الفصل السادس... 2

315 32 11
                                    

فتحت مريم باب منزلها وأشعلت الضوء،سكونٌ مخيفٌ خيَّمَ على المكان يبعث الشعور بالوحشة،انتعلت حذاءها المنزلىّ ثم وضعت أغراضها على الأريكة واستلقت بجوارها، لا تشتهى طعاماً أو أى شىء آخر، عليها أن تبقى مستيقظةً حتى الصباح، وعليها أن تنهى دراستها، وعليها أيضاً أن..........
.........أزاحت كوم الأفكار ونهضت لتأخذ حماماً دافئاً لتعود لوعيها وتفكر بهدوءٍ.....
أما فريدة فقد خرجت مع فاتح من غرفةِ والدها بعدما اطمأنت عليه، يبدو بصحةٍ جيدةٍ، أخبرها أن سبب مرضه -المفاجئ- هو ارتفاع الضغط ليس إلا، وأن والدتها ضخمت الأمر كعادتها،سلك كلٌ منهما طريقه نحو غرفته،فريدة تحتاج قسطاً من الراحة بعد هذا اليوم المشحون بالتوتر،وفاتح مع شكوكه التى يكاد يصبح متأكداً منها بوجود غرابةٍ فيما يلاقيانه منذ الصباح-أو على الأغلب قبل ذلك - ....... 
................................
خرجت مريم من غرفتها بعد أن أنهت مكالمتها مع فريدة وقد ارتاحت نوعاً ما،كانت تجفف شعرها المبلل وهى فى طريقها للمطبخ لتعد كأساً من الشاى يبعث فيها الدفء فى هذه الليلة الخريفية الباردة، خرجت من المطبخ إلى غرفة المعيشة التى اختارتها لتكون مقراً للدراسة، جلست على الأريكة ثم رفعت ذراعيها ممسكةً بخصلاتها المبتلة تجمعها للأعلى،التفتت حولها تبحث عن دبوس شعرها دون جدوى،التقطت أحد أقلامها وحاولت تثبيته به، نجحت إلى حدٍ ما ثم أمسكت كتابها-رفيقها الذى سيؤنس وحدتها فى ليلتها الطويلة-............
-أين توقفت يا ترى؟  أخذت تحدث نفسها وهى تقلب الصفحات بسرعة لتتوقف عند ضالتها،تابعت القراءة مدةً ليست بقصيرة لتتثاءب بعدها فى ضيقٍ ومللٍ
-ما زال هناك الكثير... قالت وهى تتصفح المتبقى بلا اهتمام ثم تابعت: لا يهم،كأن لدىَّ شيئاً آخر لأفعله
فى ذات اللحظة التى أنهت فيها عبارتها سمعت صوت جرس الباب....
نهضت باستغراب،فريدة قالت أنها لن تعود اليوم،وهى لم تكن تنتظر ضيوفاً،ربما كان أحد الجيران، كانت هذه الفكرة المنطقية الوحيدة التى خطرت بعقلها،ليتوقف سيل الأفكار مع رنين الجرس مجدداً،انتعلت حذاءها واتجهت للباب،تعثرت قدمها فى درجةٍ صغيرةٍ أمام الباب ونتيجة لهذا سقطت نظاراتها، تنهدت بضيقٍ وهى تنحنى لتلتقطها ليسقط القلم الذى كان يثبت شعرها -فى ذات الوقت يرن الجرس مرة أخرى- ...
-أوووف، تمام قادمة.
اعتدلت من جديد لتفتح الباب وهى تحاول إمساك شعرها الطويل، فتحت الباب بانزعاجٍ واضحٍ على ملامح وجهها لتصطدم بابتسامةٍ تعرفها جيداً وعينين احتارت فى لونهما من قبل ومع هذا أقرَّتْ بجمالهما.....
-ي..يوسف بيه....!!  قالت بدهشةٍ وهى تحدق به، أفلتت يدها لتسقط خصلاتها البندقية على ظهرها وجانب وجهها .....
-كيف حالكِ؟ قال بذات الابتسامة..
