فتحت مريم الباب ودخلت البيت، لقد كان يوماً واحداً فقط ولكنها اشتاقت للحياة التى تبعثها فريدة فى المكان، الضوء،صوت التلفاز، ورائحة الطعام الشهىِّ، أبدلت حذاءها بآخر منزلى ثم دخلت غرفة المعيشة..... -مساء الخير.
-مريم،كيف حالكِ؟ اعتذر جئت هكذا بلا موعد... قال فاتح وهو يصافحها
-يمكنكَ أن تأتى متى تحب..
-لقد إنتهيت... قالت فريدة التى خرجت لتوها من المطبخ لتلاحظ وصول مريم
-جيدٌ أنكِ وصلتِ قبل أن يبرد الطعام، ما حالتكِ هذه؟ ماذا فعلتِ بنفسكِ فى يومٍ واحد؟ متأكدةٌ أنكِ لم تأكلى شيئاً منذ الأمس...
-اهدأى، أنا بخير، فقط لم أتخلص من الصداع منذ أيام.
-تمام،هيا بدلى ملابسكِ وتعالى بسرعة....
أومأت برأسها ثم سارت إلى غرفتها........
.....أما يوسف فقد صف سيارته أمام بوابة القصر، ترجل منها ثم دخل إلى البيت......
-أهلاً بعودتكَ يا بنى، كيف كان الاجتماع؟
-جيدٌ جداً يا عزيزتى، أين أمى؟
-تنتظركَ فى غرفة الطعام، هيا أسرع قبل أن يبرد..
-تمام، سلمت يداكِ.. قال لها بابتسامةٍ لطيفة ثم دخل لغرفة الطعام....
-مساء الخير... اتجه إلى والدته والتقط كفيها مقبلاً إياهما، كيف حالكِ يا عزيزتى؟
-بخيرٍ يابنىَّ، هل يجوز أن تتركنى هكذا بلا أخبارٍ منذ الأمس؟ تمام تستطيع أن تبقى عند صديقك وقتما تشاء، ولكن أعلمنى على الأقل، لقد قلقت عليكَ كثيراً.
-أعتذر حقاً،لقد كنت مشغولاً جداً ونسيت أن أفتح الهاتف.. أفلت يديها ثم جلس على الكرسىِّ المجاور لها.
-مباركٌ على نجاحكَ با بنىَّ، هذا هو ولدى.. قالت بفخرٍ
-تقصدين أتمنى لكَ التوفيق فى عملكَ الجديد، قبل أن أنهى الحالىَّ حتى.
-أى عملٍ؟ماذا يعنى يا صالح؟ سألت أمينة وهى تنظر لزوجها باستغراب...
-لا أفهم لمَ تكبرون الأمر؟ الجميع يقوم بعدة أعمالٍ فى نفس الوقت،أم أن علىَّ أن أعطيكَ استراحةً لمدة شهرٍ بعد كل عملٍ تقوم به؟
-على فكرة أنا أستطيع أن أنفذ عملين معاً،بشرط أن يكون كلاهما فى مجال دراستى،ما شأنى أنا بالأمور المالية؟
-لا تتشاجرا على المائدة،تمام يا عزيزى يوسف لا يقصد أن يغضبكَ..
-لا تتدخلى أنتِ.. قال صالح ببعض الغضب،تسأل عن علاقتكَ بالأمور المالية، لأنكَ أيها السيد المحترم.. عاجلاً أم آجلاً ستجلس على كرسىِّ مجلس الإدارة، لهذا يجب أن تجيد كل شىءٍ،حتى لا تضيع تعب كل تلك السنوات التى بذلتها فى هذه الأعمال،هل فهمتَ ما أريده؟
....ثم هدأت حدة صوته قليلاً وتابع: أنا ليس لدىَّ شكٌ فى مهاراتكَ أبداً، فقط أخشى من تهوركَ واندفاعكَ، أبسط مثالٍ أنكَ غضبتَ اليومَ منى وغادرتَ مباشرةً، هل يجوز لشخصٍ سيصبح مديراً فى يومٍ ما أن يترك مكانه فقط لأنه غاضب؟
أطرق يوسف رأسه بحزنٍ ثم أجاب: أنت محقٌ، تمام سأبدأ به ولكن فى الغد لأننى لم أحضر الأوراق معى.
-الملفات فى غرفتكَ، أخذتهم من ليلى بعد خروجكَ وأحضرتهم معى،صحيح إلى أين ذهبتَ أنت؟
-ليس إلى مكانٍ معين، تجولت قليلاً والتقيتُ نيريمان.
-ولماذا لم تحضرها معكَ،لم أرها منذ مدة؟ سألت أمينة
-أخبرتها ولكنها اعتذرت لكى لا تترك والدها وحيداً، ستأتى هى لزيارتكِ بنفسها..
أومأت أمينة بتفهم ثم عاد كلٌ منهم إلى طعامه..
............... ....... ............
-ما سر هذه السعادة اليوم؟ قال طارق لابنته التى تجلس بجواره على المائدة..
-لا شىء، أنا سعيدةٌ من أجل يوسف،أخبرنى أن الفكرة أعجبتكم،خرجنا معاً اليوم،ولكن يبدو أن عمى أعطاه عملاً جديداً.
-أجل،بصراحةٍ هذا الشاب يدهشنى دائماً،لديه مهاراتٌ رائعة ولكنه لا يجيد استغلالها،وهذا ما يحاول صالح فعله،يحاول أن يضعه على الطريق الصحيح،سيتعلم كل شىءٍ رويداً رويداً...
-أجل،وأنا أثق به...
-على ذكر يوسف،لقد تحدث صالح معى اليوم،بشأن إعلان خطبتكما رسمياً... قاطع كلامه سعالٌ قوىٌ من نيريمان التى كانت تحمل كأساً من الماء
-هل أنتِ بخيرٍ؟ماذا حدث لكِ يا صغيرتى؟
-ب بخير،بخير.. قالت وهى تلتقط أنفاسها بسرعة..ولكن ألا ترى الأمر مبكراً قليلاً يا أبى؟
-لماذا؟أنتما أصدقاء طفولة يعنى لا تقولى أنكما تحتاجان وقتاً للتعرف على بعضكما البعض..
-ألا تلاحظ أن الإجابة موجودةٌ داخل سؤالكَ،نحن أصدقاء طفولةٍ،يعنى نحتاجُ وقتاً لنتأقلم على الوضع الجديد..
-هل أنتِ قلقةٌ بشأن علاقات يوسف الكثيرة؟إن كان الأمر كذلكَ فلا تفكرى به،جميع الشباب يمرون بمثل هذه المراحل.
-تمام وهل يعرف يوسف بالأمر أم تنوون مفاجئته يوم الخطوبة؟
-لا شكَ أن والده تحدث معه قبلى،ماذا تقولين؟
-لو كان يعلم لكان أخبرنى اليوم عندما قابلته ثم تابعت بين فى داخلها:كان سيخبرنى لنفكر فى حلٍ لهذه المصيبة....
-لا شكَ أنه أراد أن أخبركِ أنا لكى تفكرى على راحتكِ.
أومأت له برأسها بعدم اقتناع ثم قالت:لنتابع الطعام الآن ونفكر بهذا فيما بعد.... ......
**************************
-...يعنى باختصارٍ،إما أن أجد عملاً هنا بسرعة،أو أن نخسر أنا وفاتح الدعم المادىَّ الذى تقدمه لنا عائلتنا، وبالتالى..
-وبالتالى تضطران للعودة إلى أزمير وتتزوجان... قالت مريم وهى ترتشف قليلاً من كوب الشاى خاصتها
-بالضبط، لا أستطيع التفكير،لو كان الأمر متعلقاً بى فقط لتابعت العناد ولكن... تابعت بحزنٍ:عنادى هذه المرة سيرمى بمستقبلى وبمستقبل فاتح أيضاً فى خطر
يتظاهر أن الأمر لا يهمه،ولكنه تردد كثيراً عندما هدده أبى بقطع دعمه المالىِّ
-فريدة،فى أسوأ الظروف لا أرى أن زواجكِ بفاتح سيكون سيئاً،حتى لو لم يكن مبنياً على الحب،لو كنتُ مكانكِ لما فرطت فى رجلٍ وقف حتى أمام والدى لأجلى....،فاتح لم يتخلى عنكِ، لا تتخلى أنتِ عنه..
تنهدت بهدوءٍ وهى تضع الكوب على الطاولة
-لا تقلقى سيكون كل شئٍ بخير.. قالت مريم بأملٍ،.. والآن ماذا تنوين أن تفعلى؟
-سأخرج من الصباح وأقدم فى جميع الشركات التى أعرفها والتى لا أعرفها،ربما يبتسم لى الحظ مع أحداها.
-كانت هناكَ مربيةٌ فى الملجأ الذى عشت به،كانت تقول دائماً إن مقدار حظ الإنسان فى الحياة كمقدار جماله، أنتِ جميلةٌ جداً لذا أثق أن القدر يخبأ لكِ حظاً كبيراً.
-كم أنتِ حلوةٌ يا مريم، أنا محظوظةٌ لأن لدىَّ صديقةً مثلكِ،أنا متأكدةٌ أن الحياة ستبتسم لكِ..
ابتسمت مريم بخفوتٍ وشردت قليلاً، لتنتبه لها فريدة وتقول:يبدو أنها ابتسمت لكِ حقاً،ألن تخبرينى؟
-أخبركِ بماذا؟
-عن الذى شردتِ به،من جعلكِ تبتسمين الآن،الذى يزين منزلنا الصغير بالأقحوان منذ عدة أيامٍ..
-الأمر ليس مهماً كما تظنين... قالت مريم بهدوءٍ كما أننى لا أريد أن أؤلم رأسكِ بحكاياتٍ سخيفةٍ...
-أنا أريد أن أسمعكِ... قالت فريدة وهى تحتضن الوسادة الصغيرة وتنظر لها باهتمام......
..............لا أصدق أن الذى تتحدثين عنه هى يوسف ديميرهان الذى نراه فى العناوين الرئيسية،حقاً يجب أن
لا نصدق كل ما نسمعه،اتضح أن المشاهير أيضاً أشخاصٌ طبيعيون مثلنا.
-كما أنه مزعجٌ أيضاً،لقد ظل يثرثر حتى نام،لا أظن أنه أنهى مشروعه فهو لم يعمل حتى لنصف ساعةٍ...
-ألم تسألى عنه بعد الاجتماع؟
-لا،لا أعرف رقمه أصلاً...
-وتقول أيضاً لا أعرف رقمه،مريم عزيزتى هل أنتِ معتوهة؟كان معكِ طوال اليوم ولم تتبادلا الأرقام؟
-لم تكن هناك فرصة،ثم بأى صفةٍ أسأل عنه ؟ولماذا أسأل أنا عنه ولا يسأل هو عنى؟أنا كان لدىَّ امتحانٌ..
-لا،النقاش معكِ عديم الفائدة أصلاً،بصفتكما تعدان أصدقاء يا عزيزتى،أصدقاء،ليس لشىءٍ آخر،وحسب ما أعرفه لا يهم من يسأل عن الآخر بين الأصدقاء،المهم السؤال فى حد ذاته...
-حسناً إن رأيته مرةً أخرى سأسأل عنه.. قالت مريم ببرود
-أنا لن أتعب نفسى معكِ أكثر،وأنتِ اذهبى للنوم،يبدو أن عقلكِ توقف عن العمل من كثرة السهر...
-وأنتِ بخيرٍ يا فريدة... قالت مريم بابتسامة ثم نهضت كلتاهما إلى غرفتها....
....جلست مريم على الفراش تعبث بهاتفها،تفكر فى كلمات فريدة-ليس المهم من يسأل عن الآخر،المهم هو السؤال فى حد ذاته-،تنهدت بضيقٍ وهى تتابع تصفح صفحتها الشخصية على أحد مواقع التواصل الاجتماعي،انتقلت إلى مربع البحث وكتبت بعض الأحرف،لينتقل إلى صفحةٍ أخرى،أخذت تتصفح الصور المتواجدة،كلام فريدة صحيح،يبدو مختلفاً فى الصور عن يوسف الذى تعرفه..،تابعت مشاهدة الصور وهى تحدث نفسها:أوف،ما الذى تجعليننى أفكر به يا فريدة.
........... أما يوسف فكان يجلس على الأريكة فى غرفة المعيشة،وبجواره والدته،وعلى الكرسىِّ المقابل والده يحمل إحدى الصحف،دخلت توركان وهى تحمل صينية عليها أكواب الشاى،وأخذت تناولها لهم واحداً تلو الآخر حتى وصلت إلى يوسف..
-أعددت لكَ الشوكولا الساخنة...
-أشكركِ كثيراً،كنت أحتاج شيئاً حلواً.. تناول الكوب منها ثم أعاد وضع السماعات فى اذنيه، اخذ يتنقل بين حساباته المختلفة ليصل إليه إشعار رسالة جديدة
-من هذا؟أحدٌ يريد التعرف علىَّ.، فتح الرسالة وقرأ محتواها.."كيف كان الاجتماع؟اتمنى أن تكون الأمور سارت بخيرٍ.."
نقل بصره إلى اسم المستخدم،..مريم.....
-لا أصدق... قال بصوتٍ أشبه بالصراخ،وانفلت الكوب من يده لينسكب محتواه عليه ويسقط الكوب على الأرض متحطماً..
-ماذا حدث؟انتبه إليه الجميع ...كان يبعد القميص عنه حتى لا تلامس الحرارة جسده
-هل احترقت؟هل أنت بخيرٍ؟ قالت والدته بقلقٍ بينما اقتربت توركان منه بخوفٍ
-بخيرٍ،لا تقلقوا،قال بعدم انتباه وهو ينظر إلى هاتفه،
..سأذهب لأبدل ملابسى،أنا آسف سببت الفوضى فى المكان هنا.... تابع كلامه وهو ينهض مغادراً
-لا مشكلة... أجابت بحَيْرةٍ،هل أحضر لكَ مرهماً للحروق؟ هز رأسه بمعنى لا ثم قال:تصبحون على خير.....، وهم ينظرون فى عقبه بدهشة
-ما به؟ تساءل صالح
-لا أدرى،حقاً لا أفهم متى سيكبر هذا الولد...
........دخل غرفته وأغلق الباب بسرعة،ثم اعاد فتح الرسالة مرةً أخرى
-لا يمكن،يعنى هذه مريم التى أعرفها؟مستحيل
ضغط على علامة الصفحة الشخصية وقرأ البيانات
-إنها هى،كلية الطب.. قال بابتسامةٍ ساذجة..تطمئن علىَّ كم هى لطيفة
ضغط على مربع الرسائل وبدأ بإدخال بعض الحروف..
...نعود من جديدٍ إلى مريم التى تمسك هاتفها وتقرأ الرسالة التى كتبتها عدة مرات
-ماذا فعلتُ أنا؟ماذا يعنى أن أرسل له رسالة،كم أنا غبية
قاطع حوارها مع نفسها رنين الهاتف،رقمٌ غير مسجلٍ لديها، فتحت الخط قائلةً: مرحباً..
-أعجبتهم الفكرة،وسأتابع العمل عليها،وأنتِ كيف كان امتحانكِ؟
-يوسف... قالت بصوتٍ هادئ،يحمل بعض الخجل..
-بنفسه،لا تنسى أن تحفظى الرقم...
-كيف عرفت رقمى؟
-لنقلْ أن لدى طرقى الخاصة،لم تجيبى كيف كان الامتحان؟
-كان جيداً الحمد لله،فرحتُ لأجل مشروعكَ
-وأنا فرحتُ لسماع صوتكِ،حقاً اشكركِ كثيراً...
-لم أفعل شيئاً،لا داعى للشكر..أجابت بخجلٍ،كيف حالك؟
-تقريباً بخيرٍ، عدا هذا الحادث الصغير..
-أى حادثٍ؟لم أفهم..
-لا تهتمى،ليس أمراً مهماً،غداً عطلةٌ،سترتاحين قليلاً.
-للأسف لا،سأذهب إلى العمل فى الصباح الباكر، لا يوجد راحةٌ،ولكن لا مشكلة...
-أحبُ تفاؤلكِ هذا،ابقى هكذا دائماً،اتفقنا؟
-تمام.. أجابت بهدوءٍ.. تصبح على خيرٍ
-وأنتِ بخيرٍ......
أنت تقرأ
مريم♥️... " قيد الكتابة والتعديل اللغوي"
Roman d'amour"...مريم -هذا على حسبِ ما تعلم-؛ ابنة الميتم؛ مجهولةُ الأصلِ...؛ أحلامها كانت أبسطَ من أى فتاةٍ فى مثلِ عمرها...؛ مجردُ شعورٍ -ولو لمرةٍ واحدةٍ بالدفء..- ...وإذا به يقتحمُ حياتها المبعثرةَ... ليقلبها رأساً على عقب؛ حلمٌ بالنسبةِ لكثيرٍ من الفتياتِ...