.فى مكان عمله جلس فاتح شارداً ينظر من النافذة فى ضيقٍ وانزعاجٍ؛ لقد مضى وقتٌ لا بأس به منذ تحدث مع والده آخر مرةٍ، ولكن عندما قرر الاتصال وجد نفسه فى شجارٍ لم يفهم سببه؛ أو ليكون صريحاً فهو كان يتوقع هذا تماماً....
.... قبل وقتٍ قصيرٍ...
-أبى كيف حالكَ؟
-أعجبكَ السؤال عن حال أهلكَ من اسطنبول أليس كذلك؟ ألا تلاحظ أنكَ اصبحتَ تتصرف مثل فريدة بدلاً من أن تعقلها وتعود بها إلى هنا؟؟
-أرجوكَ، لا داعى لإدخال فريدة الآن فهذا ليس موضوعنا، ثم ماذا تريد منى أن أفعل؟ هل أحضرها رغماً عنها وأتزوجها؟ أهكذا سأكون رجلاً فى نظركَ؟
-وهل الرجولة فى نظركَ أنتَ أن تتبع فتاةً طائشةً وتنفذ كلامها دون تفكيرٍ فى عواقبه؟ أن تاخذ فتاةً من بيت أبيها وتغادر بها دون موافقةِ أحدٍ؟
-... أنا لم آخذها دون موافقتها هذا أولاً، كما أننى أخذتها أمام عينى والدها...، عمى وضع لنا شرطاً ونفذناه لذا لا يحقُ لأحدٍ أن يتكلم مرةً أخرى فى هذا الموضوع...
-صرت تتحدث بقلة احترامٍ مع والدكَ؟ هل هذا ما علمتكَ إياه اسطنبول؟
-لا، تعلمتُ منها شيئاً آخر لا أظن أنكَ تفهمه... أجاب بهدوءٍ وهو يبتسم عندما خطرت على باله
-بنى، اسمع، عنادكَ هذا لن يفيد فى شىءٍ، تعرف أننى وعمكَ اتخذنا قرارنا النهائى فى موضوع زواجكَ من فريدة، لذا مهما عاندتما لن يكون أحدكما إلا للآخر....
-ألم أقل أنكَ لن تفهمنى أبداً؟ قال فاتح بهدوءٍ ثم تابع: وأنا قرارى نهائىٌ أيضاً، لن أرتبط بفريدة أبداً..
-ولماذا أيها الحكيم؟
-لأننى..... أخذ نفساً عميقاً قبل أن يتابع: لأننى أحب فتاةً أخرى يا أبى....
...عودة إلى الوقت الحالى....
أخرج هاتفه وأخذ يضغط بعض الأزرار ثم وضع الهاتف على أذنه.......
........................
.......ترك القلم والمسطرة الطويلة على المكتب وخلع نظارته، ثم أخذ يتفحص التصميم الذى بدا مرضياً إلى حدٍ ما بعد كل هذه التعديلات التى قام بها...، التفت إلى تلك الجالسة بجانبه تفحص بعض الملفات، وهى تستد رأسها على راحة يدها اليسرى، وبيمناها تعبث بخصلات شعرها المموجة بعشوائيةٍ، أسند يده هو الآخر على المكتب وأخذ يراقب حركاتها التلقائية البسيطة التى تقوم بها دون أن تشعر؛ ولكنها تؤثر فيه وبشكلٍ كبيرٍ، شرد فى ملامح وجهها الفاتنة بعض الوقت إلى أن التفتت هى نحوه وقالت: ماذا هناكَ؟
-لا شىء... أجاب وقد أبعد ناظريه عنها بسرعةٍ ثم تابع: كنتُ سأسألكِ عن رأيكِ فى التصميم..
-أرنى إياه... مدت يدها وأخذت اللوحة ثم نظرت إليها وقالت بابتسامةٍ: جميلة جداً يا مراد....
-شكراً لكِ يا عزيزتى، بقى فقط جزءٌ بسيطٌ و...
قاطع كلامه صوت رنين هاتفها، مدت يدها والتقطته من المكتب ثم قالت: لحظة سأجيب...
-ألو، كيفَ حالكَ يا عزيزى؟
-.....بخيرٍ، ماذا تفعلين؟
-لا شىء، لم أنتهى من العمل بعد، صحيح لم تأتى منذ فترةٍ، ماذا حدث هل تخليتَ عنى؟
-فريدة...، أنا منزعجٌ أصلاً لا تضغطى على...
