ؟
-أقول ماذا ؟
-لا أدرى ، شعرت فقط أنك مختلفٌ قليلاً، تبدو سعيداً
ابتسم يوسف لشعورها به، لا تجمع بينهما صلة دمٍ حقيقيةٍ ولكن لها موضعاً خاصاً في قلبه، منذ فتح عينيه على هذه الدنيا وهى بجانبه؛ وهى مخزن أسراره، لم يرها أبدا كخادمةٍ وإنما كانت وستظل كالأم له...
-قابلت بنتاً اليوم، الطبيبة التى ساعدتنى
-هل كانت جميلةً؟
-جميلةٌ جداً، ولكن ليس هذا مالفت نظرى، لا أدرى....
تنهد ببطءٍ وتابع: لا تهتمى هيا عودى للنوم، تصبحين على خيرٍ
نهض عائداً لغرفته و طيف ابتسامةٍ يظهر على شفتيه.
***************
يومٌ جديدٌ يحل ضيفاً على مدينة اسطنبول، ترتفع الشمس فى السماء وتطرق خيوط أشعتها الذهبية النوافذ لتعلن عن قدوم الصباحِ، صباحٌ خريفىٌ جميلٌ يحمل النسمات الباردة، وتلك العصافيرُ الصغيرة تشدو لتملأ الجو بهجةً يبعث الأمل فى النفوس...
ها هى عقارب الساعة تعلن عن السابعة صباحاً ، يصدح صوت منبهين فى غرفتين مختلفتين اختلاف الشرق عن الغرب، تنهض الفتاتان لتستقبلا هذا اليوم بمغامراته المختلفة وتبدأ استعدادات الخروج من المنزل ........
نيريمان تقف أمام دولابها الكبير ، تنتقى ثوبا فخماً من اللون الأبيض الصافى، ثم تتجه إلى مرآتها التى تحمل كماً هائلاً من مستحضرات التجميل والعطور ذات العلامات التجارية الشهيرة
...أما مريم فترتدى قميصاً من اللون الأزرق وبنطالاً أبيضَ اللون، ثم تجلس أمام المرآة الصغيرة تسرح شعرها الطويل لتجمعه مجدداً على شكل ضفيرتها المعتادة....
خرجت من الغرفة واتجهت نحو المطبخ لترى فريدة تجلس شاردةً تحتسى كوباً من الشاى
-صباح الخير فريدة ، عساه خيراً انتِ مبكرة اليوم
-من أين يأتي الخير؟ اتصلت أمى...
-وماذا ؟ قالت مريم وهى تجلس بجوارها
-فاتح قادمٌ اليوم لرؤيتى
مدت مريم يدها لتضعها فوق كف فريدة ثم قالت:
فريدة، ما نهايةُ هذا الأمر؟ عليكِ أن تقولى بوضوح إما نعم أو لا
-تتكلمين كأنك لا تعلمين ما أريد ، ولكن كيف أقول هذا لأبى؟ هل أقول له لا أريدُ ابن أخيكَ؟ لقد تركت أزمير بسببهِ، لا أجيب على اتصالاته ولكن هذا لا يفهم ، ماذا أفعل أكثر ليفهم أننى لا أريده ؟؟
-حسناً اهدأى الآن لا بد أن نجد حلاً معاً
-لا تهتمى، هيا غادرى كى لا تتأخرى
-تمام، أراكِ فى المساء.....
*********************************************
نزلت نيريمان للأسفل بعد انتهاء استعدادها لتجد والدها جالساً يتناول الإفطار
-أبى، أمسكتُ بكَ اليوم، قالت وهى تقترب منه لتقبل خده
-صباح الخير عصفورتى الجميلة
-صباح الخير، هل ستخرج الآن ؟
-أجل هناك اجتماع هامٌ لا يمكن تأجيله
-وهل ستتأخر ؟؟
-أجل سأعود متأخراً فى المساء لا تتنتظرينى على العشاء....