عادت لوعيها وأجابت بسؤالٍ آخر: ما الذى جاء بكَ لهنا؟
-هل يعقل أن توجهى مثل هذا السؤال لضيفٍ أيتها الطبيبة؟ على فكرة لا تجيدين التعامل مع الناس، أستطيع أن أعلمكِ إن أردتِ ....تابع كلامه بمرحٍ.
-لم أقصد..، يعنى استغربتُ زيارتكَ، و.. فى مثل هذا الوقت.  أضافت هذا الجزء بصوتٍ أكثر انخفاضاً ، صحيح كيف عرفت مكان البيت؟
تجاهل انزعاجها من وقت الزيارة واكتفى بالإجابة على سؤالها: أوصلتكِ من قبل، هل نسيتِ؟ دعكِ من هذا الآن،هل سنتكلم كثيراً على الباب هكذا؟ألن تدعينى للداخل؟؟
ترددت للحظاتٍ قبل أن تقول باستسلامٍ:و هل يمكننى الرفض؟
-مع الأسف لا يوجد مثل هذا الاختيار.. أجاب وقد اتسعت ابتسامته أكثر ...
تنحت جانباً وهى تمسك بمقبض الباب، دلف يوسف للداخل ثم مد إليها باقةً عملاقة من الأقحوان كان يحملها بيده الأخرى
-مجدداً؟ ألا تمل أبداً؟
-ما العلاقة؟هذه هديةٌ لأننى آتى الى منزلكِ أول مرةٍ،ليست من أجلكِ يعنى.
نظرت إليه بغيظٍ ليبتسم ويقول وهو يميل عليها قليلا: كلما رأيتُ الأقحوان تخطرين أنتِ فقط على بالى..،ثم مد يده ليزيح الخصلات المتناثرة على وجهها، أحمرت وجنتاها قليلاً وبتلقائية تراجعت للخلف وهى تتابع ترتيب شعرها،أما هو فتابع مراقبتها،إنها المرة الأولى التى يتسنى له فيها رؤية عينيها بوضوح،موجٌ ضارب يُغرِقُ الناظرين،تاه بداخلها كالغريق الباحث عن طوق نجاة....، التفتت إليه ليشيح نظره عنها بسرعة
-ألن تدخل؟ قالت بضجرٍ
-أنتظر أن تعطينى حذاءً منزلياً مثلاً .
-اه، لا لا داعى تفضل.
-كما تريدين .... دخل المنزل لتغلق هى الباب وتشير له نحو غرفة الجلوس
-بالتأكيد هى صغيرة جداً مقارنةً بمنزلكم،أرجو أن تكون ملائمةً لمقامك. قالت بهدوءٍ-نبرتها أوحت له ببعض السخرية-..
-أجل صغير،ولكنه جميلٌ ودافىٌ.. قال بابتسامةٍ صغيرةٍ
جلست مريم فى مكانها على الأريكة ثم قالت له:تفضل بالجلوس؛ جلس على الأريكة المجاورة وهو مازال يتلفت حوله...
-هل تعيشين وحدكِ هنا؟
-لا،إحدى صديقاتى تعيش معى،ولكنها ليست فى اسطنبول الآن.أومأ بتفهم لينتبه لها وللكتب التى تمسكها
-صحيح ماذا تفعلين أنتِ؟
-ألا يبدو أننى أدرس؟ أجابت دون أن تنظر إليه
-فهمنا هذا،أعنى لماذا تدرسين؟ قال بانزعاجٍ
تنهدت بضيقٍ ثم نظرت له وقالت:أنتَ فى العادة لماذا تدرس مثلاً؟هل يمكن أن يكون السبب أن لديك امتحاناً فى الغد؟
-دعكِ منى فأنا لم أكن أدرس أصلاً، ليس هذا الأمر الذى أحاول الوصول إليه.
-أرجوك، دماغى لا يستوعب أصلاً،لذا اسأل ما تريد بوضوحٍ
-تمام تمام.. قال وهو يضحك بخفة،ما أردتُ قوله؛ هل  مازلتِ طالبة؟
-أجل،هل لديكَ مشكلة؟ قالت بنبرةٍ مرتفعةٍ بعض الشىء
بدأت ضحكاته تزداد تدريجياً،... وأنا أظنكِ طبيبةً، وجعلوكِ تعالجيننى،والحال أنكِ مازلتِ طفلةً..... ثم تابع الضحك ...، نظرت إليه بغضب واضح ولم تجب وإنما تابعت النظر لكتابها،.. أما هو فقد استشعر غضبها لذا توقف عن الضحك وقال: لا تنزعجى أمزح معكِ فقط
-لا يهم.