-ما الأمر؟ أنتَ حائرٌ فى مشاعركَ أليس كذلكَ؟ أم أنكَ بدأتَ تحن إلى تلكَ الغامضة المجهولة؟...
-عمَ تتحدثين؟ لم أفهم؟....
-عن الليلة الرومانسية تحت النجوم، ألم تتذكر بعد؟
-أما زلتِ هناكَ؟ أووف أعلم أننى سأندم بعد قليلٍ ولكننى سأخبركِ، الاثنتان نفس الشخص....
-ماذا يعنى؟ لحظة هل ما فهمته صحيح؟ أنتَ تمزح...، انظر إلى المصادفة الغريبة، كأنها إشارةٌ...
-هيا أخبرتكِ وانتهى لا تكبرى الموضوع...
-أنت لم ترَ شيئاً حتى الآن، المهم متى ستأتى لرؤيتها أعنى لرؤيتى؟
-فهمتْ بدأتِ السخرية وأنا لستُ فى مزاجٍ جيدٍ، إلى اللقاء....
-لحظة انت...، أغلق فى وجهى، الأبله.... ابتسمت مجدداً ثم وضعت الهاتف على المكتب والتفتت نحو مراد الذى تظاهر بالانشغال فى تصميمه وقالت: هذا فاتح ابن عمى...
-أجل لاحظت... أجابها ببرودٍ دون أن ينظر إليها..
-كيف عرفتَ لم أفهم؟
-ألم تقولى من قبل أنه كان يرغب بالزواج بكِ؟ لم أقصد أن أستمع إلى الحوار ولكن كلامكما كان رومانسياً يعنى
-أية رومانسيةٍ؟ سألته بحيرةٍ ثم ما لبثت أن ابتسمت وقالت: آاااه، أنتَ فهمتَ الأمر بشكلٍ خاطئٍ تماماً.
-ماذا تقصدين؟ سألها ببعض الاهتمام وهو يترك ما بيده...
-يعنى من المفترض أن لا أقول لأحدٍ ولكنكَ لستَ غريباً، أنا لم أكن أتحدث عنى بل عن نيريمان..
-ما بها نيريمان؟
-ولكن اسمع، لا تقل أمام يوسف،... أظن أن فاتح أعجبَ بنيريمان....
-أعجب بنيريمان؟؟؟ كيف؟
-وأنا اندهشتُ أيضاً ولا أدرى ما الذى أعجبه فى هذه الطفلة، ولكن ابن عمى غبىٌ أصلاً فلا تهتم...
-يعنى كان يتحدث عن نيريمان وليس عنكِ؟؟
-ألم أقل لكَ مراراً وتكراراً أننى وفاتح ليس بيننا أى شىءٍ؟؟
-أجل قلتِ... ولكن.. كنتُ أظن الاعتراض منكِ وليس منه أيضاً...
-يعنى فاتح لم يكن معترضاً كثيراً فى البداية، ولكن حدثت امورٌ كثيرةٌ غيرت الوضع...
-فهمتُ.. أجاب مراد ببعض الراحة....
-هيا أنا أخبرتكَ قصة حياتى كلها تقريباً، ألا تنوى أن تخبرنى أنتَ أيضاً؟
-لا أدرى كيف وصل الموضوع إلى الآن؟
-ألن تقول؟؟..
-صدقينى أنا لا أريد أن أزعجكِ بهذه القصة السيئة...
-أنا أريد أن أسمعكَ... قالت وهى تمد يدها ممسكة كفه برفقٍ، وتنظر إليه بابتسامةٍ داعمةٍ...، نظر إليها بدهشةٍ سرعان ما تحولت إلى ابتسامةٍ وقال: فى رأيكِ هل أمسحُ الخطَ العلوى أم لا؟..
-أنتَ سيئٌ جداً، حقاً يعنى... قالت فريدة بانزعاجٍ وهى تفلت يده...
-ربما أخبركِ بعد أن ننهى عملنا...
-لا أريد أن أعرف شيئاً... قالت بضيقٍ ثم نهضت من الكرسى وتابعت: سأحضر قهوةً وأعود...
خرجت وأغلقت الباب بعنفٍ، أما مراد فقال لنفسه بعد خروجها: لماذا غضبتْ هذه الآن لم أفهم!!!...
