على فكرة يمكنكَ أن تغادرَ إذا أردتَ، أستطيعُ تدبر الأمر وحدى
آاه.. قالَ متألمًا من برودةِ كيسِ الثلجِ الذى وضعه كريم على رأسه، والذى أجابه ساخرًا: واضحٌ جدًا أنكَ بخيرٍ.. ألم تسمع ما قاله الطبيب لكَ؟ يجبُ أن تبقى مستيقظًا هذه الليلة..
-حياتى حقًا هى المعنى الفعلى للبؤسِ والمصائب..، كأنه لا يكفينى أننى لا أعرفُ ماذا سأفعلُ فى اجتماع مجلس الإدارة غدًا، وأيضًا سأذهبُ إليه دون أن أنام...
يالَ سعادتى...
-تتذمرُ كثيرًا على فكرة.. لهذا لا يمكننى ترككَ للأسفِ؛ ابتسم قليلاً وهو ينظرُ فى ساعتهِ: هل أطلبُ لكَ القهوةَ معى؟
-ممكن، أصلاً كنتُ سأشربُ القهوةَ قبلَ أن يهاجمنى ذلكَ الحقير
-أعرفُ مقهىً يعملُ حتى الصباحِ، لنذهب إليهِ بدلاً من البقاءِ فى السيارةِ... هلا تتفضلُ بتثبيتِ كيسِ الثلجِ بنفسكَ؟
اكتفى بأن أزاح كف كريم اليمنى عن جبينه وضغط هو على كيس الثلجِ.. فيما بدأ الثانى يتحركُ بالسيارةِ...
...موقفٌ غريبٌ لم يكن يوسف ليتصورَ أن يقع فيه أبدًا، ذلكَ ال "كريم"... ييدو أنه حقًا شخصٌ جيدٌ كما كانت تقول مريم..
-لماذا تساعدنى؟ ألا يفترضُ أنكَ تكرهنى؟ خرج هذا السؤالُ من يوسف دون أى مقدماتٍ
-دعنا لا نسميه كرهًا؛ لنقل أننى لا أستلطفكَ فقط.. أجابه كريم بسخريةٍ... تحولت نبرته إلى الجديةِ بينما تابعَ: أنا طبيبٌ؛ تعلمنا فى الكليةِ أنه لا يجبُ أن يخلطَ الطبيبُ بينَ مشاعره وواجبه الإنسانى، لهذا أنا لا أعانى مشكلةً من هذا الجانبِ..
ليسَ متأكدًا ولكنه يعتقد أنه سمعَ كلمةَ -شكرٍ- خافتةً من يوسف، حسنًا هو حقًا يتذمرُ كالأطفالِ بكثرةٍ ولكنه ليسَ شخصًا سيئًا، ربما لهذا السبب أحبته مريم...
.......
-هل تعلمُ أننى ومريم انفصلنا منذ فترةٍ قصيرةٍ؟ تركَ يوسف فنجانه والملفَ الذى ما زالَ يحاولُ قراءته وتحدث ببساطةٍ؛ ليتركِ كريم هو الآخر كتابه ويحدق بيوسف بحيرةٍ؛ ترى ما الغرضُ من سؤاله؟ أهو يسعى للوصولِ إلى شىءٍ ما؟
لا.. مستحيل، يبدو ساذجًا ولا يحملُ مثلَ هذا الخبثِ..
-أجل أعلمُ، مريم أخبرتنى بشىءٍ كهذا.. أجابه بهدوءٍ
-إذن هل قامت بإخباركَ بالسببِ على الأقلِ؟ لأنها لم تتعب نفسها وتوضح لى شيئًا؛ ويبدو أنكما مقربانِ وتتحدثانِ فى كلِ شىءٍ..
حسنًا هذا الموقفُ مضحكٌ حقًا، يعلمُ أن يوسف يدركُ مشاعره تجاه مريم ولهذا ينزعجُ منه... ولكنه حقًا مضحكٌ للغايةِ وهو يغارُ بلا سببٍ...
يغارُ على فتاةّ من الواضحِ أنها لا تحبُ غيره..
-سأتجاهلُ هجومكً الأبله هذا لأن رأسكَ ليس بخيرٍ الآن، لم تقلْ شيئًا.. ولكن من الواضحِ أنها حزينةٌ..
-هذه حالتها وهى حزينة؟ يالسعادتى.. من يدرى ماذا كانت ستفعلُ بى لو كانت سعيدةً؟ نبرته كانت ساخرةً بوضوحٍ ولكنها.. إلى حدٍ ما تعطى انطباعًا بما تحويه داخلها من ألمٍ...
من يدرى إن كانت أحبتنى حقًا كما أحببتها أنا أم لا؟
...هل أوصلته إلى هذه الحالِ حقًا؟ أهذا الجالسُ أمامه.. هو زير النساءِ.. العابثُ.. يوسف ديميرهان؟
-لم تقلها أمامى صراحةً، ولكن الجميعَ يرى أنها تغيرت... ليست مريم التى نعرفها منذ اربع سنواتٍ..
ربما أنت لا ترى هذا ولكنك غيرتها حقًا... ولا أدرى كيفَ أقولها لكَ بمثلِ هذه الراحةِ...
أخذ ينظر إليه عده لحظاتٍ دونٍ أن يرمشَ.. هل إلى هذا الحد تبدو مريم معقدةً بالنسبة له فقط؟..
-ألاحظُ أنكم تخرجون وتستمتعون كالاشخاص الطبيعيينَ؟ أم أن خاصتى فقط التى تحب النكدَ والدراسة؟
سأل بمزاحٍ فى محاولة لتغيير الموضوع..
-أنتَ حقًا لستَ مدركًا لأى شىءٍ يا يوسف، كونكَ كنتَ تستطيعُ شرب القهوةِ مع مريم هو أمرٌ فشلنا نحن فى فعله طوال أربع سنواتٍ.. ابتسم بملل قبل أن يتابعَ: هيا كفَ عن تضييع الوقتِ وعد إلى عملكَ بسرعةٍ.
.......................................................
-مابكَ يا كريم صرتَ شاحبًا مثل مريم؟ هل سهرتَ طوالَ الليلِ أنتَ أيضًا؟
-تقريبًا... أجابها وهو يتثاءبُ ببطءٍ، كم بقى على وقتِ المحاضرةِ التاليةِ؟
-حوالى نصف ساعةٍ؟ على كلٍ هل أحضرُ لكَ القهوةَ معى؟
-إذا لم أتعبكِ... ابتسم لها بامتنانٍ لتغادر هى تاركةً إياه مع مريم التى تتابعُ القراءة فى كتابها..
تحركَ من مكانه قليلاً ليجلسَ على حافةِ الطاولةِ بجوارها وقال بهدوءٍ: أخبرينى هل تمكنتِ من حل موضوعكِ؟
رفعت رأسها نحوه بإرهاقٍ قبل أن تجيبَ: ليس بعد.. لا تشغل بالك بهذا الأمرِ..
-ما يشغلُ بالى ليسَ هذا أصلا ولكن أنتِ، لستِ بخيرٍ يا مريم.. صمتَ قليلاً ثم تابع: حتى هو ليسَ بخيرٍ..
وهنا تلتفتُ إليه مريم ببعض الاهتمامِ، اجابَ هو على سؤالها الذى توقعه تمامًا: رأيته ليلة الأمسِ.. ابتسم ساخرًا: حتى أننا قضينا وقتًا مسليًا للغايةِ..
-لماذا لم أفهم شيئًا؟
-لا تهتمى إنما شربنا القهوة سويًا فقط، ولكنه حقًا ليس بخيرٍ.. من الناحية الصحيةِ أقصد..
-لماذا؟ ما به يوسف؟ هل ستشرح لى بشكلٍ أفضل يا كريم؟
-ليسَ لدى ما أقوله ولكن يمكننى أن أفعل شيئًا من أجلكِ..
سحب الكتاب من بين يديها متابعًا: سأقومُ أنا بشرح حالة اليوم كاملة.. هذا بالطبعِ إذا أردت أن تهربى لبعضِ الوقتِ..
-أنتَ لا تمزح أليسَ كذلكَ؟
-لا أمزحُ، هيا غادرى قبل أن تعود سلمى وأنا سأتصرفُ..
-لن أتأخرَ، شكرًا لكَ يا كريم.. ابتسمت وهى تربتُ على كتفه ثم حملت حقيبتها مغادرةً المكانَ..
لا يدرى فعليًا لماذا فعلَ هذا، لماذا أخبرها ولماذا شجعها على الذهابِ إليهِ..
المضحك أنه ليس منزعجًا..
هل تخلى عنها حقًا؟
.........................................................
-فريدة هل نظرتِ إلى...
-أجل راجعته خمسين مرةً، الميزانيةُ جاهزةٌ والمشروع معدٌ كما اتفقنا... كفَ عن القلقِ بلا سببٍ يا عزيزى.. ابتسمت بلطفٍ ثم سحبته من يده محفزةً إياه للجلوسِ على الكرسى الخاصِ بها وجلست هى أمامه على حافةِ المكتبِ..
-لا تقلق سيكون كل شىءٍ بخيرٍ.. أنت اجتهدت كثيرًا فى هذا المشروعِ، سيعجبهم بلا اى شكٍ، أنا أثقُ بكَ..
-لينتهى هذا اليومُ فقط، وسأتحدثُ معكِ فى موضوعٍ مهمٍ لكلينا.. ابتسم بقلقٍ وهو يداعبُ وجنتها بإحدى يديه وبالأخرى يحتضنُ أصابعها..
تلكَ التى دخلت من الباب فجأةً هى ما لفت انتباهه؛ يا إلهى تبدو أكثر إرهاقًا عن آخر مرةٍ رآها...
ملامحها الجميلة تحوى فى طياتها قلقًا واضحًا..
-مريم، أهلا بكِ.. ابتسم لها مراد ببساطةٍ، التفتت فريدة نحوها وقالت بدهشةٍ: مريم.. ماذا تفعلين هنا؟
أجل لقد نسيت أن تبحث عن مبررٍ لمجيئها السريع فى مثل هذا الوقت... تحدثت بتلقائيةٍ: بعضُ الأوراقِ.. أعنى أتيتُ لأحضر ملفًا لطارق بيه، أينَ غرفته؟..
-ألم تكونى فى الجامعةِ؟ أية ملفاتٍ الآنَ؟ سألتها فريدة بعدم اقتناعٍ... ثم إن طارق بيه لا يأتى إلى هنا كثيرًا..
-لماذا تتساءلين إلى هذه الدرجةِ؟ لا شكَ أن طارق بيه أبلغها بقدومه إلى الاجتماعِ اليومِ.. ولهذا جاءت أليس كذلك يا مريم؟
-أجل.. هكذا.. أومأت لمراد بخفوتٍ.. أنقذها من الموقفِ السيئِ
-حبى هلا تحضرين لى شيئًا أشربه وأحضرى لمريم أيضًا... ما زال هناك بعض الوقت حتى الاجتماع..
-لا داعى كنت سألقى التحية عليكما فقط... أرادت أن تعترض إلا أن مراد أشار لفريدة بأن تذهبَ...
...أجل ها هى محاولته فى الانفرادِ بها قد نجحت..
