الفصل الثاني والعشرون 2

204 25 11
                                    

لا أنتِ حقًا تمزحين يا فريدة. صدح صوت مريم بانفعالِ واضحٍ، في حين كانت الأخرى جالسةً أمام المرآةِ، مبتسمةً ببرودٍ، أثناء متابعتها العملَ الذي تقوم به –وضع تلكَ الصبغةِ ذات اللونِ الوردي على النصفِ العلوي من خصلات شعرها البنيةِ.
عادت مريم تتحدثُ ثانيةُ: فريدة هل أنتِ مدركةٌ أن الليلةَ خطوبتكِ وليست حفلةً في أحدِ النوادي الليلةِ؟ هل تعلمينَ معنى كلمة خطوبة تقليديةٍ فى المنزلِ؟
-بالطبعِ أعلمُ، ولكن ما المشكلةُ من إضفاء بعضِ البهجةِ على الأجواءِ؟ ألا يكفي أنكِ ويوسف تشعانِ كآبةً ونكدًا؟
-على فكرة يوسف لم يكن مكتئبًا، كان يسخر مني ويمزح بكلِ مرحٍ..
-جيدٌ.. منحتها فريدة ابتسامةً ذات مغزى قبل أن تتابعَ: إذن فقد تمكنَ أخيرًا من تخطي الأمرِ ونسيانكِ، هذا يعني أن يوسف ديميرهان على وشكِ العودة إلى الساحةِ من جديدٍ.
وهنا تسألها مريم بملامح مرتبكةٍ: ماذا تقصدينَ ب.. العودةِ إلى الساحةِ؟
-بالتأكيد أنتِ لا تتخيلينَ أنه سيظل يبكي على فراقكِ بقية حياتهِ.. هذا المنحرفُ زير نساءٍ، هل تدركينَ معنى هذه الكلمةِ؟
لوت شفتيها بانزعاجٍ قبل أن تشخصَ بصرها أرضًا، هل حقًا من الممكنِ أن يكون قد نسيها بهذه السرعةِ؟
شيءٌ من العبوس غطى وجهها؛ أجل هي في قرارة نفسها لم تكن مقتنعةً بأن حكايتها مع يوسف ستستمرُ طويلاً..
ولكن! الفراقُ صعبٌ مهما كنتَ مستعدًا له..
خرجت من شرودها على صوت فريدة تقول: لماذا انطفأ وجهكِ فجأةً هكذا؟ تخيلُ رؤيته مع أحدٍ غيركِ كان سيئًا للغايةِ اليس كذلكَ؟
-أنتِ ماذا تريدينَ أن تسمعي يا فريدة؟ سألتها بمللٍ أثناء سيرها نحو المرآةِ لتلقي نظرةً سريعةً على حالةِ بشرتها، يبدو أنها قد فقدت كثيرًا من الوزن حقًا كما قالَ يوسف..
تجيبها فريدة بلا اهتمامٍ: ليسَ المهمُ ما أريده أنا... حاولي أن تكوني صريحةً مع نفسكِ قليلاً، هل هذا الوضع هو ما كنتِ تريدينه حقًا؟
ثم انتقلت ببصرها نحو مريم الواقفة بجوارها، تنظر إلى انعكاسِ صورتها في المرآةِ بشرودٍ... جيدٌ، ربما تدركُ خطورة الوضعِ هكذا..
إلا أنَ حدسها قد خابَ وبامتيازٍ، إذ أن مريم تحدثت بعد صمتٍ طويلٍ لتقولَ: هل أنا أتخيلُ أم أن أنفي يبدو أكبرَ من الطبيعي؟
-أنا المخطئةُ لأنني أتعبُ نفسي معكِ، أجل يا عزيزتي.. بما أنكِ شارفتِ على الاختفاءِ، وجهكُ أصبح عبارة عن أنفٍ فقط..
............................................................