*************************************
-.... هذا آخر واحدٍ، انتهيتُ.... قال يوسف بتعبٍ ثم ألقى بجسده على الكرسى...
-سلمتْ يداكَ، ما كنتُ أستطيع القيام بكل هذا وحدى.... قالت مريم بامتنان وهى تمد يدها له بكوبٍ من الماء البارد...
-لا عليكِ، فى اى وقتٍ....
-ألا يفترض أن تكون فى الشركة الآن؟ لماذا تتسكع وتهرب من عملكِ؟
-إذا كنتِ لا تحبين رؤيتى قوليها بصراحةٍ لن أحزن، يعنى ربما أحزن قليلاً، لا أظن أننى سأحزن كثيراً..
-لقد كان مجرد سؤالٍ ليس إلا، ثم من قال أننى لا أحب رؤيتكَ؟
-تعنين أنكِ تحبين رؤيتى؟؟ سألها يوسف بمرحٍ وهو يحدق بعينيها الزرقاوين...
-من سيرتب لى المكتبة غيركَ؟ بالتأكيد سأحب رؤيتكَ لهذا السبب مهما كنتَ طفولياً ولا تُحْتَمَلُ...
-شكراً لكِ على جرح مشاعرى يا عزيزتى... أرخى جسده للخلف ثم وضع الكوب على الطاولة، فى نفس الوقت سمع رنين هاتفه......
-ألو، نيرو كيفَ حالكِ؟
-......................
-أعتقد ليس لدى شىءٌ مهمٌ، لماذا تسألين؟
-...............................
-وهل لبيلين أى علاقةٍ بالأمر؟ أعلم أنها صديقتكِ وكل شىءٍ ولكنها ليست جيدةً فى التخطيط...
-..............................
-لا أدرى، سأخبرها وأرى...، حسناً إلى اللقاء....
أغلق الخط ثم قال: نيريمان تريد أن أخرج معها غداً ونلتقط بعض الصور لنحل أمر الصحافة والشائعات.
-ولماذا تخبرنى؟ ما شأنى أنا؟
-لأنها طلبتْ منى أن أدعوكِ، بما أنها لا تحمل رقم هاتفكِ.....
-وما الذى سأفعله هناكَ؟ أنا من سيلتقط الصور مثلاً؟؟ قالت بسخريةٍ
-ليس من أجل شىءٍ، نحن سنستمتع بالوقت كأصدقاء، كما أنها قالت أنها ستدعو فريدة ومراد أيضاً، لا تكبرى الموضوع...
-أنا لا أحب أجواء الليالى والموسيقى الصاخبة أصلاً...
-وما الذى أنتظره من كئيبةٍ عدوةٍ للمرح مثلكِ؟ على كلٍ فكرى ما زال هناكَ وقتٌ..
-سأرى، مع أننى لا أظن أن رأيي سيتغير...
-تمام، هل نغادر الآن؟ نهض من الكرسى وأخذ ينفض بعض حبات الغبار والتى تراكمت على ثيابه
-غادر أنتَ إن أردتَ أنا سأبقى قليلاً بعد....
-ألا يأتى الرجل صاحب المكان إلى هنا أبداً؟ هل تقومين بالعمل كاملاً وحدكِ؟
-يأتى فى الصباح عندما أكون أنا فى الجامعة وأحياناَ يأتى مساءً، ولكن أغلب الوقتِ أنا أقوم بالعمل...
-فهمت... أجابها بلطفٍ ثم عاد يجلس مكانه من جديدٍ....
-ما الأمر؟ سألته باستغرابٍ...
-سأبقى معكِ...
-لا داعى أستطيع تدبر الأمر وحدى، لا تعطل نفسكَ من أجلى....
-أنا أحبُ تعطيل نفسى معكِ..... أجابها بابتسامةٍ جميلةٍ أربكتها، وصبغت وجنتيها بلونٍ وردىٍ خفيفٍ، لتجيبه بعدها بتلعثمٍ: شكراً لكَ على كل شىءٍ.....
**************************************
... مراد، مراد... مراد بيه....
-ها؟ هل كنتِ تقولين شيئاً؟ قال مراد بصوتٍ شاردٍ دون أن يبعد نظره عن الحاسب المحمول...