ابتسم وهو يقولُ لها: لم تحتملى.. جئتِ لرؤيته أليس كذلكَ؟
-هل يهمكَ الأمرُ كثيرًا؟ تنهدت بلا مبالاةٍ.. ليجيبها هو واثقًا: لماذا تفعلينَ هذا به وبنفسكِ؟ هل أنتِ سعيدةٌ بما وصلتما إليهِ؟
-لستُ سعيدةً... والآن هل يمكننا إنهاءُ الحوارِ ؟... أرجوكَ أنا لا أريد التحدث فى هذا الموضوع أكثرَ..... تنهدت بتعبٍ ثم استدارت متجهةً نحو الباب؛ تابع الحديث بينما نهضَ هو الآخر من مكانه: تهربينَ؛ لم تتغيرى أبداً.. ما زلتِ جبانةً وتهربينَ من الحقيقةِ يا حضرة الطبيبة... ثم تابع بهدوءٍ أكثرَ وقد ارتخت ملامحه: ما زلتِ تحبينه...
-أنا لا أهربُ... عادت تقتربُ منه لتقف فى مقابلته تماماً؛... حركت سبابة يسراها أمامه متابعةً: فقط سئمتُ من كل شىءٍ...لم تعد لدىَ القدرة على المواجهة؛ لا طاقةَ لدى لأحارب فى علاقةٍ لا مستقبل لها، لماذا تستصعبُ الاقتناعَ بهذا؟ حتى صديقكَ لم يصرْ إلى هذه الدرجةِ..
-لأنكِ كسرته كثيراً؛ لم يكن ينتظر منكِ هذا.. طوالَ الوقتِ كان يحدثنى عن خوفه من أن يجرحكِ دون أن يقصدْ؛ والحالُ أنكِ أنتِ من جرحته... لماذا؟
...كم كان من الصعب أن تقفَ متماسكةً أمام هذا الكلام القوى الذى يوجهه لها...؛ هى تدركُ فى قرارة نفسها أنها المتسببة فى الحال السيئةِ التى يعانى منها يوسف هذه الأيام... هى السبب فى اختفاء حماسته التى كانت تميزه... هى السبب فى انطفاء الوميض الذى كان يشع من رماديته، هذا الوميض الذى كان ينير عتمة حياتها الكئيبة...
-لماذا أنتِ صامتةٌ ؟ حاول التخفيفَ من حدة صوته قليلاً؛ بينما تابع تفحص قسمات وجهها المبهمةِ؛ بالرغم من برودها الظاهرى إلا أنها تقضى لياليها إما شاردةً أو تبكى... هذا ما قالته فريدة؛ لماذا يبكى الإنسان على شخصٍ تركه بمحض إرادته؟..
كادت أن تتكلمَ إلا أن صوتَ الباب هو ما أنقذها؛ تلاه دخول ليلى المتعجل-لم تنتظر إذنه بالدخول حتى-
-أعتذرُ على المقاطعة... كانت تتحدث بين أنفاسها المتلاحقة-دلالةً على ركضها السريع-
-ماذا هناكَ يا ليلى؟...
-يوسف... ليس بخيرٍ..
-ماذا به؟ بنبرةٍ مرتعشةٍ سألتها مريم بينما استدارت نحوها...
-لا أعلم... كان يبدو نائماً وعندما حاولتُ إيقاظه لم يستجبْ لى بشكلٍ تامٍ... ليس طبيعياً...
...لم تنتظر مريم توضيحاً أكثر من هذا وإنما ركضت سريعاً نحو مكتبه؛ وخلفها مراد بصحبة ليلى...- والذى قال بصوتٍ مسموعٍ: سأفقد عقلى من هذه الفتاة...حقاً أنا لم أعد أفهم شيئاً...
أنت تقرأ
مريم♥️... " قيد الكتابة والتعديل اللغوي"
Romance"...مريم -هذا على حسبِ ما تعلم-؛ ابنة الميتم؛ مجهولةُ الأصلِ...؛ أحلامها كانت أبسطَ من أى فتاةٍ فى مثلِ عمرها...؛ مجردُ شعورٍ -ولو لمرةٍ واحدةٍ بالدفء..- ...وإذا به يقتحمُ حياتها المبعثرةَ... ليقلبها رأساً على عقب؛ حلمٌ بالنسبةِ لكثيرٍ من الفتياتِ...