-إنها المرة الأولى في حياتي التي أرى فيها عروسًا بشعرٍ وردي، ولكن لأقولَ الصدقَ.. يليقُ بكِ.  ابتسمت نيريمان الجالسةُ على حافةِ الفراشِ في غرفةِ فريدة، الحقيقةُ أن إطلالتها تبدو غريبةً بالنسبةِ لعروسٍ ولكنها تبدو مميزةً
-تكبرون موضوع الشعرِ الوردي، إنها بضع خصلاتٍ فقط.. ولكن على كلٍ شكرًا لكِ،وأنتِ تبدينَ حلوةً للغايةِ.. ابتسمت لها فريدة عبرَ المرآةِ ثم انتقلت سريعًا إلى مريم لتتابعَ: أظنُ أن الأحذيةَ في الحقيبةِ التي في الأسفلَ، هل يمكنُ أن تحضريها؟ لا أريد أن تراني أمي حتى لا تصاب بسكتةٍ قلبيةٍ..
-سأفعلُ، ليسَ من أجلكِ ولكن لأنني أخافُ على الخالةِ فريال.. تركت مريم أحمر الشفاه ذا لونِ النبيذ أمام المرآةِ ثم خرجت من الغرفةِ، هبطت الدرجَ ببطءٍ وهي تنظرُ حولها، أينَ تركت فريدة تلكَ الحقيبةَ؟
ها هي هناكَ.. تابعت السيرَ حتى وصلت إلى مبتغاها، همت بالصعودِ مجددًا ليوقفها صوت جرسِ البابِ، تلاه خروج فريال من المطبخِ، والتي ما إن رأت مريم حتى ابتسمت قائلةً: جيدٌ أنني وجدتكِ، هل يمكنُ أن تفتحي الباب؟ أظن أنه فاتح فقد أرسلته لشراءِ بعضِ الأشياءِ.. سرعان ما عادت إلى المطبخِ بعد عبارتها هذه، تاركةً خلفها مريم التي اتجهت نحو البابِ وفتحته تلقائيًا..
هل نمت لحيته بعض الشيءِ؟ كيفَ لم تنتبه وقد كانت معه طوال نهار أمسِ؟
ربما لأنها كانت تتجنبُ النظرَ إليهِ..
سؤالٌ يطرحُ نفسه وبشدةٍ الآنَ، ترى.. هل يبدو أكثرَ وسامةً هكذا؟ غالبًا..
كان يبادلها ذاتَ النظراتِ الفاحصةَ، تلكَ ال...
تنفصلُ عنه ثم تزداد جمالاً، حتى مع كآبتها وإرهاقها..
ما زالت جميلةً..
لون النبيذ يليقُ كثيرًا على بشرتها الشاحبةِ، منذ متى وهي تستخدمُ مثل هذه الألوانِ الداكنةِ؟
-أعتذرُ على مقاطعةِ فقرةِ التأملِ الخاصة بكما، هل يمكنني المرورُ؟  خرجا كلاهما من شرودهما على صوتِ فاتحِ، والمرفَقِ بضحكاتٍ مكتومةٍ، وبتلقائيةٍ تنحى كلٌ من يوسف ومريم جانبًا، ليمضي هو متابعًا طريقه بعد أن رمقهما بنظراتٍ ذاتِ مغزى.
-هل.. تريد شيئًا؟  سألته بنبرةٍ متقطعةٍ وهي تحركُ رأسها، شرد يفكرُ بضع لحظاتٍ، ما الذي جاء به إلى هنا حقًا؟
-اه تذكرتُ، مراد طلبَ مني إحضارَ هذه لفريدة.. أكملَ كلامه وهو يخرجُ علبةً قطنيةً سوداءَ من جيبهِ ويمدها أمامها، أومأت له ثم التقطتها من بين يديه، تقولُ بهدوءٍ: أي شيءٍ آخرَ؟
-لا شكرًا، بالكادِ يمكنني الوصولُ حتى المطارِ لأحضرَ والد مراد..  أردف موضحًا، أراكِ فيما بعد.
ابتسمَ لها بلطفٍ ثم استدارَ مغادرًا، ليصلَ إلى مسامعه –مجددًا- صوت فاتح يقولُ: جيدٌ أنكَ لم تغادر بعدُ يا يوسف، تابع سيره نحو البابِ ثم مد يده بورقةٍ صغيرةٍ متابعًا: خذ هذه القائمةَ وأحضرْ الأشياءَ المكتوبةَ بها، مللتُ من كثرةِ الطلباتِ السخيفةِ التي يطلبونها مني منذ الصباحِ..
-لحظة لحظة، وما شأني أنا؟ ثم إن مراد يعاملني كما لو كنتُ عاملَ التوصيلِ الخاص به، يكفيني هذا القدرُ من الإهانةِ.
-على فكرة، تتذمرُ كثيرًا وتضيعُ الوقتَ بلا هدفٍ، على الأقلِ أثبِتْ أنكَ لستَ عديمَ الفائدةِ.. من يدري ربما تتغيرُ فكرتهم السيئةُ عنكَ.
لوى شفتيه بانزعاجٍ واضحٍ ثم انتقلَ ببصره نحو القائمةِ يتفحصها، لتضيقَ عيناه ثم يتحدثَ مندهشًا: ما هذا؟ لماذا أشتري عشرين كيلوجرامًا من الملحِ؟ ماذا ستفعلونَ به؟
-لا شكَ أنها إحدى الشعوذاتِ الخاصةِ بأمي وخالتي، لا تهتمْ أحضره دون سؤالٍ.. أجابه فاتح لا مباليًا، ليعاود يوسف الحديثَ: وبالنسبةِ لبذورِ الطماطمِ؟ هل لي أن أفهمَ ما فائدتها اليومَ؟
زفر فاتح بمللٍ مجيبًا: وما شأني أنا؟ إذا كان ينتابكَ الفضولُ يمكنكَ أن تدخلَ وتسألهم. هيا اذهب بالكادِ تستطيعُ إحضار كل هذا..  قال عبارته الأخيرةَ ثم سار نحو إحدى الغرفِ، تاركًا يوسف الواقف أمام البابِ يصارعُ غيظه الطفولي..
شعرت أنه قد شردَ مجددًا، حمحمت بخفوتٍ ليلتفتَ إليها، فتقولَ هي برفقٍ: هل تريد شيئًا آخرَ؟
هز رأسه نافيًا ثم ألقى عليها التحيةَ، لتومئ له ببطءٍ..
وقبلَ أن تغلقَ البابَ يعود هو للنظرِ نحوها مجددًا ويقول: مريم..
-ماذا هناكَ؟ أجابته بشيءٍ من الحيرةِ، ما كان منه إلا أن ابتسم متابعًا وهو ينظر إلى زرقاويها: الأسودُ... يليقُ بكِ.
.......................................................
الصمت هو سيد الموقفِ، العبارة الأدق لوصف المشهد الكائنِ في غرفةِ المعيشةِ بمنزلِ عائلةِ فريدة.
استطاع الحفاظ على هدوئه بصعوبةٍ بالغةٍ؛ كيفَ لا وهو يجلسُ الآنَ وحيدًا.. دونَ والده أو حتى أقرب أصدقائه؟
ربما لم يكن عليه أن يستمعَ لكلامِ يوسف حين طلب منه أن يسبقه ريثما يأتي هو بوالده من المطارِ..
كان يرفع رأسه بين فينةٍ وأخرى يتفحص ملامح الجالسين،
مضى الوقت ثقيلاً عليه حتى وصل إلى مسامعه صوت جرس الباب، وبتلقائيةٍ تنهض مريم كمتطوعةٍ لتفتحه، أخيرًا ستبدأ مراسم الليلةِ..
بضع ثوانٍ مضت حتى عادت إليهم مجددًا، خلفها يوسف الذي رمقه مراد بنظراتٍ لائمةٍ، فما كان منه إلا أن اتسعت ابتسامته أكثرَ، يدخلُ من خلفه والد مراد ثم...
-أمي. بهتت قسمات وجهه بينما نهضَ عن الكرسي وراح يحدقُ بها، غريبٌ أليسَ كذلكَ؟

مريم♥️... " قيد الكتابة والتعديل اللغوي"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن