ترى كم يومًا مضى حتى اللحظة؟ كم عليها أن تحتملَ شعورها هذا بالذنبِ تجاهه؟ بل... كم عليها أن تحتملَ هذا الشوقَ إلى عناقهِ الدافئ..؟
مؤخرًا صارَ الجميعُ يعاملها بغرابةٍ؛ ربما لأنهم كانوا ينتظرونَ عودتها عن قرارها فى أيةِ لحظةٍ... ليت هذا ما حدثَ، ولكنها للأسفِ مضطرةٌ إلى متابعةِ السيرِ فى هذا الطريق المعتمِ... وحدها..
من يدرى ربما يبتسم لها الحظُ مجددًا وتقابله مرةً أخرى... فى نهاية المطافِ...
أغلقت بابَ غرفتها بهدوءٍ فى هذا الصباحِ المثلجِ..؛ يبدو أن فريدة لم تستيقظ بعد...
صحيح على ذكرِ فريدة؛ لا تبدو بخيرٍ هى الاخرى هذه الأيام؛ بسبب ذلكَ الموضوعُ الذى فاجأها به والدها -العريس..- والذى تعجز عن مشاركته مع مراد حتى الآنَ..
حسنًا ها هى فائدةٌ أخرى اكتسبتها بالفطرةِ من كونها يتيمةً مجهولةَ النسبِ؛ لا أحدَ يملكُ الحقَ فى فرضِ اختياراته عليها..
... أثناءَ تفكيرها هذا كانت تقفُ فى المطبخ تسكبُ القهوةَ فى فنجانها الحرارى؛ عليها أن تذهبَ إلى عدةِ اماكنَ اليوم وبالتالى ستحتاجُ القهوةَ بكميةٍ أكبر و...
تحتاجُ شيئًا يبعثُ الدفءَ فى أوصالها فى هذا الجو الجليدى.
.... خرجت نحو وجهتها الأولى.. الساحلُ لتسيرَ قليلاً كما اعتادت؛ الهواءُ البارد يساعدها على الاستفاقةِ بشكلٍ أفضلَ عوضًا عن ساعاتِ أرقها الليلى.. والتى صارت تستغلها فى البكاءِ وحدها، أو استعادةِ ذكرياتها الحلوةِ مع يوسف...
حسنًا والآنَ... الوجهةُ التاليةُ، ليستْ بالأمر المحببِ إليها خاصةً فى هذه الظروفِ ولكن.. لا يمكنها ردُ طلبِ تلكَ المرأةِ الطيبةِ التى عاملتها بشكلٍ جيدٍ فى لقائهما الصغيرِ والوحيدِ..
هبطت من الحافلةِ ثم تابعت السيرَ حسبَ ذاكرتها؛ جاءت إلى هنا مرتينِ فقط، ها هى بوابةُ القصرِ العملاقةُ هناكَ... تحركت بخطوات بطيئةٍ إلى أن وصلت إلى ذلكَ الرجلِ كبيرِ السنِ الجالس بجوارِ البوابةِ..
-صباح الخيرِ.. تحدثت بابتسامةٍ واسعةٍ..
-صباحُ النورِ، ألستِ الآنسةَ التى جاءت مع السيدِ الصغيرِ منذُ فترةٍ؟
...هل يقولونَ عنه السيد الصغير حقًا؟.. قالت لنفسها بمرحٍ قبلَ أن ترفع صوتها وتجيبَ: أجل، ذاكرتكَ جيدةٌ يا سيدى... على كلٍ أنا جئتُ اليومَ من أجلِ السيدة توركان..
-أجل لدى علمٌ.. تفضلى يا ابنتى.. وبسرعةٍ فتح لها البوابة ثم قامَ بإرشادها نحو الداخلِ... حيثُ كانت توركان فى استقبالها..، أخذتها بين ذراعيها بحنانٍ حقيقىٍ وهى تقولُ: كيف حالكِ يا ابنتى؟
-بخيرٍ ... شكرًا لكِ يا سيدة توركان.. ابتسمت مريم بلطفٍ وهى تنظر إليها لتعقبَ الأخرى بمعاتبةٍ: لا أحبُ التكليفَ أرجوكِ.. يمكنكِ أن تقولى خالة أو حتى توركان فقط كما يفعلُ يوسف...
هزت مريم رأسها بصمتٍ، ربما فى هذه اللحظةِ عادَ يوسف إلى ذاكرتها مجددًا... بعفويتهِ ومرحه الفطرى..
كم كانَ قضاءُ الوقتِ برفقتهِ كنسماتِ الصيفِ الباردةِ..
...صمتها هذا لفت انتباه توركان التى تابعت حديثها: حقًا لا يغيبُ عن مخيلتى شجاركما الطفولى بشأنِ موضوعِ عملكِ... على كلٍ أنتِ انتظرينى هنا ولن أتأخر عليكِ..
-ولكن... قالت مريم بترددٍ، لو انتظرُ فى الخارجِ سيكونُ أفضلَ...
تنهدت توركان بهدوءٍ قبلَ أن تجيبها: الجو باردٌ.. كما أنه لا داعى حقًا فوالد يوسف ووالدته فى سياحةٍ قصيرةٍ ولن يعودا قبلَ الغدِ، ويوسف لا يستيقظُ فى مثلِ هذا الوقتِ أبدًا... حتى ولو كانت نهاية الدنيا لا ينهضُ من مكانهِ... لذا انتظرينى لنشربَ شيئًا سويًا.. إذا لم يكن لديكِ محاضراتٌ بالطبعِ..
-المحاضرةُ الأولى تمَ إلغاؤها لذا ما زال لدى ساعتانِ تقريبًا.. شكرًا لكِ يا خالة....
وهنا خرجت توركان من المطبخِ تاركةً مريم التى سحبت أحد الكراسى وجلست عليهِ... ابتسمت بسذاجةٍ وهى تعودُ بعقلها إلى ذلكَ اليومِ.. يومَ ذهبا للبحثِ عن عملٍ سويًا...
"-...أعِدْ علىَّ ما قلته ثانيةً؟ نادلةٌ.. تريد أن تُعينَ طبيبةً كنادلةٍ؟.. تحدثَ يوسف بسخريةٍ وهو يحدقُ فى الرجلِ الواقف أمامه... طريقته العدوانيةُ لم تسمحْ لها بالحديثِ، على الرغمِ من عدمِ اعتراضها كليًا على الوظيفةِ فهى...-أفضلُ من لا شيء..-
-هذا ما لدى، وعلى فكرة أنا احترمتُ أنكَ قلتَ أن الآنسة طبيبةٌ ولم أعرض عليها وظيفةَ غسلِ الصحونِ..
-هذا ما كان ينقصُ حقًا....، ضغطَ على أصابعهِ بقوةٍ قبلَ ان يتابعَ بنزقٍ: أيها الأستاذُ المحترمٌ... أليسَ هذا فندقًا؟ لمَ لا تعطيها وظيفةً فى الحساباتِ او حتى الاستقبالِ؟ هل كلُ اختياراتكَ أسوأ من بعضها هكذا..؟ ما رأيكَ أن تعينها فى خدمةِ الغرفِ أيضًا؟
-ولمَ لا؟ أجابَ الرجلُ بلا تفكيرٍ؛ هل يناسبكِ يا آنسة؟
-يا إلهى والمغفلُ يسألها أيضًا... يا ربى امنحنى الصبرَ كى لا أفتحَ رأسه... قام بسحب مريم من ذراعها ليجعلها خلفه ثم تابعَ بانزعاجٍ: لا شأن لكَ بها أنا من يخاطبكَ هنا... ثم هل أقولُ لكَ شيئًا؟ لا نريدُ منكَ عملاً أو ما شابه...
-أووف... يوسف هلا تأتى لحظةً؟ قالت له بهمسٍ ثم أشارت للرجلِ الغاضبِ أن ينتظرَ قليلاً؛ تحركا قليلاً يبتعدانِ عنه لتبادر مريم بغضبٍ: هل لى أن أفهم ماذا تحاولُ أن تفعلَ؟... ثم لماذا تمنعنى من الحديث؟ بأى حقٍ أصلاً تتدخلُ فى عملى واختيارى..؟
-لا تجعلينى أصرخُ فى وجهكِ أنتِ الأخرى، ألم ترى الرجلَ كيفَ يعرضُ عليكِ هذه الوظائفَ لمجردِ أنكِ فتاةٌ صغيرةٌ فى السنِ و... سكتَ لحظةً قبلَ أن يتابعَ: جميلةٌ..
...أجل لم يكن تعقيبه هذا ملائمًا للوضعِ ولا للموقفِ..؛ أبعدَ بصره قليلاً عنها وهو يتنهدُ بانزعاجٍ...
...وكأنه لا يفهمُ أن ذلكَ الحقيرَ يريدها كواجهةٍ أمامَ الزبائنِ...
-حسنًا هل يمكنُ أن تهدأً قليلاً؟ أنا سأتكلمُ هذه المرةَ وإذا لم يعجبكَ سنغادر اتفقنا؟ من الجيدِ أنها تمكنت من الحفاظِ على هدوئها لمسايرةِ غضبه واندفاعه... ربما هذا ليسَ من عادتها أبدًا؛ ولكنها حقًا كانت تنوى الامتثالَ لكلامهِ...
هز رأسه موافقًا وقد ارتخت عضلاته المشدودة قليلاً، ليعودا مجدداً إلى ذلكَ الرجلِ وتقولَ مريم: ألا يوجدُ لديكَ أى عملٍ آخرُ يا سيدى؟
-يوجد طبعًا، ما رأيكِ لو تصبحينَ مديرةً بدلاً عنى؟ هل تسخرانِ منى أنتما الاثنانِ؟..
-لا أنتَ بدأتَ تتجاوزُ حدكَ حقًا؛ لتبقَ هذه القمامةُ لكَ...
-اخرجا من هنا بسرعةٍ...
-سنخرجُ المكانُ بشعٌ أصلاً... قال هذا بسخريةٍ بينما التقط كف مريم بين أصابعه، أضافَ قبلَ أن يخرجَ من المكانِ: صحيح نسينا أن نتعرفَ فى البدايةِ..
يوسف ديميرهان... إلى اللقاءِ... بدأ يسيرُ نحو الخارج وكفُ مريم ما زالت ملتصقةً بأصابعهِ... تاركًا ذاكَ الرجلِ بينَ دهشتهِ... وحسرته لضياعِ تمويلٍ كان يمكنُ أن يحصلَ عليهِ بسهولةٍ إذا قبلَ بتوظيفِ صديقةِ الثرى العابثِ؛ ابن الطبقة المخمليةِ..
أنت تقرأ
مريم♥️... " قيد الكتابة والتعديل اللغوي"
Romance"...مريم -هذا على حسبِ ما تعلم-؛ ابنة الميتم؛ مجهولةُ الأصلِ...؛ أحلامها كانت أبسطَ من أى فتاةٍ فى مثلِ عمرها...؛ مجردُ شعورٍ -ولو لمرةٍ واحدةٍ بالدفء..- ...وإذا به يقتحمُ حياتها المبعثرةَ... ليقلبها رأساً على عقب؛ حلمٌ بالنسبةِ لكثيرٍ من الفتياتِ...