-على فكرة أنا أكلمك، أعطنى بعض الاهتمام.... قالت فريدة بضيقٍ ثم اندفعت نحوه وأغلقت شاشة الحاسب بكفها....
-ماذا فعلتِ؟ أنا أعمل على ملفٍ مهمٍ، كيف تغلقينه هكذا؟ ظهر على وجهه بعض الامتعاض ونظر نحوها بحدةٍ...
-أعلم أنكَ تقوم بحفظ البيانات كل دقيقتين على الأكثر لذا لا تكبر الموضوع لم يُمسَح شىءٌ.... أجابته ببرودٍ استفزه، زفر طويلاً ليتمكن من العودة إلى حالته الطبيعية، خلع نظاراته الطبية ثم رسم على وجهه ابتسامةً صفراء وقال لها: نعم، ماذا تريدين؟....
-فكر معى فى عذرٍ لكى لا أذهب إلى دعوة الليلة، أنا أتحملها بصعوبةٍ فى وقت العمل هنا، ليس إلى درجة أن اخرج للتسلية معها يعنى....
-هل هذا هو الأمر المهم الذى قاطعتِ عملى من أجله؟ قال مراد وهو يحاول المحافظة على هدوء أعصابه، ولكنه سرعان ما فقد هذا الهدوء وصرخ بها متابعاً: ما شأنى أنا إن ذهبتِ أم لا؟ ثم لماذا لا تقولين لها أنكِ مريضةٌ مثلاً؟ حلٌ سهلٌ وبسيطٌ....
-لماذا تصرخ فى وجهى؟ ثم لو كان الأمر بهذه السهولة لماذا كنتُ سأتعب نفسى بسؤال معقدٍ مثلكَ؟ لا أستطيع لاننى لو فعلتُ هذا مريم لن تذهب وأنا أريدها أن تذهب، هل استوعبتَ المشكلة أم لا؟؟
-أنتن النساء تحببن تعقيد الأمور، حقاً أنتِ تحبين النكد يا فريدة...، مادام الأمر كذلكَ اذهبى ببساطةٍ، وبشأن نيريمان لا تجلسى معها، ابقى معى أنا، هل تمَ الأمر هكذا؟ هل لديكِ أى مشكلةٍ أخرى؟
-لحظة هل ستذهب أنتَ؟ لماذا لم تقل منذ البداية؟ هكذا لا مشكلة سآتى معكَ... قالت فريدة بابتسامةٍ
-ولماذا فرضتِ أننى لن أذهب؟ كلاهما صديقاى ووجها لى الدعوة...
-لأنكَ كئيبٌ يا عزيزى، المهم حللنا المشكلة...
-فريدة.... قال مراد بهدوءٍ وهو يضغط على يده ثم تابع: أخرجى...، ولا تدعينى أراكِ حتى المساء اتفقنا
-تمام تمام لا تغضب، أصلاً الذنب على من يعتبركَ إنساناً ويتناقش معكَ... قالت بضيقٍ وهى تسير نحو الباب....
-لا تعتبرونى إنساناً، دعونى وشأنى......
... مراد، مراد... مراد بيه....
-ها؟ هل كنتِ تقولين شيئاً؟ قال مراد بصوتٍ شاردٍ دون أن يبعد نظره عن الحاسب المحمول...
-على فكرة أنا أكلمك، أعطنى بعض الاهتمام.... قالت فريدة بضيقٍ ثم اندفعت نحوه وأغلقت شاشة الحاسب بكفها....
-ماذا فعلتِ؟ أنا أعمل على ملفٍ مهمٍ، كيف تغلقينه هكذا؟ ظهر على وجهه بعض الامتعاض ونظر نحوها بحدةٍ...
-أعلم أنكَ تقوم بحفظ البيانات كل دقيقتين على الأكثر لذا لا تكبر الموضوع لم يُمسَح شىءٌ.... أجابته ببرودٍ استفزه، زفر طويلاً ليتمكن من العودة إلى حالته الطبيعية، خلع نظاراته الطبية ثم رسم على وجهه ابتسامةً صفراء وقال لها: نعم، ماذا تريدين؟....
-فكر معى فى عذرٍ لكى لا أذهب إلى دعوة الليلة، أنا أتحملها بصعوبةٍ فى وقت العمل هنا، ليس إلى درجة أن اخرج للتسلية معها يعنى....