-أخبرينى كم عمركِ؟   نظرت إليه لتراه يبتسم بهدوءٍ
-اثنان وعشرون.. أجابت بهدوء. والآن هل أستطيع أن أدرس إن لم يكن لديكَ أسئلةٌ أخرى؟
-تمام،تابعى أنتِ وأنا سأراقبكِ بهدوء هنا....................
نظرت إليه بعينين ضيقتين ثم قالت:متأكدةٌ أنكَ ستجلس بهدوءٍ...
-أنا أصلاً فى العادة أكون هادئاً لأقصى حد،لا يشعرون بوجودى فى المنزل..
-اه واضحٌ جداً. أومأت بلا اهتمام
-حتى هل تعلمين؟أمى كانت تخشى أن أكون مصاباً بالتوحد؛بسبب قلة كلامى طبعاً.
-كانت محقةً فى قلقها...
-وإحدى صديقاتها قالت لها أن.....................
..........................
-هاتفه مغلق...  قالت أمينة بضيقٍ وهى تبعد الهاتف عن أذنها
-لا، هذا كثيرٌ،كثيرٌ جداً.. قال صالح بشىءٍ من العصبية ،
تغاضيت عن تأخره فى الصباح،وعن عبثه وعدم اهتمامه بالعمل الذى كلفته به،ولكن السيد غادر الشركة منذ زمنٍ ولم يعد للمنزل، وفوق هذا هاتفه مغلق،من يدرى أى مصيبةً يقوم بها الآن.
-تمام أنت اهدأ،هذا خَطِرٌ عليك. قالت أمينة محاولةً تهدئته،ربما ذهب للقاء أحد أصدقائه،أو خطيبته مثلاً
ضحك صالح بسخريةٍ ثم أردف:أرجوكِ لا تدافعى عنه،لقد تساهلت كثيراً مع هذا الولد،سأرى عملى معه ولكن بعد اجتماع الغد،اتصلى بخطيبته واسأليها إن كانت تعرف مكانه.
-حسنا.. قالت أمينة وهى تلتقط الهاتف من جديد...
.........فى ذات الوقت كانت نيريمان تجلس مع والدها فى غرفة المعيشة،فى حالةٍ من الصمت إلى حدٍ ما، ليقطع والدها الصمت بقوله:صغيرتى.
-تفضل يا أبى. قالت وهى تترك الهاتف.
-كيف حالكِ أنتِ ويوسف؟هل تتفقان جيداً؟
-أجل،نحن بخير،لماذا تسأل؟
-فقط أطمئن عليكِ يا عزيزتى
توقف الحوار على صوت رنين هاتف نيريمان،نظرت إليه لتبتسم وتقول:الخالة أمينة،سأجيب....
-خالتى كيف حالكِ،اشتقت لكِ كثيراً
-وأنا اشتقتُ لكِ أيضاً،لم تأتى مع يوسف لزيارتنا منذ فترة.
-معكِ حق،سامحينى،كيف حال عمى؟
-أنا اتصلت من أجل هذا أصلاً،إنه غاضبٌ لأننا لا نستطيع الوصول ليوسف،هل رأيته بعد أن غادر الشركة؟
-لا لم أره،ولكننى تحدثت معه،قال أنه سيقضى الليلة عند مراد، لا داعى للقلق.
-اه فهمت،تقولين أنه عند مراد-تقاصدت قول هذا بصوتٍ مرتفع-،حسناً يا ابنتى شكراً لكِ وكما قلت أنتظركِ فى أقرب فرصةٍ
-إن شاء الله.  قالت نيريمان بهدوء،إلى اللقاء...
أغلقت أمينة الخط والتفتت لصالح بضيق
-هل رأيت؟إنه عند مراد،توقف عن الضغط عليه.
-أنا أضغط عليه؟ سترين فى الغد كيف سأضغط عليه.
قال بنظراتٍ لا توحى بالخير...  ........
.......................................
أما فى منزل مريم حيث يثرثر يوسف منذ وقتٍ طويل، كانت مريم تحاول تجاهله وهى تحدق بورقةٍ صغيرة.
-......وقررت فى النهاية أن لا أكمل التصميم.
أومأت له برأسها دون ردٍ
-صحيح أنتِ تنظرين فى هذه الورقة منذ نصف ساعةٍ تقريباً،هل هى صعبةٌ إلى هذا الحد؟
-يعنى انتبهت أخيراً أنكَ تتحدث منذ أكثر من نصف ساعة؟ثم لماذا لم تغادر حتى الآن؟
-لا تحاولى،   قال وهو يسند رأسه على ظهر الأريكة،لقد وعدتُ نفسى أن لا أنزعج اليوم من أى شىء.
أخذت تتنفس بعمقٍ ثم قالت:أرجوك،ابقَ هادئاً بعض الوقت، مازال هناك الكثير لأراجعه.
وجه بصره نحوها ليرى ملامحها المرهَقة،كانت تسند  رأسها بكفها الأيسر،وتمسك الورقة بيدها الأخرى، وتنظر فى أحد الكتب بحثاً عن إجابة،ابتسم بهدوءٍ ثم نهض من مكانه ليجلس بجوارها..
-م..ماذا تفعل؟
-أعطينى هذه الورقة.. قال وهو يسحب الورقة من يدها، يبدو أنكِ لا تعرفين شيئاً عن الطب يا صغيرة.
ألقى نظرةً سريعة عليها ليقول: ماهذا؟كيف تقرئين هذا الكلام؟
-يبدو أنك تريد المزاح ولكن أنا حقاً مشغولة،هلا تعيدها إلىَّ لو سمحت؟  قالت وهى تحاول استعادتها،رفع يده بعيداً ثم قال:انتظرى قليلاً،ااه عرفت
ناولها الورقة ثم التقط أحد كتبها وأخذ يقلب صفحاته بسرعةٍ
-هلا تركت أشيائي؟أريد أن أدرس.
لم يهتم لأمرها وإنما تابع التصفح بعشوائيةٍ ليتوقف  أمام إحدى الصفحات.
-الإجابة هنا. مد يده لها بالكتاب وهو يبتسم.
-لا أنت فقدت عقلكَ حقاً. أخذت الكتاب وهى تقول: انهض من هنا بسرعةٍ هيا.
-أوف أنتِ مملةٌ حقاً ولا تجيدين المزاح. قال بضيقٍ مصطنع، أشارت له بيدها بمعنى أن يبتعد وهى تنظر إلى الكتاب لتتبدل ملامحها فجأة.
-مستحيل،لا أصدق.
-ماذا؟ قال ببعض القلق.
-صحيح،هذا هو.. نظرت إليه بابتسامة ثم تابعت: الإجابةُ هنا حقاً.
-كيف هذا؟ قال وهو ينظر لها ببلاهة..،لقد قلت لأبى أصلاً أنه كان يجب أن اكون طبيباً، كم أنا شخصٌ رائع أليس كذلك؟
-بلى أنتَ رائعٌ حقاً. قالت وهى تبتسم له وتمسك كفه بخفة ثم تابعت:هل تعلم أننى أفكر فى الحل منذ يوم الحادث؟
نظر لها بعينين شاردتين، كانت تبدو سعيدةً حقاً-وعلى ما يبدو هى غيرُ مدركةٍ أنها تمسك يده- ،ضغط على يدها بتلقائية لتنتبه هى له.
سحبت يدها بحرجٍ وأخذت تتلفت حولها بتوتر،أما هو فانفرجت ثنايا شفتيه عن ابتسامةٍ هادئة.
-ماذا ستفعلين الآن؟ قال وهو يحك مؤخرة رأسه بكفه.
-سأعد لنا القهوة ثم أتابع.
-لحظة،هل قلتِ-لنا-؟تعنين نحن الاثنين؟
-هل يوجد هنا أحدٌ غيرك؟كنت أنوى طردك ولكن غيرت رأيي،ثم ألم تقل أن لديكَ مشروعاً يجب أن تسلمه غداً؟هل هو معك؟
-أجل. أجاب باستغراب، الأوراق فى السيارة،ولكن لماذا تسألين؟
-إذن هيا اذهب وأحضرها،وتابع الرسم هنا.
-هل أنتِ جادةٌ؟قال بدهشة.
-أجل، هيا أحضرهم قبل أن أغير رأيي..
-لا لا تغيريه،لن أتأخر أكثر من دقيقتين. قال وهو ينهض بسرعة نحو الباب،كانت تنظر إليه بابتسامةٍ ثم أخذت تحدث نفسها بعد ذهابه
-لماذا قلتُ له أن يبقى؟ما الذى أفعله؟..قاطع حوارها مع نفسها بدخوله مجدداً
- جئتُ بسرعةٍ قبل أن تعودى لطبيعتكِ وتغيرى رأيكِ.
-لا تقلق،هيا اجلس فى المكان الذى تريده وأنا سأعد القهوة بسرعة.
نهضت لتتوجه نحو المطبخ ليوقفها بصوته:انتظرى أنا سأعدها،اجلسى أنتِ هنا وانتظرينى.
-لن تستطيع،هيا لا تُتعِبنى،سأحل الأمر فى دقيقتين وآتى.
-غير ممكن،ثم ماذا تعنين بأننى لن أستطيع؟أنا أعددت القهوة هذا الصباح. ثم أضاف بلهجةٍ آمرة:قلت أنا سأصنعها و انتهى.
-كما تريد،إن لم تعثر على شىءٍ نادنى..
-لا تقلقى،سيكون كل شىءٍ على ما يرام.. قال بزهوٍ وهو يدخل المطبخ.
-أرجو هذا،مع أننى لا أعتقد.. قالت بصوتٍ منخفضٍ.
..........................................
جلس مراد  على الأريكة فى شقته الفخمة؛ والتى يعيش فيها وحيداً،يحتسى كأساً من الشاى بإحدى يديه
،وبالأخرى يحمل هاتفه،ليتصل بصديقه يوسف للمرة العاشرة تقريباً،محاولاته كلها انتهت بالنتيجة ذاتها
-لا يمكن الوصول للرقم الذى تحاول الاتصال به- ...
زفر بضيقٍ ثم ألقى الهاتف بجواره وهو يقول
-أين أنت يايوسف؟ولا أستطيع أن أسأل والده،ربما لم يذهب للمنزل،ويستحيل أن أسأل نيريمان،إن لم يكن عندى أو فى منزله فهو حتماً يتسكع مع فتاةٍ ما، لقد سئمتُ من تصرفاته غير المسئولة،ليفعل ما يشاء.
.......    ........... ....... .......
-كانت مريم تتابع الدراسة قبل أن تتذكر غياب يوسف فى المطبخ منذُ وقتٍ طويل
-.....ماذا تفعل فى المطبخ كل هذا؟  ولكن لم تسمع رداً
-قلت منذ البداية ولكن لم تستمع إلى.. قالت بصوتٍ عالٍ وهى تدخل المطبخ لتتفاجَأ بالوضع
-ماذا فعلت؟؟
-صدقينى ليس ذنبى،أنت تخفين الأشياء هنا،لا أجد شيئاً.
-أريد أن أفهم شيئاً واحدا.. قالت وهى تحاول ألا تغضب ثم تابعت:جئتَ للمطبخ لتصنع فنجانين من القهوة،لماذا أرى جميع أوعية الطبخ على الطاولة؟
-كنت أبحث عن ماكينة القهوة،لم أجدها على المطبخ، أين تضعينها؟
-تبحث عن ماذا...؟ قالت مريم وقد بدأت تضحك
-ماكينة القهوة،ما الغريب فى الأمر؟
إلا أن مريم قد ازدادت فى الضحك وهى تنظر إليه، ليجيبها بنظراتٍ مستفهمة،توقفت عن الضحك ثم قالت وهى تمسك وعاءً صغيراً بيدها: هذه ماكينة القهوة خاصتنا،لهذا قلتُ أنكَ لن تستطيع.
-لم أكن أعلم..  قال بدهشة،يبدو غريباً،علِّمينى كيف أصنعها..
-حسناً ولكن أولاً أعِدْ هذه الأواعى إلى مكانها.
-فيما بعد...
-لا بل الآن،فريدة ستتشاجر معى إن أفسدنا ترتيب المطبخ،هيا يا يوسف وسأعلمكَ القهوة بعد ذلك.
-ماذا قلتِ؟ قال وهو يبتسم لها
-لم أفهم،ماذا قلتُ؟
-لقد قلتِ اسمى بدون ألقابٍ،للمرة الأولى..
- آسفة،لم أقصد...  نظرت للأسفل بخجلٍ..حقاً لم....
-قوليه ثانيةً....قال بصوتٍ منخفض لترفع هى بصرها نحوه،كان ينظر إليها مُحَفِزاً إياها لتكراره ثم تابع: إن قلتيه مجدداً سأرتب المطبخ،وقد أنظف لكِ الشقةَ كلها.
-لا أريد منك شيئاً أنا سأجمعها... بدأت تحمل الأطباق والأوعية المُبَعثَرة،تحاولُ ألا تنظر إليه،ابتسم على طفولتها،أخذ يجمع الأشياء معها حتى أصبح المكان مُرَتباً بعض الشىء.
-والآن دور القهوة...
-أجل،هيا أمسك هذا. مدت مريم يدها له بالوعاء الصغير،سأريكَ كيف تصنع ألذ قهوةٍ فى العالم...
............************************
-......هل هذا ما تقولين عنه ألذ قهوةٍ فى العالم؟ قال يوسف وهو يرتشف قليلاً من فنجانه
-ليس ذنبى،ألست أنتَ من أفسدها؟ قالت مريم بضحكٍ ليضحك يوسف لها ويتابع:أعترفُ بهذا،ولكن الموقد أصبح فى حالٍ يُرْثى لها.
-جيدٌ أنك ذكرتنى،سأنظفه قبل أن تأتى فريدة.
-هل هى طبيبةٌ مثلك؟  قال وهو يسند ذراعه على الأريكة ويُريحُ رأسه عليها.
-لا،لقد درست المحاسبة،وهى تعمل فى شركة.....،يعنى كانت تعمل هناك حتى الأمس.
-ماذا حدث؟
-أضاعت بعض الأوراق فاتهمها المدير بالإهمال وقام بطردها،الأمر لا يدخل عقلى أصلاً،يبدو مريباً.
-لم أفهم،ألم يكن هناك نُسخةٌ أخرى لهذه الأوراق؟
-وهذا ما لم أستوعبه،قالوا تعطل الجهاز الرئيسى أو ما شابه.
-هذه سخافةٌ،ماذا يعنى تعطل الجهاز الرئيسى؟وفى شركةٍ كبيرة؟لا شكَ أن هناكَ أحداً وراء هذا الأمر.
-ربما،ولكن من يفعل هذا السوء؟كانت بحالٍ مزريةٍ بالأمس......  بينما كانت تتحدث وقعت عيناها على الساعة الجدارية....
-متى مضى كل هذا الوقت؟هل أرسلكَ المُمتَحِنون لتعطيلى؟
-وما شأنى أنا؟ثم أنكِ أنتِ من تحدثتِ هذه المرة..
وضعت الفنجان على الطاولة وتابعت: أنا سأبدأ ثانيةً،وأنتَ توقف عن الثرثرة وابدأ بالرسم هيا........ 
-تذكريننى بأمى،تفسدين تسليتى مثلها.
-إذن هيا اسمع كلام والدتك يا صغير.
-انظروا إلى من تنعتنى بالصغير،سأبدأ العمل ولكن ليس لأننى خائفٌ منكِ،بل خائفٌ عليكِ،لأننى غالباً سأطرد من الشركة والبيت،وبالتالى سأنتقل للإقامة عندكِ.
توقف عن الحديث،أمسك قلمه وانتقل ببصره إلى اللوحة البيضاء أمامه،أخذت الأفكار تتسلل إلى عقله رويداً رويداً،ليجد نفسه وقد بدأ برسم بعض الخطوط،وقتٌ غيرُ قليلٍ مضى،ومازال مستمراً،هو نفسه كان مندهشاً أنه يجلس دون تذمرٍ،كان يلتفت إليها بين حينٍ وآخر،كأنها من توحى إليه بالأفكار،لم يشعر بمرور الوقت،فقد كان يمضى بلطفٍ كنسمات الخريف الباردة-معها-، ابتسامةٌ صافية لاحت على محياه وهو يعترف لنفسه أنها صارت تشكل جزءً أساسياً من يومه...........