تلاشت الابتسامة من ملامحها وأومأت رأسها بتفهم ، لاحظ والدها هذا فأمسك يدها وقال : أفكر أن لا أذهب للعمل غداً ونخرج سوياً طوال اليوم
ابتسمت نيريمان وعانقته بقوة ثم قالت: أجل، شكراً لك يا أحلى أبٍ فى الدنيا....
...................
يهبط يوسف للأسفل عند الساعة التاسعة، ويصادف توركان وهى تخرج من المطبخ
-وأخيراً استيقظت بنى، صباح الخير
-أى خيرٍ هذا؟ لماذا لم توقظينى؟وأنتِ يا أمى، لماذا تركتمانى كل هذا الوقت؟
قال وهو يلتفت لوالدته التى خرجت من غرفة الجلوس
-هل حقاً لا تذكر ما حدث؟؟
قالت أمينة باستغرابٍ وهى تنظر لتوركان
-لا تنظرا هكذا، فليخبرنى أحدٌ ما حدث.
.."قبل ساعتين ....
- يوسف بيه ، لقد طلبتَ منى أن أوقظك باكراً، هيا
- غيرتُ رأيى،هيا اذهبى.
-ولكن .....
- من دون لكن، هيا غادرى.
....وبعد نصف ساعة ....
- يوسف، بنى والدك ينتظركَ ياعزيزى.
-أوف،أمى قولى له يوسف لن يأتى اليوم.
قال بصوت ناعس وهو يدخل رأسه أسفل الوسادة
وبعد مرور نصف ساعةٍ أخرى ......
-بنى هيا أنهض، أنا أنتظرك لنذهب معاً.
-ألم يقولوا لك أننى قررت ألا آتى اليوم ؟؟
-أجل قالوا ، ولكن كما تعلم لايمكن أن لا يأتى المدير العام، هناك أوراقُ صفقاتٍ مهمةٍ تحتاج توقيعكَ
-أعطيك الإذن لتوقعها مكانى
-طالما الأمر كذلك لامشكلة
قال صالح وهو يتنهد بقلة حيلةٍ
-تمام ولا تنسى أن تغلق الباب معك...قال يوسف وهو يعود للنوم مجدداً
" ...............
عودة للوقت الحالى ...
-هل حدث كل هذا حقاً ؟؟
-أجل، إلى جانب منبهكَ الذى ظل يرن أكثر من ساعةٍ
-أمى، توركان، أنا أحبكما كثيراً ،لا تحزنا لأجلى عندما أموت، وأحضرا الأزهار لقبرى قال وهو يعانقهما
-لا تقل هذا أدامكَ الله لنا قالت توركان بمعاتبةٍ
-على كل سأغادرُ الآن لكى أقلل العقوبة، هيا إلى اللقاء
................................................................
وصل يوسف إلى الشركة، أوقف سيارته ثم سلَّمها للعامل واتجه للداخل إلى أن أوقفه حارس الأمن
-يوسف بيه، لدينا تعليماتٌ من المدير بأن تذهب إليه فور وصولك
-حسناً.. قال وهو يتنفس بعمقٍ ويتجه نحو مكتب والده
....فى المكتب يجلس المدير العام صالح ديميرهان مع أحد المستثمرين يتحدثان عن مشروعٍ جديدٍ ليقاطعهما رنين الهاتف....
-نعم
-يوسف بيه ينتظرك هنا بالخارج
-دعيه يدخل...
طرق يوسف الباب ثم دخل ليرى رجلاً يجلس مع والده
-تبدو مشغولاً، دعنى لاأقاطعك، سأعود فى وقت آخرٍ
قال وهو يهم بالمغادرة؛ فى الحقيقة لقد وجد الامر فرصةً مناسبةً للهربِ....
-بنى تعال إلى هنا...
دخل وجلس بجوار والده الذى أخذ يحادث الرجل
-أعرفكَ يوسف، ولدى، إنه أحد أفضل المهندسين لدينا، وهذا السيد فؤاد مستثمرٌ جديدٌ وصديقى أيضاً....
-تشرفت بمعرفتك فؤاد بيه....
-يوسف، فؤاد بيه جاء ليتفق معى على مشروع فندقٍ جديدٍ وأنا حدثته عن مهاراتك وقررنا أن نعطيك المشروع، لا مشكلةَ لديك طبعاً ، أليس كذلك؟
-أنا؟؟؟ بالطبع لا مشكلة...
-تمام، لديكَ خمسة أيامٍ لتنهيه
-خمسة أيام؟ ولكن ....
قاطعه والده بقوله: أعرف أنها مدةٌ طويلةٌ، وأنت لا تحتاج كل هذا ولكن لا بأس لسنا مستعجلين
-أجل أجل لستم مستعجلين... قال لنفسه بسخريةٍ -والآن هيا أذهب لمكتبك
*********************************************
جلس يوسف فى مكتبه، يمسك القلم بيده ويحمل المسطرة بيده الأخرى، لم يكن يرسم شيئاً معيناً وإنما مجرد خطوطٍ عشوائيةٍ، أخذ ينظر للساعة بضيقٍ وضجرٍ لعدم مرور الوقت....
-أوف، الساعة لا تتحرك أبداً ،هذا ماكان ينقصنى، وماحكاية مهاراتى تلك التى لم أسمع عنها من قبل؟هذا أسوأ عقابٍ رأيته فى حياتى.
كل هذه الأفكار جالت برأسه ليقاطعها صوت طرقاتٍ على الباب
-تفضل
دخلت مساعدته الشابةُ إلى المكتب تقول: يوسف بيه هل أحضر لك شيئاً ؟
-أخرجينى من هنا فقط وسأبقى شاكراً لك طوال حياتى
-السيد المدير قال أن تبقى هنا حتى موعد الانصراف
-وبالتأكيد طلب من الأمن ألا يدعونى أخرج، على كلٍ لا تشغلى بالك
-أستطيع فعل شيءٍ، يمكنك أن تغادر من الباب الخلفى، وأنا سأتدبر الأمر
- هل حقاً تستطيعين ؟ قال بنبرة رجاءٍ
- أجل لا تقلق قالت بابتسامة
- أنا حقاً أشكرك جزيلاً، لحسن الحظ أنكِ مساعدتى،لا أدرى ماذا كنت سأفعل من دونك، سأجلب لكِ هدية غداً.
قال يوسف وهو ينهض من مكانه ثم غادر المكتب
*********************************************
خرجت مريم من المشفى متجهةً نحو محل الكتب الذى تعمل به، ألقت التحية على صاحب المكتبة ثم وضعت أشياءها على إحدى الطاولات
-تأخرتِ يامريم، هيا اذهبى ورتبى الصحف
-حسنا...خرجت مريم قاصدةً الرف الذى يضعون به الصحف بجوار الباب وبدأت ترتبها ليلفت نظرها أحد العناوين الرئيسية "يوسف ديميرهان يتعرض لحادثٍ ويتلقى العلاج بإحدى المستشفيات الحكومية "
تابعت النظر لترى صورة كبيرة ليوسف بجوار الخبر
-لا أدرى ما المهم بهذا الخبر ليصبح عنوانا رئيسياً ؟
أعادت النظر لصورته وأخذت تتأمل ملامحه، لقد رأته حقيقةً بالأمس ولكنها لا تذكره جيداً، حدقت بعينيه الباهتتين فى الصورة
-ماذا كان لون عينيه؟هل أخضر؟ لالا،كان أقرب للرمادىِّ على ما أظن.
صمتت برهة تفكر لتبتسم بعدها
-لقد كانت عيناه جميلةً على كل حال
-شكراً. قال شخصٌ ما من خلفها
التفتت للخلف نحو مصدر الصوت لتراه مبتسماً لها ،اتسعت عيناها وفتحت فمها من الدهشة
-أنت؟؟ ما الذى تفعله هنا؟
- لا أدرى، هل تصدقين لو قلت أن الأمر كله مصادفةٌ؟ ...ثم تابع بابتسامة: مصادفةٌ جميلةٌ جداً
........................................ .............. ............
قبل وقتٍ قصيرٍ.......
بعد مغادرته للشركة؛ قاد يوسف سيارته الحمراء متجولاً فى شوارع المدينة يفكر فيما سيفعله بهذا المشروع، توقف أمام إشارة المرور وأخذ يتلفت حوله محاولاً إضاعة الوقت
- من أين خرج لى هذا المشروع الآن ؟ وأنا أخطط منذ الأمس بشأن تلك الطبيبة، حادثٌ صغيرٌ وأذهب للمشفى نفسه، ولكن لا أعرف اسمها كيف سأجدها؟
... كان يحدث نفسه فى تلك الأثناء وفجأة ..
-لا أصدق .....
رآها تقف أمام أحد المحلات تحمل صحفاً وهى تبتسم ابتسامةً خافتة
-حقاً لا أصدق، ما أجمل هذه المصادفة
حرك سيارته وأوقفها فى مكانٍ مناسب ثم هبط منها متجهاً نحو مريم واقترب منها ببطءٍ...
.............
عودة للوقت الحالى....
كان وافقاً يبتسم لها بلطفٍ، خجلت من نظراته المركزة عليها وأدارت وجهها عنه...
-كيف حالكَ الآن؟ قالت محاولةً تغيير الموضوع
-بخيرٍ، بفضلكِ طبعاً، لا تعلمين كم أنا سعيدٌ لرؤيتك، كنت أبحث عنكِ
-ألستَ تبالغُ بعض الشىء؟؟ثم لماذا تبحث عنى ؟
-أردت دعوتكِ للعشاء تعبيراً عن شكرى، يمكننى أن أعطيكِ رقم هاتفى لنتواصل.
التفتت مريم نحوه وحدقت بعينيه مطولاً ثم قالت:
أليست هذه طريقة مبتذلةً جداً لتطبيق فتاةٍ؟ لم أتوقع أن يكون يوسف ديميرهان بهذا المستوى الردىء
ابتسم لها للحظة ثم قال: ألا تبالغين أنتِ أيضاً؟ لماذا تظنين أننى سأهتم بكِ ؟
-أرى أن ننهى هذا الحوار قبل أن نتجاوز حدودنا
-كما تشائين، والآن إن لم يكن الأمر سرياً جداً ، هل يمكننى معرفة اسمك ؟
-ليس من شأنكَ، على كلٍ سررت بمعرفتك يوسف بيه؛ وأرجو ألا نلتقى ثانيةً...
قالت وهى تمد يدها لتصافحه بابتسامةٍ
بادلها ذات الابتسامة وهو يصافحها
-وأنا سررت بمعرفتكِ أيتها الطبيبةُ الجميلة مجهولة الاسم
-مريم، هيا تعالى لهنا ماذا تفعلين ؟
صدح صوت صراخٍ من داخل المحل، أفلتت مريم كفه واندفعت للداخلِ..
-إذن اسمكِ مريم، جميلٌ مثلكِ، أعدك أننا سنلتقي ثانية
قال لنفسه بابتسامةٍ صافيةٍ....
*********************************************
جلست مريم على إحدى الطاولات تمسك كتاباً بيدها، تتنقل بين صفحاته ليقاطعها صوت رنين هاتفها
-ألو، فريدة ما الأخبار؟ ماذا فعلتِ؟
-نحن فى المقهى الآن، ذهب فاتح ليحضر شيئاً نتناوله
-ألم يتحدث مجدداً بشأن الخطبة ؟
-لم يقل شيئاً حتى الآن، لا أدرى ماذا أقول إذا فتح الموضوع
-عزيزتى، لا شىءَ أفضلُ من الصراحة، تحدثى معه بصدقٍ، فاتح شابٌ طيبٌ ربما يقنع والدك
-سأحاول، حسناً أغلقى لقد عاد
-أحضرت لكِ عصير البرتقال، أنتِ تحبينه
قال شابٌ طويل القامة ذو شعرٍ أسود وعينين عسليتين وهو يجلس على الكرسى المقابل لها
-شكراً لك قالت بامتنانٍ
-ألا تنوين العودة لازمير ؟
-ألم نتكلم بهذا الموضوع من قبل؟ أنا سعيدةٌ هنا، أريد أن أبنى حياتى بنفسى
-ولكن والدك لا يعجبه هذا الأمر
-أبى مازال يرانى طفلةً، أنا الآن فى الرابعة والعشرين ولا يمكن لأحدٍ أن يجبرنى على شئ حسب القانون
-تتكلمين كأنكِ لا تعرفين والدكِ، لا يهمه دولةٌ ولا قانونٌ، لا تقولى أننى لم أحذركِ ، نهاية هذا الأمر لن تكون حسنةً لكِ....
زفرت فريدة بضيق ليتابع فاتح: حسنا وماذا عنا ؟
-لم أفهم ؟
-أنا وأنتِ، لقد أجَّلنا الموضوع طويلاً بناءً على رغبتكِ، ولكن طال الأمر أكثر من اللازم
-فاتح انظر، لا أشعر نفسى مستعدةً أبداً
-لم أقل زواج، لنعقد خطوبةً حالياً، دعينا نتخذ خطوةً للأمام
-لماذا لا يفهمنى أحدٌ؟ أقول لست مستعدةً...
-قولى أنكِ لا تريدين الزواج بى لأن هذه رغبة والدكِ، تفعلين كل هذا عناداً به فقط....
-ما الذى تهذيه أنتَ؟ اسمع أنت شابٌ أيضاً ومن المفترض أن تفهمنى، ألم تحلم يوماً أن تعيش قصة حب جميلةٍ كتلك التى نقرأ عنها في الروايات؟
-بالتأكيد ومن منا لا يريد الوقوع فى الحب، ولكن أنا وأنتِ حكايتنا مختلفةٌ، هل تريدين أنت تتسببى بتفريق شقيقين لأجل رغباتكِ؟ كما أن الحب قد يحدث فى أى وقتٍ لا يمكنكِ توقعه، لماذا حكمتِ أن قصتنا لا يمكن أن تنتهى بالحب ؟
-لست مستعدةً للمجازفة بقرارٍ لا أعرف نهايته
-هل رأيتِ؟ هذا هو الفرق بيننا، أنا مستعدٌ لأحبكِ وبدون أى شروطٍ؛ من أجل عائلتنا ،أما أنتِ أنانيةٌ لا تفكرين إلا بنفسكِ فقط....
قال فاتح وهو ينهض من مكانه مغادراً المكان تاركاً فريدة خلفه وسط دوامةٍ من الأفكار
****************************************** عادت مريم للبيت بعد يومٍ شاقٍ لتجد المكان فارغاً
-ما هذا؟ ألم تعد فريدة حتى الآن ؟
دخلت المطبخ وأشعلت الضوء لتتنهد وتقول: يبدو أنه لا مفر من تناول طعامى الرائع اليوم...
........دخلت فريدة للمنزل بهدوءٍ، اغلقت الباب ثم خلعت حذاءها واستبدلته بآخر منزلىّ، ثم اتجهت نحو غرفة المعيشة وجلست بإهمالٍ على الأريكة
-فريدة أهذه أنتِ ؟ أهلاً بكِ، تأخرتِ قليلاً لقد قلقت عليكِ قالت مريم وهى تخرج من المطبخ
-لقد كنت منزعجة قليلاً، تجولت لبعض الوقت ولم أنتبه للساعة
-هيا اغسلى يديكِ وتعالى ، الطعام جاهز
جلست الفتاتان على الطاولة، وضعت مريم طبقاً أمام فريدة وهى تقول: ممنوعٌ ذكرُ أى عيوبِ، أعرف أننى فاشلةٌ فى المطبخ....
-لا تقولى هذا إنه لذيذٌ... قالت فريدة بابتسامةٍ وهى تتناول القليل منه...
-لا أنتِ حقاً لستِ بخيرٍ، لقد تذوقته قبل قليل وأعرف أنه مريعٌ، أخبرينى ماذا حدث ؟
-لم يحدث شئ أنا بخيرٌ
-هل تظنين أننى لا أعرفكِ؟ هيا قولى ماذا فعل فاتح؟
- حسناً سأقول .........
..............مريم هل أنا أنانية حقاً ؟
-بالطبع لا، ولكن هل تعلمين أعجبتنى جرأته فى الحديث، لقد بدأت أعجب بهذا الشاب
-خذيه إن أعجبكِ لا أريده، على كلٍ لا أريد الحديث أكثر بهذا الموضوع لنغلقه
قالت فريدة وهى تنهض حاملةً طبقها ليستوقفها صوت مريم: سنحل هذا معاً، لا تقلقى
لتبتسم لها فريدة وتقول: ان شاء الله
...................................................................
على طاولة العشاء فى قصر ديميرهان تجلس العائلة كاملةً تتناول الطعام بصمتٍ ليتحدث الأب: ما رأيك بمفاجأة اليوم بنى ؟
- رائعةٌ، لقد دمعت عيناى من السعادة .....أجاب يوسف وهو ينظر لوالده بابتسامةٍ
-عن ماذا تتحدثان أنتما؟ قالت أمينة باستغرابٍ
-أعطانى أبى مشروعاً لأنفذه فى خمسة أيامٍ فقط ، أظن عقاباً لما حدث صباحاً
-ليس عقاباً تماماً ولكن لنقل أنك استحقيت هذا منذ وقتٍ طويلٍ
-ولكن أليس صعباً ؟ هذا قاسٍ بعض الشىء
-هذه فرصة له ليجعلنى أصدق أن ابنى رجلٌ يعتمد عليه
-وأنا قبلت هذا التحدى، معنوياتى مرتفعةٌ اليوم، سأثبت لكَ ما تريد
قال بثقةٍ ثم نهض وهو يقول: عن اذنكما الآن، سأنهض لأتابع مشروعى.....
-عزيزى لو تعطيه مدةً أطول؛ لن يستطيع
-أعلم هذا ولكن أريده أن يحاول، أريد أن أشعر أنه بذل كل جهده، هذا ما يهمنى وليس أى شىءٍ آخر
*********************************************
خرجت نيريمان من غرفتها عند منتصف الليل واتجهت للأسفل ثم فتحت الباب
-نيريمان هانم؟ ماذا تفعلين فى هذا الوقت ؟؟
-ألم يعد أبى بعد ؟
-لا لم يعد، هيا ادخلى للداخل الجو بارد
دخلت وأغلقت الباب خلفها، صعدت الدرج ثم سارت فى الممر لتتوقف أمام إحدى الغرف، فتحت الباب ثم دخلت
... كان المكان مظلماً وباردا،ً تابعت السير ببطءٍ لتجلس على السرير الذى يتوسط الغرفة
-أمى، لماذا تركتنى وحدى؟ أنا أحتاج إليكِ
رأت دفتراً موضوعاً على السرير، يبدو قديماً، أمسكت به واخذت تتجول بين صفحاته
كل منها تحمل صوراً تجسد ذكريات عائلةٍ كانت سعيدةً فى يومٍ من الأيام، تساقطت دموعها وهى تنظر لابتسامة والدها التى لم ترها كثيراً....؛
لتقع عينها على صورةٍ لوالدتها وهى تحمل طفلةً صغيرةً
- هذه أنا؟ ما أجمل هذه الصورة!
لماذا لم يحدثنى أبى عنها من قبل؟ لطالما سألته عن صورةٍ تجمعنى بأمى وقال أنه لا يوجد
مسحت دموعها ثم أخرجت الصورة وهى تبتسم ثم غادرت تلك الغرفة - غرفةوالديها سابقاً - والتى حولها القدر إلى مخزنٍ للذكريات........
أنت تقرأ
مريم♥️... " قيد الكتابة والتعديل اللغوي"
Romance"...مريم -هذا على حسبِ ما تعلم-؛ ابنة الميتم؛ مجهولةُ الأصلِ...؛ أحلامها كانت أبسطَ من أى فتاةٍ فى مثلِ عمرها...؛ مجردُ شعورٍ -ولو لمرةٍ واحدةٍ بالدفء..- ...وإذا به يقتحمُ حياتها المبعثرةَ... ليقلبها رأساً على عقب؛ حلمٌ بالنسبةِ لكثيرٍ من الفتياتِ...