-هل هذا هو الأمر المهم الذى قاطعتِ عملى من أجله؟ قال مراد وهو يحاول المحافظة على هدوء أعصابه، ولكنه سرعان ما فقد هذا الهدوء وصرخ بها متابعاً: ما شأنى أنا إن ذهبتِ أم لا؟ ثم لماذا لا تقولين لها أنكِ مريضةٌ مثلاً؟ حلٌ سهلٌ وبسيطٌ....
-لماذا تصرخ فى وجهى؟ ثم لو كان الأمر بهذه السهولة لماذا كنتُ سأتعب نفسى بسؤال معقدٍ مثلكَ؟ لا أستطيع لاننى لو فعلتُ هذا مريم لن تذهب وأنا أريدها أن تذهب، هل استوعبتَ المشكلة أم لا؟؟
-أنتن النساء تحببن تعقيد الأمور، حقاً أنتِ تحبين النكد يا فريدة...، مادام الأمر كذلكَ اذهبى ببساطةٍ، وبشأن نيريمان لا تجلسى معها، ابقى معى أنا، هل تمَ الأمر هكذا؟ هل لديكِ أى مشكلةٍ أخرى؟
-لحظة هل ستذهب أنتَ؟ لماذا لم تقل منذ البداية؟ هكذا لا مشكلة سآتى معكَ... قالت فريدة بابتسامةٍ
-ولماذا فرضتِ أننى لن أذهب؟ كلاهما صديقاى ووجها لى الدعوة...
-لأنكَ كئيبٌ يا عزيزى، المهم حللنا المشكلة...
-فريدة.... قال مراد بهدوءٍ وهو يضغط على يده ثم تابع: أخرجى...، ولا تدعينى أراكِ حتى المساء اتفقنا
-تمام تمام لا تغضب، أصلاً الذنب على من يعتبركَ إنساناً ويتناقش معكَ... قالت بضيقٍ وهى تسير نحو الباب....
-لا تعتبرونى إنساناً، دعونى وشأنى......
.........................................................
-.... متأكدةٌ أن هذا هو المكان؟ سألت فريدة وهى تنظر من النافذة على المبنى صغير الحجم الذى توقفت سيارة الأجرة أمامه...
-..أجل، هذا هو العنوان الذى أرسله يوسف... أجابتها مريم وهى تسلم السائق بعض العملات النقدية ثم ترجلتا سوياً من السيارة...
-أظن أننى زرتُ هذا المكان من قبل... قالت فريدة وهى تحاول التذكر، ما لبثت أن تناست الأمر وأخذت تعدل شعرها المموج والذى قامت بتلوين بعض خصلاته باللون الأزرق –بشكلٍ يتماشى مع الأجواء الليلية-، وما إن دخلتا المكان حتى خلعت فريدة السترة السوداء المصنوعة من الجلد الفاخر؛ والتى كان يتوارى أسفلها ثوبها الأزرق ذو الفصوص الفضية، وأكملت مظهرها بحذاءٍ أسود ذى كعبٍ عالٍ...
...أما مريم فانشغلت بمشاهدةٍ التصميمات البسيطة –وفى ذات الوقت المميزة- والأضواء الفخمة التى تغطى هذا المكان الهادئ؛ على العكس من الأجواء الصاخبة المعتادة فى مثل هذه الأماكن، على الرغم من أن ملابسها كانت كلاسيكيةً- على غير العادة-؛ إلا أنها اتسمت بلمحة البساطة خاصتها-، ومع إصرار فريدة فقد تخلت عن نظاراتها الطبية، وتركت شعرها مُحرراً يتطاير مع نسمات الهواء....
أخذت كلٌ منهما تنظر حولها بحثاً عن المجموعة حتى تمكنت فريدة من رؤية ثلاثتهم يجلسون سوياً امام إحدى الطاولات، سارتا نحوها لينتبه يوسف إليهما؛ ويبتسم بخفوتٍ لملاحظته وجودها على عكس توقعاته
-ولكن، لم اكن أعلم أن القمر يظهر فى الأماكن المغلقة أيضاً... خرجت هذه المغازلة اللطيفة من يوسف لفريدة بينما نهض من مكانه وأمسك كفها مقبلاً إياه بلطفٍ.
-ليس إلى هذه الدرجة، ومع هذا أشكركَ... ابتسمت له بلطفٍ....
-يعنى أعتذر على المقاطعة ولكن أرجو أن ينتبه السيد المحترم إلى تصرفاته الليلة فقط، لا تنقصنا مشاكل أخرى.. قالت نيريمان ببرودٍ وهى تنظر فى هاتفها...، ابتسمت لها فريدة وقالت: نمزح يا عزيزتى، ألا تجيدين المزاح..؟
-ليس المهم رأيي، عدسات الكاميرا لا تعترف بالمزاح.....
لم تعقب فريدة وإنما اتجهت لتجلس بجوار مراد، الذى أدار وجهه فى الاتجاه المقابل بضيقٍ...، أما مريم فاكتفت بقولها: مساء الخير... ثم تحركت فى الاتجاه المقابل لتجلس بجوار نيريمان...
مال يوسف على مراد وهمس قائلاً: كنتُ أمزح فقط، لا داعى للغيرة يا صديقى...
-توقف عن الهذيان وحاول التصرف مع هاتين الاثنتين قبل أن تشتبكا ثانيةً...
زفر يوسف مطولاً ثم قال محاولاً تلطيف الأجواء: بما أن حضرة الطبيبة شرفتنا بالحضور سنودع المشروبات هذه الليلة...
-أنا لن أشرب فى كل الأحوال لدينا عملٌ فى الغد، وفريدة لن تشرب أيضاً... قال مراد بهدوءٍ
-وما شأنكَ أنتَ إن شربتُ أم لا؟ ثم تابعت بصوتٍ مرتفعٍ وهى تنظر ليوسف: دعكَ من هؤلاء الأطفال، ماذا سنشرب نحن؟...
-...مع الأسف يا فريدة لن يتم تقديم أى مشروباتٍ كحوليةٍ لكم الليلة... التفتت نحو مصدر الصوت المألوف بالنسبة لها وهتفت بدهشةٍ: فاتح؟؟ ماذا تفعل هنا؟
-هذا المكان يديره صديقى، ألا تذكرين أتينا هنا من قبل؟ قال بابتسامةٍ ثم ألقى التحية على جميع الموجودين، تبادل بعض النظرات المبهمة-والممتعضة فى نفس الوقت- مع يوسف؛ الذى قال له ببرودٍ: تفضل اجلس معنا...
ابتسم له فاتح ابتسامةً صفراء ثم جلس بجوار مريم؛ التى ابتسمت له وصافحته بلطفٍ...
...وهنا عاد يوسف يهمس لمراد قائلاً: هل أنا اشعر أم أنه لا يحبنى؟
-...شعوركَ فى محله هذه المرة.... أجابه مراد بصوتٍ منخفضٍ....
-هذان لماذا يتحدثان بودٍ هكذا؟ ما ينقص فقط أن ينهض ويحتضنها... تابع يوسف بانزعاجٍ
... ابتسم مراد وقال له: يمزح فقط، لا داعى للغيرة يا صديقى....
زفرت نيريمان بمللٍ ثم تركت الهاتف ورفعت رأسها؛ لتتغير ملامح وجهها وتقول: وأنا كنت أقول ماذا ينقص هذه السهرة...
-ماذا تقصدين؟؟ سألها يوسف بحيرةٍ
لم تجب وإنما اكتفت بأن اشارت له برأسها للأمام...، التفت حيث أشارت لتتسع عيناه من هول المفاجأة وهو يرى المجموعة القادمة نحوهم والمكونة من أربع فتياتٍ وشابين...، لم تكن مريم منتبهةً فى البداية؛ فقد كانت منشغلةً بالعبث فى هاتفها، حتى لفت انتباهها ارتفاع الأصوات حولها، رفعت رأسها لتتفاجأ بتلك الفتاة التى سحبت يوسف من ذراعه لينهض من مكانه ثم تحركت مبتعدةً عنهم قليلاً، رفعت حاجبيها وهى تقول: ماذا يحدث هنا؟؟
-ضيوفٌ غيرُ مرغوبٍ بهم يا حضرة الطبيبة... أجابت نيريمان ببرودٍ وهى تراقب المشهد أمامها؛ حيث أن تلك الفتاة مالت على يوسف معانقةً إياه بحرارةٍ....
-من هذه؟ سألت فريدة بدهشةٍ وهى تمسك أحد الكئوس التى وضعها النادل على الطاولة..
-يعنى أنا لا أذكر اسمها تحديداً؛ ولكنها كانت على علاقةٍ بيوسف ولا أذكر متى..
-وماذا عن ذات الرأس الأحمر تلكَ؟ تابعت فريدة شرب العصير وهى تراقب الوضع...
-وتلك أيضاً كانت حبيبته لمدة يومين منذ فترةٍ؛ وما زالت تسعى خلفه ولكنه يهرب منها.... أجابت نيريمان وهى تمسك كأساً هى الأخرى وترتشف منه القليل...
-ماذا تنتظرون من زير نساءٍ مثله؟ حقير... قال فاتح بضيقٍ وهو يضغط على قبضتيه...
-ومن تكون هذه أيضاً؟ أخيراً خرج صوت مريم التى كانت مكتفيةً بالمراقبة الصامتة...؛ عندما لاحظت تلك السمراء ممشوقة القوام؛ والتى يوحى مظهرها بكونها عارضة أزياءٍ قد خرجت من إحدى المجلات، كانت طويلة القامة حتى عند مقارنتها بيوسف، وبالتالى فهى اكثر طولاً من مريم بكثيرٍ...
-هذه يا عزيزتى أكثرهن غباءً وإزعاجاً، ميرا هانم...، وأعتقد أنها آخر فتاةٍ مرت عليه فى الفترة الأخيرة
تابعت مريم مراقبتها وهى تسند ذراعها برفقٍ على كتف يوسف، ثم اقتربت منه وطبعت قبلةً رقيقةً على وجنته، استدارت بعدها فى ذات اللحظة لتنظر بشماتةٍ إلى نيريمان...
-ليمسكنى أحدكم قبل أن أسحبها من شعرها المنكوش... قالت نيريمان وهى تحاول التحكم فى أعصابها
-لا داعى لا تتعبى نفسكِ بالنهوض.. سألقى عليها حذائى من هنا، حتى ربما يصيب يوسف ونتخلص منه هو أيضاً.... قالت فريدة بملامح لا توحى بالخير، يسرع مراد قابضاً على كفها ويقول: فريدة تمام لا يجوز....
-لا بل يجوز، حتى أن هذه هى الطريقة الوحيدة للتعامل مع هذه الأشكال...
لم تبدِ مريم أى ردة فعلٍ؛ فهى دائماً جيدةٌ فى الحفاظ على ثباتها الانفعالى، ربما كان الشىء الوحيد المعقد بالنسبة لها والذى لم تستطع تفسيره هو ذلك الشعور المتصاعد داخلها بالانزعاج من هذا المشهد ومن تلك الحسناء، على النقيض تماماً من رغبات نيريمان وفريدة فى تلقين تلك الفتاة درساً فهى لم تكن تفكر فى هذا، الشىء الوحيد الذى رغبت فى فعله هو أن تنهض وتسحبه بعيداً عن أولئك، أن تقبض على يده الدافئة وتخرج بصحبته من هذا المكان المزعج..
...بالانتقال إلى الطرف الآخر حيث كان هو يحاول التخلص من تلك المجموعة السمجة، اكتفى ببعض الابتسامات الصفراء والتى توحى بصراحةٍ عن عدم رغبته فى متابعة هذه الأحاديث السخيفة، وبتلقائيةٍ حانت منه التفاتةٌ نحو الخلف؛ لتلتقى عيناه بعينيها الزرقاوين؛ صحيح... لم ينتبه للأمر قبل قليلٍ ولكنها لا ترتدى تلك النظارات التى تحجب موج عينيها الصافى؛ كم ود لو تطول هذه اللحظة؛ ولكنها قطعتها عندما شخصت بصرها أرضاً ونهضت من مكانها بحجة أنها ترغب فى استنشاق بعض الهواء النقى....
...ظل يتبعها بعينيه بنظراتٍ خائفةٍ حتى توارت عن الأنظار...
أنت تقرأ
مريم♥️... " قيد الكتابة والتعديل اللغوي"
Romance"...مريم -هذا على حسبِ ما تعلم-؛ ابنة الميتم؛ مجهولةُ الأصلِ...؛ أحلامها كانت أبسطَ من أى فتاةٍ فى مثلِ عمرها...؛ مجردُ شعورٍ -ولو لمرةٍ واحدةٍ بالدفء..- ...وإذا به يقتحمُ حياتها المبعثرةَ... ليقلبها رأساً على عقب؛ حلمٌ بالنسبةِ لكثيرٍ من الفتياتِ...