...فهمتُ عندما ابتعدتُ عنكِ
أننى أشتاقُ إليكِ
فهمت وأنا أنظر لعينيكِ
أننى لا أعيش إلا معكِ
فجأةً أصبحتِ حياتى كلها
وأشرقتِ كالشمس على لياليها
لا تبتعدى أبداً... فأنا بدونكِ لا شىء.
.   ...........................
خرج فاتح من غرفته إلى غرفة المعيشة،دخل بهدوءٍ ليرى زوجة عمه جالسةً تحتسى الشاى مع والدته،حيّاهما بابتسامةٍ باهتة.
-بنى تعالَ واجلس،لمَ بقيتَ واقفاً؟
-خالتى،سأسألكِ سؤالاً واحداً، وأرجو أن تجيبينى بصدق.
-كما تريد. قالت فريال باستغراب
-لماذا كذبتِ بشأن مرض عمى؟
-كيف تظن أنى أكذب فى أمرٍ كهذا؟
-دعكِ من المراوغة، الممرضة قالت أنه غادر صباح اليوم
فى نفس الوقت الذى أرسلتِ فيه الرسالة لفريدة،أنا لا أظن بل أننى حتى متأكدٌ من هذا،عرفتم بشكلٍ ما بأمر طرد فريدة-بفرض أنه ليس لكم يدٌ فى هذا الأمر أيضاً-....
كانت فريال تنظر إليه بصمتٍ،لا تبدى أى إيحاءٍ بالتوتر،
-كيف تتحدث بهذا الشكل مع زوجة عمك؟ صرخت به والدته بعنف
تجاهل صراخها وقال وهو يحاول ضبط أعصابه: على فكرة مازلت أتحدث بهدوءٍ،كما أننى لم أحصل على إجابةٍ بعد.
-ماذا يحدث هنا؟ -بصوتٍ ذكورىٍّ أجش لرجلٍ طويل القامة يبدو من هيئته أنه تخطى حاجز الخمسين.
-تعال وانظر إلى ابنكَ،صار يتطاول على عائلته هو الآخر.
-أمى أنا لم أخطئ بحقِ أحد،،أرجوكم قولوا أننى أتوهم،وأنكم لم تفعلوا بنا هذا.
-كيف تتكلم هكذا يا عديم التربية،أنت.....
-أجل فعلنا،وكما شرحتَ تماماً،وطبعاً لا ننسى دوركَ فأنتَ من جاء بها لهنا. قالت فريال بنفس الهدوء تحت أنظار فاتح الغاضبة،كيف يفعلون بنا هذا؟ليس إلى هذا الحد؟ - تلك الأسئلة لاحت بعقله-،سمع صوت ارتطام شىءٍ بالأرض،التفت للخلف ليرى هاتفها على الأرض، و هى واقفةٌ بلا حراك...
-فريدة.... قال بصوتٍ خافت وهو ينظر إليها برفقٍ
-أى نوعٍ من البشرِ أنتم؟أكرهكم جميعاً...
تساقطت قطراتٌ من الدموع من عينيها وهى تستدير تاركةً المكان،نحو غرفتها
-فريدة..... قال فاتح وهو يلحق بها ليجدها قد أغلقت الباب...، فريدة افتحى أرجوكِ،أقسم أننى لم أكن أعلم.
-فاتح،اذهب لا أريد رؤيتك.
-لن أتحرك من هنا حتى تقولى أنكِ تصدقيننى،وأنكِ تعلمين أننى يستحيل أن أفعل بكِ هذا.  قال وهو يسند ظهره على الباب،لم يسمع جواباً،فقط صوت صفير الرياح....،جلس على الأرض بيأسٍ وهو يدفن وجهه بين كفيه،تمضى عليه الدقائق كساعاتٍ طويلة..

مريم♥️... " قيد الكتابة والتعديل اللغوي"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن